السلام عليكم
يبدو أن الزمن الحالى والقادم سيشهدان حالات كثيرة مما نطلق عليه التحرش الجنسى وهو لفظ جديد على الثقافة العربية والتى عرفت الغزل ( والمعاكسة ) , والمراودة , وهتك العرض , والزنا والإغتصاب .
فإذا جئنا إلى تعبير التحرش الجنسى فهو ترجمة للتعبير الإنجليزى : Sexual Harrassment أو ٍSexual Assault , ويتضح من هذه المعانى اللغوية أن لفظ التحرش يجمع بين القول والفعل , وأنه يحمل معنى الخشونة أو التهييج أوالإعتداء الخفيف . وهذا يدفع قول القائلين بأن التحرش يتوقف عند القول فقط دون الفعل , وأن الفعل يدخل فى نطاق هتك العرض . والحقيقة أن التحرش درجة أقل من هتك العرض ، يتضمن إيماءات أو تلميحات أو نظرات أو كلمات أو لمسات أو همسات ليست بنفس درجة الفجاجة والعنف فى هتك العرض , ولكنها تجرح مشاعر أى أنثى محترمة . ولهذا نقترح هذا التعريف للتحرش سواء كان من ذكر لأنثى أو من أنثى لذكر أو بين طرفين من نفس الجنس :

" التحرش الجنسى هو أى قول أو فعل يحمل دلالات جنسية تجاه شخص آخر يتأذى من ذلك ولا يرغب فيه "

* طرق التحرش :

1 – لفظية : واللفظ هنا يختلف عن ألفاظ الغزل الرقيقة والمتوددة , فهو يميل إلى الفجاجة والصراحة الجارحة , ويميل إلى الدلالات الجنسية , وأحيانا يستخدم المتحرّش ألفاظا سوقية يعبر بهل عن أطماعه فى الضحية , وأحيانا أخرى تأخذ معنى المراودة بما تتضمنه من إغواء وإغراء وإثارة .

2 – جسدية : وجسدية هنا تتضمن النظرة الفاحصة المتفحصة , أو الإيماءة الفاضحة الجارحة , أو استعراض بعض أعضاء الجسم وخاصة الأعضاء الجنسية , أو أخذ أوضاع معينة ذات دلالات جنسية , أو اللمس أو التحكك أو الضغط , أو محاولة الإمساك بالضحية أو ضمها أو تقبيلها عنوة .

* أماكن التحرش :

1 – خارج البيت : يمكن أن يحدث التحرش فى الشارع ويكون فى صورة كلمات بذيئة أو نظرات متفحصة أو اعتراض لطريق لضحية أو محاولة لمسها أو الإحتكاك بها.

وفى وسائل المواصلات يغلب أسلوب التحكك واللمس والضغط بحجة الزحام أو محاولة المرور من بين الناس، ولهذا تم تخصيص عربات ترام للنساء ( حتى فى لندن ) لحمايتهن من التحرش.

وفى الأسواق حيث الزحام والصخب وانشغال الناس بالفرجة والمساومة على الأسعار تكثر اللمسات والإحتكاكات , ولذلك يقصد العابثون الاسواق بالذات لتحقيق أغراضهم .

وعلى الشواطئ حيث تسود حالة من التراخى فى القيم والأعراف على اعتبار أن الشاطئ مكان للهو والمرح.

وفى حمامات السباحة حيث تتعري الأجساد وتقترب يجد المتحرشون فرصة للإقتراب أو الإصطدام الذى يبدو غير مقصود ولا مانع لديهم من التظاهر بالإعتذار.

وفى السينما حيث الظلام والتجاور بين الناس من كل الجهات يجد المتحرش الفرصة للمس أو ..

وفى أماكن العمل المزدحمة أو المغلقة أو المعزولة خاصة إذا كانت هناك فرصة للخلوة الآمنة تستيقظ رغبات المتحرش ( أو المتحرشة ) وتخرج فى صورة نظرات ذات معنى أو كلمات ذات دلالة أو حركات أو لمسات أو همسات .

وفى السجون حيث الحرمان الجنسى للجنسين والوحدة والعزلة وفقد الأمل والفراغ .

ولا تخلو بعض الأماكن الراقية مثل النوادى من محاولات التحرش بأشكالها المختلفة . وفى الدروس الخصوصية تم رصد الكثير من حالات التحرش بالفتيات أو بالأطفال بعضها تم الإبلاغ عنه وبعضها يتم التغطية عليه

وقد يحدث التحرش فى بعض العيادات أو المستشفيات حين تمتد عين أو يد الطبيب أو التمريض أو المساعدين إلى جسد المريضة فى غير ذات ضرورة .

وفى مكاتب المديرين ورجال الأعمال..

2 – داخل البيت :

وقد يحدث التحرش من أحد المحارم كالأب أو الأخ الأكبر أو الأم أو الأخت الأكبر , أو من أحد الأقارب كالعم أو الخال أو غيرهم . والإيذاء النفسى الذى يحدث من تحرش أحد المحارم أو أحد الأقارب يفوق بكثير ما يحدث من الغرباء فهو يأتى ممن يتوقع منهم الرعاية والحماية والمحافظة , لذلك حين يحدث تهتز معه الكثير من الثوابت وتنهار الكثير من الدعائم الأسرية والإجتماعية وتدع الضحية فى حالة حيرة واضطراب .

* بيئة التحرش :

يبدو أن الظروف الحياتية الحالية تمثل ما يمكن أن نطلق عليه " بيئة محرضة على التحرش " ونذكر منها ما يلى :

1 - الإزدحام :

لدى علماء الإجتماع هناك ما يسمى بالمساحة الحضارية وهى المساحة التى يتحرك الفرد فيها داخل المجتمع , ومن المعروف أنه كلما تقلصت هذه المساحة الحضارية كلما كثرت الإحتكاكات والمشكلات فى التعامل بين الناس وزادت الميول العدوانية .

2 - اقتراب الجنسين فى كل مكان :

فنظرا لخروج الفتيات والنساء للدراسة , وفى غياب الإشباع الكافى لاحتياجات الجنسين وغياب القيم الأخلاقية والدينية , تندفع النفوس المحرومة والمنفلتة تخطف ماليس من حقها متعللة بالحرمان أو القرب.

3 – العشوائيات :

وهى بيئة تجمع بين الإزدحام والفقر والحرمان والتلوث البيئى والأخلاقى , ولذلك فهى بيئة نموذجية لتصدير كل الأمراض والتشوهات الأخلاقية والإجتماعية إلى بقية قطاعات المجتمع وطبقاته .

4 - الخطابات الإعلامية والدينية المتشدة :

فالخطاب الدينى المتشدد الذى يصور المرأة على أنها جسد مدنس مسكون بالغواية والإغراء ويجب إخفاءه أو وأده بعيدا عن الأنظار , هذا الخطاب يجعل المرأة جسدا مرغوبا بالفطرة الطبيعية لدى الذكور ومكروها ومحتقرا فى نفس الوقت لدنسه وغوايته . وهذه التركيبة تشكل أرضية للتحرش فالمتحرش هنا يتوق إلى هذا الجسد ويرغبه وفى نفس الوقت يخافه ويحتقره . ونفس الخطاب الإعلامى على الرغم من تناقضه مع الخطاب الدينى المتشدد إلا أنه يصل تقريبا إلى نفس النتيجة فهو يعرض جسد المرأة عاريا ويستخدمه للترويج للسلع والأفلام والمسرحيات والأغانى فيبعث برسالة إلى المشاهد مفادها أن المرأة عبارة عن جسد جميل ملئ بالإغواء والإغراء ونداءات المتعة . إذن فكلا الخطابين يصلان إلى نتيجة واحدة (على الرغم من تناقضهما الظاهرى) مفادها أن المرأة ليست كيانا إنسانيا جديرا بالإحترام والحب والمودة والرعاية وإنما هى كائن شيطانى ملئ بألوان المتعة والغواية . ولهذا نجد المتحرش يحمل فى تكوينه كلا من الرغبة الجنسية والعدوان تجاه المرأة التى يتحرش بها فهو يريد أن يستمتع بجسدها دون اعتبار لها كإنسانة محترمة , فيخطف منها ما يريد ويتركها هملا بلا أى اهتمام أو رعاية .

5 - المسكرات والمخدرات : وهى تساعد الشخص على إخماد قوى الضبط النفسى والأخلاقى , وبالتالى تحدث لديه حالة من الإنفلات وحالة من غيبوبة الضمير .

* سيكولوجية التحرش :

سوف نتتبع التركيبة النفسية لعملية التحرش على المحاور التالية :

1 – المتحرش :

قد يكون المتحرش من النوع السادى الذى لا يستمتع بالعلاقات الجنسية العادية وإنما يسعده أن يأخذ ما يريده من الطرف الآخر بقدر من العنف والإجبار والقهر ,أو يكون من النوع الإستعرائى الذى يجد متعته فى استعراض أعضائه التناسلية أمام الضحية ويستمتع بنظرة الدهشة والإستغراب والخوف على وجه من يراه وكثير منهم تحدث له النشوة ويقذف لمجرد حدوث هذه الأشياء .وهناك النوع التحككى الذى يجد متعته فى الإلتصاق بالضحية فى الزحام والتحكك بها حتى يصل إلى حالة النشوة والقذف .أما النوع الهستيرى فيغلب وجوده فى النساء حيث تتحرش المرأة الهستيرية بالإغواء والإغراء للرجل الضحية لفظيا وجسديا حتى إذا تحرك نحوها صرخت واستغاثت بمن حولها لإنقاذها من هذا الحيوان الذى يريد اغتصابها , والشخصية الهستيرية تفتقد للثقة بنفسها لذلك تسعى للإغواء والإيقاع بالضحية لكى تطمئن على قدرتها على ذلك ثم تتعمد توسيع الدائرة لكى يعلم عدد من الناس كم هى مرغوبة ومطلوبة وكم هى جذابة لدرجة تخرج الناس عن طورهم . كل النماذج السابقة تعتبر نماذج مرضية مضطربة , والتحرش لا يقتصر على تلك النماذج بل يمكن أن يحدث من أشخاص عاديين فى ظروف تشجعهم على ذلك , وهذا ما نسميه " التحرش العرضى " أو " التحرش الموقفى " , بمعنى أنه سلوك عارض فى حياة الشخص أو سلوك ارتبط بموقف معين وليس بالضرورة أن يتكرر , على عكس التحرش المرضى الذى سبق وفصلناه ففيه الفرصة للتكرار لأن وراءه دوافع متجددة تدفع الشخص للتورط فيه من آن لآخر . وكون التحرش مدفوع باضطرابات مرضية لا يعفى صاحبه من المسئولية كما قد يظن البعض أو يتخوف , وإنما ربما يفسر لنا ما يحدث وينبهنا لإمكانية تكرار حدوثه , وربما فقط يخفف العقوبة فى بعض الظروف .

2 – المتحرش بها :

قد تكون التحرش بها عرضيا أو موقفيا بمعنى أنه يحدث فى ظروف معينة وأنها لا تقوم بسلوكيات مقصودة أو غير مقصودة تدفع لتكرار التحرش . أما القابلية لحدوث التحرش وتكراره فتكون أكثر فى الشخصيات الهستيرية والتى تقوم بالإغواء كما ذكرنا لتثبت لنفسها أولا وللآخرين ثانيا أنها جذابة ومرغوبة وهى لذلك تحرص على التشهير بمن تحرش بها على الرغم من أنها لعبت دورا أساسيا فى حدوث التحرش فهى جانية ومجنى عليها فى ذات الوقت , وهذه الشخصيات لديها تاريخ طويل فى تحرش الناس بها فتحكى أن والدها قد تحرش بها وكذلك أخيها الأكبر وزميلها فى المدرسة ومدرسها الخصوصى والطبيب الذى يعالجها ورئيسها فى العمل , وكأن الرجال كلهم يتحرشون بها لفرط جمالها وجاذبيتها على الرغم من أن الشخصية الهستيرية تعانى فى داخلها من البرود العاطفى والجنسي لذلك تحاول أن تعوض ذلك بسلوك إغوائى .وهناك الشخصية السيكوباتية التى تدفع الآخرين للتحرش بها بهدف ابتزازهم وتحقيق مصالح معينة من هذا الإبتزاز , وقد يحدث هذا فى مجالات السياسة أو مجالات الجاسوسية أو فى وسط رجال الأعمال. أما الشخصية الماسوشية فهى تستمتع بالإهانة والإذلال والعنف الذى يمارسه المتحرش ضدها فلديها إحساس عميق بالذنب والإنحطاط وانعدام القيمة وأنها جديرة بالقهر والإذلال والإمتهان وهى تشعر بالراجة حين يمارس ضدها أى عنف جنسى أو جسدى , وهى لا تميل إلى الشكوى أو التشهير بالمتحرش ( كما تفعل الشخصية الهستيرية ) وإنما تكتفى بما تحصل عليه من إهانة وقهر وإذلال .

3 – الإحتياجات :

وضع عالم النفس الشهير أبراهام ماسلو ما يسمى بهرم الإحتياجات فوضع فى قاعدته الإحتياجات الأساسية ( أو البيولوجية ) وهى الطعام والشراب والمسكن والجنس , ويعلوها الإحتياج للأمن ويعلوه الإحتياج للحب , ويعلوه الإحتياج للتقدير الإجتماعى , ويعلوه الإحتياج لتحقيق الذات , ويعلوه الإحتياجات الروحية . فإذا فقد الإنسان أحد هذه الإحتياجات أو بعضها أو أغلبها فإنه يسعى لإشباعها من نفس نوع الإحتياج إن وجد أو من احتياج آخر أعلى أو أدنى حسب ما يتاح له . فمثلا إذا فقد الإنسان الحب أو فقد التقدير الإجتماعى أو فقد القدرة على تحقيق ذاته ,أو فقد القدرة على التواصل الروحى فإنه ربما يلجأ إلى التحرش أو الإنغماس فى الجنس أو القمار أو المخدرات فى محاولة منه لسد فجوة الإحتياج المفقود . وقياسا على هذا نستطيع القول بأن الشباب الذين قاموا بالتحرش الجماعى فى وسط القاهرة كانوا يفتقدون ربما الإحساس بالكرامة أو الإحساس بالقيمة أو الإحساس بالحب أو الإحساس بالأمان أو فقدوا القدرة على الإشباع الجنسي بطريق شرعى فانطلقوا يعوضون هذه الإحتياجات المفقودة من خلال التحرش .

4 – الدوافع والضوابط :

يتميز الإنسان الطبيعى بحالة من التوازن بين الدوافع والضوابط , وهذا ما يجعله يتمكن من السيطرة على دوافعه بناءا على الإعتبارات الدينية والأخلاقية والإجتماعية . وضوابط الإنسان ليست كلها داخلية متمثلة فى الضمير الشخصى , ولكن هناك الضابط الإجتماعى المتمثل فى ضغط الأعراف والتقاليد , وهناك الضابط القانونى الذى يمثل نوعا من الردع خاصة لأولئك الذين لم يردعهم الضمير ولم تردعهم الأعراف والتقاليد الإجتماعية . وإذا ضعف أى من هذه الضوابط أو ضعفت كلها , أو طغت الدوافع فإننا نتوقع خروج الرغبات ( العدوانية والجنسية ) فجة ومتحدية ومهددة للسلام الإجتماعى .


* الآثار النفسية للتحرش الجنسي :


هناك آثار سريعة تظهر مباشرة أثناء حالة التحرش وتستمر بعدها لعدة أيام أو أسابيع وتتلخص فى حالة من الخوف والقلق وفقد الثقة بالذات وبالآخرين وشعور بالغضب من الآخرين وأحيانا شعور بالذنب . والشعور بالذنب

وهناك آثار تظهر على المدى الطويل وتتمثل فيما نسميه بكرب ما بعد الصدمة خاصة إذا كان التحرش كان قد تم فى ظروف أحاطها قدر كبير من الخوف والتهديد للشرف أو للكرامة أو لحياة الضحية وسلامتها , وهنا تتكون ذاكرة مرضية تستدعى الحدث فى أحلام اليقظة أو فى المنام وكأنه يتكرر مرات كثيرة كما يحدث اضطراب نفسى وفسيولوجى عند مواجهة أى شئ يذكر الضحية بالحدث , ويتم تفادى أى شئ له علاقة بالحدث , ويؤدى ذلك إلى حالة دائمة من الخوف والإنكماش والتردد وسرعة التأثر . كما أن الضحية تفقد قدرتها على الإقتراب الآمن من رجل , وإذا تزوجت فإنها تخشى العلاقة الحميمة مع زوجها لأنها تثير لديها مشاعر متناقضة ومؤلمة .

* طرق الوقاية من التحرش :

هناك استراتيجيتان للتعامل مع حالات التحرش :

1 _ التفادى : وتعنى تجنب الأماكن والمواقف التى يتوقع فيها التحرش مثل الأماكن المعزولة أو المغلقة التى يسهل الإنفراد فيها بالضحية , أو الأماكن المزدحمة , أو التواجد مع أشخاص بعينهم يتوقع منهم هذا السلوك . وتتعلم الفتاة بشكل خاص أن تتجنب المواصلات المزدحمة , وأن تستفيد من وجود العربات المخصصة للنساء فى الترام , وإذا ركبت تاكسى أن لا تركب بجوار السائق فى الكرسى الأمامى وأن لا تتبسط إليه فى الحديث بدون داعى , وإذا ذهبت إلى عيادة الطبيب أن لا تذهب وحدها , وأن تعرف الأسرة ظروف وأماكن الدروس الخصوصية لبناتها وأبنائها ........ إلخ . واستراتيجية التفادى قد تمنع حوالى 75% من حالات التحرش ومواقفه دون مشكلات تذكر .

2 – المواجهة : وفيها تواجه المتحرش بها الشخص المتحرش , إما بنظرة حازمة ومهددة , أو بكلمة رادعة ومقتضبة , أو بتغيير مكانها ووضعها , أو بتهدديده وتحذيره بشكل مباشر , أو بالإستغاثة وطلب المساعدة ممن حولها , أو بضربه فى بعض الأحيان . واستراتيجية المواجهة تحتاج لذكاء وحسن تقدير من الضحية , وليس هناك سيناريو واحد يصلح لكل المواقف , وإنما يتشكل السيناريو حسب طبيعة الشخص وطبيعة الظروف . وهناك طرق قد تبدو طريفة فى المواجهة تستخدمها بعض الفتيات مثلا فى وسائل المواصلات فبعضهن يستخدمن دبوسا ضد من يحاول التحكك بهن , وهى وسيلة دفاع صامتة وقد تكون مؤثرة ورادعة , وبعضهن يتعلمن وسائل الدفاع عن النفس مثل الكاراتيه والتايكوندو والكونجفو لتتمكن من الدفاع عن نفسها دون الحاجة للمساعدة الخارجية , خاصة حين تضعف السلطات الأمنية أو تتغيب أو تنشغل بحماية أولى الأمر عن حماية الشعب أو تضعف النخوة والمروءة فى المجتمع .. ويعيب استراتيجية المواجهة أنها ربما تحدث ضجة أو فضيحة لا تحبذها المرأة أو الفتاة فى مجتمعاتنا المحافظة , على الرغم من أن فيها ردع قوى لكل من تسول له نفسه بالتحرش بأى فتاة .

وهناك تعليمات عامة لمن تواجه حالة تحرش نذكر منها :

- حاولى الإنتقال قدر الإمكان إلى مكان أكثر أمانا بعيدا عن المتحرش فمثلا إذا كنت فى وسيلة مواصلات فعليك بالنزول منها أو تغيير مكانك فيها حسب ما يتطلب الموقف , وقد تطلبين من أحد الركاب الجالسين ممن تتوسمين فيه الخير أو المروءة أن يقوم لتجلسي مكانه ولا مانع من أن توصليه رسالة موجزة بأنك تتعرضين لمشكلة وهو سيفهم ويساعد فى الأغلب . وإذا كنت فى مكان مغلق فعليك الإنتقال فى أسرع وقت إلى مكان مفتوح حتى لا ينفرد بك المتحرش . أما إذا كان الإبتعاد عن المتحرش غير متاح فعليك أن تواجهيه بنظرة حازمة وغاضبة ورافضة ومؤكدة , وأن تعلنى رفضك بكلمات قليلة ومحددة , دون الدخول فى نقاش معه . لا ترفعى صوتك ولا تستخدمى كلمات جارحة . لاتقولى له من فضلك أو لو سمحت أو أى كلمات من هذا القبيل ولا تفتحى معه مجالا للمناقشة , ولا تجيبى على أى أسئلة يوجهها إليك المتحرش ولا توجهى أنت إليه أي أسئلة . باختصار اقطعى عليه الطريق باستخدام النظرة الحازمة الرافضة الغاضبة واستخدام كلمات قليلة محددة ومؤكدة ورافضة . والمتحرش فى أغلب الحالات يكون جبانا لذلك يتراجع عند أول بادرة رفض أو تهديد .

وإذا كنت أما وتريدين حماية ابنتك من التحرش فافعلى ذلك دون إثارة حالة من الرعب والفزع فى نفسها , فمثلا أوصها ألا تسمح لأحد غريب باصطحابها إلى أى مكان , أو أن يتحسس جسمها أو يكشف ملابسها , أو يعبث بها , وأن لا تدخل فى أماكن مغلقة مع رجل سواء فى محل بقالة أو مكتبة أوغيرها , وأن لا تمشى فى أماكن معزولة , أو فى أوقات متأخرة من الليل . ولا تلبسى هذه التنبيهات ثوبا جنسيا وإنما علميها إياها من خلال وجوب محافظتها على كرامتها وسلامتها .

ويحتاج المجتمع لأن يقى أبنائه وبناته شر التحرش وأن يجنبهم آثاره وذلك بتيسير إشباع الإحتياجات الإنسانية بطرق مشروعة , والحد من المواد الإعلامية والإعلانية المثيرة للغرائز , وترشيد الخطاب الدينى الذى يصور المرأة على أنها جسد شيطانى شهوانى يجب تغييبه عن الحياة تماما وعزله بالكامل داخل غرف مغلقة بعيدا عن أعين الرجال الحيوانيين . ويحتاج المحتمع لأن يرعى وينمى فى أبنائه ضوابط الضمير والضوابط الإجتماعية والضوابط القانونية للحفاظ على التوازن الصحى بين الدوافع والضوابط .

الوقاية من فرط الوقاية :

يبدو أن تجنب السلوك الوسواسى فى الوقاية لا يقل أهمية عن أمر الوقاية , فقد حكت لى أحد الأمهات أنها تسأل ابنتها البالغة من العمر عشر سنوات كل يوم حين عودتها من المدرسة أو من أى مكان تذهب إليه إن كان أحدا قد مسها أو لمسها أو تحرش بها أو حاول الإعتداء عليها , ولا تكتفى بذلك بل تقوم بفحصها أحيانا فحصا جسديا بحثا عن آثار الإعتداء الذى تخشاه أو تتوقعه . وهذا النموذج يتكرر بصورة أو بأخرى وبدرجات مختلفة بين نسبة غير قليلة من الأمهات , والأم هنا تعتقد أنها تقوم بواجبها الأمومى على خير وجه فى حين أنها تزرع فى ابنتها بذور الوسواس والشك تجاه مسألة العذرية وتجاه الأخطار المحيطة وتجاه الرجال " المتوحشين " أو "الحيوانيين" , ولا نتوقع بعد ذلك نموا نفسيا طبيعيا لهذه الفتاة التى مارست معها أمها ما نسميه " فرط الوقاية " أو " الوقاية الوسواسية " .

وبعض الأمهات أو الآباء من كثرة ما يسمعونه من حوادث التحرش والإعتداء الجنسى وخطف الأطفال واغتصابهم وقتلهم أحيانا , ربما يعمدون إلى منع أبنائهم وبناتهم من الخروج نهائيا من البيت , مع تحذيرهم من كل شئ يقترب منهم أو يحيط بهم , وهذا أيضا موقف مرضى يكون فى عقل الطفل ( أو الطفلة ) صورة مرعبة وغير حقيقية عن العالم المحيط به وعن الناس وهذا يحول بينه وبين الإحساس بالأمان ويحول بينه وبين الثقة بأى أحد من الناس , والناتج النهائى لكل هذه الصور من فرط الوقاية إما حالات قلق , أو وسواس , أو بارانويا .