صدر حديثًا عن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، كتيب بعنوان "الحسبة وحرية التعبير" للكاتب حلمى النمنم، ويقع الكتيب فى 200 صفحة من القطع الصغير، متضمنًا عشرة فصول حول إشكالية قضايا الحسبة.

وفى هذا الكتاب يضع "النمنم" قضية الحسبة فى سياقها التاريخى، وأنها كانت تستهدف مكافحة الفساد الاقتصادى والإدارى، حيث يقوم المحتسب بمراقبة الأسواق للتأكد من صحة المكاييل وسلامة المعاملات، إلا أن المصطلح فى العقود الأخيرة أصبح يعنى مصادرة حرية الرأى والإبداع، ودور المحتسب – قديماً - كان يشبه "شرطة تنفيذ الأحكام" فى الوقت الحالى.

ويرى "النمنم" أن هناك "جهادًا ضد المبدعين" باستخدام قضايا الحسبة التى أخرجها البعض من كتب الفقه الإسلامى، واستخدموها فى غير ما أراد الفقهاء الذين استهدفوا بالحسبة مراقبة الأداء الاقتصادى والمالى والإدارى بما يحقق المصلحة العامة.

كما أن "المحتسبين الجدد حولوه إلى مصادرة حرية الكتاب والمبدعين" عن طريق رفع دعاوى قضائية تتهم الكاتب بالمساس بالذات الإلهية أو الترويج للإلحاد، وطالت هذه الدعاوى كتابا مصريين، منهم نجيب محفوظ، ونصر حامد أبو زيد، وفنانين مثل الممثل عادل إمام.

ويؤكد "النمنم" على أن المسلمين الأوائل لم يعرفوا مصطلح "الحسبة" ولا شخص "المحتسب" الذى كان يقوم فى بعض فترات التاريخ الإسلامى بوظيفة "ليست مفتوحة ولا مباحة لأى مسلم"، انطلاقًا من كونه فقيهًا يعلم أحكام الشريعة الإسلامية، موضحًا أن الحسبة والمحتسب اختفيا من مصر فى القرن التاسع عشر منذ تولى محمد سعيد باشا حكم البلاد فى 1854، وأصبح جهاز الدولة الحديثة يقوم بمهام المحتسبين، إلى أن عاد "المحتسبون الجدد" على استحياء فى القرن العشرين.

ويرأى "النمنم" أن قضية نصر حامد أبو زيد "أشهر قضية حسبة شهدتها مصر فى العقود الأخيرة"، حيث تقدم أبو زيد فى 1993 للترقية إلى درجة "أستاذ" بكلية الآداب بجامعة القاهرة، ورفضت اللجنة ترقيته واصفة أحد بحوثه بأنها "كفر فى كفر"، وانتقل الأمر من الجامعة إلى وسائل الإعلام، ثم إلى القضاء، حيث طالب محام بالتفريق بين أبو زيد وزوجته ابتهال يونس الأستاذة بالكلية نفسها، وصدر الحكم بالتفريق بينهما، فغادر أبو زيد مصر.

كما يرى أن الاستبداد السياسى أو الدينى أو الاجتماعى يستهدف قمع الحريات، ضارباً المثل باغتيال الكاتب فرج فودة فى 1992 على أيدى متشددين إسلاميين، ومحاولة اغتيال الروائى نجيب محفوظ فى 1994 لاتهامه بالإساءة إلى الإسلام فى أعمال منها رواية "أولاد حارتنا" التى ظل محظور نشرها ؛ بحجة أنها تسيء إلى الأنبياء، لكن الرواية نشرت فى مصر منذ بضع سنوات بمقدمتين لاثنين من الكتاب المحسوبين على التيار الإسلامى المستنير، هما أحمد كمال أبو المجد، أستاذ القانون وعضو مجمع البحوث الإسلامية، ومحمد سليم العوا، الأمين العام السابق للاتحاد العالمى لعلماء المسلمين مؤكدًا على أنه بالرغم من إتاحة "أولاد حارتنا" وتعدد طبعاتها "لم يهتز إيمان الناس بالأنبياء ولا تراجع الإيمان فى المجتمع".