السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كيف نرتقي بأذواقنا ؟


إنّ الإجابة عن هذا السؤال تقتضي وضع برامج تربوية عملية متكاملة، وربّما مساحة المقال لا تتّسع لمثل هذه البرامج، إذ تحتاج إلى بحوث أو مراجع أو أدوات ووسائل وتقنيات تربوية متعدّدة، ولكن ما لا يدرك كلّه لا يترك جلّه، ومن ثمّ، فحسبي هنا أن أضع ملامح أساسية لخطة تربوية ترقى بأذواقنا وأذواق غيرنا، وخاصة بعد أن فسدت الأذواق والذوقيات في ظل الحياة الصاخبة المكتظلة بالضغوط وإهمال الجماليات.


- الملامح الأساسية لخطة ترقية الذوق:


أوّلاً: غرس الإيمان ورفعه وتعهّده بالرعاية :


لأنّه يزيد وينقص، ولأهميته المتمثلة في تكوين شخصية تتمتّع بسلامة صحتها النفسية، التي تجعل الإنسان يعيش سعيداً مستقرّاً راضياً مطمئنّاً، معتقداً أنّه إن فاته نعيم الدنيا فهو على موعده مع خالقه بنعيم الجنّة.


ثانياً: إحسان المربين – معلِّمين كانوا أم آباء:


تربية المتعلِّمين تربية صحيحة، وبث الثقة والطمأنينة في نفوسهم، ونزع الخوف والجزع من نفوسهم، فإن ذلك يحرّر المتعلِّم من تأثيرات الخوف والإضطراب والقلق والشعور باليأس والإحباط، ويقي المتعلِّم الإنهيار النفسي، ويحقّق ذاته ولا يمحوها، فيتمكّنوا من تذوق الجمال، وتميّز الجيِّد من الرديء في القول والعمل.


ثالثاً: الإهتمام بالتربية الأخلاقية :


لأنّ العلاقة وطيدة بينها وبين الذوقيات، وتقوم هذه العلاقة على التأثير والتأثّر، لذلك ركَّز الشرع العظيم على تربية الأخلاق الكريمة في الشخصية المسلمة، وأثنى على ذوي الأخلاق. قال تعالى مادحاً رسوله (صلى الله عليه وسلم): (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم/ 4).
وقد وصف نفسه (صلى الله عليه وسلم) معتزاً بربّه الذي أدّبه بقوله: "أدّبني ربّي فأحسن تأديبي"، وقد أوجز النبي (صلى الله عليه وسلم) غاية رسالته في قوله: "إنّما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق".



رابعاً: إبراز أثر الذوق على الصحة النفسية والجسمية:


أعرف رجالاً بلغ بهم العمر عتيّاً، وتنظر في وجهه تراه مشرقاً منيراً، فيه قسمات الشباب، وينطق بالنضارة والحيوية، وما ذلك إلا أنّه يتذوّق الجمال والخير، وتعكس أقواله وأعماله ومعاملاته ذوقاً رقيقاً؛ فهو يحب الخير لغيره، ولا يحمل حقداً لأحد، ويحمل بين جوانبه قلباً رقيقاً مليئاً بالحبّ والحنان والعطف والرأفة والشفقة، وكل ذلك مبعث السعادة والسرور والطمأنينة والسلامة.
وعلى العكس من ذلك، تجد الحقود والشرير يعاني عُقَداً نفسية، فتنعكس على وجهه بالكآبة والشقاء. فإذا ما تعرض هذا الحقود بالأذى لذلك الشخص المحب للخير، فإنّ الخير يصبر، فيكون ذلك علاجاً طبيعياً يجني منه ثمرات الدنيا والآخرة، في حين يضر الحسود نفسه وغيره.
ومما أثر عن أميرالمؤمنين علي رضي الله عنه أنّه أنشد في هذا المعنى:



اصبر على مضض الحسود **** فإن صبرك قاتله
كالنار تأكل بعضها **** إن لم تجد ما تأكله



خامساً: تنمية المهارات الإجتماعية:


فالإنسان مخلوق إجتماعي – كما قرّر علماء نفس الإجتماع – إذ إنّه يميل إلى الإجتماع بالآخرين، والتفاعل معهم، وهو حريص على أن ينتمي إلى جماعة الأسرة، أو العائلة والأقارب، أو الوطن، أو أصدقاء الخير، لذا ركّزت كلّ الرسائل السماوية على بناء الفرد المؤمن والمجتمع الإيماني جنباً إلى جنب بالتوازي.
وقد أوصى الإسلام بوحدة أبنائه وترابط المجتمع المسلم ووضع آليات عملية لذلك، كصلة الرحم، وتبادل الزيارات، وعيادة المرضى، والمشاركة في الأفراح والأتراح، والإهتمام بالجار، وإغاثة الملهوفين والمنكوبين، والتسرية عن أهل المصائب والشدائد.. وغير ذلك كثير.
وحتى في العبادات أكّد الإسلام ضرورة الحياة الجماعية، فحث على الصلاة في جماعة بالمسجد في اليوم خمس مرّات، وصلاة الجمعة، والعيدين، وكذلك في الشعائر الأخرى، كالحج والعمرة وغيرهما.
ولا يخفى ما للمهارات الإجتماعية من تأثير في ذوقيات الإنسان، وخاصة إذا خالط أهل الذوق والخلق الرفيع.



سادساً: ممارسة الأنشطة التي توحد العلاقة بين الناس :


ومتابعة المربين للمتعلِّمين في ممارسة سلوك الذوق، والحرص على صحبة الخير، وتجنب أصحاب السوء.


سابعاً: علاج أمراض النفس :


التي تؤدِّي إلى فساد الذوق، كالغرور، والإعجاب بالنفس، والتعالي، والتعصّب، والعنصرية، والظلم، وفساد العاطفة.. وغير ذلك ممّا يؤثِّر سلباً في ذوقيات الإنسان.


ثامناً: الإهتمام بالفنون الجميلة :


على إختلاف صنوفها وألوانها، التي بها يتعوّد الإنسان على تذو ّق الجمال والاستمتاع به.


تاسعاً: استثمار الحدائق تربوياً :


كحديقة المدرسة والبيت والنادي، وذلك بتوجيه من المربين، لإكتساب المتعلِّمين مهارات التذوّق.


عاشراً: إعادة النظر في مناهجنا التربوية :


بحيث تركِّز على ذوقيات المعاملات والأقوال والأعمال، وأن يخصّص مقرّر لهذا المجال يسمى التربية الذوقية، في جميع المراحل.


حادي عشر: كثرة التأمُّل والنظر في خلق الله وجمال صنعه :


فالمرء لا يمارس الذوق إلا إذا ذاقه وعرف طعمه، فإذا عرفه وذاقه تاقت نفسه إليه، كذلك الذي يحرص على أن يتجوّل في حديقة بيته، وليتأمّل جمال النباتات والزهور.