النتائج 1 إلى 2 من 2
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Aug 2010
    المشاركات
    7,029

    افتراضي تعريف الطاغوت وانواعه



    الطاغوت
    يقول تعالى

    والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى)
    ويقول تعالى
    (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها..)
    ويقول تعالى:
    (ولقد بعثنا في كل امة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)
    ويقول تعالى
    الم تر إلى الذين يزعمون أنهم امنوا بما انزل إليك وما انزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوتوقد أمروا أن يكفروا به)
    يقول الشيخ محمد ابن عبد الوهاب يرحمه الله
    اعلم يرحمك الله تعالى:
    أن أول ما فرض الله على ابن ادم الكفر بالطاغوت والإيمان بالله والدليل قوله تعالى:
    (ولقد بعثنا في كل امة سولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت..)
    إذن فما هو الطاغوت الذي أمرنا الله باجتنابه وعدم عبادته؟
    وما هي صفة الكفر بالطاغوت؟

    الطاغوت
    لغة مشتق من الطغيان وهو مجاوزة الحد وكل شيء جاوز المقدار والحد في العصيان فهو طاغ
    ومن ذلك قوله تعالى
    إنا لما طغى الماء..)
    أي كثر وزاد على الحد بإذن الله تعالى وطغى السيل:
    ارتفع حتى جاوز الحد في الكثرة.
    وأما تعريفه شرعا فقد عرفه ابن القيم رحمه الله تعريفا شاملا فقال:
    (الطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع)
    أي كل شيء يتعدى العبد به حده أي قدره الذي ينبغي له في الشرع يصير به طاغوتا سواء تعدى حده من معبود مع الله بأي نوع من أنواع العبادة أو متبوع في معاصي الله أو مطاع من دون الله في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما احل الله.
    ثم قال ابن القيم:
    (فإذا تأملت طواغيت العالم فإذا هي لا تخرج عن هذه الثلاثة).
    والطواغيت كثيرة فهم غير منحصرين بعدد لعنهم الله لان كل من انطبق عليه التعريف المتقدم فهو طاغوت شاء أم أبى ولكن رؤوس الطواغيت أي أكبرها بالاستقراء والتتبع خمسة:



    1.الشيطان:


    وهو رأس كل ضلالة وهو الذي يزين الباطل للناس وقد أمرنا الله بعدم إتباعه قال:
    (الم اعهد إليكم)

    أي امركم يا بني ادم أي على السن رسلي
    ( أن لا تعبدوا)
    أي لا تطيعوا الشيطان
    (انه لكم عدو مبين)
    أي بين العداوة وعداوة الشيطان للإنسان أزلية منذ أن طرده الله من رحمته فاقسم بعزة الله وجلاله أن يسخر كل جهده لغواية بني ادم ولإخراجهم من رحمة الله تعالى فأول شرك ظهر على وجه الأرض كان بسبب الغلو في الصالحين فقد زين لهم الشيطان الشرك وعبادة الأصنام كما شرحنا ذلك في أنواع التوحيد ولذلك أمرنا الله تعالى بعدم إتباع خطوات الشيطان فقال تعالى
    ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين)
    لان إتباع خطوات الشيطان لا تنتهي بالإنسان إلا بالكفر والعياذ بالله لان المعاصي إذا توالت على قلب العبد يستأنس بها فلا يعود ينكر منكرا أو يعرف معروفا وهذا هو الران الذي يحصل للقلب كما قال تعالى
    كلا بل ران على قلوبهم)
    فعلى الإنسان أن يحذر الشيطان كل الحذر لأنه يبذل قصارى جهده لإضلال الناس وبكل الوسائل الممكنة كما حصل في قصة الراهب الذي تعبد الله ستين سنة وان الشيطان أراداه فأعياه فعمد إلى امرأة فاجنها ولها إخوة فقال لإخوتها عليكم بهذا القس فيداويها قال فجاءوا بها فداواها وكانت عنده فبينما هو يوما عندها إذا أعجبته فاتاها فحملت فعمد إليها فقتلها فجاء إخوتها فقال الشيطان للراهب أنا صاحبك انك أعييتني أنا صنعت هذا بك فاطعني أنجك مما صنعت بك فاسجد لي سجدة فلما سجد له قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين
    فذلك قوله تعالى
    كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين)
    ومن أراد المزيد يرجع إلى تفسير الآية في سورة الحشر.
    فالشيطان هو رأس كل فتنة ولا يمل ولا يتعب حتى يخرج العباد من عبادة رب العباد إلى عبادة العباد.




    2.الحاكم الجائر المغير لأحكام الله تعالى
    والدليل قوله تعالى:
    ( الم تر إلى الذين يزعمون أنهم امنوا بما انزل إليك وما انزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوتوقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا )





    جاء في تفسير الآية:

    هَذَا إِنْكَار مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَنْ يَدَّعِي الْإِيمَان بِمَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى رَسُوله وَعَلَى الْأَنْبِيَاء الْأَقْدَمِينَ
    وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يُرِيد أَنْ يَتَحَاكَم فِي فَصْل الْخُصُومَات إِلَى غَيْر كِتَاب اللَّه وَسُنَّة رَسُوله
    كَمَا ذُكِرَ فِي سَبَب نُزُول هَذِهِ الْآيَة أَنَّهَا فِي رَجُل مِنْ الْأَنْصَار وَرَجُل مِنْ الْيَهُود تَخَاصَمَا فَجَعَلَ الْيَهُودِيّ يَقُول بَيْنِي وَبَيْنك مُحَمَّد وَذَاكَ يَقُول بَيْنِي وَبَيْنك كَعْب بْن الْأَشْرَف. وَقِيلَ فِي جَمَاعَة مِنْ الْمُنَافِقِينَ مِمَّنْ أَظْهَرُوا الْإِسْلَام أَرَادُوا أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى حُكَّام الْجَاهِلِيَّة .
    وَقِيلَ غَيْر ذَلِكَ
    وَالْآيَة أَعَمّ مِنْ ذَلِكَ كُلّه فَإِنَّهَا ذَامَّة لِمَنْ عَدَلَ عَنْ الْكِتَاب وَالسُّنَّة وَتَحَاكَمُوا إِلَى مَا سِوَاهُمَا مِنْ الْبَاطِل وَهُوَ الْمُرَاد بِالطَّاغُوتِ هُنَا وَلِهَذَا قَالَ " يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوت "
    إِلَى آخِرهَا
    .فيدخل في مسمى الطاغوت إذن


    كل من عدل عن كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبدلها بشريعة وضعية.

    فمن أفعال الله تعالى



    التشريع
    يقول تعالى
    ( وشرع لكم من الدين ما وصى به نوحا)
    فمن شرع شرعا غير شرع الله فقد تعدى إلى فعل من أفعال الرب وهو التشريع وقد شارك الله ربوبيته
    كما قال تعالى: عن الأحبار والرهبان
    (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله)
    لأنهم شرعوا مع الله فسامهم أربابا
    ومعنى الحبر العالم
    ومعنى الراهب العابد


    فمن أطاعهم في التحليل والتحريم فقد اتخذهم أربابا من دون الله


    قال تعالى
    (أم لهم شركاء شرعوا لهم ما لم يأذن به الله )
    فطغوا وتجاوزوا حدهم من عباد إلى أرباب فأصبحوا طواغيت وهذا الذي حصل أيضا مع حكام أهل زماننا
    أبدلوا شريعة الله بشريعة وضعية لها دساتير مأخوذة من شريعة اليهود والنصارى ..
    فاستبدلوا قطع يد السارق بحكم السجن بدعوى أن حكم الله تعالى قاس وان لم يقولونها بألسنتهم فالإنسان لا يبدل شيء إلا إذا كان رآه غير صالح
    فاتهم الحق سبحانه وتعالى بالقسوة
    تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا
    فان الله سبحانه وتعالى ارحم بالعباد من الأم بولدها
    واستبدلوا حكم الزاني وشارب الخمر ..
    وبدلوا وشرعوا مع الله
    ولولا أن الله متكفل بحفظ القران لحرفوا معانيه أيضا وكذبوا على الله
    كما فعل الذين من قبلهم ولكن عندما لم يستطيعوا هذا ضحكوا على عقول الناس
    وافهموهم أن القران للتلاوة والذكر
    بل أكثر من هذا أصبح القران من بين الديكورات التي تجدها موضوعة في المنزل
    فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
    فما كانت نتجية تغيير شرع الله

    عم الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس
    فالله سبحانه وتعالى حينما خلقنا عالم بما يصلح لنا ووضع هذه الأحكام لصالح العباد ولو طبقت لعم الخير والأمان فشريعة الله سبحانه وتعالى لا تقارن بأي شريعة طاغوتية
    يقول تعالى:
    (افحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يومنون )
    جاء في تفسير ابن كثير لهذه الاية:
    (( ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وكما يحكم به التتارمن السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان الذي وضع لهم الياسق وهو عبره عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه فصارت في بنيه شرعاً متبعاً يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير ))





    3.الذي يحكم بغير ما انزل الله
    والدليل قوله تعالى
    ( ومن لم يحكم بما انزل الله فاؤلئك هم الكافرون)
    المائدة44



    والحكم هو فض النزاع بين اثنين
    فسامهم الله كفار
    لأنهم حكموا بين الناس بغير ما انزل الله
    ويدخل فيها القاضي الذي يحكم على الزاني والسارق وشارب الخمر...
    قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
    ( فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله أو يعبدونه من دون الله
    أو يتبعونه على غير بصيرة من الله
    أو يطيعونه فيما لا يعلمون انه طاعة لله
    فهذه طواغيت العالم.إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها.
    رأيت أكثرهم اعرض عن عبادة الله تعالى إلى عبادةالطاغوت وعن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طاعةالطاغوت ومتابعته.
    وقال مجاهد:
    (الطاغوت
    شيطان في صورة إنسان يتحاكمون إليه وهو صاحب أمرهم ) فيدخل في مسمى الطاغوت كل من لم يحكم بما انزل الله كمن يحكم بقوانين الجاهلية والقوانين الدولية بل جميع من حكم بغير ما انزل الله سواء كان بالقوانين أو بشيء مخترع وهو ليس من الشرع فهو طاغوت لأنه تعدى الحد الذي خلقه الله له فرفض حكم الله وفضل شريعته الوضعية.
    ومعلوم أن من أفعال الرب الحكم بين العباد
    يقول تعالى
    ( الله يحكم لا معقب لحكمه)
    فمن استجاز أن يحكم بين الناس في أموالهم ودمائهم ومعاملاتهم بغير حكم الله
    فقد أشرك وكفر بالله العظيم
    يقول تعالى
    ( ولا يشرك في حكمه أحدا)
    وقال
    ( إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه)
    أي الحكم لله وحده لا شريك له وأمرنا بعبادته وحده أي لا نصرف أي نوع من أنواع العبادات لغير الله
    فمثلا من أسماء الله سبحانه وتعالى الرزاق فمن طلب الرزق من غير الله تعالى فقد أشرك
    وكذلك من أسماء الله تعالى الحكم فمن صرف عبادة التحاكم لغير الله تعالى فقد أشرك

    لان التحاكم الى شرع الله من عبادة الله تعالى ومن مقتضى شهادة أن لا اله إلا الله فمن تحاكم الى غير شرع الله فقد عبدالطاغوت وانقاد له والعياذ بالله.

    وللشيخ العلامة محمد ابن إبراهيم آل الشيخ رسالة مفيدة في الحكم بغير ما انزل الله افتتحها بقوله
    ( إن من الكفر الأكبر المستبين
    تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين في الحكم به بين العالمين
    والرد إليه عند تنازع المتنازعين مناقضة ومعاندة
    لقول الله عز وجل
    فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا..)
    ويقول ابن قيم في نونيته:


    قد اقسم الله العظيم بنفسه قسما يبين حقيقة الايمان

    ان ليس مؤمن من يكون محكما غير الرسول الواضح

    بل ليس يؤمن غير من قد حكم ال وحيين حسب فذاك ذو ايمان
    هذا وما ذاك المحكم مؤمنا ان كان ذا حرج وضيق بطان
    هذا وليس بمؤمن حتى يسل م للذي يقضي به الوحيان



    ويقول ايضا رحمه الله


    ويحكم الوحي المبين على الذي قال الشيوخ فعنده حكمان
    لا يحكمان بباطل ابدا وكل العدل قد جاءت به الحكمان
    وهما كتاب الله اعدل حاكم فيه الشفا وهداية الحيران
    والحاكم الثاني كلام رسوله ما ثم غيرهما لذي ايمان
    فاذا دعوك لغير حكمهما فلا سمعا لداعي الكفر و العصيان




    4.الذي يدعي علم الغيب من دون الله
    والدليل قوله تعالى
    ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فانه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا)
    الجن27-26
    ويقول تعالى
    (وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين)
    الأنعام 59



    فالذي يدعي علم الغيب من دون الله
    أو يدعي شيئا من علم الغيب

    فقد أصبح طاغوتا


    لان علم الغيب مما اسثاتر الله بعلمه فلا يعلم الغيب نبي مرسل ولا ملك مقرب فضلا عن غيرهما

    كما قال تعالى:
    (قل لا يعلم من في السموات والأرض إلا الله..)


    النمل65
    وقال تعالى

    عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو اعلم الخلق وأفضلهم: (قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا اعلم الغيب..)
    الأنعام 50
    وكذلك في الآية الأخرى

    (قل لا املك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت اعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون)

    فالله سبحانه وتعالى هو عالم الغيب وحده لا شريك له
    كما قال تعالى
    الم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وان الله علام الغيوب)
    التوبة 78
    فكل من ادعى الغيب من دون الله طغى وجعل لنفسه صفة من صفات الربوبية فهو
    طاغوت كافر كذاب
    ومن جملة الذين يدعون علم الغيب العرافين والكهنة
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
    من أتى عرافا أو كاهنا فصدقة بما يقول فقد كفر بما انزل على محمد)
    (حديث صحيح رواه الإمام احمد وغيره)
    ومنهم الذين يكتبون الأبراج ويدعون علم النجوم بان يقول مثلا صاحب برج الميزان سعيد أو لا فقير أو غني...
    ويكتبون ما يحدث له في يوم كذا وكذا
    وهذا يوم حظه أو لا
    والكثير من الجهال يتبعون هذا كثيرا فيطلع على الجرائد أو غيرها ليعلم كيف سيكون يومه والعياذ بالله
    فهذا الذي يكتب هذه الأمور ويدعيها فقد ادعى ما استأثر الله بعلمه فمن صدقه أو اعتقد فيه كفر
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
    إنما أخاف على أمتي التصديق بالنجوم والتكذيب بالقدر وحيف الأئمة)
    وقال:
    (من اقتبس شعبة من السحر فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد)
    وكذلك الذين يقرؤون الكف والفنجان والأوراق من عرافة التي تدعي علم الغيب
    فكل من صدق من ادعى الغيب بأي أسلوب استعمله فنجان أو كف أو غير ذلك فكل من صدقه

    كفر بالله العظيم والعياذ بالله.



    5.الذي يعبد من دون الله وهو راض عن بالعبادة






    والدليل قوله تعالى:
    (ومن يقل منهم إني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين)



    والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من أقوال وأعمال سواء كانت ظاهرة كالذبح والنذر والتحاكم ..أو باطنة كالتعظيم والمحبة والخشية..
    اعلم أن ما عبد من دون الله يكون إما عاقلا كالآدمي والملائكة والجنة وينقسمون إلى قسمين:


    القسم الأول

    الراضي بالعبادة كفرعون وإبليس وبقية الطواغيت فهم في النار مع عبادهم
    لقول الله تعالى
    إذ تبرا الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرؤا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار)


    أما القسم الثاني:

    الذي يعبد وهو غير راضي بالعبادة كعيسى ابن مريم والعزير والملائكة وغيرهم من أولياء الله منهم بريئون ممن عبدوهم بالدنيا والآخرة
    يقول تعالى
    ( ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول اانتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل.قالوا سبحانك ما كنا ينبغي أن نتخذ من دونك أولياء ولكن متعتهم وآبائهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا )
    وأما غير العاقل كالأحجار والأشجار وغيرهم مما لا يعقل كالدرهم والدينار

    فيشملهم قول الله تعالى

    إنكم ما تعبدون من دون الله حصب جهنم انتم لها واردون)
    ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
    (يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول من كان يعبد شيئا فليتبعه فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ويتبع من كان يعبد القمر القمر ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت)

    منقول عن ابن القيم رحمه الله تعالى.
    وبعد هذا نكون قد انتهينا من تعريف الطاغوت ورؤوسه الخمسة فإذا علمته فاعلم أن الله فرض عليك الكفر به أولا قبل الإيمان به كما قال تعالى
    ( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى) فالله سبحانه وتعالى قدم الكفر بالطاغوت على الإيمان بالله


    لان الكفر بالطاغوت شرط للإيمان به

    والشرط مقدم على المشروط

    ولان المشركين عباد الطواغيت يؤمنون بالله ويعبدونه ولكن عبادتهم لا تسمى عبادة مع الشرك المنافي للتوحيد الذي هو إفراد الله بالعبادة وإيمانهم بالله لا ينفع مع إيمانهم بالطاغوت.
    والكفر بالطاغوت والإيمان بالله هو معنى لا الله إلا الله
    لأنها تشمل على النفي وهو الكفر بالطاغوت
    والإثبات وهو الإيمان بالله وحده لا شريك له
    وهذا أول ما فرضه الله على عباده وأعظم شيء على الإطلاق

    بل لم يبعث الله الرسل ولم ينزل الكتب ولم يخلق الثقلين ولم يوجد الجنة والنار إلا لأجل عبادته وحده لا شريك له وهذا هو الأصل والأساس أما سائر الأوامر والنواهي فهي فرع لهذا الأصل فلا يؤمر بها ولا تقبل إلا بعد وجوده

    كما قال تعالى
    (ولقد بعثنا في كل امة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) وقوله
    (اجتنبوا)

    ابلغ من اتركوا لان اتركوا لعدم الفعل واجتنبوا تقتضي المباعدة والمجانبة. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه لما بعث معاذ إلى اليمن قال:
    (انك تأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا اله إلا الله..)




    وأما صفة الكفر بالطاغوت فكما قال الشيخ أن تعتقد بطلان عبادة غير الله وتتركها وتبغضها وتكفر أهلها وتعاديهم.


    أولا:

    أن تعتقد بطلان عبادة غير الله أي تعتقد بقلبك اعتقادا جازما لا تردد فيه بطلان عبادة غير الله سبحانه وتعالى سواء كان هذا الذي يعبد نبيا أو ملكا أو وليا أو حاكما يعبد من دون الله أو غير ذلك فلابد من تعتقد بطلان عبادة غير الله لان العبادة كلها حق لله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له.
    قال تعالى :
    {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير}
    [الحج : 62] .



    الترك والإجتناب :

    وهو ترك عبادة الطاغوت

    قال الله تعالى :
    {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت. [النحل :36] .
    وقال تعالى :
    {فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور}
    [الحج :30] .
    واعلم أخي- هداك الله-
    أن عبادة الطاغوت والأوثان و التحاكم إليها ولاستنصار بها والنذر لها .
    يقول الحافظ ابن كثير رحمة الله عليه في تفسيره :
    (الطاغوت الشيطان , فإنه يشمل كل شر كان عليه أهل الجاهلية من عبادة الأوثان والتحاكم إليها, والاستنصار بها) .
    (تفسيرآية256من سورةالبقرة) .
    وينبغي أن تعلم يا أخي المسلم أن الترك هنا على ثلاثة أقسام :




    القسم الأول: الترك بالاعتقاد.

    القسم الثاني: الترك بالقول .
    القسم الثالث: الترك بالفعل





    ولا يكون العبد مجتنباً للطاغوت وتاركه حتى يأتي بهذه الأقسام الثلاثة من الترك

    -لأن من الناس من يترك بقوله ولابترك باعتقاده .

    وهذا هو حال المنافقين
    - ومن الناس من يترك باعتقاده ولايترك بقوله .
    وهذا حال من يقسم على احترام الأصنام والأوثان والطواغيت .




    - ومن الناس من يترك باعتقاده ولا يترك بفعله.
    وهذا حال من يسجد للطاغوت أو ينذرأو يذهب ويتحاكم إليه ويدعي أن اعتقاده سليم .



    [فلا يكون العبد- إذاً- مجتنباً للطاغوت حتى يأتي بهذه الأقسام الثلاثة من الترك.



    ثانيا :


    تكفر أهلها وتعاديهم وهي عقيدة الولاء والبراء

    فلا يصح إسلام العبد إلا بها وهي أن تحب وتبغض في الله وتوالي وتعادي في الله

    فاعتقاد بطلان عبادة غير الله بدون مفارقتها وتتبرأ منها وتبغضها ظاهرا وباطنا وتكفر أهلها لا تنفع
    فلابد من أن تكفرهم ولا تتردد أو تتوقف في تكفيرهم وقال ما علي منهم؟
    فهذا كافر مثلهم

    كما بينا ذلك في الناقص الثالث من نواقص التوحيد على هذا الرابط
    http://forum.brg8.com/t159626.html

    وهذه هي ملة إبراهيم عليه السلام التي سفه نفسه من رغب عنها وهذه هي الأسوة التي اخبرنا الله بها في قوله
    قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العدواة و البغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده)
    وأما معنى الإيمان

    فان تعتقد أن الله هو الإله المعبود وحده دون من سواه وتخلص جميع أنواع العبادة كلها لله وتنافيها عن كل معبود سواه وتحب أهل الإخلاص وتواليهم وتبغض أهل الشرك وتعاديهم.
    أما قوله أن تعتقد أن الله هو الإله المعبود وحده دون من سواه وتخلص جميع أنواع العبادة كلها لله وتنفيها عن كل معبود سواه: أي تعتقد أن الله تعالى هو الإله المعبود والمعبود تفسير للإله أي هو ذو الالوهية والعبودية على خلقه أجمعين وهو الذي تصرف له العبادة كلها وحده دون من سواه لان العبادة لا تنبغي إلا لله وان تخلص وتصفي جميع أنواع العبادة ظاهرة أو باطنة من الشرك كله وتفردها لله وحده لا شريك له.

    وأما قوله تحب أهل الإخلاص وتواليهم وتبغض أهل الشرك وتعاديهم

    أي تكون محبتك للناس كلها لله فتحب لله وتبغض لله سواء كانوا قريبين لك أو بعيدين فالقرب قرب عقيدة ليس إلا
    كما قال تعالى
    محمد رسول الله والذين امنوا معه أشداء على الكفار رحماء بينهم...)
    وقال
    لا تجدوا قوما يومنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آبائهم أو أبنائهم..)
    وقال
    يا أيها الذين امنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة.. )
    ولكن بشرط ألا يحمل هذا البغض على ظلمهم فان الظلم حرام حتى مع الكافر بل يجب العدل مع بغضهم وعداوتهم
    كما قال تعالى
    ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا..)

    وأخيرا بعد معرفة معنى الطاغوت وأنواعه وصفة الكفر به فاعلم أن الإنسان ما يصير مؤمنا إلا بالكفر بالطاغوت لقوله تعالى:


    (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى)

    شبهات حول من يجيز التحاكم الى الطاغوت والرد عليها



    الشبهة الأولى :
    وهي أشنع الشبه :
    وهي قول من يقول أن هذا الفعل ليس بتحاكم ,إنما هو يعتبر ذهاب ومطالبة بحق سوف يضيع





    الرد:
    وهو أننا نقول اعلم أن الإنسان قد يتكلم بكلمة لا يلقي لها بالاً لو مزجت هذه الكلمة بماء البحر
    وقد قال عليه الصلاة والسلام مثل هذا القول لعائشة رضي الله عنها كما جاء ذلك في سنن الترمذي وأبي داود
    وإن القول بمثل هذه الأقوال لهو من باب ا لحيل على دين الله ومحارم الله حيث أن من المعلوم عند جميع العقلاء أن حقائق الأشياء لا تتغير بتغير أسمائها .
    يقول العلامة عبدالله بن عبد الرحمن أبا بطين :
    (( فمن صرف لغير الله شيئاً من أنواع العبادة فقد عبد ذلك الغير واتخذه إلهاً وأشركه مع الله في خالص حقه . . . وإن فر من تسمية فعله ذلك تألهاً وعبادة وشركاً ومعلوم عند كل عاقل أن حقائق الأشياء لا تتغير بتغير أسمائها )) .


    ولا يشك مسلم أن التحاكم هو الرجوع والرد إلى من يفض عنده موارد النزاع . لفض النزاع

    .
    وهو فعل الجوارح لا فعل القلوب
    فالذي يقول إن فعل ا لتحاكم لا يكون تحاكماً إلا إذا كانت نيته أن يذهب لكي يتحاكم إلى الطاغوت لأنه يعتقد أنه أفضل من حكم الله , كالذي يقول إن فعل السجود لا يكون سجوداً حتى يعتقد في قلبه أن المسجود له يستحق السجود له
    وقد رد الإمام ابن قيم عليه رحمه الله على مثل هذا القول في من زعم أن العبادة لا تكون عبادة حتى يعتقد فاعلها أنها عبادة . فقال :
    (( ومن أنواع الشرك : سجود المريد للشيخ . فإنه شرك من الساجد والمسجود له . والعجب: أنهم يقولون: ليس هذا سجود, وإنما هو وضع الرأس قدام الشيخ احتراماً وتواضعاً. فيقال لهؤلاء : ولو سميتموه . فحقيقة السجود : وضع الرأس لمن يسجد له . . )) .
    ثم نقول قد يشكل على البعض هنا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخل في حمى المطعم بن عدي .
    فنقول جواباً على هذا الإشكال :
    لو فقه الإنسان ما معنى التحاكم ما ورد عليه مثل هذا الإشكال.
    فإن التحاكم كما تقدم بيان معناه :
    هو الرجوع والرد إلى من يفض عنده النزاع .

    قال تعالى :
    { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر}
    [النساء : 59]

    فهذا هو التحاكم .
    وهو ان تقع خصومة بين اثنين فيذهبان إلى من يفض عنده النزاع لكي يفصل بينهما في القضية والخصومة ولا شك أن هذا من الكفر والشرك الأكبر إذا كان هذا التحاكم إلى الطاغوت , وأما طلب الحماية من كافر فليس هناك دليل على تحريمه
    وقد فعل ذلك أبي بكر رضي الله عنه عندما دخل في جوار ابن أل د غنة وكذلك عندما دخل الصحابة في حمى النجاشي في بداية الإسلام خوفاً من أذى المشركين .
    ومن هنا يتبين لنا أيضاً خطأ من يستدل في حلف الفضول الذي عقد في دار ابن جدعان في الجاهلية أو غيرها في الذهاب إلى هذه المحاكم الطاغوتية والتحاكم إليها , ولا شك أن هذا الاستدلال غير صحيح
    فإن أصحاب حلف الفضول ليسوا بطواغيت
    كحال كهان جهينة وكعب بن الأشرف وغيرهم من الطواغيت الذين يحكمون الناس بأحكام الطواغيت
    وإنما هم نفر من المشركين اجتمعوا لنصرة المظلوم فقط
    وهذا أمر محمود يحث عليه دين الإسلام .
    لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
    شهدت مع عمومتي حلف المطيبين فما أحب أن أنكثه وأن لي حمر النعم )) .
    ولنا أن نسألكم يا من تستدلون بهذه الحادثة فنقول لكم :
    هل قول النبي صلى الله عليه وسلم هذا ينطبق على كعب بن الأشرف وكهان جهينة وغيرهم من الطواغيت الذين كان أهل الجاهلية يتحكمون إليهم ؟
    فإن قلت : لا .
    قلنا : لماذا؟
    فإن قلتم :
    لأنهم لا يحكمون بالعدل ولا يردون المظالم إلى أهلها ويأخذون الرشوة .
    قلنا :
    وهل الله تعالى عندما أمرنا أن نكفر بهم ولا نتحاكم إليهم فقط لأنهم لا يحكمون بالعدل ويأخذون الرشوة؟ أم لأنهم طواغيت لا يصح إسلام المرء إلا بالكفر بهم وترك التحاكم إليهم؟
    هذا سؤال أول .
    السؤال الثاني :
    أنتم قلتم :
    إننا نتحاكم إليهم في الأمور التي سوف يحكمون فيها بالعدل . أما الظلم فلا .
    فما دليلكم على هذا التفريق؟
    فالله عز وجل نهانا عن التحاكم إليهم , وبين أن من تحاكم إليهم لم يكفر بهم .

    ولم يفرق بين من تحاكم إليهم في أمور العدل وبين من تحاكم إليهم في أمور الظلم

    والذي يستدل بحادثة حلف الفضول فاستدلاله غير صحيح لأن أصحاب الحلف ليسوا بطواغيت قد نصبوا أنفسهم حاكمين بين الناس بأحكام الطواغيت , وإنما هم نفر من المشركين اجمعوا لنصرة المظلوم فقط .
    ومن هنا لابد أن نفرق بين من يذهب إلى أصحاب الوجاهة وأصحاب السلطة الذين ليسوا بطواغيت فيستعين بهم على رد مظلمته أو يطلب منهم الحماية
    وبين من يذهب هو وخصمه إلى القضاة الطواغيت الذين نصبوا أنفسهم معبودين في الأرض يحكمون الناس بأحكام .
    فيتحاكم إليهم ويفض النزاع عندهم .
    فهذا كفر ولا يجوز فعله إلا في حالة الإكراه
    والمكره هو من تيقن وقوع الضرر على نفسه من قتل أو تعذيب أو نحوه. قال تعالى:
    }من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً. . . } .
    فعلى المسلم إذا أن ينتبه لهذا ولا يتعجل ويسيئ الفهم فيتكلم بالظن فيزل القدم فلا ينفع حينئذ الأسى والندم .



    الشبهة الثانية :
    وهو قول من يقول إن الذين نزلت فيهم الآيات هم يريدون التحاكم إلى الطاغوت لأنهم لم يرضوا بحكم الله ورسوله أما نحن فنتحاكم ولكن لا نريد ذلك .


    أما الرد على ذلك فهو من عدة أوجه:

    الوجه الأول :
    أن الله عز وجل عندما قال :
    { يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت }
    لم يجعل الإرادة هنا شرطاً في كفر المتحاكم إلى الطاغوت إنما الذي جعلها شرطاً في ذلك من قال بهذا القول .
    فالله تعالى عندما قال :
    {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت}
    كان يصف حال رجلين وهما اليهودي والمنافق وأنهما كانا يريدان أن يتحاكما إلى كعب بن الأشرف وهو المقصود بالطاغوت في قوله , ولكن اليهودي أبى لعلمه بأن كعب بن الأشرف يأخذ الرشوة , وتحاكما إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
    فالحاصل أن الله تعالى عندما قال :
    (( يريدون ))
    كان يصف حال اليهودي والمنافق ولم يجعل الإرادة هنا شرطاً في الكفر .
    كما لو قيل
    (( فعل الرجل كذا وكذا وكان يريد أن يفعل كذا ))
    فقول (( يريد ))
    إذا جاء في مثل هذا السياق فإنه يفيد وصف الحال.

    الوجه الثاني
    أنهم قالوا أنهم يتحاكمون إليهم وهم لا يريدون فعل ذلك.
    ولا شك أن هذا صحيح حيث أنه لا يوجد إنسان يعمل عملاً أو أمراً ما وهو لا يريد فعله
    لأن الفعل لا يأتي إلا وهو مقرون بإرادة .
    بخلاف الإرادة فقد تأتي وتكون مصاحبة للفعل ومقرونة به وقد لا تكون مقرونة به
    ولعل هؤلاء أرادوا أن يقولوا وقصدوا بقولهم أنهم يتحاكمون إليهم ولكن لا يريدون ذلك :
    أي لا يريدون الشرك والكفر نفسه ولم يقصدوه .
    فإن كان هذا هو قصدهم فهذا أمر آخر سوف يأتي فيه البيان بالرد- بمشيئة الله- في الوجه السادس.

    الوجه الثالث :
    يقول الإمام أبو السعود- رحمه الله- في تفسيره عند قوله تعالى: { ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت . . . } الآية .
    قال :
    (( التعجب والاستقباح على ذكر إرادة التحاكم إلى الطاغوت دون نفسه ( أي التحاكم )) للتنبيه على أن إرادته مما يقضي منه العجب , ولا ينبغي أ، يدخل تحت الوقوع فما ظنك بنفسه؟!)) .
    فتأمل أخي هداك الله قوله : (( فما ظنك بنفسه )) أي التحاكم إلى الطاغوت .

    الوجه الرابع :
    أن الأمة قد أجمعت على أن الذي يصرف عبادة ظاهرة لا تكون إلا لله إلى غيره أنه مشركاً شركاً أكبر مخرجاً من الملة سواء أراد أو لم يرد وسواءً رضي بذلك أو لم يرض إلا من أكره .

    الوجه الخامس:
    أن هذا الكلام أخذ من باب المتشابه وترك المحكم الواضح الذي بينه الله تعالى حيث يقول
    وقد أمروا أن يكفروا به} الآية.
    وكقوله تعالى :
    {واجتنبا الطاغوت} الآية .
    يقول العلامة الشيخ سليمان بن عبدالله آل الشيخ رحمه الله وقوله تعالى :
    وقد أمروا أن يكفروا به}
    أي الطاغوت وهو دليل على أن التحاكم إلى الطاغوت مناف للإيمان مضاد له , فلا يصح الإيمان إلا بالكفر به وترك التحاكم إليه فمن لم يكفر بالطاغوت لم يؤمن بالله ) .
    فإذا عرفنا المحكم أرجعنا المتشابه إليه
    يقول الإمام محمد بن عبد الوهاب في صفة الكفر بالطاغوت: (( وأما صفة الكفر بالطاغوت, أن تعتقد بطلان عبادة غير الله وتتركها وتبغضها وتكفر أهلها وتعاديهم )).
    فلو اعتقد إنسان بطلان عبادة غير الله ثم لم يتركها لم يكن بذلك كافراً بالطاغوت, ولو اعتقد بطلانها وتركها ولكنه أحبها ولم يبغضها لم يكن بذلك كافراً بالطاغوت

    الوجه السادس:
    أ، الإرادة أن قصدتم بها عقد النية والقول دون الفعل, فكذلك الذين يعبدون القبور ويطوفون حولها يقولون نعم نحن نطوف حولها ونصرف لها هذا الفعل ولكننا لا نريد الشرك, فمن المعلوم عند كل موحد أن كلامهم هذا باطل.
    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
    (( وبالجملة فمن قال أو فعل ما هو كفر كفر بذلك وإن لم يقصد أن يكون كافراً إذ لا يقصد الكفر أحد إلا ما شاء الله )) .
    ويقول الإمام الطبري في تفسيره عند قوله تعالى :
    { قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً . الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً}
    [الكهف :104] .
    قال رحمه الله
    وهذه من أدل الدلائل على خطأ قول من زعم أنه لا يكفر بالله أحد إلا من حيث يقصد إلى الكفر بعد العلم بوحدانيته , وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء الذين وصف صفتهم في هذه الآية , أن سعيهم الذين سعوا في الدنيا ذهب ضلالاً , وقد كانوا يحسبون أنهم محسنون في صنعهم ذلك) .
    ويقول الحافظ ابن حجرفي الفتح
    وفيه أن من المسلمين من يخرج من الدين من غير أن يقصد الخروج منه ومن غير أن يختأر ديناً على دين الإسلام) .
    وقال أيضاً رحمه الله قلت:
    ومن جنح إلى بعض هذا الحديث الطبري في تهذيبه فقال بعد أن سرد أحاديث الباب :
    فيه الرد على قول من قال لا يخرج أحد من أهل القبلة بعد استحقاقه حكمه إلا بقصد الخروج منه عالماً فإنه مبطل لقوله في الحديث (( يقولون الحق ويقرؤون القرآن ويمرقون من الإسلام ولا يتعلقون منه بشيء )) .
    ويقول ابن قدامه في الكافي
    ولأن الردة في الغالب إنما تكون لشبهة عرضت له).
    ويقول الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله :
    الثالثة :
    هذا الذي يفعلونه عندها من القصد والتوجه من إجابة الدعوات وقضاء الحاجات وإغاثة اللهفات هل هو الذي يفعله مشركو العرب قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم عند اللات والعزى ومناة سواء بسواء أم لا ؟ .
    الرابعة:
    من فعل هذا مسلم مؤمن هل يكفر ويحبط أيمانه بذلك أم لا ؟ فإن أشكلت عليك الأولى فانظر إلى سؤال الملكين في القبر وقوله هاء هاء لا أدري) , سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته مثلهم
    الثانية :
    إن قلت توجد فعليك الإثبات .
    الثالثة:
    إن قلت القصد غير القصد فعليك التفريق بالأدلة الصحيحة , من كتاب أو سنة أو إجماع الأمة .
    الرابعة:
    إن قلت الإسلام يحميه عن الكفر ولو فعل ما فعل طالع باب حكم المرتد من ( الإقناع )) وغيره, والله أعلم ).
    ويقول أيضاً رحمه الله
    وقال الشيخ رحمه الله في الرسالة السنية- لما ذكر حديث الخوارج ومروقهم من الدين , وأمره صلى الله عليه وسلم بقتالهم- قال :
    فإذا كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه ممن انتسب إلى الإسلام من مرق منه , مع عبادته العظيمة , حتى أمر صلى الله عليه وسلم بقتالهم فيعلم أن المنتسب إلى الإسلام أو السنة في هذه الأزمان قد يمرق أيضاً من الإسلام) .
    يقول الإمام الصنعاني- رحمه الله- في رسالته
    (( تطهير الاعتقاد عن أدران الشرك والإلحاد )) :
    ( فإن قلت هم جاهلون أنهم مشركون بما يفعلونه((قلت)) قد خرج الفقهاء(في كتب الفقه) في باب الردة أن من تكلم بكلمة الكفر يكفر وإن لم يقصد معناها وهذا دال على أنهم لا يعرفون حقيقة الإسلام ولا ماهية التوحيد فصاروا حينئذ كفاراً كفراً أصلياً) .

    نقول وقد غلط البعض هنا في مسألة تكفير المعين فظنوا أن الذي يفعل فعل الشرك الأكبر بتأويل لا يكفر ولا يخرج عن ملة الإسلام

    وقد يستدلون ببعض الأمور مثل حادثة المأمون عندما قال بخلق القرآن بتأويل وأن الإمام أحمد لم يكفره وغير ذلك . ولا شك أن هذا غلط فاحش .
    حيث أن هناك فرق بين الشرك والكفر الجلي الواضح كالشرك في العبادة
    والاستهزاء بالله ورسوله وغير ذلك .
    وبين الكفر الخفي كالقول ببعض المقالات الكفرية الخفية . وتأويل بعض صفات الرب جل وعلا التي تخفى على بعض الناس كصفة الكلام لله تعالى وغيرها .
    ممن جنح إلى بيان ذلك الإمام محمد بن عبد الوهاب كما في بعض رسائله الموجودة في تاريخ نجد للشيخ حسين بن غنام .
    حيث ذكر ما يذهب أليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من التفريق ما بين الشرك في العبادة وبين القول ببعض المقالات الكفرية الخفية .
    وقد بين ذلك أيضاً الشيخ عبدالله بن عبد الرحمن أبا بطين والعلامة الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في رسالته( حكم تكفير المعين) وغيرهم من العلماء الإجلاء رحمهم الله تعالى .


    الشبهة الثالثة :
    وهو قول من يقول أن التحاكم وإن كان شركاً فإنه يكون شركاً أصغر ولا يصل إلى حد الشرك الأكبر حتى يصاحبه استحلال أو اعتقاد , كالحلف بغير الله .


    والرد :
    أن نقول :
    من المعلوم أن العبادة التي لا تكون إلا لله عز وجل .
    مثل :
    الركوع والسجود والدعاء , والإستغاثة , والذبح , والنذر , والطواف , والتحاكم , والخوف , والرجاء , والإنابة , والمحبة , والتعظيم
    وغيرها من العبادات على ثلاثة أقسام , فمنها ما يتعلق بالإعتقاد ومنها بالأقوال ومنها ما يتعلق بالأفعال .
    - فأما العبادات الظاهرة التي تتعلق بالأقوال والأفعال .
    كالدعاء , والإستغاثة , والركوع والذبح والنذر والطواف والتحاكم وغيرها

    فإن الذي يصرف منها شيئاً إلى غير الله تعالى لأوثان أو أموات أو, طواغيت فإنه يكون بذلك كافراً واقعاً في الشرك الأكبر, ولا يلزم من ذلك إظهار الاعتقاد أو الاستحلال لأنه أظهر صرف العبادة لغيرالله .


    - وأما العبادات الباطنة التي تتعلق بالاعتقاد
    كالخوف والرجاء والمحبة والتعظيم وغيرها فإنه يلزم من فاعلها للحكم عليه بالكفر إظهار العبادة وذلك بالنطق باللسان لإظهار هذا الاعتقاد لأنها عبادات قلبية خفية .
    فالرجل قاس قياساً باطلاً وهذا لعدم فهمه بمعاني التوحيد ومعاني العبادة , فجعل التحاكم الذي هو عبادة , كالحلف بغير الله الذي هو لفظ شركي ليس بعبادة .
    وقد يقول لماذا إذاً جعل العلماء الحلف بالله عز وجل عبادة؟ فالجواب أن نقول جعل العلماء الحلف بالله تعالى عبادة لأنه صاحب هذا الحلف عبادة التعظيم
    فالحلف عندما يكون بالله يعلم أن الله عز وجل عظيم يستحق أن يحلف به فيحلف به فيكون هذا الحلف عبادة لأنه صاحبه تعظيم ولذلك قال العلماء من حلف بغير الله فقد وقع في الشرك الأصغر فلا يخرج من الملة حتى يعتقد أن المحلوف به يستحق أن يحلف به
    فاشترطوا في تكفيره إظهار التعظيم للمحلوف به أي صرف عبادة التعظيم لغير الله لأنها عبادة قلبية خفية
    فلو حلف رجل بغير الله وأظهر التعظيم للمخلوق به فإنه يكون مشركاً بالله من جهة الألوهية , وعلة شركه هنا أنه أظهر العبادة فلا نأتي ونقول له أأنت تعتقد أو لا تعتقد

    فالتحاكم عبادة ظاهرة كالسجود والطواف من صرفها إلى غير شرع الله فهو كاف

    وليست هي عبادة قلبية خفية كالتعظيم تحتاج إلى إظهار عن طريق النطق باللسان .

    الوجه الثاني :
    من المعلوم أن الحلف بغير الله لم يكن منهياً عنه في بداية الإسلام ثم جاءت النصوص بعد ذلك تنهى عن الحلف بغير الله
    قال عليه الصلاة والسلام:
    (( إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ))
    رواه البخاري .
    فكيف يقاس من لم يكن منهياً عنه في بداية الإسلام على الذي لا يصح إسلام العبد إلا به وهو الكفر بكل طاغوت وكل حكم سوى حكم الله ورسوله وذلك بعدم التحاكم إليه .
    ثم نقول ويلزم من هذا القياس الباطل أن المسلمين في ذلك الوقت وقبل نزول الآيات التي تنهى عن التحاكم إلى الطاغوت كان يجوز لهم أن يتحاكموا إلى الكهان ومردة أهل الكتاب وطواغيتهم لأن التحاكم كالحلف بزعم من يقول بذلك .
    الشبهة الرابعة
    وهو ما يستند بعضهم إليه وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى عندما قال :
    ((وهؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما ماأحل يكونون على وجهين :
    أحدهما :
    أن يعلموا أنهم بدلوا دين الله فيتبعونهم على التبديل , فيعتقدون تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله لرؤسائهم , مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسول فهذا كفر .
    الثاني:
    أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحلال وتحليل الحرام ثابتاً. لكنهم أطاعوهم في معصية الله كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاص, فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب)).

    والرد :
    هو أن نقول إن هؤلاء الذين استندوا إلى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية المذكور آنفاً ما فقهوا ولا فرقوا بين الطاعة الشركية وطاعة المعصية
    فطاعة المعصية هو أن يطيع الإنسان مخلوقاً في فعل ذنب من الذنوب مع اعتقاده بأن هذا الذنب حرام فهذه تعتبر طاعة معصية ولا تخرج صاحبها عن الملة حتى يصاحب ذلك اعتقاد أو استحلال
    وأما الطاعة الشركية
    وهو أن يتبع الإنسان مخلوقاً أو يطيعه في فعل الشرك كأن يقال له اسجد للصنم فيسجد
    أو يقال له اذبح للجن فيذبح

    أو يقال له إذ هب وتحاكم إلى غير شريعة الله فيذهب ويتحاكم فهذا تعتبر طاعة شركية وصاحبها مشرك بالله حتى لو لم يعتقد ويستحل


    فالذي تطرق له ابن تيمية عليه رحمة الله هي طاعة المعصية وليست هي الطاعة الشركية . هذا رد أول .

    الرد الثاني :
    وهو أن هناك فرقاً بين الطاعة والتحاكم , فالطاعة معصية وقد تكون شركية كما بينا في الرد الأول
    وأما التحاكم فهي عبادة محضة كالنذر والطواف من صرفها إلى غير الله وشرعه كان مشركاً بالله , وهذا ما قد بينه العلماء- رحمهم الله- في كتبهم ورسائلهم .
    يقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ: (( من تحاكم إلى غير كتاب الله , وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بعد التعريف فهو كافر )).







    الشبهة الخامسة :
    وهو قول من يقول إذا كان هذا الحكم الذي سوف تتحاكم إليه مخالف الحكم الله فإنه لا يجوز التحاكم إليه وأما إذا كان موافقاً له كالحكم بالعدل لإرجاع الأموال فإنه يجوز








    ولا شك أن هذا القول باطل من وجهين :

    الوجه الأول :
    أننا لا ننظر إلى نتيجة الحكم هل هي عدل أم ظلم , إنما ننظر إلى الفعل والرجعية , حيث أن الواقع أنه سوف يتحاكم إلى ذلك العدل عن طريق ذلك الطاغوت
    ولذلك لما قال تعالى :
    {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت}
    قاصداً بذلك كعب بن الأشرف جعل علة الكفر هو التحاكم إليه وفض النزاع عنده , ولم يجعل علة الكفر هنا أن كعب بن الأشرف كان لا يحكم بالعدل لأنه يأخذ الرشوة .
    الوجه الثاني :
    أننا لا ننظر إلى حق العبد وهل سيحكم له بالعدل أو بالظلم , إنما ننظر إلى حق المعبود جل جلاله وهو التوحيد بالكفر بالطاغوت وعدم التحاكم إلى وتكفيره وتحذير الناس منه , فكيف تحذرون الناس من الطاغوت وأنتم أول من يتحاكم إليه ويفض النزاع عنده .






    الشبهة السادسة:
    وهو قول القائل لا توجد سلطة شرعية ترد لي حقي وأنا مضطر لفعل ذلك.


    والرد: يكون بأمرين:


    الأمر الأول:
    أننا نحذر القائل بهذا القول بقوله تعالى:
    {ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين}
    [النحل: 107].
    يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسالته كشف الشبهات في آخر رسالته حول هذه الآية :
    (( فصرح أن هذا الكفر والعذاب لم يكن بسبب الإعتقاد أو الجهل , أو البغض للدين , أو محبة الكفر , وإنما سببه أن له في ذلك حظا من حظوظ الدنيا , فآثره على الدين )) .
    فلا يجوز لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يؤثر حظاً من حظوظ الدنيا على الدين , سواءً كان ذلك بطلب منصب أو رئاسة أو كان ذلك من أجل الحرص على عدم ضياع الدنيا والمال , لأن مقصد حفظ الدين مقدم على مقصد حفظ المال يقول عليه الصلاة والسلام :
    (( تعس عبد الدينار وعبد الدرهم , وعبد الخميصة , إن أعطي رضى , وإن لم يعط سخط . . ))
    رواه البخاري .
    ويقول الله تعالى في سورة التوبة:
    {قل إن كان آباؤكم وأبناكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين}
    [التوبة:24].
    فانظر- رحمك الله- كيف أن الله عز وجل ذمهم لهذه الأسباب الدنيوية التي تعلقوا بها وتركوا الجهاد.
    فالسؤال هنا:
    الذي يترك التوحيد من أجل هذه الأمور الثمانية أشد, أم الذي يترك الجهاد؟!. . .
    وإذا كان الله تعالى لم يعذر تارك الجهاد بسبب هذه الأمور الثمانية

    فكيف يعذر التارك للتوحيد من أجل هذه الأمور .
    هذا ولم يعذر الله تعالى إلا المكره بقول الكفر , والمكره هو أن يفعل به كما فعل بعمار بن ياسر- رضي الله عنه- وهذا من باب الرخصة , والأخذ بالعزيمة أفضل كما جاءت بذلك الأحاديث .
    يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله ينقل عن علامة الحجار الشيخ محمد بن أحمد الحفظي أنه قال :
    ( الحذر الحذر , أيها العاقلون , والتوبة التوبة أيها الغافلون , فإن الفتنة حصلت في أصل الدين , لا في فروعه , ولا في الدنيا , فيجب : أن تكون العشيرة , والأزواج , والأموال , والتجارة , والمساكن , وقاية للدين , وفداء عنه , ولا يجعل الدين فداء عنها , ووقاية لها
    قال تعالى :
    { قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادهاومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين}
    [التوبة: 24].
    فتفطن لها وتأملها, فإن الله أوجب أن يكون الله ورسوله والجهاد, أحب من تلك الثمانية كلها, فضلاً عن واحدة منها, أو أكثر , أو شيء دونها مما هو أحق , فليكن الدين عندك أغلى الأشياء وأولاها , انتهى المقصود من كلامه) .

    الأمر الثاني :
    أننا نذكر القائل بهذا القول بقوله تعالى :
    {وما خلقت الجن ولإنس إلا ليعبدون 56 ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون 57 إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين}[الذاريات :56] .
    فبين سبحانه في هذه الآية الغاية التي من أجلها خلق العباد وهي العبادة وتكفل بأرزاقهم . يقول عليه الصلاة والسلام :
    (( إن الله تعالى يقول :
    يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى , وأسد فقرك , وإن لا تفعل ملأت يدك شغلاً , ولم أسد فقرك ))
    رواه أحمد .
    وأما عن قول أنه مضطر لفعل ذلك فهذا باطل من وجهين :

    الوجه الأول :
    أن هذا الرجل قد خلط ولم يفرق بين الاضطرار والإكراه , فالتمس للإنسان العذر إذا اضطر على فعل الكفر , ولا شك أن هذا باطل لأن الاضطرار لا يكون إلا بفعل المعصية , أما الكفر فلا يجوز للإنسان فعله بحجة أنه مضطر بل لابد من إكراه على فعله من قتل أو تعذيب .
    فالاضطرار :
    هو أن يضطر الإنسان إلى فعل أدنى المفسدتين من باب تفويت المفسدة التي أعظم منها
    قال تعالى :
    {فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم [البقرة : 173]
    وأما الإكراه:


    فهو تعذيب النفس المفضي إلى الهلاك, ففي هذه الصورة أجاز الله لنا أن نقول كلمة الكفر.

    هذا إذا جمعنا بين الاضطرار والإكراه , لأن بينهما خصوص وعموم .
    يقول الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله :
    ( فإن قيل ما الإكراه الذي يبيح التكلم بالكفر , فالجواب أن نقول السبب الذي نزلت فيه الآية هو أظهر ما فسر به الإكراه قال البغوي رحمه الله تعالى :
    قال ابن عباس رضي الله عنهما قوله تعالى :
    {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من اكراه وقلبه مطمئن بالإيمان} [النحل : 106] .
    في عمار وذلك أن المشركين أخذوه وأباه ياسراً وأمه سمية وصهيباً وبلالاً وخباباً وسالماً يعذبوهم- فأما سمية فإنها ربطت بين بعيرين ووجئ قبلها بحربة فقتلت وقتل زوجها ياسر وهما أول قتيلين قتلا في الإسلام وأما عمار فأعطهم ما أرادوا بلسانه مكرهاً وغطوه في بئر ميمون قالوا له اكفر بمحمد فتابعه على ذلك كاره فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلام بأن عماراً كفر قال كلا إن عماراً مليء إيماناً من قرنه إلى قدمه واختلط الإيمان بلحمه ودمه فأتى عمار رسول الله صلى الله عليه وسلام وهو يبكي قال رسول الله صلى الله عليه وسلام
    ما وراءك؟
    قال : شر يا رسول الله نلت منك وذكرت آلهتهم بخير
    قال : كيف وجدت قلبك؟
    قال : مطمئن بالإيمان فجعل النبي صلى الله عليه وسلام يمسح عينيه
    وقال له : إن عادوا لك فعد بما قلت
    فنزلت هذه الآية وذكر عن مجاهد
    أن قوماً خرجوا مهاجرين فلحقتهم قريش في الطريق فكفروا كارهين فنزلت الآية . وعن مقاتل أنها نزلت في مملوك أكرهه سيده على الكفر- انتهى-
    فمن حصل عليه ما حصل على هؤلاء أبيح له ما أبيح لهم فإن عماراً لم يتكلم بالكفر إلا بعد ما قتلوا أباه وأمه وبعد ما ضربوه وغطوه في البئر وكذلك الذين أدركهم المشركين وكذلك المملوك الذي أكراه سيده وغيرهم ممن ذكره السلف عند هذه الآية كلهم لم يتكلموا بالكفر إلا بعد الضرب أو تهديد ولهذا لما اعتذر بعضهم على مسألة المحنة من الإمام أحمد بحديث عمار قال لهم الإمام أحمد رحمه الله :
    إن عماراً ضربوه وأنتم قيل لكم نريد أن نضربكم ) .
    الوجه الثاني :
    وهو بتوجيه سؤال ومثال لمن قال بهذا القول , لو أن هناك سلطة تعبد وثناً , تسلطت على إنسان وأخذوا ماله وأبوا أن يرجعوه له وقالوا له لا نرجع لك مالك حتى تقرب وتطوف حول هذا القبر , فالسؤال هنا هل يجوز له في هذا الحالة أن يقرب للوثن أو يطوف حوله أو يسجد له من أجل أنه مضطر لإرجاع المال؟
    وهل فعله هذا سوف يرفع عنه حكم الشرك الذي سوف يلحق به؟! سؤال نرجوا له إجابة .
    لو سلمنا وقلنا بأن ضياع المال داخل في مسألة الإكراه. فلا شك أننا عندما نجمع بين النصوص يتضح لنا الحكم الشرعي في المكره متى يعذر ومتى لا يعذر .
    أماالنص الأول فهو قوله تعالى :
    {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من اكره وقلبه مطمئن بالإيمان . [ النحل: 106].
    وقد نزلت هذه الآية في عمار بن ياسر- رضي الله عنه- عندما أخذه المشركين فعذبوه حتى قال كلمة الكفر.
    وأما النص الثاني فهو قوله تعالى:
    { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة ؟ فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً}
    [النساء : 97] .
    وقد نزلت هذه الآية كما روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس في تفسير هذه الآية أنها في أناس من المسلمين خرجوا مع المشركين في غزوة بدر يكثرون سوادهم وقد قتل منهم من قتل , وأسر منهم من أسر من المسلمين
    فعاملهم الرسول صلى الله عليه وسلم معاملة الكفار بأن جعل كل من أسر منهم يفدي نفسه .
    أخرج البخاري في صحيحه من حديث محمد بن عبد الرحمن أبي الأسود قال :
    (قطع على أهل المدينة بعث فاكتتبت فيه فلقيت عكرمة مولى ابن عباس فأخبرته فنهاني عن ذلك أشد النهي ثم قال : أخبرني ابن عباس أن ناساً من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي السهم فيرمي به فيصيب أحدهم فيقتله أو يضرب فيقتل فأنزل الله :
    {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم}الآية) .
    وروى ابن أبي حاتم وابن جرير في تفسيره .
    عن السدي أنه قال :
    (لما أسر العباس وعقيل ونوفل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس
    (( افد نفسك وابن أخيك ))
    فقال يا رسول الله ألم نصل إلى قبلتك ونشهد شهادتك , قال : (( يا عباس إنكم خاصمتم فخصمتم ))
    ثم تلا عليه هذه الآية :
    { ألم تكن أرض الله واسعة...} ) .
    وروى البخاري في صحيحه في كتاب الجهاد- باب فداء المشركين- من حديث أنس رضي الله عنه أنه قال :
    ( أتي النبي صلى الله عليه وسلم بمال من البحرين فجاءه العباس فقال : يا رسول الله أعطني فإني فاديت نفسي وفاديت عقيلاً , فقال (( خذ )) فأعطاه في ثوبه ) .
    ومن خلال هذه النصوص نعرف أن من علم- أو غلب على ظنه- أنه سوف يكره في يوم ما على فعل الكفر أو قوله ثم فعل ذلك وكان باستطاعته من قبل أن يخرج من هذه البلدة التي أكره فيها مهاجراً أو فاراً إلى غيرها حتى لا يقع في هذه الفتنة ثم لم يفعل ذلك . أنه لا يعذر بالإكراه .
    بخلاف من تسلط عليه الكفار وهو لا يستطيع التخلص منهم وأكرهوه على قول الكفر . وهذا الأمر يجب التنبه إليه والتفطن له
    يقول الإمام العلامة سليمان بن عبدالله ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب- رحمهم الله أجمعين- في رسالته الموسومة
    (( حكم موالاة أهل الإشراك )) :
    (الدليل السادس) :
    قوله تعالى :
    {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألأم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً}
    [النساء : 97]
    أي في أي فريق كنتم؟ أفي فريق المسلمين , أم في فريق المشركين؟
    فاعتذروا عن كونهم ليسوا في فريق المسلمين بالاستضعاف
    فلم تعذرهم الملائكة , وقالوا لهم
    {ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً} .
    فإن قال قائل:
    هلا كان الإكراه على الخروج عذراً للذين قتلوا يوم بدر؟
    قيل :
    لا يكون عذراً , لأنهم في أول الأمر لم يكونوا معذورين إذ قاموا مع الكفار , فلا يعذرون بعد ذلك بالإكراه , لأنهم السبب في ذلك حيث قاموا معهم وتركوا الهجرة).

    فتأمل أخي هذه الكلمات من هذا العالم الجليل فإنها شافية وكافية في بيان متى يعذر الإنسان بالإكراه ومتى لا يعذر.

    يقول القاضي عياض- رحمه الله- في المدارك ( 2/719 ) :
    (( وسئل أبو محمد بن الكراني عمن أكرهه بنو عبيد على الدخول في دعوتهم أو يقتل؟ قال يختار القتل ولا يعذر أحد بهذا إلا من كان أول دخولهم البلد فيسأل إن أمرهم وأما بعد فقد وجب الفرار فلا يعذر أحد بالخوف بعد إقامته لأن المقام في موضع يطلب من أهله تعطيل الشرائع لا يجوز , وإنما أقام من هذا من العلماء والمتعبدين على المباينة لهم لئلا يخلوا بالمسلمين عدوهم فيفتنوهم عن دينهم )) .

    الوجه الرابع :
    وهو بتوجيه مثال وسؤال شبيه بالذي قبله .
    لو أن هناك ألوفاً مألفة من المسلمين يعيشون في بلدة ما تحكم بالكفر
    فتسلط عليهم الكفار فسلبوهم أموالهم , فقالت لهم سلطة هذه البلدة :
    لا نرجع لكم أموالكم حتى تسبوا الله , أو تسبوا الرسول صلى الله عليه وسلم , أو تسبوا دين الإسلام , أو تذبحوا وتقربوا القرابين لغير الله , أو غير ذلك من هذه الأمور , فقام هؤلاء الناس واستجابوا لما قد دعوهم إليه ومكثوا سنين لا يدخلون محاكم هذه السلطة للمطالبة بإرجاع أموالهم حتى يسبوا الله عز وجل .
    فهل يعذر هؤلاء بالإكراه؟!
    فلا شك أن الجواب ( لا ) .
    فنقول :

    ما الفرق بين أمة بأسرها من أولها إلى آخره تسب الله سباً صريحاً وتفعل هذا الفعل المكفر المخرج عن ملة الإسلام . وبين أمة بأسرها من أولها إلى آخرها تتحاكم إلى الطاغوت وتفعل هذا الفعل المكفر المخرج عن ملة الإسلام؟!!



    وفي الخاتمة نقول:
    قد يقول قائل هنا ما المخرج إذاً والنجاة من هذه الفتنة وهذه البلية؟ فنقول بما يلي :




    المخرج الأول :
    يقول الله تعالى :
    {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم}
    [البقرة : 218] .
    ويقول الله تعالى :
    {والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولآجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون}
    [النحل : 41] .
    ويقول الله تعالى :
    {ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم}
    [النحل : 110] .
    ويقول الله تعالى :
    {من يهاجر في سبيل الله يجد في في الأرض مراغماً كثيراً واسعة }
    [النساء : 100] .
    يقول الحافظ ابن كثير في تفسيره:
    ( قوله (( وسعة ?)) يعني الرزق قاله غير واحد. منهم قتادة حيث قال في قوله{يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة ?} أي من الضلا لة إلى الهدى , ومن القلة إلى الغنى)

    فهذا أول مخرج من مخارج الوقوع في مثل هذه الفتنة.
    ألا وهو الهجرة , والهجرة تكون من دار الكفر إلى دار الإسلام , ودار الكفر كما عرفها العلماء هي الدار التي تعلوها أحكام الكفر .



    يقول الإمام ابن قيم- رحمه الله- في أحكام أهل الذمة:
    (( قال الجمهور :
    دار الإسلام هي التي نزلها المسلمون وجرت عليها أحكام الإسلام , وإما لم تجر عليه أحكام الإسلام لم يكن دار إسلام , وإن لاصقها))
    ويقول علماء الدعوة النجدية رحمهم الله تعالى:
    ( وأما البلد التي يحكم عليها بأنها بلد كفر, فقال ابن مفلح: وكل دار غلب عليها أحكام المسلمين فدار إسلام, وإن غلب عليها أحكام الكفر فدار كفر ولا دار غيرهما )
    ويقول الشيخ سليمان بن سحمان النجدي رحمه الله تعالى في بيان ما إذا تغلب الكفار على دار الإسلام وأجروا فيها أحكام الكفر فإنها تصير دار كفر لتحقق المناط فيها قال رحمه الله :


    إذا ما تولى كافر متغلب على دار إسلام وحل بها الوجل

    وأجرى بها أحكام كفر علانيا وأظهرها فيها جهاراً بلا مهل
    وأوهى بها أحكام شرع محمد ولم يظهر الإسلام فيها وينتحل
    فذي دار كفر عند كل محقق كما قاله أهل الدراية بالنحل
    وما كل من فيها يقال بكفره فرب إمرئ فيهم على صالح العمل


    وسئل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ هل تجب الهجرة من بلاد المسلمين التي يحكم فيها بالقانون؟
    فأجاب :
    (البلد التي يحكم فيها بالقانون ليست بلد إسلام , تجب الهجرة منها , وكذلك إذا ظهرت الوثنية من غير نكير ولا غيرت فتجب الهجرة , فالكفر بفشو الكفر وظهوره , هذه بلد كفر )


    المخرج الثاني :
    روى البخاري في صحيحه في كتاب الإيمان- باب من الدين الفرار من الفتن- من حديث أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    (( يوشك أن يكون خير مال المسلم غنماً يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن )) .


    المخرج الثالث :
    أن يختار المسلم الموحد ويبحث عن بلدة ما أو قرية ما لا تظهر فيها شعائر الكفر ولا أحكام الكفر , فيذهب إليها لكي يعيش فيها ويحفظ دينه ودنياه .


    المخرج الرابع :
    وهو للمجموع التي لم تهاجر ولم تعتزل .
    كأهل القرى والمدن الذين هم في دار الكفر .
    فإنهم يتفقوا على أن يجعلوا بينهم عالماً أو شيخاً أو قاضياً يقضي بينهم بحكم الشرع , ويتعاهدوا فيما بينهم على أن يحتكموا في جميع قضاياهم وخصوماتهم إليه .
    ويكون تقليد هذا القاضي من قبل الإمام العام أو من فوض إليه الإمام هذا التقليد .
    يقول الإمام النووي رحمه الله :
    (يجب على الإمام نصب القاضي في كل بلدة وناحية خالية عن قاض..., ويجوز أن يجعل الإمام نصب القاضي إلى والي الإقليم وأمير البلدة , وإن لم يكن المجعول إليه صالحاً للقضاء , لأنه وكيل محض , وكذا لو فوض إلى واحد من المسلمين اختيار قاض , ليس له أن يختار والده وولده , كما لا يختار نفسه . لو قال لأهل بلد : اختاروا رجلاً منكم وقلدوه القضاء . قال ابن كج : جاز على الأصح )
    ويقول الإمام ابن قدامة في المغني :
    ( وإن فوض الإمام إلى إنسان تولية القضاء جاز لأنه يجوز أن يتولى ذلك فجاز له التوكيل فيه كالبيع , وإن فوض إليه اختار قاض جاز ولا يجوز له اختيار نفسه ولا والده ولا ولده كما لو وكله في الصدقة بمال لم يجز له أخذه ولا دفعه إلى هذين , ويحتمل أنه يجوز له اختيارهما إذا كانا صالحين للولاية لأنهما يدخلان في عموم من أذن له في الإختيار منه مع أهليتهما فأشبها الأجانب )

    فهذه أربعة مخارج من هذه الفتنة .
    نسأل الله عز وجل أن ينجينا ويحفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن . إنه على كل شيء قدير .


    ونختم هذه الرسالة بكلام لعلامة أهل زمانه الشيخ سليمان بن سحمان عندما سئل عن التحاكم إلى الطاغوت بحجة الإضطرار فقال رحمه الله :

    (( المقام الثاني )) :
    أن يقال إذا عرفت أن التحاكم إلى الطاغوت كفر , فقد ذكر الله في كتابه : أن الكفر أكبر من القتل
    قال تعالى :
    { والفتنة أكبر من القتل}
    [البقرة : 217]
    وقال :
    { والفتنة أشد من القتل}
    [البقرة: 191] .
    والفتنة :
    هي الكفر , فلو اقتتلت البادية والحاضرة , حتى يذهبوا , لكان أهون من أن ينصبوا في الأرض طاغوتاً يحكم بخلاف شريعة الإسلام , التي بعث الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم .

    (( المقام الثالث )) :
    أن نقول إذا كان التحاكم كفراً , والنزاع إنما يكون لأجل الدنيا , فكيف يجوز لك أن تكفر لأجل ذلك؟
    فإنه لا يؤمن الإنسان حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما , وحتى يكون الرسول أحب إليه من ولده والناس أجمعين
    فلو ذهبت دنياك كلها لما جاز لك المحاكمة إلى الطاغوت لأجلها ولو اضطرك مضطر وخيرك بين أن تحاكم إلى الطاغوت , أو تبذل دنياك لوجب عليك البذل ولم يجز لك المحاكمة إلى الطاغوت )) .
    فينبغي على كل مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة ممن أراد منهم أن يحفظ دينه وتوحيده أن يتحاكموا في جميع ما اختصموا فيه وتنازعوا فيه إلى علماء الشرع الذين يحكمونهم بكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم , وأن لا يتحاكموا إلى هؤلاء الطواغيت , لأن التحاكم إلى هؤلاء الطواغيت إيمان بهم وصرف عبادة لهم , وليخش امرؤ أن يكون يوم القيامة تابعاً لهؤلاء الطواغيت .
    قال عليه الصلاة والسلام
    (( يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول من كان يعبد شيئاً فليتبعه , فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس , ويتبع من كان يعبد القمر القمر , ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت ))
    رواه البخاري .



    بعض اقوال العلماء في بيان ان من تحاكم الى الطاغوت فقد ءامن به وكفر بالله


    . يقول الإمام ابن حزم- رحمه الله- عند قوله تعالى :
    {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً}
    [النساء : 65] .
    ((هذه كافية لمن عقل وحذر وآمن بالله واليوم الآخر, وأ يقن أن هذا العهد عهد ربه تعالى أليه , ووصيته عز وجل الواردة عليه , فليفتش الإنسان نفسه , فإن وجد في نفسه مما قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل خبر يصححه مما قد بلغه , أو وجد نفسه غير مسلمة لما جاءه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , ووجد نفسه مائلة إلى فلان وفلان , أو إلى قياسه واستحسانه , أو وجد نفسه تحكم فيما نازعت فيه أحداً دون رسول الله صلى الله عليه وسلم متى صاحت فمن دونه , فليعلم أن الله تعالى قد أقسم , وقوله الحق إنه ليس مؤمناً وصدق الله تعالى : وإذا لم يكن مؤمناً فهو كافر, ولا سبيل إلى قسم ثالث))
    ويقول أيضاً- رحمه الله- تعليقاً على الآية السابقة
    ( فنص تعالى وأقسم بنفسه أنه لا يكون مؤمناً إلا بتحكيم النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما عن ثم يسلم بقلبه ولا يجد في نفسه حرجاً مما قضى فصح أن التحكيم شيء غير التسليم بالقلب , وأنه هو الإيمان الذي لا إيمان لمن لم يأت به )
    ويقول أيضاً رحمه الله
    ( فسمى الله تعالى تحكيم النبي صلى الله عليه وسلم إيمانا , وأخبر الله تعالى انه لا إيمان إلا ذلك , مع أنه لا يوجد في الصدر حرج مما قضى , فصح يقيناً أن الإيمان عمل وعقد لأن التحكيم عمل ولا يكون إلا مع القول , ومع عدم الحرج في الصدر وهو عقد .
    * ويقول أيضاً- رحمه الله عند قوله تعالى :
    {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً}
    [ النساء : 115] .
    قال أبو محمد :

    هذه الآية نص بتكفير من فعل ذلك .

    فإن قال قائل إن من اتبع غير سبيل المؤمنين .
    قلنا له وبالله تعالى التوفيق :
    ليس كل من اتبع غير سبيل المؤمنين كافرا لأن الزنا وشرب الخمر وأكل أموال الناس بالباطل ليست من سبيل المؤمنين, وقد علمنا أن من اتبعها فقد اتبع غير سبيل المؤمنين وليس مع ذلك كافراً.
    ولكن البرهان في هذا قول الله :
    {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} .
    قال أبو محمد:
    ( فهذا هو النص الذي لا يحتمل تأويلاً ولا جاء نص يخرجه عن ظاهره أصلاً ولا جاء برهان بتخصيصه في وجوه الإيمان ) .

    ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
    (ومن جنس موالاة الكفار التي ذم الله بها أهل الكتاب والمنافقين الإيمان ببعض ما هم عليه من الكفر , أو التحاكم إليهم دون كتاب الله .
    كما قال تعالى :
    { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت . . .}
    [النساء : 51] .
    فقوله (ومن جنس موالاة الكفار))
    فإنه يتكلم عن موالاة الكفار التي هي من الكفر الأكبر .
    كما قال تعالى :
    { ومن يتولهم منكم فإنه منهم}
    [المائدة : 51]
    وذكر صنفين من الناس

    الصنف الأول
    وهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى

    والصنف الثاني :
    وهم المنافقين الذين يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام . . ثم أخبر عن أمرين هما من جنس موالاة الكفار
    ( الإيمان ببعض ما هم عليه من الكفر , أو التحاكم إليهم دون كتاب الله )) .
    وانظر إلى قوله (( أوالتحاكم إليهم. . . ))
    وكيف أنه أضاف كلمة (( أو )) , و(( أو )) هنا للتخير , للتنبيه على أن كلا الأمرين كفر بالله
    ثم تأمل كيف أنه استدل بالآية على هذين الأمرين
    وهو قوله تعالى :
    {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت . . . . }
    [النساء : 51] .
    ويقول أيضاً- رحمه الله- عند قوله تعالى :
    {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً}
    [النساء : 60] .
    ( كما ذم المدعين الإيمان بالكتب كلها وهم يتركون التحاكم إلى الكتاب والسنة ويتحاكمون إلى بعض الطواغيت المعظمة من دون الله كما يصيب ذلك كثيراً ممن يدعي الإسلام وينتحله في تحاكمهم إلى مقالات الصابئة الفلاسفة أو غيرهم , أو إلى سياسة بعض الملوك الخارجين عن شريعة الإسلام من ملوك الترك وغيرهم)

    ويقول أيضاً- رحمه الله- عند قوله تعالى :
    {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأوليك هم المفلحون }
    [النور : 51] .
    ( فبين سبحانه أن من تولى عن طاعة الرسول وأعرض عن حكمه فهو من المنافقين وليس بمؤمن
    وأن المؤمن هو الذي يقول :
    سمعنا وأطعنا , فإذا كان النفاق يثبت ويزول الإيمان بمجرد الإعراض عن حكم الرسول وإرادة التحاكم إلى غيره , مع أن هذا ترك محض , وقد يكون سببه قوة الشهوة , فكيف بالنقص والسب ونحوه ? ! ) انتهى كلامه رحمه الله
    ومقصوده بالنفاق هنا هو النفاق الأكبر الذي يخرج صاحبه عن ملة الإسلام بدليل قوله :
    (( فكيف بالنقص والسب ونحوه ?!))
    ولو كان يرى بأن الإعراض عن حكم الرسول والتحاكم إلى غيره ليس من أعمال الكفر والنفاق الأكبر لم يجعله هنا بمقابل السب ويقيسه عليه ويجعل الذي يسب الله ورسوله أشد كفراً من الذي يتحاكم إلى الطاغوت
    وهذا واضح في قوله رحمه الله:
    (( فكيف بالنقص والسب ونحوه ? ! ))
    أي أن كلا الأمرين كفر بالله ولكن السب أشد كفراً
    (وتأمل قوله أيضاً :
    ( مع أن هذا ترك محض , وقد يكون سببه قوة الشهوة )).

    فلم يجعل الكفر هنا سببه الجحود أو الاستحلال وإنما جعل سببه الترك واتباع الهوى بالإعراض عن حكم الرسول والتحاكم إلى غيره من أحكام الطواغيت .

    ويقول أيضاً رحمه الله
    ( قال الله تعالى:
    { ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء }
    وقوله :
    { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم }
    الآية .
    فجعل الله هذه الأمور شرطا في ثبوت حكم الإيمان , فثبت أن الإيمان المعرفة بشرائط لا يكون معتداً به دونها )) .

    ويقول الإمام ابن قيم رحمه الله
    ( ومن حاكم خصمه إلى غير الله ورسوله فقد حاكم إلى الطاغوت , وقد أمر أن يكفر به , ولا يكفر العبد بالطاغوت حتى يجعل الحكم لله وحده كما هو كذلك في نفس الأمر ) .
    فتأمل قوله :
    (( ولا يكفر العبد بالطاغوت حتى يجعل الحكم لله وحده ))

    ولم يقل:
    حتى يعتقد أن الحكم لله وحده .
    ومما يوضح ذلك أيضاً قوله في بداية كلامة:
    (( ومن حاكم خصمه ))
    والمحاكمة التي تقع بين الخصمين لا تكون إلا بالفعل , فيكون إذاً معنى قوله :
    (( حتى يجعل الحكم لله وحده ))

    أي يحاكم خصمه لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم , فإن حاكمه إلى غيرهما لم يجعل الحكم الله وحده , ومن ثم لم يكفر بالطاغوت , ومن لم يكفر بالطاغوت لم يصح إسلامه , حيث إن الكفر بالطاغوت ركن التوحيد الذي بتحصليه يكون العبد مسلماً مع الإيمان بالله وحده .
    ويقول الحافظ ابن كثير- رحمه الله- :
    ( ثم ذكر الجويني نتفاً من الياسا من ذلك :
    أنه من زنى قتل , محصناً كان أو غير محصن , وكذلك من لاط قتل , ومن تعمد الكذب قتل , ومن سحر قتل , ومن تجسس قتل , ومن دخل بين اثنين يختصمان فأعان أحدهما قتل, ومن بال في الماء الواقف قتل , ومن انغمس فيه قتل , ومن أطعم أسيراً أو سقاه بغير إذن أهله قتل , ومن وجد هارباً ولم يرده قتل ومن أطعم أسيراً أو رمى إلى أحد شيئاً من المأكول قتل , بل يناوله من يده إلى يده , ومن أطعم أحداً شيئاً فليأكلً منه أولاً ولو كان المطعوم أميراً لا أسيراً , ومن أكل ولم يطعم من عنده قتل , ومن ذبح حيواناً ذبح مثله بل يشق جوفه ويتناول قلبه بيده يستخرجه من جوفه أولاً , وفي ذلك كله مخالفة لشرائع الله المنزلة على عباده الأنبياء عليهم الصلاة والسلام , فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبدالله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر . فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين ) .






    فهذا قول واضح منه- رحمه الله- نقل فيه الإجماع على كفرمن تحاكم إلى الشريعة الإلهية المنسوخة كشريعة التوراة . فكيف بمن يتحاكم إلى الشريعة الوضعية التي هي من وضع البشر؟ ! لا شك أشد .


    وقد جعل البعض هذا الحكم وهذا الوعيد المكفر الذي جاء فيه الإجماع خاص بالتتار لأنهم تلبسوا ببعض المكفرات . ولا شك أن هذا باطل , ووجه بطلانه أن نقول :

    بأي دليل عندما تخصصون هذا الإجماع وهذا الحكم بالتتار
    فابن كثير قوله واضح .
    قال رحمه الله ( فمن ترك الشرع المحكم . . . ))
    و((من))من صيغ العموم كما هو معروف
    وابن كثير هنا يتكلم عن مسألة شرعية عامة في الحكم ألا وهي ترك الشريعة المحمدية والتحاكم إلى غيرها من الشرائع الأخرى
    وذكر أنه إذا كان التحاكم إلى الشريعة الإلهية المنسوخة كفر .
    فكيف بالتحاكم إلى الشرائع الوضعية الكفرية
    وهذا واضح في قوله (( فكيف بمن تحاكم إلى الياسا ؟))
    وهوالحكم الوضعي الذي وضعه (( جنكيز خان ))
    وقد ذكر نتفاً منه في مقدمة كلامه ثم قال :
    (( وفي ذلك كله مخالفة لشرائع الله المنزلة على عباده الأنبياء )) ثم نقل بعد ذلك الإجماع على كفر من حكم بالشرائع المخالفة لشريعة الإسلام
    وإنما ذكر التتار هنا من باب ضرب المثل لكونهم وقعوا في مثل هذا
    ومما يوضح ذلك أيضاً قوله في تفسيره عند قوله تعالى
    { أفحكم الجاهلية يبغون . . . }
    الآية .
    قال رحمه الله
    ( ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وكما يحكم به التتارمن السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان الذي وضع لهم الياسق
    وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه فصارت في بنيه شرعاً متبعاً يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم


    فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير ))


    وهنا- رحمه الله- ضرب مثلين لذلك

    أحدهما قوله
    (( كما كان الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وآهوائهم ))


    وهذا يقطع ما قد قيل بأن هذا الحكم خاص بالتتار , بل هو حكم عام يشمل ويتنزل على كل من حكم بحكم الجاهلية من الأحكام الوضعية والقوانين الطاغوتية


    والثاني قوله :

    (( وكما يحكم به التتار من السياسات ))

    فتبين من ذلك أن ذكره للتتارهو من باب ضرب المثل لا من باب تخصيص الفتوى
    ولذلك فقد ختم فتواه بصيغة عموم , وهي الجملة الشرطية المصدرة بمن الشرطية

    فقال (( فمن فعل ذلك فهو كافر ))
    وقال في الإجماع الذي نقله
    (( من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين ))

    فهذا نص عام منه- رحمه الله- يقطع جميع التأويلات الباطلة لفتواه .
    ولهم أيضاً شبهة أخرى حول هذا الإجماع وهو قولهم :
    إن التحاكم إلى الشريعة المنسوخة كفر لأن الشريعة السماوية المنسوخة دين , فالذي يتحاكم إليها لا يتحاكم إلا وهو معتقد , أما الشريعة الوضعية فهي ليست بدين .
    والرد على ذلك أن نقول:
    لا شك أن هذا القول باطل .
    ووجه بطلانه ما بينه الله عز وجل في كتابه من تسمية ملل أهل الكفر والشرك دين .
    يقول الله تعالى :
    { قل يا أيها الكافرون . لا أعبد ما تعبدون . ولا أنتم عابدون ما أعبد . ولا أنا عابد ما عبدتم. ولا أنتم عابدون ما أعبد . لكم دينكم ولي دين } .
    وقد بين أيضاً سبحانه في كتابه العزيز أن النظام والحكم ومنهاجه يسمى دين .
    يقول الله تعالى في سورة يوسف :
    { كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك } .
    يقول الحافظ ابن كثير- رحمه الله- في تفسيره عند هذه الآية ( أي لم يكن له أخذه في حكم ملك مصر )) .
    ويقول الإمام القاسمي في تفسيره
    (( ويستدل به على جواز تسمية قوانين ملل الكفر ديناً )) .
    أما قولهم إن الذي يتحاكم إلى شريعة منسوخة يكفر لأنه لا يتحاكم إلا عن اعتقاد .
    فهذا أيضاً باطل
    ووجه بطلانه أن نسألهم فنقول :
    لو أن إنساناً تحاكم إلى شريعة منسوخة لا عن اعتقاد وإنما لسبب دنيا يصيبها . فهل يكفر هذا عندكم؟ !
    فإن قلتم :
    لا فقد خرمتم الإجماع الذي انعقد على ذلك . وإن قلتم نعم .
    فنقول ما الفرق إذاً بين من تحاكم إلى شريعة منسوخة وبين من تحاكم إلى شريعة وضعية . وقد علمنا أن كلاهما لم يفعل ذلك عن اعتقاد وإنما لدنيا؟ ! .
    يقول الله تعالى :
    { ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين }
    [النحل : 107] .
    يقول الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في رسالته كشف الشبهات عند هذه الآية :
    (( فصرح أن الكفر والعذاب أم يكن بسبب الاعتقاد أو الجهل أو البغض للدين أو محبة الكفر , وإنما سببه أن له في ذلك حظاً من حظوظ الدني فآثره على الدين )).








    فالتحاكم إذاً إلى الشريعة المنسوخة أو الشريعة الوضعية كفر مخرج عن مله الإسلام .
    سواء فعل المتحاكم ذلك عن اعتقاد أم عن غير اعتقاد .



    فكله مخرج عن مله الإسلام .



    يقول الإمام ابن حزم رحمه الله :
    (( من حكم بحكم الإنجيل مما لم يأت بالنص عليه وحي في شريعة الإسلام فإنه كافر مشرك خارج عن الإسلام )) .
    ويقول الحافظ ابن كثير أيضا في تفسيره عند قوله
    :{فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً}
    [ النساء : 59]
    قال :
    (( فدل على أن من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة ,ولا يرجع إليهما في ذلك فليس مؤمنا بالله ولا باليوم الآخر )) .
    ويقول مفتي الديار النجدية وصاحب كتاب فتح المجيد- الشيخ عبد الرحمن بن آل الشيخ رحمه الله عند ذكر قوله تعالى :
    {فمن يكفر بالطاغوت}
    الآية .
    قال
    وذلك أن التحاكم إلى الطاغوت إيمان به ) .
    ويقول العلامة الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله تعالى رحمة واسعة :
    ( وأما المسألة الثانية وهي :
    الأشياء التي يصير بها المسلم مرتداً )
    ثم ذكر ان هذه الأشيئا فقال :
    ( الأمر الرابع عشر :
    التحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . . قلت :
    ومثل هؤلاء ما وقع فيه عامة البوادي ومن شابههم , من تحكيم عادات آبائهم وما وضعه أوائلهم من الموضوعات الملعونة التي يسمونها شرع الرفاقة , يقدمونها على كتاب الله وسنة رسوله . ومن فعل ذلك فإنه كافر ) .
    ويقول العلامة الشيخ حمد بن ناصر آل معمر رحمه الله :
    (( وأبلغ من هذا كله قوله تعالى :
    { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً }
    فهذا دليل على أنه يجب رد موارد النزاع في كل ما تنازع فيه الناس من الدين كله أصوله وفروعه إلى الله ورسوله لا إلى غير الله ورسوله .
    ولهذا قال :
    { إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر }
    وهذا شرط ينتفي المشروط بانتفائه ,فدل على ان من حكم غير الله ورسوله في موارد النزاع كان خارجاً عن مقتضى الإيمان بالله واليوم الآخر )) .
    ويقول العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي في كتابه ( القول السديد على كتاب التوحيد ) :
    من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله او تحليل ما حرمه فقد اتخذهم أرباباً .
    قال :
    (( والواجب على كل أحد أن لا يتخذ غير الله حكماً وأن يرد ما تنازع فيه الناس إلى الله ورسوله , وبذلك يكون دين العبد كله لله وتوحيده خالصاً لوجه الله , وكل من حاكم إلى غير حكم الله ورسوله فقد حاكم إلى الطاغوت , وإن زعم أنه مؤمن فهو كاذب , فالإيمان لا يصح ولا يتم إلا بتحكيم الله ورسوله في أصول الدين وفروعه , وفي كل الحقوق كما ذكره المصنف في الباب الآخر , فمن تحاكم إلى غير الله ورسوله فقد اتخذ ذلك رباً وقد حاكم إلى الطاغوت ))
    ويقول أيضاً :
    في تفسيره عند قوله تعالى:
    {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر}
    [النساء: 59].
    فدل ذلك على أن من لم يرد إليهما مسائل النزاع فليس بمؤمن حقيقة , بل هو مؤمن بالطاغوت كما ذكر في الآية بعدها ))
    ويقول العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم (14) والشيخ عبدالله بن حميد , (15) والشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم (16) والشيخ عبد العزيز الشتري (17) والشيخ عبد اللطيف بن محمد (18) والشيخ عبدالله بن عقيل (19) والشيخ عبد العزيز بن رشيد (20) والشيخ محمد بن عودة (21) والشيخ محمد بن مهيرع
    ( إن من أقبح السيئات وأعظم المنكرات التحاكم إلى غير شريعة الله من القوانين الوضيعة والنظم البشرية وعادات الأسلاف والأجداد التي قد الكثير من الناس اليوم وارتضاها بدلاً من شريعة الله التي بعث بها رسوله محمد صلى الله عليه وسلم , ولا ريب أن ذلك من أعظم النفاق ومن أكبر شعائر الكفر والظلم والفسوق وأحكام الجاهلية التي أبطلها القرآن وحذر منها الرسول صلى الله عليه وسلم قال تعالى :
    { ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً}
    [النساء :60] .
    وقال تعالى :
    { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون }
    [المائدة :44]
    ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون }
    [المائدة :45] .
    { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون
    [المائدة :47] .

    وهذا تحذير شديد من الله سبحانه لجميع العباد من الإعراض عن كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والتحاكم إلى غيرهما , وحكم صريح من الرب عز وجل على من حكم بغير شريعته بأنه كافر وظالم وفاسق ومتخلق بأخلاق المنافقين وأهل الجاهلية



    فاحذروا أيها المسلمون ما حذركم الله منه وحكموا شريعته في كل شيء

    واحذروا ما خالفها وتواصوا بذلك فيما بينكم
    وعادوا وأبغضوا من أعرض عن شرعة الله
    أو تنقصها , أو استهزأ بها , أو سهل في التحاكم إلى غيرها لتفوزوا بكرامة الله وتسلموا من عقا ب الله ,وتؤدوا بذلك ما أوجب الله عليكم من موالاة أوليائه الحاكمين بشريعته الراضين بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والله المسؤول أن يهدينا وإياكم صراطه المستقيم
    وأن يعيذنا وإياكم من مشابهة الكفار والمنافقين , وأن ينصر دينه ويخذل أعداءه .
    إنه على كل شيء قدير , وصلى الله على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين .
    حرر في 12/11/1380هجري ) .
    ويقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي:
    (( والعجب ممن يحكم غير تشريع الله ثم يدعي الإسلام .
    كما قال تعالى :
    { ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً }
    [النساء :60]
    وقال :
    { من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون }
    [المائدة :44] .
    (ويقول أيضاً :
    (( الإشراك بالله في حكمه , والإشراك به في عبادته كلها بمعنى واحد , لا فرق بينهما ألبته , فالذي يتبع غير نظام الله , وتشريعاً غير تشريع الله , كالذي يعبد الصنم ويسجد للوثن , لا فرق بينهما ألبته بوجه من الوجوه , فهما واحد وكلاهما مشرك بالله )) .



    انتهى بفضل الله










  2. #2
    الصورة الرمزية meso
    meso غير متواجد حالياً عضو المتداول العربي
    تاريخ التسجيل
    Aug 2012
    الإقامة
    مصر
    المشاركات
    23

    افتراضي

    جزاك الله خيرا على ما قول
    اللهماجعله فى ميزان حسناتك


1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17