يكشف البحث فى التراث الثقافى للمصريين القدماء عن تألقهم الحضارى، لأنهم من أوائل الشعوب التى رسخت قواعد الأخلاق، فكانت حضارتهم حضارة أخلاقية جعلت جوهرها الحق والخير والعدالة، التى كانت المعيار الخلقى العام الذى نظم الكون والمجتمع وحكم علاقة الفرد بغيره، وحكم علاقة الحاكم بالمحكومين، وبغيره يختل النظام الكونى ويؤول المجتمع إلى الفوضى الشاملة.

هكذا قالت الدكتورة شاهيناز زهران فى مقدمة كتابها "الأخلاق فى الفكر المصرى القديم" والذى أهدته" إلى كل شهداء ثورة الشعب المصرى فى 25 يناير2011، ونقلت على صفحته الثانية بعض الحكم الأخلاقية التى تركها المصريون القدماء على جدران القبور أو على صفحات أوراق البردى، مثل قول الفلاح الفصيح "احذر أن الأبدية تقترب" وقول مريكا رع "فضيلة الرجل المستقيم أحب عند الله من ثور يقدم قربانا من الرجل الظالم" كما نقلت عن نص مصرى قديم" لا تكثر السعى من أجل نفسك حتى لا تصبح مكروها".

وبعد أن عددت الدكتورة شاهيناز فضائل الأخلاق التى أحسن المصريون القدماء التحلى بها والعمل بمقتضاها قالت إنه ليس من الغريب أن مطلب العدالة الذى خرج الشعب المصرى المعاصر للمطالبة به فى خضم ثورة الخامس والعشرين من يناير، هو نفسه المطلب الأساسى الذى نادى به المصرى القديم منذ آلاف السنين، حيث ترجع إليه بدايات الشعور بالوازع الخلقى وإيمانه بضرورة إرساء قيم العدالة والمساواة التى جسدها فى الإله ماعت التى تتيح مبدأ تكامل كل مجالات الحياة، حيث إنها تمثل الأصالة والصدق والانضباط والنظام والاستقامة والحق فى مصر القديمة، والتى بدونها يؤول المجتمع كله إلى الظلام وعدم الانسجام والبؤس والشقاء والمرض والخراب والفوضى.

لقد استخرجت الدكتورة شاهيناز من باطن أرض مصر، من حفرياتها وآثارها ونقوشها ورسومها وأوراق برديها والكتابات على جدران معابدها ومقابر أهلها، ما يؤكد ما قاله المستشرق جون بريستيد من أن مصر هى فجر الضمير الإنسانى ومبعث الأخلاق الحميدة التى قامت عليها حضارة عمرت الأرض منذ آلاف السنين.

ولكتاب الموتى – الذى كان يوضع مع أشياء أخرى فى قبر الإنسان عند دفنه كى يؤمن له الراحة فى حياة القبر- من الأهمية الشىء الكثير، لاسيما فى دراسة الفكر الأخلاقى فى مصر القديمة، فهو أكثر المتون إيضاحا وتأكيدا على ضرورة النقاء الأخلاقى الذى يجب أن يتحلى به المرء، كما يكشف هذا المتن عن النضج الأخلاقى الذى وصل إليه المصرى القديم فى إدراكه للدور الذى يلعبه القلب فى تحديد وتوجيه سلوك المرء، ومن ثم فعلى الجميع أن يحسنوا أعمالهم ويتحلوا بالقيم الأخلاقية حتى لا يشهد قلبهم عليهم، وهذا يظهر شعور الفرد بالمسئولية الأخلاقية أمام الإله.

لقد عاشت الأمة المصرية تعلى قيمة الأخلاق الحسنة، وآمن شعبها بوجود الإله حتى دخل فى المسيحية ثم فى الإسلام، ومازالت الأخلاق الحميدة تسكن وجدانه، ولذلك فإننا تتبين أن النظام الأخلاقى فى مصر القديمة وضع من أجل مصلحة الإنسان وتحقيق سعادته ليس فى الحياة الدنيا وحدها، بل فى الحياة الآخرة.