نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية تقريرا موسعا نشرته المجلة الأمريكية "نيو يوركر" أمس حول تفاصيل قصف إسرائيل للمفاعل النووى السورى عام 2007، مشيرة إلى أنه تم استخدام 17 طنا من المتفجرات ألقتها 8 طائرات إسرائيلية حربية فوق مدينة "دير الزور" أقصى غرب سوريا، موضحة أن تلك التفاصيل تنشر لأول مرة منذ تنفيذ العملية.

وأوضحت "نيو يوركر" أن إسرائيل اشتبهت بأن سوريا جددت العمل على برنامجها النووى عام 2006، وتركزت المعلومات الاستخبارية الأولية على مبنى كبير أقيم فى "دير الزور"، وفى السابع من مارس من عام 2007 اقتحم عملاء الموساد منزلا فى "فيينا" كان يسكنه إبراهيم عثمان رئيس الوكالة السورية للطاقة الذرية، والذى كان يمكث فى حينها هناك للمشاركة فى اجتماع للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتمكن عملاء الموساد من اقتحام جهاز الحاسب الخاص بعثمان ونسخ نحو 36 صورة وصفت بأنها "تدين سوريا" دون أن يتركوا أى أثر خلفهم.

ووفقاً للتقرير الذى أعده ديفيد مكوفسكى وهو يهودى يحمل الجنسية الأمريكية وعاش لسنوات طويلة داخل إسرائيل فإن هذه الصور كان من داخل المبنى السرى، الذى أطلق عليه "الكبر"، ويظهر فى بعضها عمال من كوريا الشمالية، الأمر الذى أكد مخاوف إسرائيل، وهو أن "بيونج يانج" تعمل على إقامة مفاعل "بلوتونيوم" لسوريا على بعد 800 متر من نهر الفرات بالقرب من الحدود مع تركيا والعراق.

ونقل التحقيق عن خبراء الموساد الذين عاينوا صورا جوية والصور التى تمت سرقتها، تقديراتهم بأن الهدف من إقامة هذه المنشأة هو إنتاج قنبلة نووية، مشيراً إلى أنه استند فى تحقيقه إلى محادثات مع 12 مسئولاً إسرائيلياً، ومثلهم من كبار المسئولين الأمريكيين، الذين كان لهم دور فى اتخاذ القرار بشن الهجوم.

وأضاف التقرير أنه بعد جمع تلك المعلومات اجتمع رئيس الموساد فى ذلك الوقت مائير داجان، ومسئولون آخرون مع رئيس الحكومة الإسرائيلية حينذاك إيهود أولمرت، وأكدوا وجوب العمل بسرعة من قبل إسرائيل، لأنه فى حال أصبح مفاعل البلوتونيوم فعالا فإن قصفه سيؤدى إلى تلويث مياه الفرات بالأشعة.

وأضافت "نيو يوركر" فى تقريرها "إن أولمرت سارع إلى عقد سلسلة مشاورات، بعضها جرت خلال اجتماعات بمنزله، مع كبار المسئولين، من بينهم الرئيس الإسرائيلى شيمون بيريز وبنيامين نتانياهو وإيهود باراك، ووزير الدفاع فى ذلك الوقت عامير بيرتس، ورئيس أركان الجيش السابق جابى أشكنازى، ورئيس الموساد مائير داجان، ورئيس الاستخبارات العسكرية عاموس يدلين، ورئيس الشاباك يوفال ديسكين، ووقع جميع المشاركين على التزام بالحفاظ على السرية التامة.

وأضافت المجلة الأمريكية أنه تم عرض المعلومات والصور التى سرقت من حاسوب عثمان على كبار المسئولين فى الإدارة الأمريكية، وعندها طلب الرئيس الأمريكى جورج بوش التحقق من الموضوع، وكانت تقديرات الخبراء الأمريكيين بأن الحديث عن مفاعل نووى أو مفاعل وهمى.

وأشار التقرير إلى أن الإدارة الأمريكية لم تكن متحمسة لشن هجوم أمريكى، كما أن وزيرة الخارجية الأمريكية فى حينه كونداليزا رايس فقدت الثقة بقدرة الجيش الإسرائيلى على تدمير "المفاعل السورى" فى أعقاب الحرب على لبنان فى يوليو 2006.

وبحسب التقرير فإن رايس خشيت من أن الهجوم الإسرائيلى على سوريا قد يؤدى إلى اندلاع حرب بين إسرائيل من جهة، وبين سوريا وحزب الله من جهة أخرى، كما لم تشأ تعريض مؤتمر "أنابوليس" والمفاوضات الحساسة للدول العظمى مع كورية الشمالية للخطر.

وبعد 17 يونيو من العام 2007، بعد اجتماع بوش مع كبار المسئولين فى الإدارة الأمريكية والاستخبارات، أبلغت إسرائيل بأن الولايات المتحدة لا تستطيع قصف المفاعل بدون إثبات وجود برنامج نووى عسكرى سورى، كما أشارت المجلة إلى أن أولمرت حث بوش ووزير دفاع ديك تشينى على قيادة الهجوم على المنشأة السورية.

وكشف التقرير الأمريكى إن أولمرت حذر من فتح قناة دبلوماسية مع سورية حول المنشأة لتفكيكها استنادا لمعلومات إستخبارية إسرائيلية، بادعاء أن ذلك يمنح الرئيس السورى الوقت لجعل المفاعل فعالا.

وأضاف تقرير المجلة الأمريكية أن أولمرت خشى من تسريب معلومات من قبل المسئولين الأمريكيين، كما أنه لم يطلب الضوء الأخضر من بوش لشن الهجوم، وفى الوقت نفسه فإن بوش لم يضع أمامه ضوءا أحمر، وهو ما اعتبره أولمرت على أنه ضوء أخضر، بحسب مصدر عسكرى إسرائيلى.

وأوضحت المجلة الأمريكية أن إسرائيل درست عدة خيارات عملية؛ وهى شن هجوم جوى واسع النطاق أطلق عليه "شكدى سمين"، أو شن هجوم على نطاق ضيق أطلق عليه "شكدى نحيف"، أو عملية بواسطة قوات كوماندوز برية.

وكانت التقديرات السائدة فى إسرائيل هى أنه فى حال شن هجوم على نطاق ضيق فإن الأسد سيختار عدم الرد بشكل عسكرى، وكانت تقديرات خبراء فى علم النفس، استشارهم الجيش الإسرائيلى، تشير إلى أنه فى حال لم تحشر إسرائيل الأسد فى الزاوية بتصريح علنى عن مسئوليتها عن الهجوم فإن ذلك سيبقى أمام الرئيس السورى "حيزا للإنكار" يتيح له عدم القيام بأى شيء.

وأشار التقرير الأمريكى إلى أن وزيرة الخارجية فى حينها تسيبى ليفنى، وممثلى الموساد والجيش الإسرائيلى أيدوا شن هجوم على نطاق ضيق، وفى يونيو من العام 2007 أرسل سرا طاقم خاص من "وحدات النخبة" الإسرائيلية إلى سوريا، وجمع عينات من الأرض، والتقط صورا للمنشأة من بعد كيلومتر ونصف الكيلومتر.

ولفت التقرير إلى أنه فى هذه الأثناء تم استبدال وزير الدفاع عامير بيرتس بإيهود باراك، وبحسب مكوفسكى فإن باراك طلب التريث من أجل إتاحة المجال للجيش للاستعداد للرد السورى، ومن جهته فإن أولمرت اشتبه بأن باراك ينوى تأخير الهجوم إلى حين صدور تقرير "فينو جراد" النهائى خلال شهرين، على أمل أن يؤدى إلى استقالة أولمرت، وعندها يقوم باراك بالهجوم.

وفى الأسابيع التى تلت عقدت عدة اجتماعات للمجلس الوزارى المصغر للشئون الأمنية والسياسية "الكابنيت"، بحسب تصريح أحد الوزراء لـ"نيو يوركر" لم يكشف اسمه.

وفى الأول من سبتمبر من العام نفسهه أبلغ يورام توربوفيتش رئيس طاقم الموظفين فى حكومة أولمرت البيت الأبيض بأن إسرائيل استكملت استعداداتها لشن الهجوم، كما أطلع الموساد نظيره البريطانى الـ "MI6" على تفاصيل القضية بدون الإفصاح عن معلومات عن الهجوم المرتقب.

وفى الخامس من الشهر نفسه عقد اجتماعا للمجلس الوزارى الإسرائيلى المصغر، وصوت جميع الوزراء مع شن الهجوم، ما عدا الوزير آفى ديختر الذى امتنع عن التصويت، وتم تخويل أولمرت وباراك وليفنى باتخاذ قرار بشأن موعد وطبيعة الهجوم، وعقد ثلاثتهم اجتماعا فى اليوم نفسه فى غرفة جانبية، وفى حينه نصح أشكنازى بشن الهجوم فى الليلة ذاتها، وعلى نطاق ضيق، وهو ما تمت الموافقة عليه.

وقرابة منتصف الليل توجهت 4 طائرات "أف 16" و4 طائرات "أف 15" إلى الهدف من قواعد سلاح الجو الإسرائيلى.

وبحسب التقرير فإن إحدى هذه القواعد كانت "رمات دافيد" فى الشمال، وحلقت الطائرات شمالا على طول ساحل البحر المتوسط، وبعد ذلك توجهت شرقا على طول الحدود بين سورية وتركيا، وقامت الطائرات بتفعيل وسائل حرب إلكترونية عرقلت عمل أنظمة الدفاعات الجوية السورية، وفى هذه الأثناء كان أولمرت وباراك يتابعان التطورات من مركز الـ"كرياه" العسكرى فى تل أبيب.

وأضاف التقرير أنه فى تماما الساعة 12:40 حتى 12:53 أبلغت الطائرات أنه تم إلقاء 17 طنا من المتفجرات على المنشأة النووية فى صحراء شمال شرق سوريا، وأنه تم تدمير المنشأة بدون أن تقع خسائر إسرائيلية، وبحسب مسئول إسرائيلى فإن 35 شخصا عملوا فى المنشأة قد قتلوا فى القصف.

وأوضحت المجلة الأمريكية أنه بعد دقائق معدودة أبلغ أولمرت الرئيس الأمريكى بأن "شيئا ما كان موجود لم يعد كذلك، وتم ذلك بنجاح كبير"، مضيفا أن سوريا اكتفت بنشر بيان كاذب، بموجبه فإن الدفاعات الجوية صدت هجمات إسرائيلية، وأن الطائرات المهاجمة فرت من المكان بعد أن ألقت ذخيرتها فى الصحراء، وبالتالى فإن نتيجة التحليل النفسى الإسرائيلى للأسد قبل العملية أكد بأن "الأسد أحس بالأمان فى حيز الإنكار، وامتنع عن الرد العسكرى على القصف".