بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته




الحمد لله وحده، وصلى الله على من لا نبيَّ بعده، نبينا محمد وعلى الآل والصحب والأتباع، وسلَّم تسليماً.

أما بعد:
فقد كان من منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في القضايا العامة: حرصه على سمعة الإسلام، وتنزيهه له عن الأقوال والأفعال التي قد تسبب تشويهه أو وصمه بصفات هو منها بريء، مما قد يسبب صدود الناس عنه.

وهذا المنهج النبوي واضحٌ وجليٌّ لكل من تأمل في السيرة العطرة.

والأمثلة على هذا متعددة، ومن النماذج: منهج النبي عليه الصلاة والسلام في احتواء المشكلات داخل المدينة المنورة وتجاوزه عن بعض أفعال المنافقين والزنادقة الذي يتظاهرون بالإسلام ويعيشون في جنبات المدينة النبوية؛ برغم ما كان يصدر عنهم من مواقف الخيانة العظمى، إلى الحد الذي جعل الصحابة يضيقون ذرعاً بأولئك الأفراد ويطالبون النبي عليه الصلاة والسلام بقتلهم في أكثر من مرة، غير أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام كان متشبثاً بمنهجية الإغضاء، ويعلل ذلك بقوله: "لا يتحدَّث الناسُ أن محمداً يقتل أصحابه " رواه البخاري ومسلم.

وفي واقعة أخرى يحدث جابر بن عبد الله يقول: "لما قسَم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم غنائم هوازن بين الناس بالجِعِرَّانة قام رجلٌ من بني تميم فقال: اعدل يا محمد! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ويلك! ومن يعدل إذا لم أعدل؟! لقد خبت وخسرت إن لم أعدل" فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله ألا أقوم فأقتل هذا المنافق؟ قال: "معاذ الله أن تتسامع الأمم أن محمداً يقتل أصحابه" ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ هذا وأصحاباً له يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقِيَهم" رواه أحمد وأصله في صحيح البخاري.

وفي روايات أو مناسبات أخرى عندما كان الصحابة يرون أن أشخاصاً ممن يعيشون في كنف الدولة الإسلامية ارتكبوا أعمالاً شنيعة، مما يطلق عليه اليوم في قوانين الدول: "الخيانة العظمى" نحو أوطانهم، ويطالب الصحابة ومنهم كبار وزراء ومستشاري النبي الكريم عليه الصلاة والسلام بتنفيذ الحكم الحاسم نحوهم، إلا أنه كان يرد عليهم: "أكره أن يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه"، وبقوله: "فكيف إذا تحدث الناس يا عمر أن محمداً يقتل أصحابه".

وتوضيحاً لهذه السياسة النبوية: فإن المجتمع الإنساني آنذاك وهو يشاهد هذا الدين الجديد وهذه الدولة الوليدة على أساسه وتشريعاته فإنهم يرمقون اتجاهات قائدها ويراقبون قراراتها، إلى الحد الذي سبروا معه تاريخ هذا القائد منذ مولده وطبيعة تعاملاته وأخلاقه، بل وتاريخ أجداده، كما جاء في الحوار الشهير بين اثنين من أكبر قادة وساسة ذلك العصر وهما القائد القرشي أبو سفيان والملك الرومي هرقل.

وفي ضوء ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يدرك أن الناس من حوله لن يتفهموا سبب الحكم بالإعدام الذي تقضي به الدول نحو من يخونها من رعايها، فترك ذلك رعايةً لمصلحة أعلى وهي حماية سمعة الرسالة الخاتمة التي كلَّفه الله بإبلاغها للثقلين.

ولم يزل النبي صلى الله عليه وسلم محافظاً على منهجية حماية سمعة الإسلام وبخاصة لدى التعامل مع الدول وأهل الملل الأخرى، عملاً بالتوجيهات الربانية، كما في قوله سبحانه: ﴿ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ ﴾ [الأنفال: 58].

ويوضح هذه الآية الكريمة ما رواه سليم بن عامر قال: كان بين معاوية وبين الروم عهد، وكان يسير نحو بلادهم، حتى إذا انقضى العهد غزاهم، وفي رواية: فأراد ان يدنو منهم فإذا انقضى الأمد غزاهم، فجاء رجل على فرس أو برذون وهو يقول: الله أكبر الله أكبر، وفاء لا غدر، فنظروا فإذا عمرو بن عبسة رضي الله عنه، فأرسل إليه معاوية فسأله؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من كان بينه وبين قومٍ عهدٌ فلا يشد عُقدةً ولا يَحُلَّها حتى ينقضي أمدُها أو ينبذ إليهم على سواء" فرجع معاويةُ بالنَّاس. رواه أحمد وأبو داود والترمذي.

وكان النبي عليه الصلاة والسلام يوصي من يعيِّنهم من القادة والسفراء ومن يتفاوض مع غير المسلمين ويقول لهم: إذا "أرادوك أن تجعلَ لهم ذِمَّة الله وذِمَّةَ نَبِيِّه فلا تجعل لهم ذِمَّةَ الله ولا ذِمَّة نَبِيِّه، ولكن اجعل لهم ذِمَّتَكَ وذِمَّةَ أصحابك، فإنكم أن تَخْفِرُوا ذِمَمَكم وذِمَمَ أصحابِكم أهونُ مِنْ أن تَخْفِرُوا ذِمَّةَ الله وذِمَّةَ رسولِه" رواه مسلم.

قال العلماء: الذمة هنا: العهد، ومعنى: تخفروا، أي تنقضوا عهدهم، والمعنى: لا تجعلوا العهد منسوباً إلى الله أو إلى نبيه عليه الصلاة والسلام، فإنه قد ينقضه من لا يعرف حقَّه، وينتهك حرمتَه بعضُ الأفراد. ولكن يكون العهد باسم القائد حتى يكون مسئولاً عنه هو.

وعند النظر في الحملات الجائرة لتشويه موروث الأمة الإسلامية وتاريخها ومقدساتها، هذه الحملات التي يتبناها اليوم أقوام جعلوا هدفهم الأكبر الصد عن دين الإسلام ومنع الناس من الإقبال عليه، وسلكوا في سبيل ذلك مسلك التشويه والافتراء تارة، وفي تارات أخرى يستغلون أخطاء بعض من ينتسبون للإسلام، فراحوا يضخمونها ويسخرون لها وسائل الإعلام والاتصالات ليؤكدوا للعالم مزاعمهم نحو الإسلام ونحو نبي الرحمة محمد عليه الصلاة والسلام، على غرار ما تابعناه في الفترة الأخيرة من حملات محاولة الإساءة للنبي الكريم عليه الصلاة والسلام.

إن ذلك كله ليفرض علينا أهل الإسلام أن نجعل من أولويات التعامل مع غير المسلمين مبدأ (حماية سمعة الإسلام) و (حماية سمعة النبي صلى الله عليه) وأن نوضح الصورة الحقيقية للإسلام، وأن نعرِّف بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال الله عنه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107].

والله غالب على أمرِه ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون.