عندما كنت فى الثلاثين من عمرى، أنشأت أول مشروع خاص بى فى مبنى صغير ذى واجهات تجارية بشارع "كينج" فى مدينة الإسكندرية بولاية فيرجينيا.

وعلى مدار الأعوام الاثنى عشر التالية، طورت هذا المشروع المتخصص فى الأثاث والمستلزمات المكتبية من متجر يعمل به شخصان إلى شركة تضم ما يزيد عن مائتين وخمسين موظفًا وتُدِرُّ عائدات سنوية تتجاوز الخمسين مليون دولار.

انصب تركيزى آنذاك على عناصر العمل الرئيسية الثلاثة: السلطة والمال والجشع، كان هدفى الأساسى أن أصير رجل الأعمال المثالى الذى تصوره لى مخيلتى: القوى، المحنك، الثرى.. لكن ليس بالضرورة بهذا الترتيب. بل إننى توصلت إلى شعار خاص بى، وهو كل شىء! دائمًا! الآن!.

كانت معادلتى للنجاح بسيطة: النجاح = المزيد + المزيد + المزيد! المزيد من العملاء، المزيد من المواقع، المزيد من الأرباح، المزيد من السيارات، المزيد من الملابس، المزيد من الممتلكات، لكننى سرعان ما اكتشفت أن "المزيد" ليس كافيًا أبدًا. وهو ما يرجع فى جزء منه إلى أننى كنت أخلط بين "أن أكون فى حال طيب" و"أن أكون أفضل حالاً من غيرى"، كنت أظن أننى ملكت الدنيا بين يدى. لكننى، فى الحقيقة، لا أعلم السبب وراء اعتقاد الناس أن العالم مكان رائع ليتمسكوا به.

هكذا يسرد "جون تشابلير" رجل الأعمال العصامى الناجح الذى اعتاد النهوض من كبواته، شركته قيمتها عدة ملايين من الدولارات، وامتلك منازل وسيارات فاخرة، وتمتع بكل المزايا التى يمكن أن يجلبها المال. بيد أن نهمه الاستهلاكى المتواصل خلف ما هو أفضل أدى به فى نهاية المطاف أن ينفصل عن زوجته.

ويبتعد عن أبنائه، ويقع فى أزمة أفقدته الثقة بنفسه والإحساس بقيمة حياته. وبعد ذلك، فى تطور مرير للأحداث فقد شركته التى عمل بلا كلل على بنائها.

واليوم، ألزم "جون" نفسه بالسعى لتحقيق النجاح الهادف. وأثناء تغييره لأولويات حياته، وضع ونظم الوصايا الست، وهى ستة مبادئ توفر الرابط بين النجاح المهنى والسعادة الشخصية، وقد صارت هذه المبادئ حجر الأساس لعمله الاستشارى الشخصى، وهى الاستعداد للتغيير، مواجهة مخاوفك، ومواصلة التعلم، وأهمية وقت الهدوء اليومى، وقيمة خدمة الآخرين، وفوائد الحب والتسامح، وتبعات الامتنان، والحاجة إلى التنفيذ.

يقول "تشابلير" فى كتابه "الوصايا اليومية الست" والذى صدرت ترجمته العربية، عن دار كلمات للنشر والترجمة، بعد ذلك بدأت أؤيد فكرة أن التغيير يبدأ عندما نتعلم الامتنان لما بين أيدينا، بدلاً من التذمر بشأن ما ليس لدينا، وأنت فى الحقيقة عندما تسعى على الدوام للمزيد من الشهرة والثروة والممتلكات، لن تجدًا حيزًا فى حياتك لمتع الحياة المهمة، أسرتك، أو أصدقائك المقربين، أو اللحظات الثمينة، أو حتى الوقت الذى تستمتع فيه بالثروات التى جمعتها، وبوسعك فى تلك اللحظة أن تدمج بين عدة وصايا – تتلخص فى ست – فى حياتك المنهمكة متسارعة الإيقاع دون إضافة أى ضغوط أو التزامات أخرى ليومك، وتحقق بهذا تغييراً إيجابيًا ورخاءً واسع النطاق.

وتتمثل أولى هذه الوصايا الست، فى الاستعداد لتقبل التغيير، بمواجهة مخاوفك، وأن تقلع عن السلوك المتحكم، وأن تركز على نجاح الآخرين، أن تكن مستعدًا للتعلم الدائم والمثابرة. فالاستعداد يوجد الأمانة، والوعى الذاتى، ويعمل على تفتح الذهن، وثانيًا، أن تخصص وقتًا للتأمل فى بداية يومك ونهايته. وذلك بأن تواظب على ذلك يوميًا، وسوف تتعلم كيف تصل إلى مركز الهدوء بداخلك، وبعد ذلك، ستتمكن من العودة إليه عند الحاجة فى أى وقت من اليوم. سيمنحك وقت الهدوء اليومى الفرصة لتوجيه قلبك فى الاتجاه الصحيح، والسماح لك بمواصلة حياتك.

أما الوصية الثالثة، فهى "الحب والتسامح"، فبالحب، تبدأ فى استيعاب احتياجات شخص آخر واعتبارها على القدر نفسه من الأهمية كاحتياجاتك. وبالتسامح، تبدأ فى التحرر من الغضب، والاستياء، والخوف. ومن شأن التعبير عن الحب أن يجلب الحب إلى حياتك، ومن شأن التسامح أن يضفى السلام عليها، لتنتقل بعد ذلك إلى الوصية الرابعة، وهى العطاء، وبه تصل إلى سبل جديدة كل يوم للتواصل. وقد لا يكون هذا العطاء سوى أن تقول "شكرًا" وتعنيها حقًّا. عطاؤك سيغير مركز اهتمامك من "ما الفائدة التى سأجنيها؟" إلى "ما الفائدة التى سأقدمها؟". وهو ما سيدفع تلقائيًا للوصية الخامسة، وهى "الامتنان" وما هو سيجعلك تشعر بالفضل تجاه كل شيء على الدوام. فتشرع فى الانتباه إلى نسبة الــ 98 بالمائة من حياتك التى تسير على خير ما يرام، بدلاً من أن تطيل التفكير فى الواحد أو الاثنين بالمائة من حياتك التى تنطوى على صعوبات. عندما تكون ممتنًا، تسفر جهودك عن حياة أكثر إيجابية وإثمارًا. ما من طريق مباشرة للسعادة وإنما عليك بالمرور بالامتنان لبلوغ هذه الغاية. فى الواقع. ثمة علاقة ارتباط مباشرة بين مستويات الامتنان ومستويات السعادة، لتنتقل بالطبع إلى مرحلة التنفيذ، وهى الوصية السادسة، والأخيرة، وقد تشعر بقدر كبير من الرضا فى التحليل، والتخطيط، والتأمل، لكن التغيير لا يبدأ إلا عندما تأخذ الخطوة الأولي. حتى الخطوة الصغيرة لها أهمية، إذ أن التغييرات البسيطة المستمرة تحول الأفكار العظيمة إلى نتائج مذهلة.

ويوضح "شابلير" أنه للعديد من الأفراد كثيرى الأشغال، تكون محاولة تطبيق الوصايا اليومية الست جميعها فى آنٍ واحد أشبه بإتباع نظام غذائى قاسٍ، بمعنى أنها قد تكون مربكة ومحبطة للغاية. لكن هناك عددًا لا يُحصى من الفوائد التى ستكتشفها عندما تطبق ولو واحدة من هذه الإستراتيجيات فى حياتك اليومية. وبدلاً من تطبيقها كلها، يمكنك التركيز على واحدة فقط من هذه الإستراتيجيات كل يوم بصفة دورية، أو تحديد واحد فقط تحتاج عن جد للعمل والتركيز عليها. اتبع الوصايا الست فى حياتك حتى تحيل الإزعاج إلى راحة بأيسر صورة ممكنة، فعلى مدار محاولتك وإتباعك لهذه الوصايا ستدرك أن رغد العيش أمر جيد، لكن ليس على حساب أحبائك وروحك. سوف تتعلم الموازنة بين الحافز التنافسى للإنجاز والكسب من ناحية، وتطوير شعور أكثر هدوءًا بالامتنان والسلام الداخلى من ناحية أخرى.

سوف تجد أن إتباع هذه الإستراتيجيات الست المثبت فعالياتها معًا من أجل مساعدتك فى إضفاء المغزى على كل يوم تعيشه. إن هدفك هو تغيير سلوكيات هدَّامة بعينها لتتمكن من بلوغ السعادة المثالية والحفاظ عليها. سوف تتعلم كيف تبذل طاقتك على النحو الأمثل وتصل بمثُلك العليا إلى أفضل شكل فى جميع المناحى ليظل تركيزك منصبًا على الشخص الوحيد فى حياتك الذى لك السلطة عليه فعليَّا، وهو أنت، ففى النهاية لن تعيش سوى حياة واحدة، ولذا فعليك تحقيق أقصى فائدة منها.