ماهو القلب

حديثنا عن القلب ذلك العضو الصغير الذى لايتجاوز حجمه قبضة اليد الواحدة ويسكن فى الجهة اليسرى من صدرك ورغم ذلك فهو ذو سر كبير من اسرار الخالق العظيم فهو رمز الحياة ورب سائل يسأل وما الجديد فى هذا الموضوع القديم على مر العصور وحارت من قبل فى فهمه العقول ولعلها سنة الله تعالى فى خلقه انه لابد من حين الى حين من العودة الى الجذور والى الاصول كلما حاد الانسان عن الطريق واصبح فى بحر شهواته كالغريق- فمن باب الذكرى وبخاصة فى زماننا هذا حيث كثرت الفتن واثقلت قلوبنا المحن من البحث عن معالم الطريق وهنا الحديث من القلب لابد له من قلب واع يستمع ويتبع فرب مستمع والقلب فى صمم وعلى تلك الصفحات اتمنى ان اكون قد قاربت الصواب ودنوت من بداية الجواب لسؤال قد حارت فيه من قبل الالباب كيف اكون سليم القلب!ولنبدأ بالسؤال التالى ماهو القلب ولعلنا ندرك ان هناك من الاشياء او الاسماء ما نستطيع ان ندركه بالبصر وهناك من الاشياء مالانستطيع ادراكه به وحين نتكلم عن اليد او الرأس اوالصدر يستطيع الصغير قبل الكبير والجاهل قبل المتعلم ان يدلك على هذا المسمى اين يقع بل ويستطيع وصفه لك ولكن حين تتحدث عن العقل اوالضمير اوالنفس اوالروح لايستطيع ان يجيبك اكثر الناس وهناك من يحاول ان يقنعك ان العقل مقره الدماغ وتحاول بدورك ان تقنعه ان الذى فى الدماغ هو المخ وليس العقل - والعجيب أن تطلق بعض هذه الاسماء على اكثر من مسمى او بمعنى اوضح قد يكون للإسم أكثر من معنى ومن هذه المسميات القلب فلنحاول معا ان نبحث عن معانى القلب فى اللغة والدين والطب بغية الوصول الى ماهية حقيقته وليكون مسيرنا فى تلك الرحلة كالاتى


القلب فى القرأن الكريم
القلب فى السنة المطهرة

القلب عند علماء المسلمين

القلب فى الطب

-----------------------------------------------------------



- القلب فى القرآن الكريم : القرآن الكريم كتاب الله تعالى وكلامه الذى أوحى به الى اكرم البشروخاتم الرسل محمد صلى الله عليم\ه وسلم تسليما كثيرا- وعند التأمل فى ايات الله تعالى ولا ازعم لنفسى المقدرة على العلم بمكنونها ولكن مجرد النظر والتدبر فيها لفت انتباهى ان القلب قد ورد بالفاظ القلب والفؤاد والصدر فى صورصرفية عدة تجاوزت المائة وهذا ان دل على شيء انما يدل على الاهمية البالغة لهذا العضو( سبحانك اللهم لا علم الا ما علمت به عبادك الصالحين فأغفرلنا يا الهى اسرافنا فى كل امورنا يا ارحم الراحمين) وبالبحث فى مادة فئد فى سور القرآن الكريم وآياته ورد الآتى

اللفظ السورة والاية
فؤاد فىسورة القصص الاية10
الفؤاد فى سورة النجم الاية11 وفى سورة الاسراء الاية 36
فؤادك فى سورة هود الاية 120
افئدة فى سورة الاحقاف الاية 26 و سورة ابراهيم الاية 37 وسورة الانعام الاية113
الافئدة المؤمنون 78الملك 23الهمزة 7
افئدتهم فى سورة الانعام الاية 110 فىسورة الاحقاف الاية 26

وبالبحث فى مادة قلب ورد الآتى

اللفظ السورة والاية
قلب فى سورة غافر35 فى سورة ق الايةو33 37/ الشعراء89-الصافات84
القلب فى سورة آل عمران الاية 159- سورة البقرة الاية 260
قلبى سورة البقرة فى قوله تعالى فى الاية 260 و فى سورة الشعراء الاية 194 و فى سورة الشورى الاية 24
قلبك سورة البقرة 97- سورة الشعراء 194- سورة الشورى 24

قلبه فى ثمانية مواضع فى سورة البقرة فى الاية 204 - 283 وفى سورة الانفال فى الاية 24 و فى سورة النحل الاية 106 و فى سورة الكهف فى الاية 28و فى سورة الاحزاب الآية 32 و فى سورة الجاثية الآية 23 و فى سورة التغابن الآية 11
قلبها ورد مرة واحدة فى الاية 10 من سورة القصص
قلبين ورد مرة فى سورة الآحزاب - 4
قلوب سورة ال عمران 151الأعراف- 101 سورة الانفال 11 التوبة117 الحج- 46 - الأعراف -179 - يونس74 الحجر12محمد- 24 -الفتح - 4 الشعراء200 الروم59 الزمر45 الحديد- 27 النازعات- 8
القلوب سورة الرعد 28- سورة الحج46الاحزاب10اغافر18

قلوبنا فى سورة البقرة الآية 88 وفى سورة آل عمران الاية8 وفى سورة النساء الآية155 وفى سورة المائدة آية113 وفى سورة فصلت الآية5 الحشر10
قلوبكم سورة البقرة -74-225 - سورة ال عمران-126 154-سورة الانعام46 - الانفال 10/70سورة الحجرات7 -14-وفى سورة الحديد 16-الاحزاب 5و51 الفتح18التحريم4
قلوبهن الاحزاب 53

قلوبهم سورة البقرة الاية 7 -10-93 - سورة ال عمران 7 /167-- سورة النساء 63 وفى سورة المائدة13-41 -52 سورة الانعام43 وفى سورة الانفال 49و 63 وفى سورة التوبة 8-15-45-60 -77-87- 90-110-125وسورة الاعراف 43 وفى سورة الكهف الاية 14-57 وفى سورة الانبياء 3 الحج53وفى سورة محمد الآية 16 وفى سورة المنافقون الآية 3 وفى سورة المطففين الاية 14 وفى سورة الرعد 28 وسورة النحل 22 - 107- فى سورة يونس 88- وسورة الاسراء 46 ورد فى الاية100 وفى سورة المؤمنون 60 وسورة النور 50 وسورة الاحزاب 53--60-26 وفى سورة سبأ 23 وسورة محمد الاية 16 وسورة الفتح 11-12-26و الحجرات3الحديد 16المجادلة22
الحشر2 الصف5 المدثر31
قلوبكما
سورة التحريم الاية4


والبحث فى مادة صد ر ورد الآتى علما بأنه قد جاء فى تفسير القرطبى والقلب قد يعبر عنه بالفؤاد والصدر، قال الله تعالى: "كذلك لنثبت به فؤادك" [الفرقان: 32] وقال: "ألم نشرح لك صدرك" [الشرح: 1] يعني في الموضعين قلبك. وقد يعبر به عن العقل، قال الله تعالى: "إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب" [ق: 37] أي عقل، لأن القلب محل العقل في قول الأكثرين. والفؤاد محل القلب، والصدر محل الفؤاد، والله أعلم.

اللفظ
السورة والاية

صدوركم ال عمران 29-154الاسراء51-غافر80
ذات الصدور ال عمران 119-المائدة 7-الانفال 43-لقمان 23-فاطر 38-التغابن3
صدره الانعام 125-الزمر 22
صدرك الاعراف2-هود12-الحجر 47-الشرح 1
صدرى طه25-الشعراء13
صدور التوبة 14- الناس 5
الصدور يونس 57-العنكبوت 49 العاديات 10الحج46الملك13الشورى24الحديد 6
صدورهم النساء90-الاعراف43-هود5-الحجر 47-النمل 74-القصص69-الحشر 9




--------------------------------------------------------------------------------

القلب فى السنة المطهرة

والآن حديثنا عن القلب كما ورد فى حديث طب القلوب ودواؤها المصطفى خاتم الرسل صلوات الله وسلامه عليه فى رحلتى مع كتب الاحاديث مثل الصحاح استوقفنى ذلك الحديث الذى رواه الامام مسلم عن انس بن مالك يقول ان رسول الله صلى الله عليه وسلم( أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فأستخرج منه علقه فقال هذا حظ الشيطان منك ثم غسله فى طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه ثم أعاده فى مكانه وجاء الغلمان يسعون الى أمه أى ظئره فقالوا أن محمدا قد قتل فأستقبلوه وهو منتقع اللون قال انس وكنت ارى ذلك المخيط فى صدره ) وكأنى أتابع جراحة فريدة من نوعها للقلب المفتوح اشرف مريض واشرف طبيب واشرف عملية جراحية- و لما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرح ومعناه فى قوله تعالى فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام ... فقال هو نور يقذفه الله تعالى فى القلب فقيل وما علامته؟ فقال التجافى عن دار الغرور والانابة الى دار الخلود وعن ابى سعيد الخدرى ان النبى صلى عليه وسلم قال( اذا ادخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار يقول الله من كان فى قلبه حبة من خردل من ايمان فاخرجوه) وعن عبدالله بن مسعود عن النبى صلى عليه وسلم قال( لايدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذره من كبر) قال حذيفة سمعت رسول الله صلى عليه وسلم( تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا فاى قلب اشربها نكت فيه نكتة سوداء واى قلب انكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين -على ابيض مثل الصفا فلا تضره فتنه مادامت السماوات والارض والاخر اسود مربادا كالكوز مجخيا لايعرف معروف ولاينكر منكرا الا ما اشرب من هواه ) والمرباد شدة البياض فى سواد- مجخيا اى منكرا عن عبدالله بن عمرو بن العاص يقول انه سمع رسول الله صلى عليه وسلم( يقول ان قلوب بنى ادم كلها بين اصبعين من اصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء ثم قال رسول اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك )وعن ابى هريرة عن النبىصلى عليه وسلم انه قال ( كتب على ابن ادم نصيبه من الزنى مدرك ذلك لامحالة فالعينان زناهما النظر والاذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرجل زناها الخطا والقلب يهوى ويتمنى وذلك ويصدق ذلك الفرج ويكذبه) ومن صحيح دعاء النبى صلى عليه وسلم دعاء الاستفتاح فى الصلاة ( اللهم اغسل خطاياى بماء الثلج والبرد ونق قلبى من الخطايا كما ينقى الثوب الابيض من الدنس) وايضا كان يقول صلى عليه وسلم (اللهم انى اعوذ بك من علم لاينفع ومن قلب لايخشع ومن نفس لاتشبع ومن دعوة لايستجاب لها) وقال صلى عليه وسلم(اللهم اجعل فى قلبى نورا وفى بصرى نورا وفى سمعى نورا وعن يمينى نورا وعن يسارى نورا و فوقى نورا وتحتى نوراوامامى نورا وخلفى نورا وعظم لى نورا) ومن وصاياه صلى عليه وسلم (لاتكثروا الحديث بغير ذكر الله فانها قسوة للقلب وابعد الناس عن الله عز وجل يوم القيامة القلب القاسى )ِ



--------------------------------------------------------------------------------


القلب عند علماء المسلمين

قال الامام الغزالى فى كتابه احياء علوم الدين فى بيان معنى النفس والروح والقلب والعقل وما هو المراد بهذه الأسامي أعلم أن هذه الأسماء الأربعة تستعمل في هذه الأبواب ويقل في فحول العلماء من يحيط بهذه الأسامي واختلاف معانيها وحدودها ومسمياتها وأكثر الأغاليط منشؤها الجهل بمعنى هذه الأسامي واشتراكها بين مسميات مختلفة ونحن نشرح في معنى هذه الأسامي ما يتعلق بغرضنا اللفظ الأول لفظ القلب وهو يطلق لمعنيين أحدهما اللحم الصنوبري الشكل المودع في الجانب الأيسر من الصدر وهو لحم مخصوص وفي باطنه تجويف وفي ذلك التجويف دم أسود ه منبع الروح ومعدنه ولسنا نقصد الآن شرح شكله وكيفيته إذ يتعلق به غرض الأطباء ولا يتعلق به الأغراض الدينية وهذا القلب موجود للبهائم بل هو موجود للميت ونحن إذا أطلقنا لفظ القلب في هذا الكتاب لم نعن به ذلك فإنه قطعة لحم لا قدر له وهو من عالم الملك والشهادة إذ تدركه البهائم بحاسة البصر فضلا عن الآدميين والمعنى الثاني هو لطيفة ربانية روحانية لها بهذا القلب الجسماني تعلق وتلك اللطيفة هي حقيقة الإنسان وهو المدرك العالم العارف من الإنسان وهو المخاطب والمعاقب والمعاتب والمطالب ولها علاقة مع القلب الجسماني وقد تحيرت عقول أكثر الخلق في إدراك وجه علاقته فإن تعلقه به يضاهي تعلق الأعراض بالأجسام والأوصاف بالموصوفات أو تعلق المستعمل للآلة بالآلة أو تعلق المتمكن بالمكان وشرح ذلك مما نتوقاه لمعنيين أحدهما أنه متعلق بعلوم المكاشفة وليس غرضنا من هذا الكتاب إلا علوم المعاملة والثاني أن تحقيقه يستدعي إفشاء
سر الروح وذلك مما لم يتكلم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث أنه صلى الله عليه وسلم لم يتكلم في الروح متفق عليه من حديث ابن مسعود في سؤال اليهود عن الروح وفيه فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليهم فعلمت أنه يوحى إليه الحديث وقد تقدم فليس لغيره أن يتكلم فيه والمقصود أنا إذا أطلقنا لفظ القلب في هذا الكتاب أردنا به هذه اللطيفة وغرضنا ذكر أوصافها وأحوالها لا ذكر حقيقتها في ذاتها وعلم المعاملة يفتقر إلى معرفة صفاتها وأحوالها ولا يفتقر إلى ذكر حقيقتها -اللفظ الثاني الروح وهو أيضا يطلق فيما يتعلق بجنس غرضنا لمعنيين أحدهما جسم لطيف منبعه تجويف القلب الجمساني فينشر بواسطة العروق الضوارب إلى سائر أجزاء البدن وجريانه في البدن وفيضان أنوار الحياة والحس والبصر والسمع والشم منها على أعضائها يضاهي فيضان النور من السراج الذي يدار في زوايا البيت فإنه لا ينتهي إلى جزء من البيت إلا ويستنير به والحياة مثالها النور الحاصل في الحيطان والروح مثالها السراج وسريان الروح وحركته في الباطن مثال حركة السراج في جوانب البيت بتحريك محركه والأطباء إذا أطلقوا لفظ الروح أرادوا به هذا المعنى وهو بخار لطيف أنضجته حرارة القلب وليس شرحه من غرضنا إذ المتعلق به غرض الأطباء الذين يعالجون الأبدان فأما غرض أطباء الدين المعالجين للقلب حتى ينساق إلى جوار رب العالمين فليس يتعلق بشرح هذه الروح أصلا المعنى الثاني هو اللطيفة العالمة المدركة من الإنسان وهو الذي شرحناه في أحد معاني القلب وهو الذي أراده الله تعالى بقوله قل الروح من أمر ربي وهو أمر عجيب رباني تعجز أكثر العقول والأفهام عن درك حقيقته واللفظ الثالث النفس وهو أيضا مشترك بين معان ويتعلق بغرضنا منه معنيان أحدهما أنه يراد به المعنى الجامع لقوة الغضب والشهوة في الإنسان على ما سيأتي شرحه وهذا الاستعمال هو الغالب على أهل التصوف لأنهم يريدون بالنفس الأصل الجامع للصفات المذمومة من الإنسان فيقولون لا بد من مجاهدة النفس وكسرها وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك أخرجه البيهقي في كتاب الزهد من حديث ابن عباس وفيه محمد بن عبد الرحمن بن غزوان أحد الوضاعين - المعنى الثاني هي اللطيفة التي ذكرناها التي هي الإنسان بالحقيقة وهي نفس الإنسان وذاته ولكنها توصف بأوصاف مختلفة بحسب اختلاف أحوالها فإذا سكنت تحت الأمر وزايلها الاضطراب بسبب معارضة الشهوات سميت النفس المطمئنة قال الله تعالى في مثلها ( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية ) والنفس بالمعنى الأول لا يتصور رجوعها إلى الله تعالى فإنها مبعدة عن الله وهي من حزب الشيطان وإذا لم يتم سكونها ولكنها صارت مدافعة للنفس الشهوانية ومعترضة عليها سميت النفس اللوامة لأنها تلوم صاحبها عند تقصيره في عبادة مولاه قال الله تعالى( ولا أقسم بالنفس اللوامة) وإن تركت الاعتراض وأذعنت وأطاعت لمقتضى الشهوات ودواعي الشيطان سميت النفس الأمارة بالسوء قال الله تعالى إخبارا عن يوسف عليه السلام و امرأة العزيز( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء) وقد يجوز أن يقال المراد بالأمارة بالسوء هي النفس بالمعنى الأول فإذن النفس بالمعنى الأول مذمومة غاية الذم وبالمعنى الثاني محمودة لأنها نفس الإنسان أي ذاته وحقيقته العالمة بالله تعالى وسائر المعلومات و اللفظ الرابع العقل وهو أيضا مشترك لمعان مختلفة ذكرناها في كتاب العلم والمتعلق بغرضنا من جملتها معنيان أحدهما أنه قد يطلق ويراد به العلم بحقائق الأمور فيكون عبارة عن صفة العلم الذي محله القلب والثاني أنه قد يطلق ويراد به المدرك للعلوم فيكون هو القلب أعني تلك اللطيفة ونحن نعلم أن كل عالم فله في نفسه وجود هو أصل قائم بنفسه والعلم صفة حالة فيه والصفة غير الموصوف والعقل قد يطلق ويراد به صفة العالم وقد يطلق ويراد به محل الإدراك أعني المدرك وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم أول ما خلق الله العقل - وفي الخبر أنه قال له أقبل فأقبل وقال أدبر فأدبر الحديث تقدم في العلم فإن العلم عرض لا يتصور أن يكون أول مخلوق بل لابد وأن يكون المحل مخلوقا قبله أو معه ولأنه لا يمكن الخطاب معه وفي الخبر أنه قال له تعالى أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر الحديث فإذن قد انكشف لك أن معاني هذه الأسماء موجودة وهي القلب الجسماني والروح الجسماني والنفس الشهوانية والعلوم فهذه أربعة معان يطلق عليها الألفاظ الأربعة ومعنى خامس وهي اللطيفة العالمة المدركة من الإنسان والألفاظ الأربعة بجملتها تتوارد عليها فالمعاني خمسة والألفاظ أربعة وكل لفظ أطلق لمعنيين وأكثر العلماء قد التبس عليهم اختلاف هذه الألفاظ وتواردها فتراهم يتكلمون في الخواطر ويقولون هذا خاطر العقل وهذا خاطر الروح وهذا خاطر القلب وهذا خاطر النفس وليس يدري الناظر اختلاف معاني هذه الأسماء ولأجل كشف الغطاء عن ذلك قدمنا شرح هذه الأسامي وحيث ورد في القرآن والسنة والخلاصة ان لفظ القلب المراد به المعنى الذي يفقه من الإنسان ويعرف حقيقة الأشياء وقد يكنى عنه بالقلب الذي في الصدر لأن بين تلك اللطيفة وبين جسم القلب علاقة خاصة فإنها وإن كانت متعلقة بسائر البدن ومستعملة له ولكنها تتعلق به بواسطة القلب فتعلقها الأول بالقلب وكأنه محلها ومملكتها وعالمها ومطيتها ولذلك شبه سهل التستري القلب بالعرش والصدر بالكرسي فقال القلب هو العرش والصدر هو الكرسي ولا يظن به أنه يرى أنه عرش الله وكرسيه فإن ذلك محال بل أراد به أنه مملكة الإنسان والمجرى الأول لتدبيره وتصرفه فهما بالنسبة إليه كالعرش والكرسي بالنسبة إلى الله تعالى ولا يستقيم هذا التشبيه أيضا إلا من بعض الوجوه وشرح ذلك أيضا لا يليق بغرضنا فلنجاوزه
بيان جنود القلب
قال الله تعالى وما يعلم جنود ربك إلا هو فلله سبحانه في القلوب والأرواح وغيرها من العوالم جنود مجندة لا يعرف حقيقتها وتفصيل عددها إلا هو ونحن الآن نشير إلى بعض جنود القلب فهو الذي يتعلق بغرضنا وله جندان جند يرى بالأبصار وجند لا يرى إلا بالبصائر وهو في حكم الملك والجنود في حكم الخدم والأعوان فهذا معنى الجند فأما جنده المشاهد بالعين فهو اليد والرجل والعين والأذن واللسان وسائر الأعضاء الظاهرة والباطنة فإن جميعها خادمة للقلب ومسخرة له فهو المتصرف فيها والمردد لها وقد خلقت مجبولة على طاعته لا تستطيع له خلافا ولا عليه تمردا فإذا أمر العين بالانفتاح انفتحت وإذا أمر الرجل بالحركة تحركت وإذا أمر اللسان بالكلام وجزم الحكم به تكلم وكذا سائر الأعضاء وتسخير الأعضاء والحواس للقلب يشبه من وجه تسخير الملائكة لله تعالى
فإنهم مجبولون على الطاعة لا يستطيعون له خلافا بل لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وإنما يفترقان في شيء وهو أن الملائكة عليهم السلام عالمة بطاعتها وامتثالها والأجفان تطيع القلب في الانفتاح والانطباق على سبيل التسخير ولا خبر لها من نفسها ومن طاعتها للقلب وإنما افتقر القلب إلى هذه الجنود من حيث افتقاره إلى المركب والزاد لسفره الذي لأجله خلق وهو السفر إلى الله سبحانه وقطع المنازل إلى لقائه فلأجله خلقت القلوب قال الله تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون وإنما مركبه البدن وزاده العلم وإنما الأسباب التي توصله إلى الزاد وتمكنه من التزود منه هو العمل الصالح وليس يمكن العبد أن يصل إلى الله سبحانه ما لم يسكن البدن ولم يجاوز الدنيا فإن المنزل الأدنى لا بد من قطعه للوصول إلى المنزل الأقصى فالدنيا مزرعة الآخرة وهي منزل من منازل الهدى وإنما سميت دنيا لأنها أدنى المنزلتين فاضطر إلى أن يتزود من هذا العالم فالبدن مركبه الذي يصل به إلى هذا العالم فافتقر إلى تعهد البدن وحفظه وإنما يحفظ البدن بأن يجلب إليه ما يوافقه من الغذاء وغيره وأن يدفع عنه ما ينافيه من أسباب
الهلاك فافتقر لأجل جلب الغذاء إلى جندين باطن وهو الشهوة وظاهر وهو اليد والأعضاء الجالبة للغذاء فخلق في القلب من الشهوات ما احتاج إليه وخلقت الأعضاء التي هي آلات الشهوات فافتقر لأجل دفع المهلكات إلى جندين باطن وهو الغضب الذي به يدفع المهلكات وينتقم من الأعداء وظاهر إ

يقول شيخ الاسلام ابن تيمية ان الله تعالى خلق كل عضو من اعضاء جسم الانسان وله غرض ووظيفة فالاذن وظيفتها السمع والعين وظيفتها النظر اما القلب فقد خلق من اجل العلم وليس الامر فقط مجرد علم الاشياء ولكن ان يعقلها ايضا ويتحدث الشيخ عن امهات الاعضاء الى ينال بها العلم والتى ذكرها الله تعالى فى اعجاز فى قول تعالى (والله اخرجكم من بطون امهاتكم لا تعلمون شيئا وحعل لكم السمع والابصار والافئدة) وحينما لايستعمل الانسان هذه الاعضاء فيما سخرت له يكون مصيره النار كما ذكر فى الاية الكريمة ( ولقد ذرأنا لجنهم كثيرا من الجن والانس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم اعين لايبصرون بها ولهم اذان لايسمعون بها ) وتكون العين فى مرتبة مفارقة للاذن والقلب اذ موكل بها التامل فيما يحيط الانسان من المحسوسات بينما القلب والاذن فيعلم بهما ما غاب عن الانسان وتتجلى هذه الحكمة فى قوله تعالى ( افلم يسيروا فى الارض فتكون لهم قلوب يعقلون بها او اذان يسمعون بها ) وقوله تعالى (ام تحسب ان اكثرهم يسمعون او يعقلون) وكذلك قوله( ان فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد) فتدور امور لا مجال للنظر فيها

اقسام القلوب


لو تأملنا فى مجموعة افكار لكاتب اسلامى معاصر هو الاستاذ جودت سعيد بعنوان لا اكراه نشرت فى مجلة المجلة ,ويتحدث بعضها عن دور القلب والعقل نذكر منها ما قاله ان الانسانية بمفهوم العصر الذى يؤمن بالقوة فقط وليس بدور الفكر او العقل الانسانى ولهذا يقول الكاتب انهم اى اعداء الاسلام حاولوا نزع العقل الاسلامى بالاكراه وهذا يستبدل منطق الخطأ والصواب بمفهوم اخر هو القوة والضعف بالتالى من جعل للقوة سلطانا على العقل قد الغى الانسان كليا ومن عارض قوانين الحياة يهلك ومن يعارض قوانين الفكر يخسر نفسه وخسارة النفس بالعنى القرانى ليستبالضرورة خسارة الحياة بل هى خسارة الايمان وان الانسان لفى خسر الا الذين امنوا كما جاءفى سورة العصر وان الدين الذى ياتى بالاكراه ليس بد ين ولا يحول الاكراه الانسان الى ايمان لان الايمان فى اعماق القلوب وفى اعماق النفوس- ثم يتحدث الكاتب عن تطور مفهوم الرحمة وكيف يمكن ان يكون ذلك وسيلة فى صنع القلب السليم الذى ليس فيه غل لاحد ويكفى فى هذا قول الحق عن خاتم رسله وما ارسلناك الا رحمة للعالمين






--------------------------------------------------------------------------------

*القلب فى الطب
وبنفس المنهج قبل ان ان نخوض فى معنى القلب فى الطب نحاول ان نلقى الضوء على بعض علوم الطب مثل علم التشريح و هو فرع من العلوم يبحث فى كيفية تركيب اعضاء الجسم وذلك من منطلق دراسة التركيب سواء بالعين المجردة أو اخذ عينات لرؤيتها تحت المجهر بما يندرج تحت علم تكيميلى له يسمى علم الانسجة وهذا العلم اى علم التشريح لا يعتبر بالعلم الحديث او الغريب علينا كعرب او مسلمين فلا نستطيع ان ننسى هنا فضل العلماء العرب فى العصور الزاهرة للاسلام مثل ابن سينا والرازى وابن النفيس فى هذا المجال الذين ابدعوا فى فنون هذا العلم- حين كانت اوروبا غارقة فى عصور الظلام وهذا العلم قد تطور تطورا كبيرا فى عصورنا هذه وخاصة بعد اختراع المجهر الاليكترونى والمناظير الضوئية حتى امكن الوصول الى ادق التفاصيل فى تركيب الانسجة والخلايا بل وقد وصلنا الى مرحلةنقل القلب واستبدال الصمامات التى تعمل داخله بل وزراعة القلب الاصطناعى- و هذا ما يمكن تسميته بالتشريح المادى للقلب وان كان هناك رؤية اخرى او تشريح روحى للقلب القلب كما بدأنا الحديث هو عضو عضلى يوجد فى التجويف الصدرى ويحاط بغشاء رقيق يسمى غشاء التامور ويتكون القلب من اربعة غرف متصلة بعد د من الاوعية الدموية وبين الحجرات وبعضها وايضا بينها وبين هذه الاوعية الدموية يوجد عد د من الصمامات تعمل كبوابات تسمح بمرور الدم فى اتجاه واحد فقط والنصف الايمن من القلب يمتلىء بالدم القادم من كافة انحاء الجسم ولذلك فهو يعتبر دم غير نقى نظرا لاحتوائه على نواتج عمليات الايض -اى هدم المواد الغذائية- ويرمز له باللون الازرق بينما الجانب الايسر فيستقبل الدم القادم من الرئتن والمحمل بالاكسجين ليدفع بعد ذلك الى كافة انحاء الجسم ولو قمنا بدراسة نسيج عضلةالقلب لوجدنا انه نسيج فريد يختلف عن باقى انسجة عضلات الجسم الملساء او غير الملساء
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،،