لا خير في لذة من بعدها النار
قال ابن الجوزي: [عن ابن عباس قال: يا صاحبالذنب لا تأمننَّ سوء عاقبته، وما يتبع الذنب أعظم مِن الذنب إذا عملتَه.. قلةحيائك ممن على اليمين وعلى الشمال وأنت على الذنب أعظم مِن الذنب.. وضحكك وأنت لاتدري ما الله صانع بك أعظم مِن الذنب.. وفرحك بالذنب إذا ظفرتَ به أعظم مِن الذنب.. وحزنك على الذنب إذا فاتك أعظم مِن الذنب إذا ظفرتَ به.. وخوفك مِن الريح إذا حركتْستر بابك وأنتَ على الذنب؛ ولا يضطرب فؤادك مِن نظر الله إليك أعظم مِن الذنب إذاعملته..!
وكتبت عائشة رضي الله عنها إلى معاوية: أما بعد؛ فإنَّ العبد إذا عملبمعصية الله عاد حامِدُه مِن الناس ذامًّا.
عن عبد الرزاق قال: حدثنا بكار،قال: سمعت وَهبًا يقول: إنَّ الرب عز وجل قال في بعض ما يقول لبني إسرائيل: إني إذاأُطعتُ رَضيتُ، وإذا رضيتُ باركتُ، وليس لبركتي نهاية.. وإذا أُعصيتُ غضبتُ، وإذاغضبتُ لعنتُ، ولعنتي تبلغ السابع من الولد..!
وعن المعتمر بن سليمان عن أبيهقال: إنَّ الرجل ليصيب الذنب في السر؛ فيصبح وعليه مذلته.
وقد روي عن الحسنالبصري أنه كان إذا ذكر أهل المعاصي يقول: هانوا عليه فعصوه، ولو عزوا عليه لعصمهم.
وقال محمد بن كعب القرظي: ما عُبد الله بشيء قط أحب إليه مِن ترك المعاصي.
واعلم -وفقك الله- أن المعاصي قبيحة العواقب سيئة المنتهى وهي وإنْ سر عاجلهاضر آجلها، ولربما تَعجَّل ضرها.. فمن أراد طيب عيشه فليلزم التقوى.
فمتى رأيتَ -وفقك الله- تكديرًا في حالك؛ فتَذَكَّر ذنبًا قد وقع.. فقد قال الفضيل بن عياض: إني لأعصى الله فأعرف ذلك في خلق دابتي وجاريتي. وقال أبو سليمان الداراني: مَنصَفَا صُفِّي له، ومَن كَدَّر كُدِّر عليه، ومَن أحسن في ليله كوفئ في نهاره، ومَنأحسن في نهاره كوفئ في ليله.
فتفكر -وفقك الله- في أنَّ الذنوب تنقضي لذتها،وتبقى تبعتها.. وقد كان سفيان الثوري كثيرًا ما يتمثل:



تفنىاللذاذةُ ممَن نال صفوتَها
تبقى عواقبُ سُــوءٍ في مَـغَـبَّـتِهـا

مِنَالحـرامِ ويبقى الإثمُ والعـــارُ
لا خيـرَ في لذةٍ مِن بَعدِهـا النــار
حقالا لا بارك الله في لذةتعقبهانار جهخم بحريقهاوعذابها وزقومها ومرارها ثم لا يموت فيها ولا يحيا
لحظات قليلة من اللذة المحرمةتعقبها سنوات وأحقاب من العذاب في نار وقودها النار والحجارةُ


ثم تفكروفقك الله- فيما أكسبك الذنب من الخجل! فقد قيل للأسـود بن
يزيد عند موته: أبشر بالمغفرة. فقال: وأين الخجل مما المغفرة منه؟!
وكان بعض الحكماء يقول: إنِاستطعتَ أنْ لا تسيء إلى مَن تحب فافعل. قيـل له: كيف يسيء الإنسان إلى مَن يحب؟فقـال: إذا عصيتَ الله أسأتَ إلى
نفسك؛ وهي أكبر محبوباتك!
وقيل لبعضالحكماء: مَن أشد الناس اغترارًا؟ فقال: أشدهم تهاونًا بالذنب.
وكان بعضالحكماء يقول: هَبْ أنَّ المسيء قد غُفر له؛ أليس قد فاته ثواب المحسنين؟!] [ذمالهوى]



أنا العبـــدُ الذي سُطِـــرَت عليـــهِ
أنا العبـــدُالغريـــــقُ بلُــجِّ بـحـــــــــرٍ
أنا الغـــدَّارُ كم عـاهــدتُعـهــــــدًا
فــــــوا أسفي على عُـمُـــــــرٍ تَـقَـضَّى
أنا العبدُالـمُسيءُ ظلمتُ نفسي
أنا الـمضطَـرُّ أرجــو منك عفــوًا
أنا الـمقطـــــوعُفارحمني وصِلْني

صحائفُ لم يَخَفْ فيها الرقيبَا
أصيــــــحُ،لرُبَّـمــا ألقَى مُجيــــبَــــا
وكنتُ على الوفــــاءِ به كَذوبَا
ولمأكسبْ بـــــهِ إلا الذنــــــــوبَـــا
وقـــــــد وافَـيْــتُ بـابَــكُـمُمُنـيـــــبَــــا
ومَن يرجــو رضـاكَ فلن يَخيـــبَا
ويَسِّــــرْ منكَ ليفَـــرجًــا قــريبَا




فـائـدة :
قال أبو حازم: عند تصحيحالضمائر تُغفر الكبائر، وإذا عزم العبد على ترك الآثام أتته الفتوح.
قال ابنالجوزي: وقوع الذنب على القلب كوقوع الدهن على الثوب، إن لم تُعَجِّل غسله وإلاانبسط..(وإنْ منكُمْ لَمَن لَيُبْطِئَنَّ).. وإذا كان القلب نقيًّا ضج لحدوثالمعصية،أما بليد الطبع فلا ينفر؛‏ فلابس الثوب الأسود لا يجزع من وقوع الحبرعليه..!!



لبستُ ثوبَ الرجا والناسُ قد رقــدُوا
وقلتُ: يـــاعُـــدَّتي في كُــــــلِّ نـائـبـــــــةٍ
أشكـــو إليـــكَ ذنـــوبًـــا أنتَتـعـلمُـهــــا
وقـــــد مَـددتُ يـَــدِي بالـذُّلِّمُـعـتـــرِفًــا
فــــــلا تَـــــــــرُدَّنـَّـهـــــــا يــــا رَبِّخــائــبــــــــةً

وقُمتُ أشكــــو إلى مـولايَ مــــا أجِـــــدُ
ويامَن عليهِ كَـشْـفُ الضُّـرِّ أعـتمِـدُ
مـالي على حَملِـهـا صبـــرٌ ولاجَـلَــدُ
إليـكَ يـا خيـــرَ مَن مُـدَّتْ إليـهِ يَــــــدُ
فبحـرُجُـــودِكَ يَـروِي كُــلَّ مَن يَـــرِدُ