النتائج 1 إلى 1 من 1
الموضوع: رسالة اعتذار ...
- 10-03-2013, 03:27 PM #1
رسالة اعتذار ...
عبثا حاولت الانصراف لما شاكلني بداعي التهائي الأعمى عما أتهرب منه قسرا فلم أستطع ، و من دون جدوى و عن سبق عناد و مكابرة و أنفة ليست في محلها على الإطلاق انشغلت ببهرجة ليست في سلم أولويات العيشة الهانئة التي تذهب عني غيوم دامسة الظلام ، حالكة السواد ، هكذا … بلا طائل لبثت أمدا أتقلب في متقلبات ظننتها ستسري عني آلام حسبتها مزيفة و مؤقتة ، حتى أدركت أخيرا أن ما أنا بصدده ليس سوى انشغالات واهية مقنعة لم تزدني إلا حيرة و آلاما ، و انشقاقا و فصاما ، و أيقنت بأن ما زرعته لنفسي لم يكن سوى جنينا ميتا قبل أن يولد و تكتب له الحياة ، فبئس ما اصطنعت ، و لبئس ما أتيت ، و لبئس اليقين الذي تلبسني و لم يكن فيه خيرا لي قط ، هذه ليست مقدمة لما سيأتي ، ولا هي بالتوطئة الممهدة لما سيعقبها من حسرات أدمت القلب و المقل ، لكنها اختلاجات ستوطأ موطىء الأسف و الندم الذي مزقني كل ممزق ، فأتى على كل باقية مني ، إلا باقية من صحوة ضمير لم يلفظ أنفاسه الأخيرة بعد ، فأراد هذا الضمير معاتبة نفسه بجلد ذاته جلدا يستحق الإنصاف و العدل الذي حق عليه أن يأخذ موضعه فيه ، فأعيب في ذات نفسي نكرانا و جحودا هدا من هولهما جبالا ، و أنكر على نفسي كفري بنعم من ولاني مجيئي لهذه الحياة ، و كان سببا في ظهوري على مسرحه الذي لم أحسن الأداء فيه ، هنا تتوارى الاعتذارات خجلا ، و تنعدم الحجج أركان ثبوتها و عدلها ، و كل ما تسعف به الألفاظ و المعاني لا يرقى لأن يعبر ، و لن يجد مدخلا من تصريح أو تلميح ، فجميع الأبواب المؤدية إليهما موصدة بإحكام ، لكن أن يجد القلب نقطة ضوء في نهاية نفق الظلم الغاشم هو دليلي الذي عسى أن يجلي موطأ قلمي و كلماتي الحرجة ، و إني لعلى يقين أبلج من أن رسالة هاتفي هذه ستصدقني بعد أن أصدقت نيتي الحاضرة زعمها المنشود و هدفها الموعود.
و عندما أستغرق في التفكير ، و أتعمق في بحوره العميقة ، محاولا بذلك تلمس أدوات الاسعاف هاهنا و هاهناك من كلمات جابرة ، أو مفردات مضمدة ،و أحاول عبثا نفخ الروح فيها بما يؤدي لإحيائها على الوجه الذي أرجو أن تروق بمعانيها لمتلقيها ، كمن ينتظر ردا من بعد طرق الباب ، لا أدري إن كان صاحب المنزل سيأذن لي بالدخول من عدمه ، فضلا عن أن يرد علي و يتلطف بفتح الباب في الأصل ، فيبقيني في انشغال و قلق يلتهماني التهاما ليس يرحمني ، و هذا أعده جزءا من استحقاقي لذلك العذاب الذي أذقته لمن أوجه له هذه الرسالة ، و غيضا من فيض ما ناله مني بسبب تعنتي و إدارة ظهري له بكل تجاهل و برود ، و مهما نالت مني الأيام ، و مهما أعملت في سيوف الليالي الطويلة ، و مهما كابدت في سبيل ذلك ، فلن يعدو شيئا بالنسبة لمظالم علي كنت أشحذ أسنة رماحها يوما بعد يوم ، و ما علمت أنها سترتد علي في يوم من الأيام قصاصا وفاقا ، فالله وحده يعلم لكم تجشمت و تذوقت أمر ما يكون من مرارة تستطعمها الأرواح لحظة إدارة ظهري لمن وجب علي أن أبادله أعظم الحب و أخلصه ، و لكم ماطلتني الأيام بسخاء عطائها ، و أمسكت يدها عني فأجدبت صور كل ما تقع عليه عيني ، حتى صرت أرى الدنيا ليست هي الدنيا التي أعرفها ، فعلمت أنه الحصاد الذي أنا على موعد معه ، و الزرع الذي أتى أكله ، فما أتعس الزارع ، و ما أتعس الثمر ، إنني أرجو من صميم قلبي و من مستودع فؤادي الظمآن الى سقيا رضاكما عني أن يكون الصفح منكما الي بعثا يلفظني من فم ظلم موحشات ما اقترفته كلتا يدي المغموستان ببحر من الخطايا الآثمة ، و ميلادا يأذن لي بالخروج من عالم الأحياء الأموات ، فلا سبيل لي باسترجاع حياتي المسلوبة إلا برضاكما عني ، و تغاضيكما عن زلاتي الشنيعة في حقكما الذي لم أراعيه حق الرعاية الموجبة ، هذا مع علمي المسبق بتهاوي عروش الاعتذارات كلمح البصر أمام ناظري ، و عدم صلاحية الالتماسات التي أنا بكامل استعدادي لأجري بها أنهارا من دمي ، تضحية لمن ضحى لأجلي فلم يجد مني غير النكير المنكر ، وأنا الآن اكتب هذه السطور قاعد بجسدي ، لكن مضطرب بروحي التي لم تذق طعم الجلوس و الاستراحة ، فهي تولول بصراخها ، و تهرول ذات اليمين و ذات الشمال بين جنبات جسد أنهكه الوزر الثقيل و أخذ منه كل مأخذ ، فلا الجسد بمستريح ، ولا بمحتوى الجسد ساكن من عنفوان الريح ، لقد انهالت علي الأيام بأقسى صفعاتها ، و أي صفعات أقسى تكون عندما تنال مني نواشب داميات القلوب ؟ إنني إذ أصدح في غياهب ظلمات نهشت مني العظم و اللحم ، فتركتني رميم الروح و البدن معا ، لا مستصرخ لي ولا غوث ، فجزيت نفسي جزاء لا انفكاك منه حتى مع ذرف الدموع الدم ، و تجرع زعاف السم ، لألتمس جذوة نار حنين أنين طفل في صحراء مقفرة ، بانتظار من يشفق عليه و يترحم له ، فيضمه الى فؤاده ضما ، و يشبعه من لدنه محبة تطفىء عنه سعير ما اعتراه ، فتسكن آلامه ، و تذهب أوجاعه ، و كفى بذلك حياة ، و حري بي القول أن مقامي هاهنا مقام اعتراف و أسف و ندم ، تنادموا سوية فأفصحوا عما في سرائرهم ، رجاء قبول استعطاف قلبين لا يزال فيهما بقية من محبة مكنونة أبت على الاندثار و الزوال ، فها أنذا بين يديكم ………
اعترف صراحة بقسوة قلبي الذي انصرف عنكما الى ما لم يغنني من الأمر شيئا ، و قايضتكما مقايضة لم أجن منها إلا البوار ، فحق عليكما الغضب ، و حق عليكما النكران ، فما أقبح صنيعي ، و يا لسوأتي ، و يا لشناعة نكيري ، و ما أحلك فعلتي ، هذا و إني لآمل نهاية مبلغ الأمل أن تظل شعرة معاوية صامدة فيما بيني و بينكما ، صمود من استعذب من احرقته نيران الشوق اليكما ، و أن تظل جسور الأمل معبدة بالحب و الحنان و العطف الذي استقيته منذ صغري منكما ، ولا أزال أعهده متماسك البنيان فيكما ، كما تعودت دائما منذ أول لحظة ابصار لي في عالم الوجود ، و أن تكون استفاقتي من مجاهل حماقتي التي عاثت في انهاكا تاريخا يعيد نفسه كأول يوم ولدت فيه و لم تنقش فيني خطيئة بحقكما ، …………………………………………………………………………………………………………………………………… …………………………………………………………………………….
والداي العزيزان …. لا أبالي بأي واد هلكت ، أو بأي جرف هويت ، لهو الموت الذي أسعد به ان تحقق رضاكما عني !