و لتعرفنهم في لحن القول ، و لتجدنهم أشد الناس تنمقا بالحديث و ما هم بفاقهيه ، يلوكون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ، و لم يجر على أيديهم ، و لم تعرفه أعمالهم ، فالمبالغة ديدنهم ، و التهويل حرفتهم ، كذب تتصدع منه الجبال ، بل و إفكا يربو على الخيال ، أشداقا ترغي و تزبد ، و أحناكا تصك و ترعد ، و كذبا مثل ألوان الطيف يشع كالهالة على رؤوسهم ، لكنه من النوع الذي لا يتمناه أحد ، و ربما صادفت أشياء تتقاذف عند حديثهم لا تدري ما هي!! ، و من حولهم حشد مشرئب الأعناق ، متلهف ... ملتهب لما يقرع عليهم من الحديث المزلزل ، تراقب حركة الحواجب في صعود و نزول ، الأفواه فاغرة ، و الألسن منعقدة ، التعابير مشدوهة ، و حدقاتهم متسعة لهول حديث محدثهم ، يكذبون الكذبة تلو الكذبة ، و ينزلون بالصعقة بعد الصعقة ، فيصدقون أنفسهم قبل أن يصدقهم غيرهم ، يصرعون من حولهم بحديثهم الخادع الملبس ، و يبهتون ضحاياهم بأحداث عايشوها ، أو بمغامرات خاضوها ، بأفعال و هيئات ، بتصرفات و ممارسات ، بحوادث و سير ، بحروب و مغازي ، فتسمع فيما أنت تسمع ضجيجا لا أول له و لا آخر ولا ترى طحنا ، يستخفون بعقل البشر كيفما يشاؤون ، و يتلاعبون بعواطفهم كما يحلو لهم و لا يرعوون . المكابرة و العناد سمتهم ، و إن أحسنت نيتهم بخستهم حقهم ، يمارسون سياسة الضحك على الذقون بكل اقتدار ، مهرة في الدجل ،و أساتذة في علم النصب ،و يطببون عباد الله بالتحايل تارة و بالتمايل تارة أخرى ، ان في المجالس أو المنتديات ، أفرادا و جماعات ، عبر الأثير أو على صدر الصحف و المجلات ، تراهم يتخبطون في ترقيعهم الذي يحتاج هو الآخر إلى ترقيع يستر سوآتهم ..... ولا يهتدون سبيلا ،لديهم من خلطات الكلام العجب العجاب ، و من بهارات الإضافات ما ينكه أقاويل الأولين و الآخرين ، الخرافات عندهم ملح طعام ، و الخزعبلات تفكه و تندر ، أما الشطط الجانح الجامح الذي لا مروض له فهو كالريق الذي لا يوجد ما هو أسهل منه ، القص و اللزق هوايتهم المحببة ، و الخلط و المزج و الهرج باب للشهرة الذي يسد الأفق عندهم ، و الحشو الفاسد توليفهم ، أما الغش فهو سبيلهم ، إن جئت لهم مناصحا استكبروا و عتوا عتوا كبيرا ،و إن فضحتهم ألبوا و استعدوا ، و إن أعلنت الحرب عليهم مكروا مكرا كبارا ، تخشى ألا ينزل القطر من السماء لفرط أباطيلهم التي لا تنتهي ، أساطيرهم جواز مرور لقلوب كثير من الحمقى و المغفلين السذج ، أما ترهاتهم التي يلبسونها على العوام فهي محل ترحيب لدى الدهماء و الغوغاء الذين رفع عنهم القلم ، يتفننون بحبك الدقائق ، فهم لديهم طرقهم الخبيثة الملتوية بكل تأكيد ، الإفلاس هو كل ما بحوزتهم ، و الإخفاق بعبعهم ، والإدعاء مكيالهم ، أمثالهم وبال على العامة و أي وبال ! ، وما يرددونه من أمراض تفتك بهم قبل أن تفتك بغيرهم طاعون القضاء عليه أفرض الفروض ، ماء الوجه عندهم مهراق ، و الحفيظة لديهم لا تثار لموت مشاعر الإستحياء و صيرورتها رميم ، مهما حاولت لن تثنيهم عن عزمهم ، و مهما كابدت فإنك كنافخ في قربة مثقوبة بسخاء ، فحياتهم قائمة على المراوغة في التعاطي أخذا و ردا و نشوقا ، و ما التدليس في إيهامهم على الناس و طرقهم كل مرغوب و محبوب و ممتنع عليهم إلا تكلف ما أنزل الله به من سلطان ، ينفثون سمومهم اللفظية ملتمسين استمالة طرائدهم بغرائز شيطانية المنبت ، ألاعيبهم تكنى عن سعار قوم أبوا إلا المهالك ، بارعون في التمثيل إلى درجة أنهم لا يتوقفون عنه إلا عندما تتوقف دقات قلوبهم عن العمل ، يواصلون سعيهم المحموم مفوتين الفرص على تضييع الفرص ، و يزاولون ضرباتهم متى سنحت السانحة ، و لما تكف عن اللطم النائحة ، جولاتهم أبصرها الحدثان ، و شهد عليها شاهد من كبار الأعيان ، فلم يسلم من شرورها إلا الذي سلم من كل نقص و تقصير ، سطوعهم نما في غيرهم الولع و الإفتتان ، فأبدعوا الزور و أجادوا أيما إجادة البهتان ، فصار يشار إليهم بالبنان ، و أمكنوا من الرمية و أطلقوا لنوازعهم العنان ، ثم أصبحوا علما لكل إبليس ، و تفوقوا عليه بمراحل و فراسخ ، يرتشفون الخديعة صبوحا و بكورا ، و يغتبقون من نشوتها كأسا كان مزاجها تأثيما ، عرفوا للشر بابا لم يلجه غيرهم ، و طرقوا الحديد ساخنا فما أشنع عوارهم ، تتعوذ البشاعة مما يصنعون ، و تبرأ إلى الله الشناعة مما يأتون ، لا يستطيعون العيش في النور ، فهم خفافيش ليل في هيئة بشر ، و لو أنهم ظهروا على أشكالهم الحقيقية الموازية لأفعالهم لهال مظهرهم ، و استحال الشقاء شيئا لا يكاد يذكر إلى جانب صورهم المرعبة ، فكل ما عداهم من المسميات السيئة الذكر تجتمع في ظفيرة من ظفائرهم ، لا يملك المرء أن يجري على لسانه غير : تبا و سحقا لأمثال هؤلاء !! ، و هذا أقل قليل عليهم ، أعداء لكل ما هو يتسبب في فنائهم و القضاء عليهم ، وما إفشاء المزاعم المخلقة إلا شغلهم الشاغل ، ولا يترددون في مزيد من التضخيم المتعاظم الذي يحجب الشمس لا نورها ، و في سكرات عما هو ديدنهم يدندنون ، و يصدحون بكل ما أوتوا من قوة غاشمة حالمة ، يتوهمون خلالها بسط أمانيهم النافذة ، الابتزاز الملطف بتعابير رنانة مغرية معسولة يشع خبثا و يتوهج لؤما ، فهم في نهاية الأمر مرتزقة أوباش لا يعتد لنعيقهم النشاز ، يلوكون المزاعم الأسطورية ،و يدعون القدرة على بعث الأحياء الأحفورية ، فهم الأقطاب مسخر لهم الأوتاد ، و مبسوط بين أيديهم أحاديث الجماد ، لا يملون الترديد الملقن ، و لا تكرار هرطقات تخاريفهم المتشدقة ، من حيث يعلمون أو لا يعلمون ، فهم يجرمون بحق ألسنتهم المغلوبة على أمرها ، فيمعنون فيها أشكال الجنايات اللفظية الصارخة ، و يجرون عليها ضروبا من كل ما أخرجته مخارجهم من قبيح صدى ما يضمرونه ، ما أشبه حديثهم بالسراب الخادع ، و لن يتعظوا و ما لهم من رادع ، لعل و لعل لا ترجي فيهم خيرا ، يتشدقون و يتخرصون ، يتفنون و على ذلك يلوون ،اللعنات وحدها لا تكفيهم ، و التعاويذ لا تحرس محترسيهم ، عند الوصف يأتوك بكل عظيم ، والأمثلة لديهم تفزع كل مهيب ، من يسمع بهم يكفر بغيرهم ، و لو يتريث قليلا مستمعهم لعلم أن حديثهم كالعهن المنفوش ، هكذا ..... رتوش واهية بلا نقوش ، أقرب شيء إليه تقويض عروش ، و على إثر ذلك ما أفدح صرف القروش ، فلم يتبق غير أن تطير لأقاويلهم النعوش ، يتمكنون من جعل جليسهم يتقلب على جمر الأحلام ، فيفرشون له المقدمات ، و يهيئون له التمهيدات ، و يسهلون عليه الفروقات ، و يدعمونه بكل الطرقات ، ما زل منها و ما فات ، .... هكذا تستحيل النطفة عندهم وليدا في بضع لحظات !!! ، من غير كد و من غير مستلزم للمعطيات ، فقبح لنظرياتهم العوجاء ، ثم قبح لفرضياتهم العرجاء ، أهلكوا أقواما ، و أبادوا أفرادا ، التهموا عقولا ، و استخفوا بأخرى ، و على قائمة الإنتظار لا يزال المزيد منها ينتظر نحبه وهو لا يعلم ، تأثيرهم ( تسونامي ) ، باضطراد نامي ، مستشر متسامي ، بلا أي جدال ... المعركة معهم غير متكافئة ، فلا بد من الحشود المتقاطرة ، تهديهم خازوقا من الخوازيق تستأصل شأفتهم ، لا يستحقون الرحمة ، فهم غير أهل للرأفة بتاتا ، القول فيهم حلال ، و محاربتهم لا يشد لأزرها إلا الأبطال من النساء و الرجال ، هم زائلون من دون أي شك ، و ما عداهم من الخلق باقون ، ينظرون إلى إدبارهم المخزي الذي لن يعود !!!