صدر حديثًا عن الدار المصرية اللبناية، رواية بعنوان «فرقة ناجى عطا الله» ليوسف معاطى تزامنًا مع إنتاجها تليفزيونيًّا فى مسلسل طويل من بطولة الفنان الكبير عادل إمام، رفيق نجاح يوسف معاطى دراميًّا، ومجموعة من الشباب.

وتقع الرواية فى 490 صفحة من القطع المتوسط، وتتكون من اثنى عشر فصلًا طويلًا لأنها تحتوى على الأحداث التى تم حذفها من المسلسل وهى الرواية الثانية كنص إبداعى ليوسف معاطى التى لم تكتب كسيناريو بداية، كما فى أعماله السابقة، بعد روايته البديعة «بانجو»، والتى صدرت منذ عامين عن الدار المصرية اللبنانية، والتى لم يلتفت إليها النقاد، بسبب أحداث ثورة يناير وما تلاها من أحداث.

وأوضحت الدار فى بيان لها، أنه فى هذه الرواية تتجلى مقدرة يوسف معاطى، القريبة من الحدث دون الانغماس فيه، بل يترك لنفسه دائمًا مساحة تمكنه من معرفة أدق تفاصيل الصورة، فينقلها بموضوعية ورهافة، موضوعية تشير وتلمِّح ولا تصرِّح، بل يترك للقارئ دائمًا، مقارنة الأحداث مع واقعه، فيقع إبداعيًّا، ومن ثمَّ واقعيًّا على حلول لمشكلات حياته المستعصية، وهنا فى «فرقة ناجى عطا الله» يخرج الحدث، من شكله الدرامى على طريقة «الأكشن الضاحك»، إلى قلب المأساة وعمقها والبحث عن جذورها.

فإذا كان الحدث الرئيسى أو الحقيقى ، فى «فرقة ناجى عطا الله» يتمحور حول سرقة بنك فى قلب الكيان الصهيونى، فإن معنى السرقة هنا، يكتسب أبعادًا سياسية واجتماعية، ليلمح إلى سرقة أكبر يقوم بها عدو غاشم، هى سرقة وطن بكامله، وإغراقه فى المشكلات والتفاصيل، وفيه يدخل يوسف معاطى، إلى طريقة تفكير العدو، وطرق تعامله مع فر ائسه، وإصراره على الكذب والسرقة والنهب، والادعاء وتوظيف البشر بالمال والنساء.

إذا كانت هذه الأحداث الظاهرة، تشكل شبكة علاقات رواية بهذا الحجم، فإن التفاصيل لا تقل أهمية عن ذلك، فالرواية تسافر بنا - انطلاقًا من مغامرة سرقة بنك - إلى أماكن وتواريخ وبشر ولغات ولهجات وصراعات دولية عميقة يستعصى على الكثيرين فهم أبعادها، فمن مصر، إلى الأرض المحتلة، ورفح، إلى بغـداد وتركيا والشـام، وفى كل بلد تمر به المجمـوعة بقيـادة «ناجى عطا الله» نتعرف على بشر وتفاصيل وأحداث وحيوات، ونتعرف على ملامح الأمكنة وروائح البشر وأهم الأحداث، التى يستغلها البطل فى كثير من الأحيان، وأبرز ملامح معاناة البشر داخل تلك الأماكن.

فى هذا الإطار الكوميدى والمأساوى، يصحبنا ناجى وفرقته، حيث نعيش معه المعارك والهروب والترقب والانفعالات من الأكمنة، وعالم المخابرات بتفاصيله الدقيقة المستحيلة، فكل تفصيلة قد يغفل عنها البطل تودى بحياة شخص، لكن الرواية تنجو من كابوسية هذا العالم، وتحوّله إلى مادة جذّابة، لكنها فكاهية الموقف، وليس اللعب بالكلمات، سخرية نابعة من تناقضات الموضـوع، لا من ظاهرية الشـكل، وهذا دأب يوسـف معاطى فى كل كتـاباته، فى «بانجـو» وهـذه الرواية، وكمثال على ذلك، تتعـامل «فرقـة ناجى عطا الله» على لسان يوسف معاطى، مع خلافات «فتح وحماس» بطريقة مناسبة لمعارك رفقاء السلاح والدرب والقضية:
- «وإيه سبب المشكلة يا أبو شعلان؟
- واحد من إخواننا فى فتح ، كان بيجوِّز ابنه... راح واحد من إخواننا بتوع حماس عشان يجامل.. ضرب صاروخ فى الفرح.. صاروخ من بتوع الأفراح بس يظهر إنه كاد يعمل حريق بالفرح.. الحكاية كبرت.. دول افتكروا إنهم جايين يفسدوا الفرح.. ودول اعتبروا إن اتهامهم ده إهانة، والموضوع كبر وصارت عركة بين الاثنين» .
لا يذهب، يوسف معاطى، إلى أحداثه وأماكنه متسلحًا بالفهلوة والخيال غير المستند إلى الواقع، فكل مكان وكل حدث صوَّره، سأل عن خلفياته وقرأ فيها، وهذا ما أثبته فى بداية الرواية، التى تنشر كاملة، دون حذف كانت تقتضيه الأحداث عند تحويلها إلى مسلسل، أو لدواعٍ أمنية.. ففى الشكر الذى كتبه يوسف معاطى فى مقدمة العمل توجه إلى الكثير من الأشخاص عراقيين وسوريين ومن الأرض المحتلة؛ ليدقق لهجة، أو ليمحص حدثًا، أو يعرف خلفياته الاجتماعية والموضوعية.

الجدير بالذكر أن الدار المصرية اللبنانية تنشر جميع أعمال يوسف معاطى، والـتى صـدر منهـا قبـل ذلك: «بانجـو» روايـة، و«ضـاع العمـر يا وطـنى»، و«كراسى» و«الفن وأهله»، و«بنات اليومين دول».