النتائج 1 إلى 2 من 2
- 04-03-2013, 08:31 AM #1
حكم الاحتفال والتهنئة بأعياد الكفار والنصارى
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة :
إن الحمـــد للــه نحمــده ونستعينــه ، ونستغفــره ونتـــوب إليه ، ونعوذ بالله مــن شــرور أنفسنا وسيئــات أعمالنــا،مــن يهدي الله فهــو المهتـدي، ومــن يضلل فلا هادي لــه، وأشهــد أن لا إلــه إلا الله، وحــده لا شريك لــه، القائل في كتابه الكريم: {{وأن هــذا صــراطي مـستقيما فاتبعــوه ولا تتبعـوا السبل فتفرق بكم عن سبيــله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون }} [الأنعام : 153] وأشهد أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالــة ، وأدى الأمــانة ونصــح الأمــة ، وحــذرها من البدع والتشبــه بالكفــار فقال :<< إياكم ومحدثات الأمــور ، فإن شر الأمور محدثاتها، وإن كل محدثة بــدعة وكل بدعــة ضلالة >> [1] وقال:<< لتتبعن سنن مــن كان قبلكم شبرا بشبـر وذراعا بــذراع حتى لو دخــلوا جحــر ضب لدخلتمــوه. قالـوا يا رسول الله، اليهود والنصـارى ؟ قال: فمــن ؟ >>[2] وصلى الله عليه وعلى آلــه وأصحابه،ومن اهتـدى بهديه واقتفى أثـره إلى يوم الدين.
إن مسـألــة الأعياد، والاحتفالات المبتدعة، مــن أشـد وأخطــر ما تساهــل فيه المسلمـون،بعـد القرون الفاضلـة، فقد سـارع كثيــر منهم إلى التشبه بالأمـم الأخـرى، في أعيادها ، واحتفالاتهــا؛فأحدث بعضهم بدعة الاحتفال بالمولد النبوي، والاحتفال بليلــة الإسراء والمعراج والنصف من شعبان، ورأس العام الميلادي والهجري، وهــذه الأعياد الوطنيــة والقوميــة، وغيرها.. التي تزداد يوما بعد يوم بين المسلمين، حتى كادت السنة أن تكون كلها أعيادا، مما ابتليت به الأمــة الإســلامية مما لم ينزل الله به من سلطــــان.
ولقد هالني ما رأيت وقرأت من المنكرات، وقول الزور والبهتان على الله، والانتكاسات التي كانت سببا في هذا الانحطاط الذي تعيشه الأمة، حتى أصبح البون شاسعا، والمسافـة بعيدة جــدا بين ما أراده الإسلام للمسلمين أن يكونوا عليه، وما أرادوه هـم لأنفسهم، لذا أجريت القلم لأبين بعض الحقائق التي غشنا فيها بعض الأغرار من المتعالميـن وقلبوا وجـه الحق فيها، ومن أهمهـا وأخطرها هذه المسألة:
<< الاحتفال بأعياد الجاهلية والتشبه بأهلها من أهل الكتاب >> التي تكلم فيها الكثير في هذه الأيام من المثقفين وسالت أقلامهم بالجهل بمناسبة حلول رأس السنة وكتب فيها الكثير ممـن يهرفون بما لا يعرفون، ويقولون ما لا يعلمون.
لقد حز في نفسي كثيرا أن يصدر مثل هذا الخلط في فهم النصوص وتحريفها من بعض ممن ينتسب إلى العلم –زعموا- وللأسف الشديد، وهذا من أكبر الدوافع التي حفزتني أن أكتب في الموضوع وأجليــه، على قلة البضاعة وضعف الهمة، وضيق الوقت، وقد طلب إلي بعض إخواني ذلك ،فوافق ما كنت عزمت عليه ، والله أسال الإعانة فيما توفيت من الإبانة، إنه بالإجابة جــدير وهو على كل شيء قدير، كما أسأله سبحانه أن ينفع به كاتبه وقارئه وأن يجعله ذخرا لي يوم الورود على الحـوض يوم يقول النبي صلى الله عليه وسلم :<< ألا سحقا لمن بدل ألا سحقا لمن بدل >> وفي رواية:<< لمن أحدث >> (3 ).
تمهيد:
لقد بين لنا الشارع أنه لم يشـرّع للمسلمين إلا عيدين هما:عيد الأضحى ، وعيد الفطر، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن اتخاذ الأعياد ســواء كانت أعيادا جـديدة ، أو أعيادا قديمة تُحيى ، وسواء كانت أعيادا أُحدثت في الإسلام ، أو أعيادا لأهل الكتاب ،كما بين لنا أن مسـألة الأعياد من المسـائل الشرعية التعبدية ، التي لا يجوز الابتداع فيها ، ولا الزيادة ، ولا النقـص ، وعليه فلا يجـوز إحـداث أعياد غير ما شرعه الله ورسوله.
وقد بين علماؤنا قديما وحديثا أن كل اجتماع عام يحدثه الناس، ويعتادونه في زمان معين، أو مكان معين، أو هما معا، فإنه عيدٌ، كما أن كل أثرٍ من الآثار القديمة أو الجديدة يحييه النّاس، ويرتادونه، فإنه يكون عيدا، وذلك كآثار الجاهلية، وأوثانها. فقد كان للنّاس قبل الإســلام أعياد زمانية ؛ ومكانية كثيرة، وكلها حرمها الإسلام وآماتها، وشرع للمسلميـن عيدين فقط. فقد دلت السنة على ذلك بوضوح وصراحة، كما دل عليه فعل المسلمين في صدر الإسلام، وإجماعهم، وما أثر عنهم من النهي عن ذلك، والتحذير منه أكثر من أن يحصى.فإذا عرفنا ذلك، وعرفنا أن ما شاع بين المسلمين من أعياد واحتفالات لم يكن يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا أمر به ، ولا دعا إليه، بل نهى عنه ، ولم يكن الصحابة ولا التابعون خلال القرون الفاضلة المفضلة يفعلون ذلك ، بل كانـوا ينهون ويحذرون من الوقـوع فيه ، فهذا يكفي للحكم على هذه الأعياد والاحتفالات المحدثة والجاهلية، بأنهـا دسيسة من دسائس المبطلين ، وغفلة وجهل من أكثر المسلمين ، مهما بررها النّاس ورضوها والتمسوا لها الفتاوى ؛ والتأويلات التي لا تستند إلى كتاب الله ولا إلى سنة رسولــه فأي عيد ، أو احتفال ليس له في كتاب الله وسنة رسولــه صلى الله عليه وسلم أصل ،أو مستند ولم يعهد في عصر الصحابة ، والقرون الفاضلــة ، فإنما قام على الباطل ، وما بني على باطل فهو باطل ، والخير كل الخير في إتباع من سلف ، والشر كل الشـر في إتباع من خلف ، فكيف إذا انضم إليه المنكرات التي تقام في هذه الأعياد والاحتفالات ، وكيف إذا اجتمع فيها التشبه بالكفار والحذو حذوهم من كل وجه فحينئذ يقال لمن فعلــه أو أحلــه بعد ذلك :هاتـوا برهانكم إن كنتم صادقين، ولن يجــدوا إلا قول من سبقوهم :{{ إنا وجـدنا آباءنا على أمـة،وإنا على آثارهــم مهتـدون }} [ الزخــرف : 22 ].
وبالرغم من أن عصرنا هذا، من أسوأ عصور المسلمين تقليدا للكفار وإتباعا لهم، وأكثرها انحرافا بسبب الوهن الذي أصابنا، والانفتاح المادي الذي طغى علينا وهناك سبب ثالث وهو هؤلاء الأئمة المضلون الذين تخوف النبي صلى الله عليه وسلم على أمته منهم، إلا أننا نجـد طائفة من أهل العلم والعدل لا تزال تصدع بالحق - بحمد الله- وتحذر المسلمين من الوقوع في الشرك والبدع والخرافات ، والشعوذة، وتحذرهم من تقليد الكفار والاغترار بما عندهم ، وإقتداء بهم وجريا على منهاجهم لعلي أن أكون من أتباعهم أو أحشر في زمرتهم، أخذت قلمي لأرقم لك أخي حكم هذه المسألة عند المحققين من أهل العلم الربانيين ،ولكن بعد أن أُعرف بمعنى الاحتفال بالمواليد واتخاذها عيدا وموسما وشعيرة تعبدية ،وبعدها أُعرف بالعيد، وأبين الأعياد التي شرعها الله لنا ، وأذكر شيئا من الآثار التي فيها النهي عن التشبه بالكفار في أعيادهم، ثم أنقل بعض فتاوى علماء السنة أتباع السلف الصالح في المسألة .
تعريف كلمة الاحتفال بالمولد: كلمة احتفال تعطى في اللغـة معنى الاهتمام والكثرة والاجتماع ، يقال : فلان لم يحفل أو لم يحتفل بكذا ، أي لم يبال ولم يهتم به ، ويقال العروس تكتحل وتحتفل ، أي تتزين وتحتشد للزينــة ، ويقال شاة حافل أي كثيرة اللبن ، والجمع حًـفل وبقرة محفلة ، أي جمع لبنها في ضرعها ولم يحلب أياما لترويج بيعها ، والمحفل مجتمع النّاس.[4].
والاهتمام الفردي أو الجماعي بأمـر من الأمــور من طبيعة البشـر، يدفع إليه جلب خير أو دفـع شـر، والمحتفل به قد يكون أمرا واقعا حاضرا أو ماضيا، أو منتظر وقوعـه، فمن الاحتفال بالواقـع الحاضر، الفرح بالمولــود عند ولادته أو ختانه، وبالزواج عند العقد أو الزفاف.
ومن الاحتفال بالماضي، تذكر أحداث وقعت في أماكن أو أوقات محددة، تستعيدها الذاكرة لتجدد فرحها وسرورها أو لتأخـذ العبرة والموعظـة منها.
وكلمة المولد: جمع مواليد، وموالد وهو:اليوم الذي يزداد فيـه المولود.[5] وأن كلمة مولد مدلولها لا يختلف بين إقليم إسلامي وآخر، إلا أنها لا تطرد بنفس اللفظ في كل البلاد الإسلامية،إذ أهل بلاد المغرب الأقصى (مراكش) يسمونها بالمواسم فيقال:موسم مولاي إدريس مثلا، وأهل المغرب الأوسط ( الجزائر ) يسمونها بالزِِرد جمع زردة ، فيقال زردة (سيدي بالحملاوي )-مثلا- وأهل مصر والشرق الأوسط عامة يسمونها الموالد، فيقولون مولد السيدة زينب، ومولد السيد البدوي-مثلا- وسماها أهل المغرب بالمواسم لأنهم يفعلونها موسميا أي في العام مرة، وسماها أهل الجزائر بالزردة باعتبار ما يقع فيها من ازدراد الأطعمة التي تطبخ على الذبائح التي تذبح للولي، أو عليه بحسب نيات المتقربين.
وسماها من سماها بالحضرة إما لحضور روح النبي والولي فيها، ولو بالعناية والبركة، كما يقوله المتصوفة ، أو لحضور المحتفلين لها وقيامهم عليها.
هـذا بالنسبة إلى مجرد التسمية أما بالنسبة إلى ما يجري فيها من أعمال فإنها تختلف كيفا وكما بحسب وعي أهل الإقليــم، وفقرهم، وغناهم، والقاسم المشترك بينهم فيها ما يلي:
1 - ذبح النذور والقرابين لمن يقام له الموسم، أو الزردة، أو المولد، أو الحضرة، والاستغاثة بهم ،وطلب المدد ...
2 - اختلاط الرجال الأجانب والنساء الأجنبيات، [ بمعنى غير المحارم ].
3 - الشطح والرقص ؛بما يسمى الوجد أو التغبير ، وضرب الدفوف والغناء بالمزامير المختلفة، والموسيقى وغير ذلك من آلات اللهو والباطل.
4 - إقامة الأسواق للبيع والشراء، وخاصة الأمور التي يقام بها المولد أو الموسم أو الزردة.
5 - دعاء الولي أو السيد والاستغاثة به، وطلب الشفاعة والولد والشفاء منه، وهذا شرك والعياذ بالله.
6- قد يحصل فيها من الفجور وشرب الخمور، ولكن لا يطرد هـذا في كل البلاد، ولا في كل الموالد.
7 - مساعدةُ الحكام والملوك على إقامة هذه المواسم بنوع من التسهيلات، بالترخيص لها ؛ والإنفاق عليها، وتعطيل العمل ودفع أجور العمال لذلك اليوم [6].
8- مضاهاة أهل الكتاب والتشبه بهم في كل شيء ...
9- السفر إلى بلاد الكفار، وشد الرحال من أجل مشاركتهم في احتفالاتهم في أعيادهم.
تعريف العيـد: هو كل يوم فيه جمـع، واشتقاقه من عاد يعود، كأنهـم عادوا إليه، وقيل: اشتقاقه من العادة لأنهــم اعتادوه، والجمع أعياد، وعيّد المسلمون: شهدوا عيدهم [7].
والعيد: اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد عائد، إما بعود السنة، أو بعود الأسبوع، أو الشهر، ونحو ذلك [8].
قال ابن القيم رحمه الله : العيد : ما يعتاد مجيئه وقصده ، من زمان ، ومكان مأخوذ من المعودة والاعتياد [9] فإذا كان اسما للمكان، فهو المكان الذي يقصد فيه الاجتماع والإنتياب بالعبادة وبغيرها، كما أن المسجد الحرام، ومنى، ومزدلفة، وعرفة، والمشاعر، جعلها الله تعالى عيدا للحنفاء، ومثابة للناس، كما جعل أيام العيد منها عيدا.وكان للمشركين أعياد زمانية ومكانية ، فلما جاء الإسلام أبطلها ، وعوض الحنفاء منها عيد الفطـر، وعيد النحـر، كما عوضهم عن أعياد المشركين المكانية بدار الكعبة ، والمشاعـر[10].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : فالعيد : يجمع أمورا : منها يوم عائد كيوم الفطر ويوم الجمعة ومنها: اجتماع فيه.ومنها أعمال تتبع ذلك: من العبادات والعادات،وقد يختص العيد بمكان بعينه ، وقد يكون مطلقا، وكل من هذه الأمور قد يسمى عيدا.
فالزمان: كقوله صلى الله عليه وسلم ليوم الجمعة:<< إن هذا يوم جعله الله للمسلمين عيدا >> والاجتماع والأعمال : كقول ابن عباس :<< شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم >> والمكان : كقوله صلى الله عليه وسلم :<< لا تتخذوا قبري عيدا >> . وقد يكون لفظ: العيد اسما لمجموع اليوم والعمل فيه، وهو الغالب كقول النبي صلى الله عليه وسلم:<< دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيدا وإن هذا عيدنا .[11] ونستخلص من هذا: أن كلمة أعياد تطلق على ما يعود ويتكـرر، ويغلب أن تكون على مستوى الجماعة أيا كانت هـذه الجماعة، أسرة أو أهل قرية أو إقليم أو دولـة.
والمناسبات التي تقام لها هذه الأعياد قد تكون ماضية تتجدد- وما أكثرها - وقد تكون واقعة متجـددة بنفسها يحتفل بها كلما وقعت، فالأولى كذكرى تأسيس دولة أو وقـوع معركة، والثانية كالمهرجانات التي توزع فيها الهدايا على النوابغ في ميدان العلم، أو الإنتاج المثمر المتميز في أي ميدان آخــر.
وهذه المناسبات التي يحتفل بها ويقام لها أعياد قد تكون دنيوية محضة، وقد تكون دينية أو عليها مسحـة دينية، والإســلام بالنسبة لما هو دنيوي لا يمنع منه إلا ما كانت النية فيه غير طيبة، وما كانت مظاهره خارجـة عن حـدود الشرع، مما ينتج عن النية السيئة، أما ما هو ديني فقد يكون منصوصا على الاحتفال به، وقد يكون غير منصوص عليه، فما كان منصوصا فهو مشروع بشرط أن يؤدى على الوجــه الذي شرع، ولا يخرج عن حـدود الدين العامة ، أما ما لم يكن منصوصا عليه فللنّـاس قيه موقفان ، فموقف جمهور علماء السلـف قديما وحديثا المنـع لأنـه بدعـة وذهب بعض فقهاء الخلف إلى الجواز لعدم النص على منعـه ، وقد عرفت أن القول بالتنصيص على كل مسألة يجعلنا ندخل كثيرا من البدع في الدين لأن الشارع لم ينص عليها بعينها ، والله سبحانه وتعالى لم يفرط في شيء من أمور الدين مما يحتاج إليه عباده.
قال سبحانه:{{ ما فرطنا في الكتاب من شيء }} فكلمة << شيء >> نكرة ؛والنكرة في سياق النفي أو النهي أو الاستثناء تعم كل شيء؛ صغيرا كان أو كبيرا.
الأعياد التي شرعها الله لهذه الأمة عوضا عن أعياد الجاهلية:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما. فقال:<< ما هذان اليومان ؟>> قالوا:كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:<< إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطــر>>[12]، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة: عيدا في غير موضع، ونهى عن إفراده بالصوم. لما فيه من معنى العيد، ففي سنـن ابن ماجـة ومسند أحمد من حديث أبي لبابة بن المنذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:<<... وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى ، ويوم الفطر >>[13].
النهي عن التشبه بالكفار أو مشاركتهـم في أعيادهم:
فوجه الدلالة من الحديث الأول : أن العيدين الجاهليين لم يقرهما رسول الله ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة ، بل قال :<< إن الله أبدلكم بهما خيرا منهما >> والإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدل منه، إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه، ولهذا لا تستعمل هذه العبارة إلا فيما ترك اجتماعهما، كقوله سبحانه:{{ أفتتخذونه وذريتـه أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا }}[ الكهف :50 ].
وقوله تعالى :{{ ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب }} [ النساء : 2] فقول النبي صلى الله عليه وسلم:<< إن الله أبدلكم بهما خيرا منهما >> يقتضي ترك الجمع بينهما لاسيما وقوله:<< خيرا منهما >> يقتضي الاعتياض بما شرع لنا ، عما كان في الجاهلية . وأيضا فقوله:<< إن الله قد أبدلكم >> لمّا سألهم عن اليومين فأجابوه : بأنهما يومان كانـوا يلعبون فيهما في الجاهلية ، دليل على أنه نهاهم عنهما اعتياضا بيومي الإسلام ، إذ لو لم يقصد النهي لم يكن ذكر هذا الإبدال مناسبا ، إذ أصل شرع اليومين الإسلاميين كانوا يعلمونه ، ولم يكونوا ليتركوه لأجل يومي الجاهلية [14].
ووجـه الدليل من الحديث الثاني: أن الله أضل عن الجمعة من كان قبلنا فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحــد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة، فجعل الله ثلاثة أعياد الجمعة والسبت والأحـد، ثم جعل كل واحد منها مختصا بما جعل فيه له، ولا يشركه فيه غيره، فإذا نحن شاركناهم في عيدهم يوم السبت، أو عيدهم يوم الأحـد، خالفنا هذا الحديث، وإذا كان هذا في العيد الأسبوعي، فكذلك في العيد الحولي [15]عيد رأس السنة وهو عيد الميلاد.
وكذلك يقال في الأعياد المكانية لقولـه عليه الصلاة والسلام:<< فهل كان بها عيد من أعيادهم ؟>>.
وقد جعل الله لكل من هؤلاء شرعة ومنهجا فقال سبحانه:{{ لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا}} [المائدة: 48].
وقال عليه الصلاة والسلام:<< إن لكل قوم عيد وهذا عيدنا >> وهذا الاختصاص يقتضي النهي عن مشاركتهم ومشابهتهم في أعيادهم.
ويضاف إلى هذا للذين يسافرون إلى بلاد الكفار إلى أماكن إقامة احتفالات أعيادهم بقصد مشاركتهم فيها قوله صلى الله عليه وسلم:<< لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد...>> وهو في الصحيحين.
الأدلــة التي فيها النهي عن مشابهة، ومشاركة الكفار والمشركين في أعيادهم.
إذا تقرر هذا الأصل في مشابهتهم، فموافقتهم في أعيادهم لا تجوز من طريقين:
الطريق الأول: العامـ لقوله عليه الصلاة والسلام:<< من تـشبـه بقوم فهو منهم >> [16] وقولـه في غير ما حديث:<< خالفوا المشركين، خالفوا اليهود، خالفوا النصارى >> فإن موجب هذا : تحريم التشبه بهم مطلقا .وهو مقصد عظيم من مقاصد الشريعة التي نسخت ما قبلها من شرائع .
وأخرج أبو يعلى في مسنده من حديث ابن مسعود :من رضي عمل قوم كان منهم .قال صديق حسن خان : والحديث دال على أن من تشبه بالفساق كان منهم أو الكفار أو بالمبتدعة في أي شيء مما يختصون به من ملبوس أو مركوب أو هيئة ، قالوا : فإذا تشبه بالكافر في زيه؛ واعتقد أن يكون بذلك مثله كفر ، فإن لم يعتقد ففيه خلاف بين الفقهاء ، منهم من قال : يكفر ، وهو ظاهر الحديث ، ومنهم قال : لا يكفر ، ولكن يؤدب .أ، هـ [17].
قلت : أنظر إلى تقليد أبائنا وبناتنا في تسريح الشعور ، وجعلها واقفة كرؤوس الشياطين ، وحلق بعض الرأس وترك بعضه من القزع المنهي عنه ، ولبس السراويلات معينة بطريقة ملفتة للنظر بحيث ينزلوه إلى أقصى حد الحقوين حتى يظهر شيء من اللباس الداخلي للعورة ، بل حتى يظهر شيء من العورة ، ولبس فنايل معينة بأسماء معينة ،وعليها علامات كافرة معينة من صلبان وكلمات مقززة ، وعلامات عباد الشياطين ،وغير ذلك الكثير والكثير مما لا أستطيع أن أحصيه في هذه العجالة ،حتى وصل الحال إلى الأولاد الذين لا تتجاور أعمارهم السادسة والسابعة ، وينتشر هذا بقوة عن طريق الإعلام المقروء والمسموع والمرئي ، وعن طريق كرة القدم وغيرها .. وتفنن أبناؤنا في تقليد الكفار فقد أصبحت أسواقنا لا تكاد ترى فيها منتوجا أصليا وطنيا فضلا عن إسلاميا ، خاليا من هذه المنكرات ، فكلما خرج كلب من كلابهم ينبح على أبنائنا إلا استسلموا له ذكورا وإناثا حتى أصبحتَ في كثير من الأحيان لا تفرق بين من ترى أمامك في كل مكان أذكور هم أم إناث ؟ وليس في اللباس فحسب وإنما في جميع حركاتهم وأحوالهم حتى كادوا أن ينسلخوا عن هويتهم وأصالتهم ...والآباء والأمهات في غفلة من ذلك ، بل إن البعض منهم هم من يشجعون أبناءهم على ذلك ،ويعتبرون ذلك من التقدم ، وقد يقع هذا من بعض إخواننا المنتسبين للسنة غفلة منهم ، وإذا ذكرتهم بذلك قالوا لك : وماذا نفعل هذا هو الوقت ، يقصدون بذلك أن الفساد تغلب على أهل الزمان ولابد من موافقة العصر فلا نعزل أنفسنا عن العالم الذي نعيش فيه .. ولا حول ولا قوة إلا بالله ...
الطريق الثاني الخاص: في نفس أعيادهم: فالكتاب والسنة والإجماع والاعتبار.
أما الكتاب: فمما تأولـه غير واحد من التابعيـن وغيرهم، في قوله تعالى: {{ والذين لا يشهدون الزور ، وإذا مروا باللغــو مروا كراما}}[الفرقان :72 ] روى الخلال عن محمد بن سرين في قوله تعالى : {{والذين لا يشهدون الزور }}قال : هو الشعانين [18]، وهو عيد للنصارى يقيمونه يوم الأحد السابق لعيد الفصيح يحتفلون به ذكرى لدخول المسيح بيت المقدس، وكذلك ذكر عن مجاهد قال: هو أعياد المشركين، وكذلك قال الربيع بن أنس :هو أعياد المشركين [19].
وذكره السيوطي في الدر المنثور عن ابن عباس[20] وكذلك عن الضحاك وعمرو بن مرة وعطاء بن يسار وغيرهم [21] ووجه تفسير هؤلاء السلف المذكورين: أن الزور هو المحسن المموه، حتى يظهر بخلاف ما هو عليه في الحقيقة، وقال الله {{ واجتنبوا قول الزور }} [الحج:30 ] ففاعل الزور كذلك.
أما السنة فقد مرت معك أحاديث كحديث :<< هل كان بها عيد من أعياد الجاهلية ..>> وحديث :<<.. لكل قوم عيد وهذا عيدنا >> الــخ... وقال عمر رضي الله عنه :<< إياكم ورطانة الأعاجــم أن تدخــلوا على المشركين يوم عيدهم في كنائسهــم>> [22].
وأما الإجماع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية:[23] في تقرير الإجماع ما ذكره علماء الإسلام من المتقدمين ، والأئمـة المتبوعين وأصحابهم في تعليل النهي عن أشياء بمخالفة الكفار ، أو مخالفة النصارى ، أو مخالفة الأعاجم ، وهو أكثر من أن يمكن استقصاؤه ، وما من أحد له أدنى نظـر في الفقه إلا وقد بلغه من ذلك طائفة ، وهذا بعد التأمل والنظر ، يورث علما ضروريا ، باتفاق الأئمـة على النهي عن موافقة الكفار والأعاجم والأمر بمخالفتهم ، وعدم مشاركتهم . ثم نقل رحمه الله أشياء كثيرة عن السلف ، وعن الأئمة المتبوعين وأصحابهم من المذاهب الأربعة .
وأذكر هنا بعض الآثار من مذهب مالك والشافعي، قال بعض أصحاب مالك:من ذبح بطيخـة في أعيادهم فكأنما ذبح خنزيرا، وكذلك ذكر أصحاب الشافعي هذا الأصل في غير موضع من مسائلهم [24].
سئل ابن القاسم عن الركوب في السفن التي يركب فيها النصارى إلى أعيادهم ، فكره ذلك ،مخافة نزول السخطة عليهم بشركهم الذي اجتمعوا عليه ، وكره ابن القاسم للمسلم يهدي للنصارى شيئا في أعيادهم مكافأة لهم ، ورآه من تعظيم عبدهم ، وعونا لهم على مصلحة كفرهم ، ألا ترى أنه لا يحل للمسلمين أن يبيعوا من النصارى شيئا من مصلحة عيدهم ؟ لا لحما ، ولا أداما ، ولا ثوبا ، ولا يعارون دابة ، ولا يعاونون على شيء من عيدهم ،لأن ذلك من تعظيم شركهم ، ومن عونهم على كفرهم ، وينبغي للسلاطين والحكام أن ينهوا المسلمين عن ذلك ، وهو قول مالك وغيره ، لم أعلمه أختلف فيه .وقال ابن حبيب ، فأكل ذبائحهم داخل في هذا ، بل أشد.
وقد ذكر أنه قد أجتمع على كراهة مبايعتهم ومهاداتهم ما يستعينون به على أعيادهم وقد صرح بأن مذهب مالك أن لا يحل ذلك.[25].
حكم تهنئتهم بأعيادهم.
قد عرفت من خلال ما مر معك أنه لا يجوز التشبه بالكفار في أعيادهم، ولا إعانتهم على إقامتها ولا حضورها، ولا تقديم الهدايا لهم، أو قبولها منهم، لأن كل ذلك يورث محبة في القلب ، وولاية لهم ، والتنازل عن بعض معتقداتنا من أجل التعامل معهم ، وإذا كان العلماء يرون أن ذبح بطيخة في أعيادهم كذبح خنزير ، وأن ركوب سفنهم التي يسيرون بها إلى أعيادهم لا يجوز فكيف بمن يفضل أعيادهم على أعياد المسلمين ، وأخلاقهم وأعمالهم على أخلاق وأعمال المسلمين ، والكثير من أبناء جلدتنا يقولون ، أولئك هم أفضل أخلاقا من كثير من المسلمين ، وأن الإسلام الحقيقي هو عندهم بأخلاقهم ،وهذا والعياذ بالله خطر على معتقد قائل هذا الكلام فإن لم يكن ردة فهو على بابها إن لم يتب .وأما تهنئتهم بأعيادهم فهي لا يجوز وهي أشد من تهنئتهم بشرب الخمر ، وقتل النفس..
قال ابن القيم - رحمه الله - كما في كتابه "أحكام أهل الذمة"، حيث قال: "وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه ..فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات ؛ وهو بمنزلة أن تهنئه بسجوده للصليب بل ذلك أعظم إثماً عند الله، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس، وارتكاب الزنى ونحوه. وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه".أ .هـ
سئل سماحة العلامة الوالد عبد العزيز بن باز: بعض المسلمين يشاركون النصارى في أعيادهم فما توجيهكم؟ فأجاب: لا يجوز للمسلم ولا المسلمة مشاركة النصارى أو اليهود أو غيرهم من الكفرة في أعيادهم بل يجب ترك ذلك لأن من تشبه بقوم فهو منهم والرسول عليه الصلاة والسلام حذرنا من مشابهتهم والتخلق بأخلاقهم فعلى المؤمن وعلى المؤمنة الحذر من ذلك ولا تجوز لهما المساعدة في ذلك بأي شيء لأنها أعياد مخالفة للشرع فلا يجوز الاشتراك فيها ولا التعاون مع أهلها ولا مساعدتهم بأي شيء لا بالشاي ولا بالقهوة ولا بغير ذلك كالأواني وغيرها ولأن الله سبحانه يقول: {{ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }} .
فالمشاركة مع الكفرة في أعيادهم نوع من التعاون على الإثم والعدوان. مجموع فتاوى ومقالات متنوعة [6/405].
سئل فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: عن حكم تهنئة الكفار بعيد الكريسمس؟ وكيف نرد عليهم إذا هنئونا به؟ وهل يجوز الذهاب إلى أماكن الحفلات التي يقيمونها بهذه المناسبة؟ وهل يأثم الإنسان إذا فعل شيئاً مما ذكر بغير قصد؟ وإنما فعله إما مجاملة أو حياءً أو إحراجاً أو غير ذلك من الأسباب؟ وهل يجوز التشبه بهم في ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: تهنئة الكفار بعيد الكريسمس أو غيره من أعيادهم الدينية حرام بالاتفاق، كما نقل ذلك ابن القيم - رحمه الله - في كتابه "أحكام أهل الذمة"، حيث قال: "وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات وهو بمنزلة أن تهنئه بسجوده للصليب بل ذلك أعظم إثماً عند الله، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه. وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه". انتهى كلامه - رحمه الله -.
وإنما كانت تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حراماً ؛ وبهذه المثابة التي ذكرها ابن القيم لأن فيها إقراراً لما هم عليه من شعائر الكفر، ورضا به لهم، وإن كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه، لكن يحرم على المسلم أن يرضى بشعائر الكفر أو يهنئ بها غيره، لأن الله تعالى لا يرضى بذلك، كما قال الله تعالى: {{ إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم }}.
وقال تعالى: {{ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً}}. وتهنئتهم بذلك حرام سواء كانوا مشاركين للشخص في العمل أم لا. وإذا هنئونا بأعيادهم فإننا لا نجيبهم على ذلك، لأنها ليست بأعياد لنا، ولأنها أعياد لا يرضاها الله تعالى، لأنها إما مبتدعة في دينهم، وإما مشروعة، لكن نسخت بدين الإسلام الذي بعث الله به محمداً، صلى الله عليه وسلم، إلى جميع الخلق، وقال فيه:{{ ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}}.
وإجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة حرام، لأن هذا أعظم من تهنئتهم بها لما في ذلك من مشاركتهم فيها
وكذلك يحرم على المسلمين التشبه بالكفار بإقامة الحفلات بهذه المناسبة، أو تبادل الهدايا أو توزيع الحلوى، أو أطباق الطعام، أو تعطيل الأعمال ونحو ذلك، لقول النبي، صلى الله عليه وسلم: << من تشبه بقوم فهو منهم>>. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه: (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم): "مشابهتهم في بعض أعيادهم توجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل، وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص واستدلال الضعفاء". انتهى كلامه - رحمه الله -. وصلى اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد .
- 04-03-2013, 01:14 PM #2
جزاك الله خيراً