الرجولة في ميزان القرآن بين الذكر والأنثى

كثيرة هي المفاهيم المغلوطة التي انتشرت في أوساط المسلمين بسبب انحرافهم عن المعاني القرآنية حول بعض القضايا كقضية الرجولة، ذلك أن الكثير من الناس يرى بأن الرجل الذي يستحق وصف الرجولة هو المتهور المتسرع الشديد المتجبر المتسلط الطاغي المتمرد على كل شيء الظالم القاهر لزوجته أو أخته أو بنته أو أمه أو للمرأة عموما، السبّاب اللعّان.
-والحق أن الرجولة الحقيقية هي التي قصدها القرآن عندما بين معناها وفحواها، وبأنها صفات عالية وأخلاق سامية، من اتصف بها كان رجلا بحق عند الله، ولو لم يعده الناس رجلا.
-ومن لم يتصف بها لم يستحق وصف الرجولة ولو كان ذكرا ولو اعتبره الناس رجلا يحمل صفات الرجولة، لأن العبرة بميزان الله تعالى، وليست بأهواء وشهوات الناس.
الرجولة أخلاق عالية
ومن خلال آيات الله نعرف بأن من صفات الرجولة:
-السعي والحركة الدائمة في تبليغ رسالة الإسلام: (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال
يا قوم اتبعوا المرسلين، اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون) يس..20
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول ''بلغوا عني ولو آية).
-طهارة القلب من الشهوات والعقل من الشبهات والجوارح من السيئات: (لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) التوبة.108 وبقدر ما تكون المجاهدة للنفس بقدر ما تتمكن الطهارة منها.
العبادة: وهي (اسم جامع لكل ما يحبه الله من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة). (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار) النور. وقال تعالى مبينا مقصدا من مقاصد الخلق (وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون).
ـ الدفاع عن أهل الحق بالحجة والإقناع والرأي السديد: ''قال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم...''
ـ الخوف من الله وحسن التوكل عليه: من تمام التوكل على الله استعمال الأسباب التي نصبها لمسبباتها قدرا وشرعا.. ''قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما أدخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين'' المائدة.
ـ الثبات على المبدأ الصواب وعدم الانحراف والتغيير حتى الموت: ''من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا'' الأحزاب.
المرأة الرجل
ـ إن الناظر في مواصفات الرجولية بالمنظار الرباني يدرك تمام الإدراك أن العبرة في وصف المواقف بالرجولية أو بعدمها، إنما تكون بمدى توفر تلك المواصفات في الشخص ولو كان هذا الشخص أنثى قال تعالى: ''من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون'' وقال تعالى: ''من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب'' غافر: .40
ـ وهذه أسماء بنت أبي بكر الصديق تقف موقفا رجوليا رغم أنها أنثى، فعن أبي نوفل قال: دخل الحجاج بن يوسف الثقفي بعد مقتل عبد الله بن الزبير على أسماء بنت أبي بكر الصديق فقال: كيف رأيتني صنعت بعبد الله؟ قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك، أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا (المهلك) فأما الكذاب فرأيناه، وأما المبير فلا أخالك إلا إياه، قال: فقام عنها ولم يراجعها''. رواه مسلم
ـ ولهذا قيل في عائشة ''كانت رجلة الرأي) تشبه الرجال الحكماء في الرأي والمعرفة، فهذا هو الميزان الرباني الذي كان يأخذ به سلفنا كقتادة الذي كان يقول: (الرجال ثلاثة: رجل، ونصف رجل، ولا شيء، فالرجل هو من كان له عقل ورأي ينتفع به، ونصف رجل هو الذي يشاور العقلاء ويفعل برأيهم، والذي لا شيء هو الذي لا عقل ولا رأي له، ولا يشاور أحدا). والعرف الخاطئ لا يغير حقائق الألفاظ الشرعية، بل يجب التأكد من حدود المعانـــي المقصودة بها والوقوف عنـــدها، كما يجب الاحتراز من الخداع اللفظي في كل نواحي الدنيا والدين، فالعبرة بالمسميات لا بالأسماء