صدر عن دار سطور للنشر مؤخرًا، ترجمة عربية لكتاب "القاعدة.. نهاية تنظيم أم انطلاق تنظيمات؟" من تأليف الكاتبة "كريستينا هلميتش"، وترجمة الدكتورة فاطمة نصر، وتقع النسخة المترجمة فى 210 صفحات من القطع المتوسط، وتعرض الباحثة تاريخ القاعدة لتجيب فى النهاية على نظرة البعض إلى موت أسامة بن لادن على أنها نهاية عهد، ويتساءلون هل سرعان ما ستجد القاعدة نفسها فى وضع أكثر تهميشًا وعزلة عن التيار الإسلامى السائد بأكثر من أى وقت مضى؟.

ويتفحص هذا الكتاب طبيعة تنظيم القاعدة وجاذبيته فى ضوء تلك الملاحظات المنهجية والمفاهيمية، بيد أنه وبدلاً من مجرد تقديم رأى آخر من زاوية مختلفة، فإن يولى عناية خاصة للتناقضات بين أكثر التفسيرات شيوعًا، وأيضًا لحدود ما بالاستطاعة معرفته واقعيًا، إضافة إلى نقد بعض المصادر وآرائها فى القاعدة، ويقدم نقدًا للمواد التى تنشرها القاعدة أو تلك التى تنشر باسمها، وكمجموعة تضطلع بمواجهة لا متسقة مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب.

وتقول الباحثة: إن قوة القاعدة لا تقوم على القدرة الجسدية أو الفيزيقية بالمعنى التقليدى، قدرة يمكن قياسها، أو تحديد كميتها أو مجابهتها، بل إنها تكمن فى قدرتها على التلاعب بالجماهير وزرع الخوف وحفز ردود الأفعال، بما يعنى أن هذا لا يمكن الاكتفاء بفهم المعنى الظاهرى للبيانات العلنية التى تدعو إلى الجهاد الكوكبى، سواءً على شكل فيديوهات أو كتابات "أون لاين"، وهو ما يستدعى النظر إليها، أولاً وقبل كل شىء، بصفتها محاولات لترسيخ نوع من الأمر الواقع بين الجماهير العريضة، وهو ما يمكن القول عنه أن الجهاديين سيحاولون الظهور موحدين، أكفاء، أقوياء، بقدر المستطاع، أما القول بأن هذا التفكير هو مجرد تفكير رغبوى أو محض تظاهر، فهنا يمكن السؤال؟.

وتضيف: من الواضح أن تلك الديناميات تثير مشكلة خاصة لمهمة تحديد من هم القاعدة؟ وما القاعدة فى واقع الأمر، هل هى تنظيم، أم شبكة كوكبية، أم عدو منتشر متفرق غير محدد الملامح، أم مجموعة عشوائية من الرجال؟، هل تتكون من خلايا وعملاء وأعضاء وقيادة؟، هل هى أكثر من مجرد تنظيم، أو كما يقول البعض أقل من هذا، أيديولوجيًا ومسيرة لا تتوقف؟.

ويتناول فى الفصل الثانى الخطابات المتعلقة بأصول القاعدة وتجلياتها، ويتقصى تطور ما زعم وأنه قد بدأ كنضال إقليمى ضد السوفيت فى أفغانستان ليصبح إعلاناً للجهاد الكوكبى وهجمات الحادى عشر من سبتمبر.

وفى الفصل الثالث، يبحث الكتاب عن إجابات لتساؤلات ما منطق الجهاد الكوكبى؟، وكيف يمكننا أن نفسر الهجمات العنيفة العشوائية ضد أهداف مدنية باسم الإسلام؟، ويعرض أيضًا تقييمًا ناقدًا للمحاولات المختلفة لتفسير سبب وجود القاعدة.

وفيما حاول المعلقون تصوير أتباع القاعدة بصفتهم مجانين، متعصبين متدينين منافقين، وهابى القرن الحادى والعشرين، أو جهاديين سلفيين، فإن ما يجمع بين هذه المقاربات هو ما يمكن وصفه بأنه منظور "من الخارج إلى الداخل" يفترض مفهومًا لمنطق القاعدة التحتى دون إحالات كافية لمصادر القرائن الأولية، مع استبعاد المقاربات البديلة التى قد تقدم واقعًا مختلفًا، يذهب هذا الفصل إلى أن تلك التفسيرات بخاصة والتى يبدو وأنها قد أصبحت تشكل الحكمة الرسمية حول المنطق الأساسى للقاعدة، وخطاب الوهابية والجهاديين السلفيين هى مدارس فكرة مميزة فقط داخل نطاق دراسات الإرهاب، وأنها فى واقع الأمر تخضع لمناقشات خلافية كثيرة فى مجالات دراسات الشرق الأوسط والدراسات الإسلامية الأكثر شمولاً، وفى سعيها لتفسير القاعدة، انحرفت جماعة دراسات الإرهاب عن الخطوط الإرشادية للسلوك الأكاديمى، واقتنعت بدلاً من ذلك، بإعادة تنوير التبسيطات القديمة المفرطة لتعقيدات الفكر الإسلامى واقترح أخرى جديدة، ومنحت بهذا تلك التبسيطات المفرطة فرصة جديدة للحياة لا تستحقها، لكن وفيما يستمر نعت "الجهاديين السلفيين" ملتقصًا بالقاعدة، فإنه لا يقدم تفسيرًا لبقاء جاذبية رسائل بن لادن وتقبلها فى أوساط قطاع عريض من المسلمين المؤمنين، أو لحقيقة أن كثيرًا من عامة المسلمين فى أرجاء العالم أعلنوه بطلاً مسلمًا.

ويهدف الفصل الرابع إلى تفسير جاذبية الأفكار الأكثر شمولاً المرتبطة بالقاعدة ومعها الجهاد الكوكبى، ومن خلال الإحالة إلى المصادر الأولية المتعلقة بالأيديولوجيات التى تمثل جوهر الجهاد الكوكبى الذى تتبناه القاعدة.

كما يتفحص الفصل بعمق كتابات بن لادن وبياناته العلنية التى صدرت بين عامى 1994 و2009، وبعضها فى علاقتها مع تطور الفكر الإسلامى والحقائق الاجتماعية السياسية المتغيرة فى نهاية القرن التاسع عشر، والقرن العشرين، وبالتقابل مع الأفكار الراهنة عن الجهاد السلفي، ويكشف جوهر رسائل عن مشاعر مثالية متعلقة بالأمة الإسلامية الموحدة، وأنها مشاعر غير مؤسسة على المدارس الفقهية الإسلامية الرئيسية، بل الأحرى أنها ناجمة عن المأزق الفكرى للإسلام الحديث، ويوضح المنظور التاريخى أنه من المحتمل أن يكون الفهم الأفضل لمنطق بن لادن هو النظر إليه بصفته تعبيرًا معاصرًا عن الرغبة فى وحدة الأمة الإسلامية، وهى أيديولوجيا ظهرت لأول مرة فى السنوات المتأخرة للقرن التاسع، كما ظلت ردود الأفعال الغربية المبالغ فيها لتهديدها المتخيل متواجدة منذ آنذاك.

ويتناول الفصل الخامس السؤال الملموس المتعلق بطبيعة تهديد القاعدة، وحالة التنظيم فى عالم ما بعد الحادى عشر من سبتمبر، ويناقش تفجيرات الأحداث الإرهابية التى وقعت منذ 2001، متفحصًا النقاشات المؤيدة للأفكار القائلة بأن القاعدة توجد كتنظيم ذى بنية قائمة وأنها تهديد لا يستهان به على الأمن الكوكبى، والنقاشات المعارضة لها، وهل تقلصت القاعدة كما يزعم بعض المعلقين، لتصبح "جهادًا دونما قائد؟"، ينفذ على أساس عشوائى مرتجل بواسطة أفراد متطرفين، أم أن القاعدة تواصل مسيرتها، وتعيد قياداتها التجمع فى مناطق قصية من باكستان وأفغانستان، وتعود إلى المشهد الدولى من خلال توكيلات محلية مرخصة فى المغرب والعراق، وأخيرًا، ومنذ وقت قريب جدًا، فى جمهورية اليمن.

ويخصص الفصل السادس والأخير فى أمر مستقبل الجهاد الكوكبى، الذى يتميز بشن هجمات فردانية تلهمها الأيديولوجية الجهادية، والتى وعلى الرغم من ذلك، غير ذات صلة بتنظيم أكبر، ويحاول الفصل القيام بتقييم ناقد للأسلوب الذى تكون به المفاهيم عن القاعدة وأساليب ردود أفعال المجتمع الدولى عليها، وهل تم ترجيح الإجراءات السلمية أو على الأقل الأكثر ديمقراطية فى شمال أفريقيا والشرق الأوسط على دعوة القاعدة للدفاع القائم على العنف عن أمة المؤمنين؟.