بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المعصية بين اللذة العاجلة والعقوبة الآجلة



الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا وأشهد الا اله الإ الله وأن محمد عبده ورسوله أما بعد


أيها المسلمون: اتقوا الله ربكم وأطيعوه، وراقبوه دوماً ولا تعصوه.

عباد الله: لقد مَنَّ الله على هذه الأمة وجعلها أمة هداية وقيادة وسيادة، اختارها الله لأشرف رسالاته، واجتباها فبعث فيها أفضل رسله، وأنزل عليها أعظم كتبه، ووعدها النصر إن هي نصرت دينه، وبالكرامة والعزة إن هي تمسكت بطاعة ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم.

وقد كان لشرف هذه الأمة شرف قيادة العالم قروناً طويلة، ثم انتزعت قيادتها، ودالت دولتها، وتداعى عليها أعداؤها، وتتابعت عليها المصائب، وتلاحقت عليها المحن والنوائب، وشغل هذا الواقع المزري والوضع المتردي بال الغيورين من أبناء هذه الأمة المتطلعين لمستقبلها المشرق، وغدها المبهج بإذن الله، والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: ما الذي دهانا معشر المسلمين؟!

وما الذي أصاب أمتنا فذلت وهانت؟!

ما الدواعي والعوامل التي أوصلتها إلى حضيض الغبراء بعد أن كانت في ذرا العلياء؟!

ما الذي جرها إلى هذا المنحدر السحيق، وطوح بها في أعماق هذا الواقع الغريق؟


والجواب الذي لا يختلف فيه اثنان، هو: أن سبب ذلك كله الوقوع في الذنوب والمعاصي، ومما لا يقبل الجدل أن لله تعالى في هذه الحياة سنناً لن تتغير ولن تتبدل وتتحول في الكون أو الخلق، أو في حياة الأفراد والأمم والشعوب، فالأمة التي تسير على شرع الله ونهج رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ تصل إلى مبتغاها، وتنال مناها، والله يسددها وينصرها ويرعاها، وليس بين الله وبين أحدٍ من خلقه حسب ولا نسب، وإذا تركت الأمة أمر ربها وخالفت أحكام دينها، وتنكبت صراط رسولها؛ سلك الله بها طريق العناء والشقاء حتى تراجع دينها، وما أهون الخلق على الله إن هم أضاعوا أمره، وجاهروا بمعصيته، وقصروا في أحكام دينه، وهل عذبت أمة من الأمم في القديم والحديث إلا بسبب ذنوبها: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11]..
وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30] وفي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن الله تعالى يغار وغيرة الله تعالى أن يأتي المرء ما حرم الله عليه }.

اخوتي ان المعصية هي خلاف الطاعة، وعصيان العبد ربه إذا خالف أمره و أنواع المعاصي كثيرة لا يمكن حصرها؛ لأن ارتكاب أي شيء نهى الله عنه أو ترك أي شيء أمر به يعتبر معصية. فالكذب، والغيبة، والنميمة، والسرقة،يوالزنا، وشرب الخمر، وقتل النفس بغير حق، والسحر، وقذف المحصنات، والفرار من الزحف، والربا، وأكل مال اليتيم، وعقوق الوالدين، والقمار. كلها معاصٍ.
وكما أن اقتراف المنهيات معاصٍ، فترك الواجبات كالصلاة والصيام والزكاة ونحو ذلك أيضًا معاصٍ.

اخوتي مابالكم تلذذتم المعاصي حتى أصبحت وباءا عليكم و على الأمة مابالكم بعتم دينكم مقابل دقائق اوحتى ساعات من لذات زائفة ...اخوتي و اخواتي ارتكابكم للمعاصي لن يمر مرور الكرام فلديها اثار و هذه
بعض آثارها من كلام ابن القيم رحمه الله :

1- " حرمان العلم ، فإن العلم نور يقذفه الله في القلب ، والمعصية تُطفئ ذلك النور . ولما جلس الشافعي بين يدي مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته ، وتوقُّد ذكائه ، وكمال فهمه ، فقال : إني أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً ، فلا تُطفئه بظلمة المعصية .

2- حرمان الرزق ففي مسند الإمام أحمد عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : " إن الرجل ليُحرم الرزق بالذنب يُصيبه " رواه ابن ماجه (4022) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه .

3- وحشة تحصل للعاصي بينه وبين ربه ، وبينه وبين الناس .قال بعض السلف : إني لأعصي الله ، فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي .

4- تعسير أموره عليه ، فلا يتوجه لأمرٍ إلا ويجده مغلقاً دونه أو متعسراً عليه ، وهذا كما أن من اتقى الله جعل له من أمره يسرا .

5- أن العاصي يجد ظلمةً في قلبه ، يُحس بها كما يحس بظلمة الليل ، فتصير ظلمة المعصية لقلبه كالظلمة الحسية لبصره ، فإن الطاعة نور ، والمعصية ظلمة ، وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرته حتى يقع في البدع والضلالات والأمور المهلكة وهو لا يشعر ، كأعمى خرج في ظلمة الليل يمشي وحده ، وتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين ، ثم تقوى حتى تعلو الوجه، وتصير سواداً يراه كل أحد . قال عبد الله بن عباس : " إن للحسنة ضياءً في الوجه ، ونوراً في القلب ، وسعةً في الرزق ، وقوةً في البدن ، ومحبةً في قلوب الخلق ، وإن للسيئة سواداً في الوجه ، وظلمةً في القلب ، ووهناً في البدن , ونقصاً في الرزق ، وبغضةً في قلوب الخلق " .

6- حرمان الطاعة ، فلو لم يكن للذنب عقوبةٌ إلا أن يُصدَّ عن طاعةٍ تكون بدله ، وتقطع طريق طاعة أخرى ، فينقطع عليه بالذنب طريقٌ ثالثة ثم رابعة وهلم جرا ، فينقطع عنه بالذنب طاعات كثيرة ، كل واحدة منها خير له من الدنيا وما عليها ، وهذا كرجل أكل أكلةً أوجبت له مرضاً طويلا منعه من عدة أكلات أطيب منها والله المستعان .

7- أن المعاصي تزرع أمثالها ، ويُولِّد بعضها بعضاً ، حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها .

8- أن المعاصي تُضعف القلب عن إرادته ، فتقوى إرادة المعصية ، وتضعف إرادة التوبة شيئاً فشيئاً إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية ، ... فيأتي من الاستغفار وتوبة الكذابين باللسان بشيءٍ كثير ، وقلبه معقودٌ بالمعصية ، مُصرٌ عليها ، عازم على مواقعتها متى أمكنه ، وهذا من أعظم الأمراض وأقربها إلى الهلاك .

9- أنه ينسلخ من القلب استقباح المعصية فتصير له عادة ، لا يستقبح من نفسه رؤية الناس له ،ولا كلامهم فيه .

وهذا عند أرباب الفسوق هو غاية التهتك وتمام اللذة ، حتى يفتخر أحدهم بالمعصية ، ويُحدِّث بها من لم يعلم أنه عملها ، فيقول : يا فلان ، عملت كذا وكذا . وهذا الضرب من الناس لا يعافون ، ويُسدُّ عليهم طريق التوبة ،وتغلق عنهم أبوابها في الغالب . كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " كلُّ أمتي معافى إلا المجاهرون ، وإنَّ من المجاهرة : أن يستر الله العبد ثم يُصبح يفضح نفسه ويقول : يا فلان عملت يوم كذا .. كذا وكذا ، فيهتك نفسه وقد بات يستره ربه " رواه البخاري (5949) ومسلم (2744) .

10- أن الذنوب إذا تكاثرت طُبِعَ على قلب صاحبها ، فكان من الغافلين . كما قال بعض السلف في قوله تعالى : { كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون } قال : هو الذنب بعد الذنب .

أو بعد كل هذا أما زلتم تعصون؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟