فى كتابه "نجيب محفوظ.. المحطة الأخيرة" يستدعى الكاتب محمد سلماوى، رئيس اتحاد كتاب مصر، تفاصيل الخمسة وأربعين يومًا الأخيرة، فى حياة الأديب العالمى نجيب محفوظ، منذ لحظة دخوله المستشفى يوم الأحد السادس عشر من يوليو لعام 2006، إلى أن وورى فى التراب يوم الخميس الواحد والثلاثين من أغسطس من نفس العام، بكل ما تضمنته من وخزات ألم ولحظات بهجة أشاعها نزيل الغرفة 612 بين زائريه.

"رأيتنى أعد المائدة والمدعوون فى الحجرة المجاورة تأتينى أصواتهم، أصوات أمى وأخوتى، وفى الانتظار سرقنى النوم، ثم صحوت فاقدًا الصبر، فهرعت إلى الحجرة المجاورة لأدعوهم، فوجدتها خالية تمامًا وغارقة فى الصمت، وأصابنى الفزع دقيقة، ثم استيقظت ذاكرتى فتذكرت أنهم جميعًا رحلوا إلى جوار ربهم، وأنى شيعت جنازاتهم، واحدًا بعد الآخر"....كان هذا هو الحلم الأخير الذى نشرته مجلة "نصف الدنيا" ضمن مجموعة من "أحلام فترة النقاهة"، وأعجب به، وقرأه على نجيب محفوظ، عندما سأله عن أى الأحلام التى أعجبته، وكان ذلك مساء السبت الأخير الذى جلس فيه "سلماوى" مع "محفوظ" قبل أن يودعه على أمل أن يلقاه فى السبت المقبل، إلا أن حادثة وقوعه فى غرفته كانت سببًا فى دخوله مستشفى الشرطة ليكون هذا هو السبت الأخير.

يتناول "سلماوى" فى كتابه "المحطة الأخيرة" تفاصيل أصعب خمس وأربعين يوما فى حياته مع نجيب محفوظ، الذى تعثر فى غرفة نومه وإصابته بجرح غائر فى رأسه يوم الأحد السادس عشر من يوليو 2006 ثم سقوطه مجدداً بعد أيام فى الغرفة 612 فى مستشفى الشرطة، حيث كان يعالج، ساهمت فى نهاية الكاتب الأكثر إثارة للجدل فى الأدب العربى الحديث.

ولعلّ كتاب محمد سلماوى «نجيب محفوظ.. المحطة الأخيرة» الصادر فى مصر عن دار الشروق يكمل الصورة ويضع خاتمة لها، فهو يكتب فيه بأسى أمام جثمان محفوظ أن «مشكلة الأستاذ أنه كان معمراً فى بلد لا يعرف أهله كيف يتعاملون مع المعمرين» وأن «تعاملنا معه أثناء حياته لم يكن أفضل كثيراً مما كان خلال فترة مرضه، فقد رميناه بالكفر والإلحاد، ونفذنا فيه أحكاماً بالإعدام من دون محاكمة».

يقدم "سلماوى" التفاصيل الدقيقة عن الأيام الأخيرة للأستاذ وكان أمضاها معه فى مستشفى الشرطة المجاور لمنزله، ويشير رئيس اتحاد كتاب مصر إلى أن "محفوظ" فارق الحياة قبل الساعة العاشرة من مساء يوم الثلاثاء فى التاسع والعشرين من أغسطس، أى قبل يوم من التاريخ الرسمى للوفاة.. ولم يفسر سلماوى لماذا تأخر إعلان الوفاة أو إخبار أسرته بها عندما حلت، لكنه فى ما يبدو التزم، كما جاء فى مقدمة الكتاب، «بتسجيل وقائع ما حدث من دون أن أتدخل بالتعليق أو التفسير، إلا أننى كنت أعرف أن بعض أحداث هذه التجربة ربما فضل البعض أن تظل طى الكتمان، لكنها تجربة شاء القدر أن أكون شاهداً لها، ولم أكن أستطيع أن أكتم الشهادة».

كتب سلماوى أنه تلقى مكالمة هاتفية الساعة العاشرة مساء التاسع والعشرين من أغسطس، قال له فيها محدثه «البقية فى حياتك» وأنه رد «أنا آت فوراً»، فقال المتحدث: «أرجوك ألا تفعل، انتظر، فهم سيبلغونك رسمياً». وسأل سلماوى محدثه الذى لم يكشف عنه: «هل تم إبلاغ أسرته؟»، فقال: «سيتم إبلاغهم رسمياً». لم يكن أحد مع الأستاذ فى المستشفى، كانت ابنتا محفوظ هدى وفاتن وزوجته قد غادرن إلى المنزل المجاور فى نحو الثامنة والنصف مساء، وقبل ذلك بقليل شهدت غرفته حركة غير عادية، وتــوافد عدد من الأطباء إلى غرفته، ثم هدأت الأوضاع، ومُنع الجميع بعد ذلك من دخول الغرفة. ربما أوحى سلمـــاوى إلى أن هذا التأجيل فى الإعلان هو بسبب إجراءات الجنازة الرسمية، وهو إذ اتصل صباح اليوم التالى بزوجة الكاتب فوجد أنها لم تبلغ بعد، وفى المستشفى أكد له الأطباء أنه توفى فى الثامنة وعشر دقائق بالضبط مساء، بعدما توقف القلب، ولم تتمكن الأجهزة من إعادته إلى الحياة.

أبلغ "سلماوى" السيدة عطية الله بترتيبات الرئاسة لجنازة عسكرية من مسجد آل رشدان فى مدينة نصر، لكنها قالت إن وصيته أن نصلّى عليه فى مسجد الحسين، حيث مسقط رأسه، وهو ما برر فى ما بعد إقامة جنازتين للكاتب الراحل، وإذا كان سلماوى ركز على أيام محفوظ فى المستشفى، فإنه طاف على الحياة الصحية لمحفوظ فى شكل عام. وتداعى على صفحات الكتاب الكثير من ذكريات سلماوى مع محفوظ وعلاقته به. وكان سلماوى قد بدأ منذ إصابة محفوظ فى يده اليمنى خلال محاولة اغتياله عام 1994 فى ملازمته كل يوم سبت من كل أسبوع، ليملى عليه عموده الأسبوعى فى صحيفة «الأهرام»، وذلك طوال الإثنى عشر عاماً الأخيرة، كما أن سلماوى هو الذى ألقى كلمة محفوظ فى أكاديمية نوبل فى السويد عام 1988 بناء على اختياره الشخصى.