صدرت عن الهيئة العامة المصرية للكتاب طبعة جديدة من رواية "مذكرات عبده ريال .. يوميات مصرى يعمل فى الخليج" للكاتب محمود غزلان"، وتدور أحداثها على مدار عشر سنوات بين تلوانة الباجور منوفية والدوحة العاصمة القطرية، خرج بطلها عبد الحميد محمد سعد من قريته مدفوعا بالرغبة فى أن يحقق أمانى والده ويحقق أحلامه اللامتناهية فإذا به يقع أسير الصراعات الأسرية والطموحات المؤجلة وتتحول الرواية إلى تأريخ فنى لتجربة عاشتها مصر خلال الثلاثين عاما الماضية، فترة تم فيها تجريف الأرض وإنهاك البشر فى دوامات أحلام الثراء والتملك والخلاص الفردى والهروب إلى المجهول.

تتميز هذه الرواية كما يقول الكاتب الكبير يوسف الشارونى "بقدرة مبدعها محمد غزلان على إثارة عنصر التشويق رغم طولها النسبى" رواية مليئة بالأحداث والشخصيات وهى أول رواية عربية بها ثلاث شخصيات هندية رئيسية، فالحديث عن الخليج لا يكتمل إلا بوجود الهنود الذين اندمجوا فى عصب الحياة الاقتصادية هناك، حيث يمثل الهنود والمصريون كتلة مؤثرة فى كافة مناحى الإنتاج، أسماء الشخصيات اختارها محمد غزلان بعناية فائقة، أسماء مصرية خالصة برائحة طين الأرض وأسماء هندية تظل عالقة بذهن كافة المغتربين الذين مروا على الخليج، شخصية واحدة لم يذكرها محمد غزلان بالاسم وهى شخصية صاحب البيجاما الكستور.

تدور أحداث الرواية حول شخصية مؤثرة تقطر ألما ودما لكثير من الشخصيات المصرية العاملة بالخليج " سبعة عشر عاما قضاها صاحب البيجاما الكستور وحده دون أهله، ادخر الفلس على الفلس.. جمع ما جمع من مال، ربما يكون قد اشترى أرضا فى بلده، وقد يكون بنى منزلا، كان يظن ويعتقد ومن المؤكد أنه كان يخطط للاستمتاع بماله إلا أنه مات". كثيرون عادوا بمال وفير وتجربة ثرية من الخليج وكثيرون غيرهم قضوا نحبهم هناك، الرواية عمل فنى راق يستحق القراءة ومثل هذا الإبداع يستحق التحية.

تؤرخ هذه الرواية فنياً لتجربة مر بها كثيرون من المصريين فى الثلث الأخير من القرن العشرين، وهى تجربة ما أطلق عليه الرحلة إلى الشرق أو إلى الخليج، عبر عنها أكثر من أديب مصرى، مقابل الرحلة إلى الغرب التى عبر عنها أدباء الجيل الأسبق وهما رحلتان تثير المقارنة بينهما موضوعاً ثرياً وجديراً بالمناقشة أدبياً وحضارياً.

محمد غزلان يقدم لنا تجربة بطله – ابتداء من اسمه عبد الحميد محمد سعد فكه – مشوبة بالسخرية ابتداء من اختياره هذا اللقب له فهو (عبده ريال... عبده فكه ... كلها فلوس"). وهى سخرية تكشف عن نفسها بدءاً من الإهداء (إلى الذين تعاملوا مع نماذج من أمثال عبده ريال وعبده دينار وعبده دولار).

وتتميز الرواية بقدرتها على إثارة عنصر التشويق رغم طولها النسبى، وتطعيمها من حين لآخر أما بالأمثال المصرية الشعبية أو بلفظ عامى أو غير عربى – قد يكون إنجليزياً أو خليجياً أو ينتمى إلى إحدى لغات الهند – تجسيداً لشخصية المتحدث أو لاستحضار المذاق المحلى، كذلك مما تتسم به الرواية الحرص على إيراد تفاصيل دقيقة لها دلالاتها وموظفة فى خدمة الشخصيات.

إن محمد غزلان أستطاع أن يقدم لنا عن طريق بطله عبد الحميد محمد سعد فكه – عملاً فنياً متفوقاً، عاش تجربته فى هزائمها وانتصاراتها، وقدم لنا من خلاله نموذجاً لآلاف المصرين الذين عاشوا تجربة الغربة نحو الشرق بحلوها ومرها.

وبينما كانت لرحلة الأسلاف إلى الغرب إيجابياتها، فإن رواياتنا تعلن أن رحلة الأبناء إلى الشرق كان لها انعكاساتها المادية، أما انعكاساتها الحضارية فكانت سلبية.