النتائج 1 إلى 2 من 2
  1. #1
    الصورة الرمزية مصطفى شوكت
    مصطفى شوكت غير متواجد حالياً عضو نشيط
    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    المشاركات
    6,405

    افتراضي شرح لسورة الطور


    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين


    « مكيّة ، وهي تسع وأربعون آية »

    بسم الله الرّحمن الرّحيم
    وَالطُّورِ (1) وَكِتَاب مَسْطُور (2) فِي رَقٍّ مَنشُور(3)وَا لْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4)وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7)مَا لَهُ مِن دَافِع (8) يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً (9)وَتَسِيرُ ا لْجِبَالُ سَيْراً (10) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذ لِلْمُكَذِّبِينَ (11) ا لَّذِينَ هُمْ فِي خَوْض يَلْعَبُونَ (12)يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً (13) هذِهِ النَّارُ ا لَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ (14)أَفَسِحْرٌ هذَا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ (15) اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لاَ تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (16) إِنَّ ا لْمُتَّقِينَ فِي جَنَّات وَنَعِيم (17) .
    شرح المفردات الآيات (1 ـ 17)
    والطّور :الطّور ; الجبل ، وفي هذه الآية أقسم الله سبحانه بالجبل الذي كلّم عليه النبي موسى (عليه السلام) ; لتجلّي عظمة الله سبحانه في ذلك المكان.
    وكتاب مسطور في رَقٍّ منشور :المسطور: المكتوب. والرّق ما يُكتب فيه. والمعنى: أن الله سبحانه يقسم بالكتاب المكتوب في الرق المنشور. ويقصد به القرآن. وقيل هي صحائف الأعمال التى تنشر يوم القيامة، وقيل هو الكتاب الذي أودع سبحانه فيه ما كان وما يكون، كتبه للملائكة لتطّلع على ما فيه.
    البيت المعمور :الكعبة، وسميت بالبيت المعمور; لانها تعمر بالحج والعمرة. أي عامر بالعبادة، غير مهجور.
    السقف المرفوع :السماء.
    البحر المسجور :البحر المملوء.
    تمور السماء موراً :تتحرّك مضطربة بسرعة ، جيئة وذهاباً ، أي : تفقد نظامها وتتحرّك كما يتحرّك الدخان مضطرباً في الفضاء .
    في خوض يلعبون:يخوضون في الأحاديث والمعتقدات الباطلة،وهم لاهون عمّا أراد الله منهم.
    يُدَعّون :يُدفعون بشدة واحتقار.
    المعنى العام الآية (1 ـ 17)
    اختتم الله سبحانه سورة الذاريات بالوعيد والتهديد بالعذاب والعقاب للطغاة المجرمين، وابتدأ سورة الطور بالقسم المكرر والمؤكد على وقوع العذاب. أقسم الله سبحانه بالطور، بالجبل الذي كلم الله عليه موسى (عليه السلام)، ثمّ أكّد قسمه بالكتاب المسطور في رق منشور.. ذهب المفسرون إلى أن المقصود بالكتاب هو الكتاب الذي كتبه الله سبحانه لملائكته في السماء يقرأون فيه ما كان وما يكون، ومع هذا التفسير يكون وصفه بهذا الوصف تقريباً للصورة إلى ذهن المخاطب، فالكتابة تحفظ في عالم الإنسان على رقائق الورق والجلد وأشرطة الكومبيوتر... الخ .
    وذهب بعض المفسرين إلى أنّ المقصود بالكتاب هنا هو القرآن الكريم. وقال البعض هو صحائف الأعمال التي تنشر يوم القيامة، جاء ذلك في قوله تعالى: (وإذا الصّحف نُشِرَت ) .
    ثمّ أقسم بالبيت المعمور بالذكر والتوحيد والعبادة، وهو الكعبة المكرّمة. وذهب بعض المفسِّرين إلى أنّ البيت المعمور هو موضع تجتمع فيه الملائكة في السماء الرابعة للتقديس والعبادة، وهو من عوالم الغيب الخفيّة على الإنسان.. ومرّة أخرى يكرِّر الباري جلّ ثناؤه قسمه ، فيقسم بالسقف المرفوع ، بالسماء الدّالة على عظيم قدرته ، ويقسم بالبحر المسجور فينتقل بانصات المخاطب وإصغائه المسـترسل لاستماع القسم، ينتقل به إلى ما يفاجئه ، ويثير اسـتغرابه .. فالقرآن يرسم صورة البحر في هذه الآية ، وقد اسـتحال الماء ناراً ، فاشتعل كما لو كان الماء وقوداً قابلا للاحتراق ، وليس مادة تطفئ النار ، إنّها الصورة الغريبة المذهلة، والتفسير العَصِيُّ على الفهم البشري المألوف، غير أن الأبحاث والدراسات العلمية الحديثة قد قرّبت صورة الفهم والتفسير وأصبح فهم تسجير البحار ، وتحولها إلى كتلة نارية ملتهبة بدلا من كونها ماء أمراً ممكناً وعادياً في منطق العلم . لقد أثبتت الأبحاث العلمية أن الماء مكوَّن من هيدروحين وأوكسجين ... وبتحلّل الماء إلى عنصريه الأوّلين; الهيدروجين سريع الاشتعال، والأوكسجين مادة مساعدة على الاشتعال، ويكون تسجير البحار أمراً عادياً .
    * * *
    أقسم القرآن بكلّ تلك المخلوقات: الطور، الكتاب المسطور، البيت المعمور، السقف المرفوع، البحر المسجور، لعظمة تلك المخلوقات الدالّة على عظمة خالقها.. مخاطباً النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إن عذاب ربك يا محمّد لواقع بأولئك المجرمين، ما له من دافع، إن ذلك العذاب سيكون يوم تمور السماء موراً، يوم تضطرب السماء، ويختل نظامها، وتتمزق بنيتها، ويوم تتحرك الجبال وتزول من أماكنها. إنه يوم الرعب والهول العظيم الذي يصوِّره القرآن في هاتين الآيتين ; مور السماء، والمور هو الجري السريع في لغة العرب، والحركة المضطربة. تتحرك الكواكب والنجوم والمجرات بسرعة واضطراب في الفضاء، كما تحرك الريح ذرات الغبار والدخان، وتعبث بها جيئة وذهاباً، وكما تحدث الكارثة في عالم السماوات، فإنها تحل بعالم الأرض أيضاً، وفي هذه الآية: (وتسير الجبال سيراً ) تصوير لإحدى مفردات الكارثة التي تكشف عن هولها في عالم الأرض يوم تنزلق الجبال وتتحرك من أماكنها وتندك وتنسف وتسوى في الأرض.. إنها الصورة المرعبة التي يعرضها القرآن في هاتين الآيتين، أحداث كونية مروّعة يتلوها يوم القيامة، وحق إذاً أن يصف القرآن حال المكذِّبين بالويل والثبور، لهم الويل والعذاب.
    إن كلّ تلك الكوارث تنتظر عالم الإنسان، وهو بين النجاة ومحنة العذاب يخوض في الجريمة واللهو والفساد ، وكأنّ ذلك المصير لا ينتظره .
    إنّ مصير أولئك المكذِّبين لدعوة الأنبياء اللاهين عما ينتظرهم من العذاب المهين، إنّهم سيُدعّون في نار جهنم دعّاً ، يُدفعون فيها باحتقار ومهانة ، كما يُدعُّ الحيوان . فيُقال لهم هذه النار التي كنتم بها تكذبون.
    إنّها صورة المهانة والإحتقار التي يعامل بها المجرمون، إنهم يُسألون بتوبيخ واستحقار: أجهنم هذه التي تصلون بها، أم سحر كما كنتم تقولون لمحمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) في عالم الدنيا ؟
    أم أنتم لاتبصرون هذه النار، إنّها حقيقة فاصلوها، وسواء عليكم صبرتم على العذاب أم جزعتم ، إنّكم باقون فيها جزاء ما كنتم تعملون ، إنّ خطاب التيئيس هذا يزيدهم عذاباً إلى عذابهم، ورعباً إلى رعبهم .
    * * *
    فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ ا لْجَحِيمِ (18)كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (19)مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُر مَصْفُوفَة وَزَوَّجْنَاهُم بِحُور عِين (20)وَا لَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَان أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِم مِن شَيْء كُلُّ امْرِئ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَة وَلَحْم مِمَّا يَشْتَهُونَ(22) يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لاَ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ (23) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24)وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْض يَتَسَاءَلُونَ (25)قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26)فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ ا لْبَرُّ الرَّحِيمُ (28) .
    شرح المفردات الآيات (18 ـ 28)
    فاكهين بما آتاهم ربهم :متنعمين، متلذّذين بما أعطاهم ربهم من النعيم.
    وما ألتناهم من عملهم من شيء :ما أنقصناهم من جزاء أعمالهم من شيء.
    كل امرئ بما كسب رهين :مصير كل امرئ مرتبط يوم القيامة بنوع عمله.
    يتنازعون فيها كأساً لا لغو فيها ولا تأثيم :يتعاطون كأس الخمرة وهم مجتمعون من غير أن تصدر منهم كلمة باطل ، أو إثم، كما يحدث لأهل الدنيا ممّن يتعاطون كؤوس الخمر. وقيل أن معنى (ولا تأثيم); ليس في شربها إثم.
    لؤلؤ مكنون :لؤلؤ محفوظ في أصدافه ، أي شديد الصفاء والنقاء .
    مُشفقين :الاشفاق خوف المحبّ على ما يحبّ ، والمعنى: كانوا في الدنيا يشعرون بالخوف المختلط بالعناية والحبّ على أنفسهم من عذاب الآخرة .
    السّموم :شديد الحر واللفح .
    البَر :الصادق فيما وعد .
    المعنى العام الآيات (18 ـ 28)
    (إن المتقين في جنات ونعيم * فاكهين بما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم ) .
    ويترك القرآن مشاهد أهل النار ليحضر أمامنا وصفاً مليئاً بالحركة والبهجة والجمال. فالمتقـون يمرحون في جنات ونعيم ، يملأ نفوسهم الأنس لما يرون من جنة ونعيم ، ولما شعروا به من خلاص من هول العذاب .. وكما كان يقال لأهل جهنم اصلوها بما كنتم تعملون، وسواء عليكم صبرتم أم جزعتم، أنتم في العذاب مقيمون. يقال لأهل النعيم : كلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون. إنّه الجزاء الحق. فكل قد نال جزاء عمله، وأخذ استحقاقه دونما ظلم أو تعسُّف .
    وينتقل القرآن من خطابه لأهل الجنة الى وصف مجالسهم ، أنها صورة المتعة والجمال والراحة التي يجلس فيها أهل هذا النعيم في مجالسهم متكئين على السرر المصفوفة لمنظرها الجمالي الأخاذ ، ومن حولهم الحور العين ، زوجات مطهرات يزدن منظر الجنان بهاء وجمالاً . . ولكي يتم الله فضله واحسانه على أولئك المؤمنين ألحق بهم أبناءهم الذين آمنوا معهم ، كما ألحق بهم أبناءهم الصغار ، تكريماً لهم ومنّةً عليهم.
    رُوي عن الإمام علي (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : «انّ المؤمنين وأولادهم في الجنة . ثم قرأ هذه الآية».
    ورُوي عن الصادق (عليه السلام) قوله : «أطفال المؤمنين يهدون الى آبائهم في الجنة» .
    وجرياً على قاعدة العدل الإلهي ان الله لم ينقص الآباء شيئاً من عملهم حين ألحق بهم أبناءهم (وما ألتناهم من عملهم من شيء ).
    وبعد أن عرض القرآن مشاهد من الحياة في عالم الجنان عاد فأوضح أن كل امرئ بما كسب رهين ، أي يُعامل بما كان يعمل في عالم الدنيا ، إنْ خيراً فخير وإنْ شرّاً فشرّ .
    * * *
    (
    وأمددناهم بفاكهة ولحم ممّا يشتهون... ) .
    لقد استحقّوا ما وعد الله، فهم في جنان النعيم يساق إليهم ما اشتهت أنفسهم من طعام وشراب، من فاكهة ولحم متواصل غير مقطوع، ولأهل الجنّة أنس ولذة بالخمر المُعد في ذلك العالم، الخمر الذي لا يذهب العقل، ولا يخرج الإنسان عن الوعي فيصدر منه اللغو أو التأثيم.. إنهم يتناولون كأس الخمر، ويتجاذبونها فيما بينهم تجاذب الأنس والمحبة، وليس تجاذب العداوة والباطل.
    ويتواصل وصف القرآن للجنة، وما أعد الله فيها من نعيم للمحسنين، فينقل لنا صورة من صور النعيم في ذلك العالم، صورة الغلمان المُعدّين لخدمة أهل الجنّة، إنّهم آية في الحسن والصفاء والجمال ، لذا شبَّههم القرآن باللؤلؤ المكنون، فيضفون على تلك الأجواء الجمالية الآنسة اُنساً وجمالا.
    في هذا النعيم الدائم والأمن والسرور يتذكر أولئك المتقون ما كانوا يدعون الله به في عالم الدنيا .. إنا كنا من قبل ، عندما كنا في عالم الدنيا ، كنا خائفين على أنفسنا من العذاب، ندعوه ونطلب عفوه فأجاب دعوتنا ، ووفى بما وعدنا ، وتجاوز عنا فوقانا عذاب السموم ، انّه هو البر الرحيم .
    فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِن وَلاَ مَجْـنُون (29) أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ا لْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُم مِنَ ا لْمُتَرَبِّصِينَ (31) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُم بِهذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (32)أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لاَ يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيث مِثْـلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ (34)أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْء أَمْ هُمُ ا لْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّماوَاتِ وَا لاَْرْضَ بَل لاَ يُوقِنُونَ (36)أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ ا لْمُصَيْطِرُونَ (37) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَان مُبِين (38) أَمْ لَهُ ا لْبَنَاتُ وَلَكُمُ ا لْبَنُونَ (39) أَمْ تَسْأَ لُهُمْ أَجْراً فَهُم مِن مَغْرَم مُثْقَلُونَ (40) أَمْ عِندَهُمُ ا لْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41)أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ ا لْمَكِيدُونَ (42) أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43)وَإِن يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ سَاقِطاً يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ (44)فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاَقُوا يَوْمَهُمُ ا لَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45) يَوْمَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ (46)وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَاباً دُونَ ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (47)وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49) .
    شرح المفردات الآيات (29 ـ 49)
    فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون :الكاهن الذي يوهم بأنه يعلم الغيب باستخدام الجن ، والمعنى: انك بفضل الله عليك لست مجنوناً ، ولا كاهناً يخادع الناس بالتظاهر بالاتصال بعالم الغيب.
    نتربّص به ريب المنون :التربّص: الانتظار، والمنون: المنيّة، وريب المنون: علامات الموت. والمعنى: ننتظر حتى يموت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ونتخلّص منه .
    أم تسألهم أجراً فهم من مغرم مثقلون : أم تسألهم أجراً على ما جئتهم به من الهداية والرسالة، فأثقلهم ذلك الغرم، فمنعهم من الايمان بك. والمعنى: انك لا تطلب منهم مقابل تبليغ الرسالة أجراً، فيثقل عليهم ذلك الأجر، ويمنعهم من قبول الدعوة.
    يريدون كيداً : يريدون أن يمكروا بك، ويدبّروا السوء ضدّك.
    إن يروا كسفاً ساقطاً :إن يروا قطعاً من السماء ساقطة عليهم.
    فإنّك بأعيننا :فإنك بحفظنا ورعايتنا.
    إدبار النجوم :حين تدبر النجوم، عندما يغمرها ضياء الصبح، فتأخذ بالمغيب.
    المعنى العام الآيات (29 ـ 49)
    وبعد أن وصف القرآن عالم الجنان والنعيم عاد فخاطب النبيّ محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم)وسجّل ما يقوله المكذّبون من افتراءات وأباطيل وأوهام، فدعاه إلى أن يذكِّر بالقرآن ، (فذكِّر فما أنتَ بنعمةِ ربك ... ) وينشر دعوته من غير توقّف أو تردّد ... إنك على الحق يا محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) فلست ـ بحمد الله ـ كاهناً ولا مجنوناً ولا شاعراً، بل أنت داعية الحق، ومنقذ الإنسان ، لقد استعمل هؤلاء المكذِّبون كلّ أساليب التكذيب والتشويه والتضليل، فلم يوقفوا مسيرة الدعوة، واقبال النفوس على كلمة الله.. وهكذا يفعل المجرمون وأهل الباطل عندما يواجهون كلمة الحق ، فلايجدون حجّة ولا دليلا مقبولا للاحتجاج به ، فيلجأون إلى التشكيك والتضليل وإثارة الشبهات، وعندما ييأس أولئك المبطلون يلجأون إلى إقناع أنفسهم، ومن يستمع إليهم بأوهام وتصورات خدّاعة ; ليواجهوا الهزيمة، لقد يئس خصوم الدعوة من إقناع الناس بأباطيلهم فأقنعوا أنفسهم ; إن صاحب الدعوة شاعر، سيموت وينتهي كلّ شيء، فلنتربص به ريب المنون، فلننتظر موته، وإنهاء ما يدعو إليه .
    وإذاً قل لهم يا محمّد، استخفافاً بما يفكرون به، انتظروا فإني منتظر ما يحل بكم أيضاً، وما سيحدث لهذا المسار.. والآية تتضمن وعداً بالنصر، وتفوق الحق. وصدق الله رسوله، فقد انتصر الحق، وهزمت أفكار الباطل، وخسر المبطلون.
    ويستخف القرآن بعقول هؤلاء التي دعتهم إلى تكذيب الوحي والرسالة، بل ويعزو ذلك إلى الطغيان والغرور أيضاً ، بقوله: (أم تأمرهم أحلامهم بهذا أم هم قوم طاغون ).
    ثمّ يواصل القرآن إلقاء أسئلته ذات الحجج الدامغة، فيسأل: أعندهم خزائن ربك يا محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) أم لهم السيطرة على الخلق، فيعطون من شاؤوا، ويمنعون من شاؤوا ؟ فيضعون النبوّة في غير الموضع الذي وضعها الله فيه .
    أم لهم سُلّم، ... ومصعد يحلّقون به فيستمعون إلى وحي مِنَ السماء؟ إن كان لديهم مثل هذه القدرة فليأتِ مستمعهم بحجة ودليل يثبت به ذلك.
    ثم ينتقل القرآن من الحديث عن موقفهم من النبوة إلى عرض جملة قد تبدو لمن لا يتأمل في ما أراد القرآن بها، أنها جملة لا علاقة لها بما سبقها، ولا ارتباط لها بالسياق. وهي قوله تعالى : (أم له البنات ولكم البنون ) ... إنّ هذه الآية هي إدانة لذلك العقل المتخلف تجري في عمق السياق، وقرينة تساهم في بيان المراد.
    إن القرآن يستخف بعقول هؤلاء الذين قالوا لله البنات، ولهم البنون. فهو يوضح أن أصحاب هذه العقول لا يستوعبون بطريقتهم هذه ذلك المنهج العلمي الذي يحاورون به.
    ثمّ يعود فيخاطب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فيقول له: هل كان رفضهم يا محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) لنبوّتك ودعوتك لأ نّك تطلب منهم مالا فثقل عليهم وتعذّر دفعهم ذلك التكليف المالي مقابل الإيمان والتصديق؟ إنَّك لا تطلب مالا ولا أجراً على ما تدعوهم إليه، غير أنهم رفضو الهدى، وأصمُّوا آذانهم عن الحق.
    وتتواصل أسئلة القرآن الداحضة ، فيقول: (أم عندهم الغيب فهم يكتبون ) .
    أعند أولئك الرادّين عليك يا محمّد علم الغيب فهم يكتبون منه، ويحكمون به، ويستندون عليه بقولهم: أنك تموت قبلهم، وينتهي أمر رسالتك، أو يخبرون عن الغيب فيما يقولونه للناس من آراء، أم يقولون تقوّل القرآن وافتعله، فهو من قوله الذي ينسبه إلى الله سبحانه، إن كل ما يقولونه من هذه التهم والأباطيل هي للدفاع عن كفرهم وانحرافهم.
    * * *
    وبعد أن ينهي القرآن هذا المقطع من وصف موقف التكذيب، وردّ المشركين على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، يعود فيتحدّى المكذِّبين المتهمين للنبوة، فيتحدّاهم أن يأتوا بمثل القرآن إن كان قول شاعر أو كاهن أو مجنون، كما يقولون، فما يمنعهم وهم أصحاب العقول الراجحة، كما يدّعون، وتلك حجة حسيّة داحضة لا يستطيعون ردّها.
    ويترك القرآن أولئك المكذّبين أمام هذا الإحتجاج المعجز، فيورد عليهم عدداً من الأسئلة العلمية التي لا يجدون لها جواباً، وأ نى لهم مواجهة العلم والحقيقة، وهم يتخبّطون في الوهم والخرافة وصناعة الأكاذيب والشبهات المفتعلة.. إن القرآن يخاطب هذا النمط من العقول. أخُلق أولئك المكذّبون من غير ما خلق منه البشر، فلا يكلّفون ولا يُسألون ولا يحاسبون، كما يكلف غيرهم، ويُدعى إلى الهدى ، أم أنّهم هم الخالقون الذين خَلقوا أنفسهم، فليس لهم خالق يعبدونه ويستمعون لأوامره ونواهيه ؟
    أم خلقوا السماوات والأرض، فليس لها خالق غيرهم ؟

  2. #2
    الصورة الرمزية حياتى لله
    حياتى لله غير متواجد حالياً عضو نشيط
    تاريخ التسجيل
    Aug 2010
    المشاركات
    6,758

    افتراضي

    جزاك الله خيرا


1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17