مفهوم الأرهاب في الأسلام
فالإرهاب له معنيان ، الأول : هو إرهاب العدو عن أن يعتدي على الحرمات و هو بهذا يلتقي مع مفهوم المقاومة المشروعة ، لأن الباعث من ورائه هو الدفاع عن النفس، وأما الثاني فهو الإرهاب الذي انتشر معناه وغلب على الكلمة فهو الاعتداء على المظلوم وقتل المدنيين ، والإرهاب بمعناه الثاني محرم شرعا ، فكل من اعتدى على مدني مسلم أو غير مسلم ، فقد تجاوز حد الله ، ولابد من التنويه عن أن ما تقوم به أمريكا والصهاينة هو نوع من الإرهاب المحرم، والمسيحية واليهودية منه بريئان، وكذلك ما يقوم به بعض المسلمين من اعتداء على المدنيين حرام شرعا ، وهذا غير قتال العسكريين والمحلتين.

وهذا خلاصة ما قاله جمع من العلماء في تعريفهم للإرهاب :

يقول الشيخ عطية صقر من كبار علماء الأزهر :

الإرهاب هو التخويف، والرَّهبة هي الخوف،والله سبحانه يُرَهِّبُنا أي يُخوِّفنا مِن عقابه إنِ انْحرفنا فيقول:
(وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا) (سورة الإسراء:59).
والإنسان يُرْهِبُ غيره بأساليب متنوعة ولأغراض متعددة، فإن كان لغرض مشروع كالتأديب والنهي عن المنكر كان مشروعًا، ومنه تأديب الصبي إذا ترك الصلاة: "وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْر"، وتأديب الزوجة الناشز ( وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ) (سورة النساء:34)، وَمِنْه إرهاب العدو منعًا لعُدوانه علينا، وذلك بالاستعداد لمقاومته وبوسائل أخرى كالدِّعاية لتخْويفه، قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ ). ((سورة الأنفال:60)

أَمَّا الْإِرْهاب بدون سبب مشروع فهو مُحرَّم، ذلك أن الإسلام دِينُ السلام، لا يبدأ بعُدوان ويُؤْثِر السلامة على المُخاطرة التي لم نَلْجَأ إليها، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ( (سورة البقرة:208)، وَهُو دخول في السِّلْم بَيْن المُسلمين بعضهم مع بعض وبينهم وبين غيرهم، قال تعالى: ( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) (سورة الأنفال:61)، وموقف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في صلح الحديبية تطبيق عملي لهذا المبدأ العظيم، ووَعَد إنْ جَاءُوه بخُطَّةِ سِلْم قَبِلَها منهم، وكانت شروط الصلح مؤكَّدة لذلك، حتى إن بعض الصحابة شَعَر فيها بشيء من الذِّلَّة والضَّعف، ولكنَّ حكمة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بدَّدت كُلَّ ذلك، وهو القائل في حديثه الذي رواه البخاريُّ ومُسلم، وقد انتظر العدو في بعض أيامه حتى مالت الشمس: "يا أيها الناس، لا تتمنَّوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لَقِيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف".

وذَلك كُلُّه إيثار للسِّلم والأمْن الذي هو نِعمة أساسية في حياة الإنسان كما في الحديث الذي رواه الترمذي: "مَن أصْبح منكم آمنا في سِرْبه معافًى في جسده، عنده قوت يومه ـ فَكَأَّنما حِيزَتْ له الدنيا"، وقد امتن الله بالأمن على قريش فقال: (الذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) (سورة قريش:40)، وجعل مكة حَرَمًا آمنا، وأقسم أنها البلد الأمين، ووعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن يُبَدلهم من بعد خوفهم أمنًا، وكذلك مَن آمنوا ولم يَلْبِسوا إيمانهم بظلم أي شرك، وجعل سلْب الأمن عقابًا لمن كفر بأنعم الله، وشَرُفَ السلام فكان اسمًا من أسمائه، وسَمَّى به الجنَّة وجَعله تحية المسلمين فيما بينهم وتحية الملائكة لهم في الجنة وكان نزول القرآن في ليلة السلام، وكل ذلك وردت به النصوص في القرآن والسنة .
ومن أجل الحفاظ على الأمن والسلام حَرَّمَ الاعتداء على الحقوق، وَوَضَعَ لَها عقوبات صارمة فَحَرَّم القتل والسرقة وانتهاك الأعراض بالزنا والقدح والاتهام، وَحَرَّمَ الإفساد في الأرض وعدَّه محاربة لله ورسوله، كما حَرَّمَ الإسلام كلَّ ما يُقْلِق الأمن ويُساعد على التفرق والمنازعات، كالربا والبخل والنميمة وشهادة الزور والخيانة والكِبْرِ والهِجْرَان، وإباء الصلح مع طلبه والاعتداء على المخالف في العقيدة (فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا) (سورة التوبة :7) إلى غير ذلك
من الإجراءات التي ذكرت كثيرًا منها في كتابي المشار إليه.

وبلغ من اهتمام الرسول ـ صلَّى الله عليه وسلم ـ بالمُحافظة على أمْن الناس أنَّه قال: "مَن أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلْعنه حتى يَنتهي وإن كان أخاه لأبيه وأمه" رواه مسلم، وقال: "مَن أخاف مؤمنًا كان حقًّا على الله ألا يُؤَمِّنه مِن فَزَعِ يَوْم القيامة"، وروى أبو داود أن بعض الصحابة كان يسير مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فنام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلى حَبْل معه فأخَذه ففَزِع فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ "لا يَحِلُّ لمسلم أن يروِّع مسلمًا"، وفي حديث رواه الترمذي بسند حسن: "لا يأخذَنَّ أحدكم متاع أخيه لاعبًا ولا جادًّا"، وفي حديث رواه البزَّار والطبراني وغيرهما عن عامر بن ربيعه أن رجلًا أخذ نعْل رجل فغيَّبها وهو يمْزح فذكر ذلك لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: " لا تروِّعوا المسلم فإنَّ روْعة المسلم ظلم عظيم"، وروى الطبراني أن عبد الله بن عمر سمع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: "مَن أخاف مؤمنًا كان حقًّا على الله ألَّا يؤمِّنه من أفْزَاع يوم القيامة"

بل إن النظرة المُخيفة نَهَى عنها الحديث الذي رواه الطبراني: "مَن نظر إلى مسلم نظرة يُخيفه بها بِغير حقٍّ أخافه الله يوم القيامة"، وبِخُصوص الإرْهاب بالسلاح جاء الحديث الذي رواه البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري: ( لَا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ ).
وتكفي هذه النصوص لبيان أن تخويف الآمن بدون وجه حق من المنكرات التي تتنافى مع الأخوَّة الإنسانية، والتي تحول دون التطور الذي يلزم الهدوء والاطمئنان على الحقوق، تلك المنكرات التي تَهْوِي بالإنسان الذي كَرَّمه الله إلى دَرَكِ الوحوش في الغابات التي تُسَيِّرها الغرائز ويتحكَّم فيها منطق الأثَرة والأنانية والقوَّة.انتهى

ويقول المستشار فيصل مولوي نائب رئيس المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث :
ليس هناك في الفقه الإسلامي أيُّ تعريفٍ لكلمة الإرهاب أو ما يتعلَّق بها.

هذه الكلمة أصبحت في هذا العصر تشير إلى أعمال إجرامية تقع بحقّ الأبرياء. لكن لم يقع حتّى الآن أيُّ توافق على تحديد تعريف معيّن أو الإشارة إلى توصيف واضح لهذه الكلمة رغم أنّ العالم كلّه يتفق على رفض الإرهاب بمعنى الاعتداء على الأبرياء.

والمشكلة الكبرى التي تعيق التوافق على تعريف محدد للإرهاب هي التي تتعلّق بحركات المقاومة التي تقوم بها الشعوب المحتلّة ضدّ القوى الأجنبية التي تستعمرها. هذه الحركات تخوض عادة أعمالاً حربية تطال كثيراً من الأبرياء؛ فهل تدخل تحت مفهوم الإرهاب كما ترغب قوى الاستعمار؟ أو هل تدخل تحت مفهوم الأعمال الحربية التي يقع فيها قتل الأبرياء بشكل غير مقصود؟.

من المعروف أنّ العرب والمسلمين- شعوباً ودولاً- لا يزالون يطالبون العالم بتحديد تعريف للإرهاب وتمييزه عن حركات المقاومة والتحرّر، ولا يزال العالم عاجزاً عن ذلك تحت تأثير العدو الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية، اللذين يحرصان على إدخال حركات المقاومة الإسلامية والوطنية داخل فلسطين المحتلّة تحت مفهوم الإرهاب. انتهى
ويقول أيضا عن توصيف الجهاد الفلسطيني بأنه إرهاب :
اليهود الصهاينة احتلوا أرض فلسطين وطردوا منها شعبها، فهناك الآن أكثر من خمسة ملايين صهيوني وفدوا إلى فلسطين من كل بقاع الأرض، وأخرجوا الشعب الفلسطيني وشردوا منه أكثر من أربعة ملايين في كل بقاع الأرض وبقي منه حوالي أربعة ملايين يسكنون في الضفة وغزة والأرض المحتلة عام 48، وهؤلاء لا تزال دولة الصهاينة تعاملهم كمواطنين من الدرجة الثانية أو كمقيمين غرباء وتمنع عنهم حقوقهم الإنسانية الطبيعية.

لذلك، فإن من حق هذا الشعب أن يقوم بكل أعمال المقاومة من أجل طرد هؤلاء الغزاة من بلده.. هذه المقاومة دفاع عن النفس أقره ميثاق الأمم المتحدة وجميع الشرائع والقوانين الدولية المعاصرة.

ولذلك، فلا يمكن تسمية المقاومة إرهاباً حتى ولو طالت المدنيين من الصهاينة، باعتبار أن هؤلاء أصلاً هم المعتدون، وأن المقاومة لم تنشأ إلا لرد اعتداءاتهم.

أما أن أعمال هذه المقاومة تتسبب في أعمال إرهابية كثيرة يقوم بها الصهاينة ضد الشعب الفلسطيني.. فهذا صحيح، ولكنه لا يبرر وقف المقاومة؛ لأن النتيجة هي إقرار الاحتلال بكل سيئاته، وإقرار تشريد أربعة ملايين فلسطيني في بقاع الأرض.

إذا لم يكن من الممكن إنهاء العدوان وعودة المشردين إلا بالتضحية، فهي عند ذلك مطلوبة، والإنسان المسلم يضحي بنفسه وبأهله، ويحتسب ذلك عند الله. انتهى
ويقول الدكتور عجيل النشمي أستاذ الشريعة بالكويت :
الإرهاب مصطلح شرعي يقصد به عند الإطلاق إرهاب العدو، قال تعالى: "ترهبون به عدو الله وعدوكم"، فإرهاب العدو بالقوة والسلاح والشدة مطلوب.

وكذلك يستخدم الآن في كل عمل يلحق الضرر بالأبرياء على غير وجه الحق، ويخرج منه الدفاع عن النفس والعرض والمال والأرض، فلا يسمى ذلك إرهابا بل هو دفع للظالم والظلم، سواء أكان محتلاً للأرض كاليهود مع المسلمين؛ فما يقومون به هو الإرهاب، ومن يعينهم هو مثلهم، ومن يواجههم فعملة جهاد فقتلاهم في الجنة إن شاء الله وقتلى اليهود في النار.انتهى

ويقول الأستاذ الدكتور علي جمعة أستاذ الفقه والأصول بجامعة الأزهر :
فمنذ الهجمة الغربية على العالم الإسلامي وهم يقومون بما يسمى باحتلال المصطلحات بالمفاهيم الغربية؛ وهو ما أدى إلى اختلال في الفهم، وضياع لمعاني اللغة التي هي وعاء الفكر.

والإرهاب في أصله الأول لفظة قرآنية الغرض منها صد المعتدي، وإرجاع الناس إلى الطريق القويم، ومنعهم من الفساد في الأرض، قال تعالى: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم".

فظهر أن الإرهاب إنما يكون لعدو الله وعدو المؤمنين وللمنافقين الذين لا يعلمون الحقيقة، ولكن ابتذلت الصحافة والإعلام هذا المصطلح القرآني حتى عاد مرادفًا للعدوان ومرادفًا للظلم والطغيان، وقتل المدنيين والأبرياء، وخلط الأوراق، وسوء النية، إلى غير ذلك مما يأباه كل مسلم على وجه الأرض. قال تعالى: "ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين".

والله أعلم