رقصة الموت

في خلال ساعات قلائل.. وعند الساعة التاسعة مساءً.. اشتد حشد الجمهور في ساحة مرقص (الليل الساطع) المشهور بمدينة القاهرة، واختلطت أنغام الموسيقى الصاخبة مع أصوات الجهمور المشجعة للراقصة عليا، بينما كانت أنوار المرقص الملونة تلوح هنا وهناك على رؤوس الراقصين.

قال السيد أنيس لصديقه عصام: لا أدري كيف وافقت على المجيء إلى هنا، مكان سخيف وأغاني تافهة.

فرد عصام ضاحكاً: ولكنك ستغير رأيك عندما ترى عليا، إنها راقصة بارعة من كوكب آخر، بل هي قمر يتمايل يمنة ويسرة. فقال السيد أنيس مستهزئاً: قمر يتمايل؟ كفاك سخريةً، إنها لا تعني لي شيئاً، أليست من خلق الله؟

رد عصام: بل أجمل من ذلك بكثير، وسترى التغير الذي سيطرأ عليك.

بقي السيد أنيس صامتاً عابساً، وبشعره الأبيض بدا للناس وكأنه يحضر جنازة ميت لا حفلة راقصة..



كانت عليا جالسة خلف الكواليس تنتظر الشارة لتخرج للجمهور، وكانت تحبس أنفاسها بين الفينة والفينة..

إنها راقصة مبتدئة، ولم تعتاد على الظهور المستمر على خشبة المرقص..

وظل التوتر يرافقها حتى حانت اللحظة الحاسمة، فأخذت نفساً عميقاً لتظهر بمظهر أنثوي لائق..

وما هي إلا لحظات حتى كانت على المنصة ترقص وتتمايل وتهز خصرها برشاقة، وكأنها فراشة تحط على وردة الزنبق من شدة نعومتها..

ونظر عصام إلى السيد أنيس خلسة فرأه مندمجاً، عيناه تتابعان حركات الراقصة بخفة، فاتحاً ثغره، فضحك في سره وقال له: مالي أراك مندمجاً هكذا؟ لم يجب السيد أنيس عن هذا السؤال، وكأنه لم يسمعه، بل كان يبدي دهشته وإعجابه بالراقصة..

فهي ممشوقة القامة، رشيقة الجسم، ذات شعر أسود كثيف، وعينان خضراوتان تتلألآن في وجهها كنجمتان ساطعتان في مساء سماؤه خالية من السحاب، وخالة سوداء حطت على خدها الناعم مع شفتان حمراوتان تبدوان من أول نظرة حبتان من الكرز..

وبعد دقائق أقبل رجل أشقر الشعر، متين البنية نحو عليا، وما إن رأته حتى ارتسمت على شفتيها إبتسامة تقول: جئت في الوقت المناسب يا سمير..

وبدآ بالتراقص معاً، والكل مستغرب ومتسائل: من هذا الذي يجرؤ على الرقص مع عليا؟

والجواب أتى بعد توقف الآلات الموسيقية للراحة، فالتفتت نحو الجمهور وقالت: علامات الإستغراب بداية على وجوهكم، والسؤال الذي يدور بخاطركم: من هذا؟ إنه صديقي سمير، وهو الذي شجعني على صعود سلم النجومية، فتحية له. بدأ الجمهور بالتصفيق بحرارة، فحك سمير رأسه بخجل وقد ازداد حياؤه..

وحين بدأت الموسيقى تعمل من جديد صرخت عليا بحماس: واحد.. إثنان.. ثلاثة.. فليبدأ الجميع بالرقص.

وبعد إنتهاء العرض الذي لقي إقبالاً شديداّ، توجهت عليا مع سمير إلى غرفتها الخاصة في ذلك المرقص.

وعندما دلفا سوية قال سمير: كان عرضاً رائعاً، أحسنت عملاً. ضحكت عليا وقالت: الفضل يعود لك، فأنت من نصحني باللجوء إلى مهنة الرقص، وسأكون على بساط الثروة قريباً.

- ألن تتركي هذه المهنة؟ فعندما نصحتك بالرقص لم أكن أقصد ذلك، فكنت حينها عاطلة عن العمل، وحببت أن أساعدك.

- وها أنت تساعدني إلى الآن.

- أليس من الأفضل أن تبحثي عن وظيفة أكثر تستراً واحتشاماً؟

- لا يهمني ذلك ما دام حلمي بالشهرة قد أتى بنفسه على رجليه.

- إن القرار أولاً وأخيراً يعود إليك، فأنت المسؤولة عما سيحدث.

حدجته بنظرة حادة، فعلم خطأه وقال: أستميحك عذراً، أرى أني قد تماديت قليلاً.

رجعت البسمة إلى مكانها المعتاد وقالت: حسناً، ليس باليد حيلة، فأنت أعز صديق عرفته، ولن أفرط فيك أبداً.



في صباح اليوم التالي، قدم عصام إلى مكتب السيد أنيس في شركته الضخمة، وعندما دخل مكتبه وجده غارقاً في التفكير، فابتسم عصام وقال مداعباً: مالك يا أنيس؟ أمن حفلة راقصة واحدة أفقدتك صوابك؟

بقي السيد أنيس صامتاً، ولم يتحرك البتة، فشعر عصام بأن جملته باتت سخيفة، فحاول أن يلطف الجو بمرحه الزائد فقال: هل تفكر في وضع عليا مديرة على مكتبك؟

وهنا، تحركت مشاعر السيد أنيس، وقام واقفاً على قدميه من الفرحة وصفق بكلتا يديه وقال: أحسنت يا عصام، لقد أتيت بالحل المناسب. لم يفهم عصام شيئاً مما قاله السيد أنيس، فقال بشيء من البلاهة:

لا تقل أنك......... .

قاطعه السيد أنيس وقال: نعم، نعم يا عصام، سأجعلها مديرة مكتبي.

ضحك عصام مما سمعه، فقال:

- أتزال بعقلك يا أنيس؟ كيف تكون مديرة عندك وهي راقصة؟

- لن تفهم علي، لدي خطة محكمة ستجبرها على العمل عندي.

حكّ أنيس رأسه وقال: أتقنعها بالمال؟

- لا لا.. إنها ثريّة وستكون بغنى عن المال.

- إذاً فهل لك أن تتطلعني على خطتك؟

هز السيد أنيس رأسه وقال: لا، لن أطلعك عليها أبداً، فإذا نجحت في تعيينها عندي أخبرتك بالأمر، والآن أعذرني، فأنا على موعد هام مع أعضاء الشركة، نتقابل فيما بعد، وداعاً.

تلقت عليا اتصال هاتفي من الأستاذ صابر.. صاحب برنامج لقاء غير خاص على الهواء.. يطلب منها القدوم إلى الأستديو لإجراء حوار صحفي معها، ووافقت عليا على ذلك دون أي معارضة..

وماهي إلا دقائق معدودات حتى كانت أمام مبنى الأستديو، كان مبنى ضخم، كثرت نوافذه اللامعة، وعلى بوابته الرئيسية شرطيان، وما إن رأوها قادمة حتى رحبوا بها أيما ترحيب، ودلفت برفقتهم داخل الإستديو، فأروها الممرات الواسعة والغرف ذات التقنيات العالية، إلى أن وصلوا إلى مكتب الأستاذ صابر، فتركوها عنده.

كان الأستاذ صابر شاب في الثلاثين من العمر، ذو شعر أسود قاتم، وعينان حادتان، مع ابتسامة واسعة عندما دلفت الراقصة عليا مكتبه، وبعد أن تبادلا عبارات الترحيب قالت عليا: ومتى سنبدأ تصوير الحلقة؟

رد الأستاذ صابر: حالما تكونين جاهزة. ضحكت عليا وقالت: إني جاهزة في كل وقت، وأفضل إجراء اللقاء الآن، لأن لدي مواعيد هامة علي قضاؤها.

وقف الأستاذ صابر وقال: حسناً، فلنبدأ الآن، ولتكن حلقة لا تنسى.

وأخذ بيدها وتوجها سوية نحو الأستديو..

غرفة واسعة، شبه خالية، والكاميرات مزروعة هنا وهناك حول كرسيين وطاولة تتوسطهما، كما كانت الأضواء مسلطة عليهما حتى لا يبدو العرض مظلماً.

جلس الأستاذ صابر على الكرسي الأول ودعا عليا للجلوس أمامه.

وأشار بيده لبدأ التصوير، فأخذ موقعه الخاص وشد قامته.. وبدأ تصوير اللقاء..

تكلم الأستاذ صابر في البداية قائلاً:

أسعدتم مساء مشاهدينا الكرام؛

حلقة اليوم مميزة، ذات ضيف مميز، وطلة مميزة،

تسلقت سفوح المجد ببراعتها، واشتهرت بجمالها وحسن خلقها..

لا نريد الإطالة عليكم، معنا الآن الراقصة عليا..

- مرحباً عليا، كيف تشعرين؟

- بخير، وأنا أسعد حالاً حين أكون محط أنظار محبيني.

- عليا هل تسمحين ببدأ طرح الأسئلة عليك؟

- بالتأكيد.
حسناً، في البداية أريد أن أسألك، ماذا تشعرين وأنت ترقصين على خشبة المرقص؟

- سؤال جميل، في الحقيقة لا أشعر بشيء أثناء الرقص، ولكن ملاحقة أنظار المشاهدين لرقصي يعتبر من أهم أساليب النجاح.

- أي أنك تقولين بأن الرقص لا قيمة له أبداً؟

- بالتأكيد، ولا يشترط النجاح بأن أكون راقصة ماهرة، بل يمكنني النجاح بأن أكون ممثلة على القنوات الفضائية، أو شاعرة أدبية.

- إذا كان كما قلت لا يشترط النجاح بالرقص، فلماذا لم تكوني ممثلة أو شاعرة أو.. إلخ؟

- هذا لأني لا أجيد سوى الرقص الشرقي، أما لو كان لدي أسلوب أدبي لما ترددت أبداً في أن أصبح كاتبة مشهورة.

- إذاً فالموهبة قبل كل شيء.

- نعم، وهي أساس النجاح.

- وهل دخلت عالم الرقص بقناعتك أم بمساعدة أحد ما؟

- بل بمساعدة صديقي الحميم سمير، فلقد رأى موهبتي الراقصة، فأحب أن ينميها، ولذلك نصحني بأن أقتحم عالم الرقص وأحقق فيه نجاحاً مذهلاً.

- وهل ستنوين إكمال طريقك نحو مجد الشهرة؟

- للأسف لا، لقد رقصت مرات عديدة، وآن الأوان للإعتزال بعد عرضي الأخير، أي بعد يومين.

- ولماذا تعتزلين وأنت في ذروة الشهرة؟ ألم تتعبي للوصول إلى ما أنت عليه؟

- بلى، ولكني قررت الإحتشام، وسأعمل بوظيفة تكون أكثر احتشاماً وأعلى مركزاً.

- ولكنك حين ترقصين تكونين محتشمة!

- هذا صحيح، ولكن صديقي سمير أصر على تركي لهذه المهنة، وخاصة عندما أدعى للرقص بين فرقة راقصة أخرى، فيختلط الإحتشام بالتكشف والتعري، وهذا ما لا أقبله أنا.

- الله ما أشد حياؤك آنستي، كلمة أخيرة، بماذا ستردين على من عارضك بالإعتزال؟

- إنها حياتي وأنا أسيرها كما أشاء، لا كما يشاء الجمهور..

- يبدو أن الوقت قد انتهى، سررنا بهذه المقابلة آنستي، ونتمنى أن نتقابل مرة أخرى.

- شكراً لك، وأشكر جميع من شارك في إنتاج هذا البرنامج....



- سيداتي سادتي، يبدو أن الوقت قرب الحبيب يمضي بسرعة، وها نحن نودعكم في أمان الله على أمل اللقاء بكم..

وضع خبر الراقصة عليا في الصفحات الأولى من الجرائد اليومية، فكان جميع الكتاب والصحفيين يتدارسون حول الموضوع نفسه، إذ كانت موضع إهتمام المدينة بأسرها، وكل من فيها كان معجب بها.

قرأتها عليا وهي في شقتها تجلس على كنبة مطلة على نافذة واسعة، تستطيع أن ترى من خلالها الناس وهم يتهافتون من بيوتهم إلى عملهم مستعجلين، وبجانبها طاولة صغيرة دائرية وضعت عليها فنجاناً من القهوة الذي لم تتناوله إطلاقاً.

أغلقت عليا الجرائد ورمتها بعيداً وقالت بنفس مرتاح: حسناً، لقد نجحت، وشهرتي بدأت تنتشر بين الناس كأسراب الحمام المهاجرة، وكل مهمتي هي أن أرقص فقط، يا له من عمل مريح.

وقطع حبل أفكارها رنين جرس الباب المواجه للنافذة، فقامت برشاقة وخفة ونظرت من خلال ثقب الباب، ففتحته وقالت: أهلاً سمير، تفضل. دخل سمير وهو مشرق الوجه وقال: أقرأت ما كتب عنك السيد أنيس؟

قالت عليا متسائلة: ومن هو ذا السيد أنيس؟ رد سمير بحماس: ألا تعرفينه!! إنه أشهر من نار على علم، إنه صاحب الشركة الكبيرة التي تقع في وسط الشارع 41/ م.ح

تأوهت عليا وقالت: نعم، لقد عرفته الآن، وماذا كتب عني؟ أخرج سمير من جيب سترته الصوفية صفحة قد قطعت من أحد المجلات وأعطاها إياها.

قرأتها عليا باهتمام بصوت عالٍ العنوان الرئيسي للمقال: راقصة على خشبة المرقص تجني أموالاً طائلة..

وبعد هنيهة من الزمن كانت قد فرغت من قراءتها، واستدل سمير بذلك وجهها المنير الضاحك.

نظرت إليه والفرحة تغمرها وقالت: أرأيت كيف وصفني السيد أنيس بالنسيم العليل الذي يحط على الخد الناعم؟

كم هو لطيف، لقد عبّر فأحسن التعبير.

قال سمير وقد أخذ منها الصفحة وأعادها في جيبه: ولكن لا تدعي ذلك يؤثر عليك، فإن للغرور خطر على مستقبلك، كوني متواضعة، وواجهي الناس بطبيعتك المرحة.

ردت عليا: وهل تراني أفعل ذلك؟ كل ما في الأمر أني فرحة الآن. قال سمير بجفاء: حسناً، علي المغادرة، بانتظار حفلتك القادمة على أحر من الجمر.

ودّعها بقبلة خفيفة وأغلق الباب خلفه بعد أن خرج، فاستندت عليا على الباب وهي فرحة، ولكنّ انعكاس أشعة الشمس الذهبية بسبب ما قد اصطدم في وجهها، وتساءلت: ماهذا؟ عادة لا تصل أشعة الشمس إلى هنا!.

وتوجهت نحو النافذة وأطلت منها، فرأت أن انعكاس الأشعة قادم من بناء بعيد هو بناء شركة السيد أنيس..

نعم.. فقد كان السيد أنيس يراقبها من مكتب شركته بواسطة المنظار المكبر، وما إن رآها تنظر إلى الشركة حتى أبعد المنظار عنه، ولكن البسمة الخبيثة كانت قد طبعت على فاهه منذ البداية وتمتم قائلاً: هذا جيد، بداية لا بأس بها، والمستقبل الزاهر قادم عمّا قريب..

بعد خروج سمير من منزل عليا، توجه إلى حديقة عامة اشتهرت بوجود أزكى روائح الورود المنعشة، فيتهافت عليها الناس من كل مكان.

وفي وسط الحديقة ساحة للنباتات الخضراء تزينها الفراشات الحاطّة عليها، وأمامها جلس سمير على مقعد خشبي أبيض اللون، ووضع رجله فوق رجله الأخرى وراح يقرأ بكتاب كان قد اشتراه قبل دخوله الحديقة، بينما الناس يروحون ويجيئون حوله مرحين.

ولم يكن عصام بعيداً عن المكان الذي يجلس فيه سمير، بل كان على بعد أقدام قليلة لا أكثر، فلما لمحه أقبل نحوه، وجلس بجانبه، وقال: السيد سمير، صديق للراقصة عليا!

نظر سمير إليه بعينين باردتين وقال: إذاً؟

رد عصام بشيء من الحماس: لا أصدق عيناي، إنه أنت، إنها المرة الأولى التي أقابل فيها شخصاً مهماً.

قال سمير بهدوء دون أن يطالع إليه: مهماً؟ لا أرى شيء فيني يميزني عن الآخرين.

قال عصام مشجعاً: بل على العكس تماماً، أنت صديق عليا، تلك الراقصة التي انطلقت نحو مجد الشهرة، أي أنكما متساويان في الشهرة.

قال سمير متثائباً: أشكرك أيها الشاب على هذا المدح، هل تمانع في تركي أقرأ وحيداً؟

اشتاظ عصام غيظاً وقال: حسناً، أنت لا تبالي إذاً، عليك كصديق لنجمة ساطعة أن تكون ساطعاً مثلها أيضاً.

قال سمير وما زال على طبيعته الهادئة: وكيف السبيل إلى ذلك؟

- لماذا لا تشكلان فريقاً غنائياً؟

- أنا وعليا؟ هل تمزح؟

- لا، إنني أقصد باب النصيحة.

- إذاً احتفظ بنصيحتك لنفسك، فإنها لا تروقني.
قام عصام والغضب كاد أن يقتله وقال: ابق على حالتك الملعونة هذه، فسيأتي اليوم الذي ستندم فيه، وأنا واثق.

ثم غادر الحديقة وهو يسب ويشتم، بينما ترك سمير يكمل ما بدأه من قراءة كتابه..

وما هي إلا لحظات حتى جاءه اتصال على جواله المحمول من عليا، فقال بعدما ردّ عليها: عليا، لن تصدقي من كان يجلس معي منذ قليل. قالت عليا متجاهلة: دعك من هذا الآن، إني أدعوك إلى حفلتي ليلة غد، فلا تتأخر، عليك أن تصعد على المنصة وترقص معي، اتفقنا؟

أنهت الإتصال ولم تدع لسمير الفرصة لكي يتحدث، فتمتم سمير في نفسه:

لا بأس، لا بد أنها متحمسة لليلة الغد، معها كل الحق، وسأحضرها..



خرج عصام من الحديقة منزعجاً من تصرف سمير اللا مبالي. ركب سيارته ومضى بسرعة جنونية، إلى أن توقف عند أحد الإشارات، ومن حسن حظه كان السيد أنيس بسيارته الفارهة واقفاً على يمين سيارة عصام، فلوّح بيده ليلفت نظره،

ولكن عصام بدا وكأنه غارق في بحر الغضب، فتأثيرات وجهه تدل على ذلك.

وما هي إلا لحظات حتى راح عصام يتلفت حوله لينس ما حدث معه في الحديقة ليجد السيد أنيس يلوّح له في يده.

فأشار له عصام بأن يقف عند المنعطف القادم.

وبعد دقائق كان عصام يشكو للسيد أنيس سوء تصرف سمير، وراح يقص عليه ما حدث معه بالتفصيل.

فهنأه السيد أنيس على ذلك وقال: أحسنت، إنها الخطوة الأولى لتنفيذ الخطة، استمر على ما أنت عليه.

قال عصام وقد تذكر شيئاً في غاية الأهمية: نعم، كدت أن أنسى، عليا سوف تقيم حفلة أخرى ليلة غد، هل تحضرها معي؟

قال السيد أنيس وقد ارتسمت بسمة شريرة على محياه: آسف، لا أستطيع، فأنا على موعد مهم.

تساءل عصام: أي موعد ذاك الذي يجعلك تتخلف عن حضور الحفلة؟

نظر السيد أنيس إلى عينيه نظرة مرعبة يملؤها الخبث وقال: إنه.. موعد مع الموت..

انتفض جسد عصام لدى سماعه هذه الكلمات المخيفة، فامتقع وجهه وقال بلهجة مرتبكة: موت.. من؟

انتبه السيد أنيس ورجع لطبيعته المرحة وقال مداعباً: هل قلت ذلك حقاً؟ كم يبدو هذا غبياً، أظن أني قد أكثرت من مشاهدة أفلام الرعب.

ركب سيارته وغادر المكان مسرعاً، بينما ظل عصام واقفاً في مكانه مشدوهاً.. يفكر..

حين قال: ( موعد مع الموت ) كان وجهه قد اشتعل غضباً وحقداً!

أيعني ذلك حقاً؟ أم أنها مجرد دعابة؟

وإذا كان يعي ما قاله.. فمن هو صاحب الموعد!؟

وأي موعد ذاك!

إنه الموت..