سيد في قومه بين الأعضاء ، الآمر الناهي ساقي العطشى في الرمضاء ، للمرء وقار و زينة ، فيه الدفائن الخزينة ، وهو الذاكرة الحية المنسجمة التوليف بين وحداتها المتكونة منها ، وبين الجوارح السارية فيها ، مبثوث الطمأنينة لا يدع جارحة وحيدة أو حتى حزينة ، العقل ... القيم على التصرفات ، و المؤتمن على السلوكيات ، فهو مربط تعاطي عديد المدخلات و المخرجات ، و منفذ جودة المرتشحات المنتخبات ، الحسن و الضار من المستقبلات ، العقل ... عنونة الأفعال بالحصانة ، و دمغها بختم الرزانة ، لتجنب السوءات و الادانة ، العقل ... أعظم ملكية يحوزها المرء في حياته ، و قوة جبارة بجبروت تعاظمها في نفسها لغيرها ، نستطيع أن نقول ... أنه عطية العطايا و هبة الهبات و منة المنن ، فهو انسجام على فنن .


العقل ... برمجية مركبة خلاقة فاعلة لتفادي هوات الخلل ، و مرادم الزلل ، و ما إذ ذاك إلا لأنها صياغة أدبيات المشاكل بفن راق ، حتى يسيل جلمودها الصوان فهو رقراق ، و هو أن تجعل من أهون طريق الى الكمال البشري قبلة تحج إليها ،فدأبها اجتناب مزالق المؤاخذة الشائنة ، و ديدنها حق الاستمتاع الكامل بالشعور بحياة أقرب الى المثالية المرضية ، العقل ... يعني التنزه عن مثالب الشخصية الوعرة المنبوذة ، و سلوك مغبوط لا يعرف عنه إلا كل خير ، وهو الشخصية الجرداء من الحماقات الملتوية المستشرية ، و مثاقفة الرعونة و الاستهتار ببسالة ذات تؤدة عالية المقدار ، و خلو الذات الفردية من نزغات الطيش الغير مسؤولة ،العقل ... لجام التهور الأعمى الواقي ، و الفيىء الظليل الباقي ، و هو ورع المنطق المنصوص عليه بالتواتر الجبلي ، و محمية طبيعية ليس لأحد فيها منازعة حماها المصون ، العقل ... إيثار إحكام الأمور بالتروي على العجلة ، بكشوفات و ارهاصات إلهامية داعية للسكينة ، العقل ... مسحة آدمية ذات حقوق محفوظة ليست قابلة للنسخ ، و عقد متين الميثاق غير قابل للفسخ ، و هو ما ينقص أكمل الناس شأنا في كل شيء إلا منه ، و الخازندار الأمين المؤتمن على ما نتفوه به ، و ما نأتي به ، و أشتات ما نفكر فيه ، و هو أيضا مفاعل مهيب ينتج عنه تقدير موزون للأمور و الأشياء ، العقل ... مقاومة جناية أهواء الردى المهلكة ، و السباحة بعكس تيار التغييب المغرضة ، بل هو صمام أمان يفتقده الأمان نفسه ، فلا قبل له به إن اطلق من حبسه ، و هو ورقة التوت التي لا تسقط بحال من الأحوال ، العقل ... أرقى فن تتعلمه يوما للسيطرة على المشاعر برمتها ، و التحكم بالعواطف التي لا تستطيع شق عصى الطاعة من وراء ظهره ، وهو تآخي عظمة صنعة البديع مع عظمة ألطاف تدابيره بتخييره ، و هو استسقاء مزن الرجاحة الصيب ، و استفكاه محاسن نفحها الطيب ، العقل ... أن تعيش في كنف السلامة الذهنية ، و أن تسلم من مولدات العصبية ، و هو حجاب الهلوسة و الهذيان ، و رقعة ناجعة الاتيان ، فهو مستأنس الأمزجة التي لديها حظ وافر من العلم و الفهم و أشياء أخر ، العقل ... رواح أفئدة تصير الى مهجع الايناس ، بتعاطيها الأنس و مخالطتها الناس ، فبشرها بشر يتهافت عليها البشر ، يكتظون في حشر ، العقل ... صاري الأرواح العتيد الذي لا تهزه رياح أمزجة الأهواء الرديئة ، العقل ... أعز عزيز تفقده فتبكي عليه دهورا طوالا ، و عتبة مقدسة ليس فيها الزوالا ، و هو مقوم اعوجاج السلوك ، و مبتغى الرعية و الملوك ، فهو ملاذ متفق عليه باجماع أنفاس الخلق من أولهم الى آخرهم ، و لأنه مفتاح السيطرة الذي عز نظيره ، فقد انجرفت الحشود لاهثة خلفه ، و جميهم عن ركبه متخلفه ، العقل ... فتيل التهدئة الذي يراوح مكانه بانتظار شرارة مشعله الغضب ، فهو اتزان مسببات الشرور ، و انضباط الأفلاك في مسارات الشهور ، بألا تشعر أدق الجسيمات من كبيرها بالغرور ، فيخمد بركان الانشطاح فلا يثور ،


العقل ... تأبط وسادة ميزان العدالة و الاحقاق ، و إرواء أفواه ظمأى عن استحقاق ، و كل ما يدخل في حسبة محتوى الدماغ إذا عمل بمقتضاه ، شريطة ألا يشذ عنه إلا برضاه ، فتأتلف متضادات هوائم منكرة مستشرية ، فتستتر بعد أن كانت متعرية ،


العقل ... له في كل موضع من مواضع الشر حال من اثنين : إما تأخير و إما إبطاء ، فهو رادم الهوات العميقة ، و دفان القعر السحيقة ، و هو ميزان الموازين بل أم الموازين جميعا ، العقل ... نحر كل مستهجن من الوريد الى الوريد ، و توجيه دفته تلبية للوجهة التي يريد ، فهو و بكل فخر معقل المستحسنات الحسية لكل طالب و مريد ، العقل ... الخروج عن دائرته يفضي الى انطلاق العد التنازلي لإعلان وفاته و موته ، و هو التجرد من قوادح الذات المعيبة ، و هو التحسس من مستفزات خوارم المروءة ، العقل ... ما يقع موقع الغبطة الغامرة إذا ما تمت الاستجابة الفورية له ، و هو صمم الجنون ، و بكم المجون ، و عمى كل ما شذ عن الفنون ، و هو أرقى ديباجة تكتنزها أفعالنا الغير محسوبة ، فبه نتنزه عن كل فاحش و ساقط من أعمال الجوارح الغير منضبطة ، أفلا يكون العقل موطن نطف الأفكار ؟ العقل ... انفعالات حرجة متوارية خجلا و تأدبا ، و انسياق دواعي التؤدة خلف سائق السكينة ، و فنار يضيىء ظلم بواطن الأبدان ، و هو كهانة بعواقب الأمور ، و ودع يستنطق خبائث الشرور ،


العقل .. ان قلت وعي فما هو بالوعي ، و ان قلت ادراك .. فما أدراك ؟ و ان قلت فهو الفهم إذن ... أجبتك استرح إذن ! و ان آيست أخيرا فقلت : استيعاب ، نهيتك عن معاملة الشباك معاملة الباب ! فمن له بمجادلة عرين الأجساد هذا ؟؟؟