بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


إنَّ اللغةَ هي جزءٌ لا يتجزأ من تاريخ كُلِّ شعب, فهي التي تُعطيهِ سمتهُ وطابعهُ ورونقه, وما من حضارةٍ مرتْ في هذه الدنيا وكان لها أثر
وبُعد نظر, إلا وكان لها لغتها أو تعبيرها الخاص بها والمختلف عن غيرها من الشعوب الأخرى.
زيادة على ذلك فهي جسرٌ للتواصلِ, وطريقةٌ ومبدأ للتعاملِ, وعنصرٌ من عناصر التكاملِ, والتآلفِ والتكافلِ, وهي فخرُ للأمة, ومجالٌ للإفصاح والتكلم, والإبداع والتعلم, وكما كان لِكُلِّ أُمةٍ لغة, فنحنُ العرب لنا لغتنا الخاصة بنا أيضاً والتي نفتخر بها.
هي لغةٌ أُنزِلَ بها القرآنُ, وافتخرَ بِجمالِها الإِنسانُ, وجاءتْ بِهَا الأديانُ واحتَارَ بِهَا الزَمانُ, واحتَفلَ بِهَا المَكَانُ, وفَرِحَتْ بِهَا الجِنَانُ, وطربتْ بسماعها الآذانُ , كُلَّ قلبٍ بها هَيمانُ, فيها أبدعَ الفنانُ, وتعتقَ الهذيانُ هي العمرانُ, وهي الأساسُ للحياةِ والأَركانُ, هي كلوحةٍ فريدةٍ زَيَّنَتهَا الألوانُ, هي لِكُلِّ العَرَبِ أوطانُ, هي الزمردُ واليَاقوتُ والمرجَانُ.

قالَ الشَاعرُ:

أنَا البَحرُ في أحَشَائِهِ الدُّر كَامِنٌ **** فَهَلْ سَاءلوا الغَوَّاصَ عَنْ صَدَفَاتَي

فتلك هي لُغَتي العربيَّةُ, الجميلةُ النقيِّةُ, المُتميِّزةُ الغَنيَّةُ, المُورقةُ والنَديَّةُ..
واسعةٌ وغامضةٌ كالبحرِ, ينتشرُ طِيبُها في جميعِ الأرجاءِ كالعطرِ, خياليةٌ في كُلِّ شيءٍ كالسِحرِ, وهي المناسبةُ لِكُلِّ عصرِ, وفيها البديعُ من الشعرِ, هي كالجميل من العُمرِ , كالذكريات والصورِ..

على مر الأزمانِ ظلت كما هي شامخة مرفوعةَ الرأسِ, هادئةٌ ليس عليها من بأس, حتى جاؤوا أولئك البشرُ من الأشرارِ, لتلويث لغتنا في وضحِ النهارِ, بكلماتٍ أعجميةٍ ليست في معاجمنا لها تفسير, ولا تحليل ولا تقرير..!..هي كلمات غيرُ مفهومة, وليست للكّلِّ معلومة.

قالَ الشاعرُ يرثي حالة اللغةِ العربيَّةِ:
فلا تكــلوني للزَّمـانِ فإنّنِـي *** أخافُ عليكم أن تحينُ وفاتي
أرى رجال الغرب عزّاً ومـنعةً *** وكـم عزَ أقوامٌ بعزِّ لغـاتِ
أيطرِبكم من جانبِ الغربِ ناعبٌ *** ينادي بوأدي في ربيع حياتي
أرى كُلَّ يَـومٍ بالجَـرائـدِ مزلقاً *** من القبر يدنيني بغير أناةِ

فهدفهم أولئك تحطيم اللغةَ والأبجديةَ, وتعليم الأجيال الانسياقََ والتابعيةَ.
هدفهم كُسر العروبةِ, والقبض عليها ووضعها في الأنبوبةِ, متناسين الجرمَ غير مهتمين بالعقوبةِ..!
هدفهم أن ينسوننا جذورنا وأعراقنا, وأصولنا وأعماقنا.
يقومون بهدم أهم شيءٍ في حياة الإنسان وتكوينه, فيريدون أن يفقدوا الإنسان العربي هويته,وأصوليته, عن طريق اللغة..
يقومون بهدم حضارة كاملة أشاد بها التاريخ عن طريق اللغة..
فكم من أممٍ ضاعت بضياعِ لغتها, وكم من أممٍ رُفعت وعلا شأنُها بلغتها.
فواجبنا نحن أمام ذلك الزحف الغاشمِ, والعدوانُ القائمِ, أَنْ نبادر في المحافظة على لغتنا من شرورِ الأنامِ, والأخطارِ الجِسَامِ, والعقولِ السِقامِ
بأن نتعلم منذ صغرنا ونعومةِ أظفارنا..بأنَّ اللغة العربيَّة هي لغتنا الأم, وبها نزل القرآن (كتاب الله عز وجل), وأنها هويتنا, وأننا المسؤولون عن المحافظة عليها في كُلِّ مكانٍ وزمان, وهناك طرق عديدة لذلك..منها:
بأن نقرأ القرآن, وأن نُرَّتله ونجعله جزءً من حياتنا, فهو أساسُ اللغةِ العربيَّة ومنه اشتقت صروفها وأحوالها, وبأن نتزود بقدرٍ كبير من الثفافةِ في اللغة العربية, وفي نحوها وصرفها وفي فنونها وفي إملائها, فمن المُعيبِ لنا (كعرب) , إن جاءنا لنكتب كلمةٍ بسيطة, أن نتردد في كتابتها ونتعلثم وتُصيبنا الحيرةُ والدهشة, والخوف والرعشة!
فلغتنا بحر شاسع جواهره لا تنضبْ, كلما زدت تقرباً منها, كلما غزاكَ شعورُ بالمتعةِ والفخرِ لأنكَ حافظت على هذا الكنز الذي بين يديك.
وبذلك لا نتركَ فرصة لأولئك المتطفلين, الساذجين, المجرمين
المتملقين, بأَنْ يتلاعبوا بلغتنا, التي هي فخرنا وعِمادُ حياتنا.
فهي الشيءُ الوحيد الذي تبقى لنا من مسمى (العرب), بعد كُلِّ تلك الإنكسارات التي أصابت عروبتنا..!..فهلَّا حافظنا عليها..؟
فيا لُغتي القريبةُ لقلبي, والمنيرةُ لدربي, أنا أفخرُ لكوني انتمي إليكِ..
لعزتكِ لجلالكِ, لروعتكِ لكمالكِ.
فهلْ هناكَ أجمل من اللغةِ العربيِّة؟
تلك كُتبت فيها علوم الأولين, وأمجادُ السابقين, وإبداعاتُ العربِ المسلمين.
هل هَناكَ أجملُ من لغة القرآن؟ وأبلغ وأفصح منها؟
تالله, ولا والله, لن ولم أجد أعظم من لغتي هذه.
لغةٌ الأجدادِ والأحفادِ, لغةُ الفرحِ والميلادِ, لغةُ الجمالِ والأعيادِ
لغةُ العطاءِ والإمداد, لغةُ التعبيرِ والإنشادِ, لغةُ الكبار والأولادِ
لغةُ الفخرِ والأمجادِ, لغةُ الحماسةِ والسدادِ..لَكمْ أفخرُ بكِ!