عالم الجن أسراره وخفاياه
المقدمة والتوضيح :
الحمد لله الذي خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار ، وجعله خفيا لا تراه العيون ، وجعل منه الصالح والمفتون ، ولم يجعل له علىالإنسان من سلطان ، إلا ماكان من وسوسة وتزيين الشيطان .

والصلاة والسلام على على من أرسله الله رحمة للعاملين ، وبعثه إلى الناس أجمعين ، وصرف إليه نفرا من الجن يستمعون القرآن . فلما حضروه قالوا : أنصتو ، فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين .

وأوحى إليه ( أنه استمع نفرا من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحد ) .

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، أخبر في محكم كتابه أن الشيطان للإنسان عدو مبين .

وأشهد أن محمد عبده ورسوله ، الذي بعثه بما فيه صلاح الناس أجمعين وأنزل عليه قوله المبين ( وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ) المؤمنون ( 97-98) صلى الله عليه وعلى آله واسلم ،

أما بعد فإن عالم الجن زاخر بالأسرار والغرائب والعجائب . ولذا فالناس يشتاقون لمعرفة هذا العالم .

والباحث عن ( الجن ) في لغة العرب ليدهشه كثرة الكلمات الدالة عليه مباشرة أو غير مباشرة فهناك أسماء للجن خاصة على الحقيقة أو المجاز وأسماء لإقترانهم بالأنس عامة والفاظ لإيقاعهم بالإنس وإتصالهم بهم وهناك أعلام للجن واللإرض التي يحلونها .

ولا يكاد الباحث يصل إلى ذلك إلا بجهد التقوى والتحري والإستقصاء .

ولاعجب إذا كان هذا حظ الجن في لغة العرب فقد آمنوا بوجودها وبقدراتها على الخوارق وعدوها أصنافاً ومراتب وفرقوا بين الأخيار منهم و الأشرار ونسبوا إليها كل مجهول مُعَمَّى عليه ومعنى ذلك ( الأشياء التي لم يفهموا أصلها ويحسون بوجودها حولهم ).

وإن دل على شئ فإنما يدل على ماللجن من أثر عميق في حياة العرب .

وقضية وجود الجن أساسا حسمها الدين حيث أشار القرآن الكريم إلى وجود مخلوقات يطلق عليها اسم الجن منهم الصالحون ومنهم مادون ذلك .
معلومات مفصله عن عالم الجن:
1- صفات الجن وكيفية أجسامهم :
أ-أصل الجن:
إن عالم الجن هو عالم خفي لايراه الإنسان ولايشعر به . والجن في ذلك بخلاف الإنس وقد سُمي الجن بذلك لأنه مستتر عن العيون ، وكل ما أستتر عن عينك فقد جن عليك وذلك واضح بنص القرآن الكريم بقوله تعالى ( إنهُ يراكم هو وقّبِيله من حيثُ لا تَرَونَّهُم ) صدق الله العظيم.

والجن مخلوق من مخلوقات الله تعالى ، يفترق عن الإنسان والملاك ، ولكن بينهم وبين بني آدم قسطاً مشتركاً من الصفات مثل صفة العقل والتمييز ، وصفة الحرية والقدرة على الاختيار بين الحق والباطل ، والصواب والخطأ ، والخير والشر . ويباينون البشر في أشياء جوهرية ، أهمها الأصل . حيث إن أصل الجن يختلف عن أصل الإنس .

اخبرنا الله سبحانه وتعال أنه قد خلق الجن من النار وذلك في آيات متعددة مثل قوله تعالى ( والجان خلقناه من قبل من نار السموم ) الحجر(27)

وقال تعالى ( وخلق الجان من مارج من نار ) الرحمن (15) والمارج هو طرف اللهب كما أخبر ابن عباس ومجاهد وغيرهما وفي رواية من خالصه وأحسنه وقال النووي : المارج اللهب المختلط بسواد النار .

وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أيضا أن الجن خلق من نار ، حيث قال ( خلقت الملائكة من نور ، وخلق الجان من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم ) . أخرجه مسلم عن عائشة في كتاب مجاهد

2- أنواع الجن وقدراتهم على التشكل:
في الواقع يمكن معرفة ذلك من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبي ثعلبة الخشني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( الجن ثلاثة أصناف – صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء – وصنف حيات وعقارب وصنف يحلون ويظعنون ). رواه الطبراني والحاكم والبيهقي .

ب-قدرت الجن على التشكل:

في الواقع هي قدرة غير مطلقه وفي ذلك قال أبو يعلى محمد بن الحسين بن القراء :- ولاقدرة للشياطين على تغيير خلقهم والإنتقال في الصور وإنما يجوز أن يعلمهم الله تعالى كلمات وضروباً من ضروب الأفعال إذا فعله وتكلم به نقله الله سبحانه وتعالى من صورة إلى صورة ومن شكل إلى شكل فيقال انه قادر على التصور والتخيل على معني أنه قادر على قول إذا قاله وفعله نقله الله تعالى من صورته إلى صورة اخرى إنما يكون بنقض البنيه وتفريق الأجزاء وإذا انتـقضت بطلت الحياة . بهذا نستخلص أن الجني مقيد ولايستطيع التشكل إلا بأمر من الله سبحانه وتعالى.

وهذا حديث عن الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه يلقي بعض الضوء على النقطة التي تكلمت عنها أعلاه وهي قدرة الجن والشياطين على التشكل والتصور في صور الحيوانات وغيرها .

فعن أبي ذر رضي الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :-

(( إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل أخرة الرحل فإذا لم يكن بين يديه مثل أخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأه والكلب الأسود )) قلت يا أبا ذر مأبال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر فقال يأبن أخي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم بما سألتني فقال . الكلب الأسود شيطان )) رواه مسلم والنسائي والدرامي وابن ماجه .

وقال ابن تيميه رحمه الله – الكلب الأسود شيطان الكلاب والجن تتصور بصورته كثيراً وكذلك بصورة القط الأسود لأن السواد أجمع للقوى الشيطانيه من غيره وفيه قوة حرارة .

ج-كيفية اجسام الجن:
إن أجسام الجن رقيقه غاية في الرقة شفافة لا يمكن لعين الإنسان أن تبصرها وهي في هذه الحالة من الرقة والشفافية ، وفي هذا قال القاضي عبد الجبار الهمداني : فصل في كون أجسامهم رقيقه ولضعف أبصارنا لا نراهم لا لعلة أخرى ولو قوى الله تعالى أبصارنا أو كثف أجسامهم لرأيناهم ، وأعلم أن الذي يدل على رقة أجساهم قوله تعلى (( إنّهُ يَراكم هو وقَّبيله من حيثُ لا تَرونَُه)) فـلو كانوا لنا مرئيين , إن كانوا بقربنا ولا حائل بيننا وبينهم بحيث يوسوسون إلينا وكانوا كثافاً لرأيانهم كما يروننا وكما يرى بعضهم بعضاً . وبهذا فإن رقة وشفافية أجسام الجان هي التي تجعلهم يتمكنون من إختراق الحواجز والمساكن والجبال والإنتقال من مكان لآخر بسرعة فائقه تـتـفوق على سرعة بني أدم مرات المرات . وانه على مر الأيام والسنين لم يستطع أحد القول بأنه شاهد الجني على الهيئة التي خلقه الله سبحانه وتعالى بها في الأصل وإنما كل ماقيل في السابق والحاضر أن من شاهد الجن شاهدها وهي متصوره بصور شتى فإما على هيئة حيوان أو حية أو على شكل انسان أو أشكال تكون موجوده في الطبيعة فاشكالهم الحقيقيه مايعلمها إلاخالقها سبحانه رب العرش العظيم .
2- حقيقة احتكاك الجن بالانسان:
أ-هل الجن يؤذون الإنسان؟
لقد سمعنا الكثير عن أذى الجن للإنس وإصابته بإصابات وأمراض كثيرة . وهذا ثابت في الكثير من الأحاديث والحكايات التي ترويها لنا الكتب منذ زمن طويل وإذا حدث للجن مايوجب الغضب من الإنسي فإنه يبادر على إيذائه إنتقاما وغيظاً فقد يحدث أن يصب الإنسان ماء حار فوق الجني دون قصد منه أو يصيبهم بوله أو ينزل في بعض منازلهم دون أن يشعر وفي هذه الأحوال يسارع الجن إلى الانتقام من الإنس ويساعدهم على ذلك أنهم سر يعوا الحركة ولا يستطيع الإنسان أن يراهم أو يحدد مكانهم وقد تؤذي الجن الإنس وذلك لمجرد الرغبة في الإيذا . وهي رغبة تعود إلى فساد الخلق وسوء النوياء وهذا يحدث بين الإنس أنفسهم حيث نجد في كثير من الأحيان أحد الأشخاص لا يهدأ له بال إلا إذا تسبب في إلحاق الأذى بغيره من الناس مستخدما أحط الوسائل والأساليب . وغالبا مايرجع هذا إلى الحقد والغيرة التي تقترن بضعف الإيمان وفساد القلب والعقل .

ومن أشهر وأصعب أنواع الأذى التي يصيب بها الجن الإنس هو مرض الصرع الذي يعرف الكثيرون أعراضه وأطواره .

ب-
هل الجن يسكنون بيوت الأنس؟
في الواقع نسمع عبارة ( هذا البيت مسكون ) والمقصود بذلك أن هذا البيت تسكنه الجن ( فهل من الممكن أن تسكن الجن في البيوت وهل يوجد مايدل على ذلك من الأحاديث النبويه الشريفة .

إن سكن الجن في بيوت الأنس هو ممكن وهذه الجن ( تسمى بالعوامر أي التي تعمر البيوت ) غالبا ما تتشكل في صور الحيات . وقد نهانا الرسول صلى الله عليه وسلم عن قتل جنان البيوت فربما كان هذا الجني الذي قُتل مسلماً فعن أبي سعيد الخدري قال - قال رسول صلى الله صلى الله عليه وسلم ( إن بالمدينة نفر من الجن قد أسلموا . فمن راي شيئا من هذه العوامر فليؤذنه ثلاثاً فإن بدا له بعد فليقتله . فإنه شيطان ) . روا مسلم

أي أنه عندما يرى المسلم حية في البيت فيجب عليه أن يـأمرها بالخروج ( يؤذنها ) فإذا شاهدها بعد ثلاثة أيام فجيب عليه أن يقتلها فإنها شيطان.

وذلك لأن المسلم قد تأكد من أن هذه الحية ليست جناً مسلمه والا كانت قد انصرفت من المنزل كما أمرها صاحبه 0 فالجني المسلم لا يؤذي أهل المنزل ولا يخيفهم ولا يفعل ذلك إلى الشيطان أو الأفعى الحقيقية وهنا يحق عليهم القتل .

ولكن الحقيقة أن البعض قد يشيعون ظلما وبهتانا أن منزلا أو مكانا معينا مسكون بالجان وذلك لغرض ما في نفوسهم . والناس دائما مايصدقون هذه الأباطيل وينساقون وراء هذه الأقاويل والاوهام متعللين بأي حجة واهية قد تكون صرير أحد الأبواب يدفعه الهواء أثناء الليل أو مواء القطط خلال ظلام الليل أو غير ذلك مما يمكن أن يحدث في البيوت المهجورة أو حتى المعمورة ويصدقون هذا الوهم الذي ينكشف عندما يجرؤ شخص قوي الأعصاب شديد العزيمة ثابت الجنان على كشف هذا الوهم الباطل ويثبت للناس أن ليس في هذا المكان مما يتوهمون شيئاً .

ج-هل يتزوج الجن من الأنس؟
هل تتزوج المرأة من جني ، ويتزوج الرجل من امرأة من الجن ؟
وهل موضوع أن الجني يتشكل للمرأة في صورة رجل
ويعاملها معاملة الأزواج شيء له دليل في الشرع ؟



الإجابة



يُمكن وقوع الاستمتاع عن طريق التلبس .
ولأن الجن يتصوّرون بصور شتى .
وقد جاء في تفسير قوله تعالى :
( وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنْسِ
رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا )
أن من ذلك الاستمتاع زواج بعضهم ببعض .
والجن أعطاهم الله القدرة على التصوّر بصور شتى كما أسْلَفْت .




قال الإمام السمعاني في تفسير قوله تعالى :
(وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَولادِ)
قال : وفي بعض المسانيد عن ابن عباس أن رجلا أتاه وقال إن امرأتي استيقظت
وكأن في فرجها شُعلة نار .
قال : ذاك مِن وطىء الجن . قال : فمن أولادهم ؟ قال : هؤلاء المخنثون .





وعن جعفر بن محمد :
إن الشيطان يَقعد على ذَكَر الرَّجُل فإذا لم يُسَمّ الله أصاب امرأته معه
وأنزل في فرجها كما يُنْزِل الرَّجُل .
وروي قريبا من هذا عن مجاهد . اهـ .




وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :
صَرْع الجن للإنس قد يكون عن شَهوة وهَوى وعِشق ، كما يتفق للإنس مع الجن
وقد يتناكح الإنس والجن ويُولد بينهما وَلد ، وهذا كثير معروف
وقد ذَكَرَ العلماء ذلك وتَكَلّمُوا عليه .
وكَرِهَ أكثر العلماء مُنَاكَحَة الْجِنّ . اهـ .
والله تعالى أعلم .


فضيلة الشيخ
عبدالرحمن السحيم