صيام الست من شوال

الحمد لله المتفضِّل بالنِّعم، وكاشفالضرَّاء والنِّقم، والصلاة والسلام على النبي الأمين، وآله وأصحابه أنصار الدين.. وبعد:

-
أخي المسلم: لا شك أن المسلم مطالب بالمداومة على الطاعات،والاستمرار في الحرص على تزكية النفس.

ومن أجل هذه التزكية شُرعت العباداتوالطاعات، وبقدر نصيب العبد من الطاعات تكون تزكيته لنفسه، وبقدر تفريطه يكون بُعدهعن التزكية.



-
لذا كان أهل الطاعات أرق قلوباً، وأكثر صلاحاً، وأهلالمعاصي أغلظ قلوباً، وأشد فساداً.

-
والصوم من تلك العبادات التي تطهِّرالقلوب من أدرانها، وتشفيها من أمراضها.. لذلك فإن شهر رمضان موسماً للمراجعة،وأيامه طهارة للقلوب.



-
وتلك فائدة عظيمة يجنيها الصائم من صومه،ليخرج من صومه بقلب جديد، وحالة أخرى.

-
وصيام الستة منشوالبعد رمضان، فرصة من تلكالفرص الغالية، بحيث يقف الصائم على أعتاب طاعة أخرى، بعد أن فرغ منصيامرمضان.



-
وقد أرشد أمته إلى فضلالستمن شوال، وحثهم بأسلوبيرغِّب في صيام هذه الأيام..

قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: { منصام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر } رواه مسلموغيره.



-
قال الإمام النووي - رحمه الله -: قال العلماء: ( وإنماكان كصيام الدهر، لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان بعشرة أشهر، والستة بشهرين..).

-
ونقل الحافظ ابن رجب عن ابن المبارك: ( قيل: صيامها من شوال يلتحق بصيامرمضان في الفضل، فيكون له أجر صيام الدهر فرضاً ).



-
أخي المسلم: صيام هذه الست بعض رمضان دليل على شكر الصائم لربه تعالى على توفيقه لصيام رمضان،وزيادة في الخير، كما أن صيامها دليل على حب الطاعات، ورغبة في المواصلة في طريقالصالحات.

-
قال الحافظ ابن رجب - رحمه الله -: ( فأما مقابلة نعمة التوفيقلصيام شهر رمضان بارتكاب المعاصي بعده، فهو من فعل من بدل نعمة الله كفراً ).



-
أخي المسلم: ليس للطاعات موسماً معيناً، ثم إذا انقضى هذاالموسم عاد الإنسان إلى المعاصي!

بل إن موسم الطاعات يستمر مع العبد فيحياته كلها، ولا ينقضي حتى يدخل العبد قبره..

-
قيل لبشر الحافي - رحمهالله -: إن قوماً يتعبدون ويجتهدون في رمضان. فقال: ( بئس القوم قوم لا يعرفون للهحقاً إلا في شهر رمضان، إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد السنة كلها ).



-
أخي المسلم: في مواصلة الصيام بعد رمضان فوائد عديدة، يجدبركتها أولئك الصائمين لهذه الست من شوال.



*
وإليك هذه الفوائدأسوقها إليك من كلام الحافظ ابن رجب - رحمه الله -:

-
إن صيام ستة أيام منشوال بعد رمضان يستكمل بها أجر صيام الدهر كله.

-
إن صيام شوال وشعبانكصلاة السنن الرواتب قبل الصلاة المفروضة وبعدها، فيكمل بذلك ما حصل في الفرض منخلل ونقص، فإن الفرائض تكمل بالنوافل يوم القيامة.. وأكثر الناس في صيامه للفرض نقصوخلل، فيحتاج إلى ما يجبره من الأعمال.



-
إن معاودة الصيام بعد صيامرمضان علامة على قبول صوم رمضان، فإن الله تعالى إذا تقبل عمل عبد، وفقه لعمل صالحبعده، كما قال بعضهم: ثواب الحسنة الحسنة بعدها، فمن عمل حسنة ثم أتبعها بحسنةبعدها، كان ذلك علامة على قبول الحسنة الأولى، كما أن من عمل حسنة ثم أتبعها بسيئةكان ذلك علامة رد الحسنة وعدم قبولها.



-
إن صيام رمضان يوجب مغفرةما تقدم من الذنوب، كما سبق ذكره، وأن الصائمين لرمضان يوفون أجورهم في يوم الفطر،وهو يوم الجوائز فيكون معاودة الصيام بعد الفطر شكراً لهذه النعمة، فلا نعمة أعظممن مغفرة الذنوب، كان النبي يقوم حتى تتورّم قدماه، فيقال له: أتفعل هذا وقد غفرالله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخّر؟! فبقول: { أفلا أكون عبداً شكورا }.



-
وقد أمر الله - سبحانه وتعالى - عباده بشكر نعمة صيام رمضانبإظهار ذكره، وغير ذلك من أنواع شكره، فقال: { وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَوَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [البقرة:185] فمن جملة شكر العبد لربه على توفيقه لصيام رمضان، وإعانته عليه،ومغفرة ذنوبه أن يصوم له شكراً عقيب ذلك.



-
كان بعض السلف إذا وفقلقيام ليلة من الليالي أصبح في نهارها صائماً، ويجعل صيامه شكراً للتوفيق للقيام.

-
وكان وهيب بن الورد يسأل عن ثواب شيء من الأعمال كالطواف ونحوه، فيقول: لا تسألوا عن ثوابه، ولكن سلوا ما الذي على من وفق لهذا العمل من الشكر، للتوفيقوالإعانة عليه.



-
كل نعمة على العبد من الله في دين أو دنيا يحتاجإلى شكر عليها، ثم التوفيق للشكر عليها نعمة أخرى تحتاج إلى شكر ثان، ثم التوفيقللشكر الثاني نعمة أخرى يحتاج إلى شكر آخر، وهكذا أبداً فلا يقدر العباد على القيامبشكر النعم. وحقيقة الشكر الاعتراف بالعجز عن الشكر.

-
إن الأعمال التي كانالعبد يتقرب يها إلى ربه في شهر رمضان لا تنقطع بإنقضاء رمضان بل هي باقية بعدانقضائه ما دام العبد حياً..



-
كان النبي عمله ديمة.. وسئلت عائشة - رضي الله عنها -: هل كان النبي يخص يوماً من الأيام؟ فقالت: لا كان عمله ديمة. وقالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد في رمضان و لا غيره على إحدى عشرةركعة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقضي ما فاته من أوراده في رمضان في شوال،فترك في عام اعتكاف العشر الأواخر من رمضان، ثم قضاه في شوال، فاعتكف العشر الأول منه.



وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلِّم..