النتائج 1 إلى 13 من 13
- 28-09-2011, 12:37 AM #1
تصور مبسط لجذور المشكلة المالية التي توجهها العملة الأوروبية الموحدة .
حينما تم تدشين اليورو كعملة موحدة لدول الاتحاد الأوروبية في 1/1/1999م تفاءل الكثيرون مبشرين بولادة كيان اقتصادي ضخم يقابل الصين الصاعدة وأمريكا المتفردة بالسيطرة عالميا ...البعض شكك في ذلك مرجعين ذلك إلى أن أوروبا توحدت اقتصاديا...وليس سياسيا وفي ذلك فرق كبير...
وعندما انهار بنك ليمان براذرز في أمريكا عام 2008 مؤذنا ببداية انهيار اقتصادي بدا لوهلة وكأنه مقدمة لكساد عالمي.. آنذاك تصرفت السلطات الأمريكية بصرامة وحزم عبر أدوات اقتصادية مهمة لا غنى لأي اقتصاد مستقر عنها... أهم هذه الأدوات هي الخزينة المشتركة Common Treasury ومن خلالها تم دعم الاقتصاد الأمريكي بخطة التيسير الكمي الأولى والثانية بمبلغ إجمالي وصل قمته في يونيو 2010 بمقدار 2.1 تريليون دولار...ليشهد السوق الأمريكي اتجاها صاعدا في عام 2009 ....تبعته اغلب الأسواق العالمية بارتفاعات مماثلة...
لكن حدوث مثل هذا الأمر اليوم مستبعد بالنسبة لأوروبا..السبب الرئيس في ذلك يعود إلى عدم وجود خزينة مشتركةCommon Treasury في أوروبا . حاولت أوروبا علاج هذا الأمر بالاتفاق متأخرا في مايو 2010 على إنشاء "آلية تسهيل الاستقرار المالي"
European financial stability facility"EFSF" على أن تتحول هذه الآلية إلى نظام مالي مستقر في بداية 2013م تحت مسمى آلية الاستقرار الأوروبي European stability mechanism "ESM"
..لكن هذه الآلية تعاني من أوجه قصور متعددة:
أولا, رأس المال منخفض وهو بالكاد يكفي لمساعدة الثلاث دول الأوروبية الصغيرة المهددة حالياً: اليونان, البرتغال, ايرلندا..ولكنه يقصر عن معالجة وضع ايطاليا واسبانيا اللتان تواجهان مصاعب حقيقية...
ثانياً, دور هذه الآلية لا يشمل النظام البنكي الذي ترك بحوزة الدول نفسها..
وثالثاً, إلى أن رأس مال هذه الآلية يأتي عبر الإسهام الطوعي لدول الاتحاد الأوروبي وليس مفروضا على هذه الدول...ولهذا تجري مفاوضات شاقة حاليا بين دول أوروبا لجمع الدفعة الثانية من دعم اليونان المتوقع أن تصل إلى 160 مليار يورو والأطراف الأوروبية المختلفة تتمنع عن الدفع تحت طائلة أمرين:
الأول ,أن هذا القرض المقدم إلى اليونان يقدم بشروط تمويلية سهلة وفائدة منخفضة غير مغرية لرأس المال.
والثاني, أن هناك شعورا شعبيا متزايدا خصوصا في ألمانيا وفرنسا أن اليونان والبرتغال قد " أساءت" استخدام المال الأوروبي في ترفيه شعوبها والصرف ببذخ دون إنتاجية حقيقية..هذا الشعور تصاعد حتى وصل إلى صدور قرار من المحكمة العليا الألمانية يقيد مساهمة الحكومة الألمانية بموافقة اللجنة الاقتصادية في البرلمان الألماني " البوندستاج"...
تجنب العدوى الاقتصادية CONTAGION
بالنسبة للحالة الأكثر سخونة والتي لا يمكن تأجيلها وهي اليونان...طلبت الترويكا الأوروبية " وهي مندوبو المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي" المزيد من الإصلاحات الاقتصادية من اليونان حتى تحصل على المزيد من التمويل..وغادرت الترويكا مطار اثينا بداية هذا الشهر وسط احتجاجات شعبية متصاعدة في اليونان ومعارضة لخطة التقشف المزمع أن تتبناها الحكومة اليونانية...
مع كل الإجراءات التقشفية التي اتبعتها اليونان, فان اليونان وبكل بساطة ستكون " بلا نقود" اعتباراً من منتصف أكتوبر, وفي هذه الحالة قد تكون اليونان أمام خيار إجباري بإعلان إفلاسها ما لم تقدم لها مساعدة مالية عاجلة, وإفلاس اليونان سيكون العدوى المميتة التي قد تعصف بالاتحاد الأوروبي لعدة أسباب:
أولها- أن ايطاليا واسبانيا تعانيان من ضغط اقتصادي واضح..فالوضع في ايطاليا يمثل معضلة حقيقية..فالناتج القومي الإجمالي يبلغ 2 تريليون دولار تقريبا , وتبلغ ديون ايطاليا 2.32 تريليون دولار.. فيما ينمو الاقتصاد بمعدل 1% سنويا تقريبا..ولهذا فخدمة الدين " الفوائد" بمتوسط قدره 3% تعني انكماش الاقتصاد سنويا بمعدل 3% على الأقل....وأي كساد عالمي أو تباطؤ اقتصادي عالمي- وهو ليس بالأمر المستبعد- يزيد الحالة سوءاً ويعني دخول الاقتصاد الايطالي مرحلة الاحتضار البطئ...نفس الوضع تقريبا في اسبانيا وايرلندا والبرتغال واليونان... وهذا ما جعل امر تسويق سندات الدين الايطالي والاسباني امراً صعبا حدا بالبنك المركزي الأوروبي إلى التدخل لشراء هذه السندات وإعلان ذلك لإقناع بقية العالم بذلك...وبالتالي فإفلاس اليونان سيجعل تسويق أي سندات دين أوروبية أمراً يكاد يكون مستحيلا...
ثانيا- أن إفلاس اليونان سيهز النظام البنكي الأوروبي بعنف...وستضطر ألمانيا وفرنسا خصوصا بسبب الانكشاف الشديد لبنوكها وتورطها بتقديم عشرات المليارات من القروض إلى اليونان إلى إعادة رسملة بنوكها وستتهاوى بنوكها كأحجار الدومينو..
ثالثا- الثمن الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الفادح لانهيار الاتحاد الوروبي الذي سيكون حدثا تاريخيا فيما لو حدث لا يقل أهمية عن الحرب العالمية الأولى أو الثانية..وستتجاوز أضراره الجيل الحالي من الأوروبيين بسبب ضخامة الارتباط الاقتصادي والاجتماعي الذي حدث في أوروبا منذ إنشاء منطقة اليورو...
رابعا- عمدت دول أوروبا في سبيل الحفاظ باستقلاليتها إلى عدم السماح للاتحاد الأوروبي بالتدخل في سياستها الاقتصادية الداخلية المتعلقة بالضرائب والإنفاق العام والاستدانة ...ولمواجهة مخاطر الانهيار قد تلجأ أوروبا إلى الحل الأخير وهو التخلي عن استقلال شعوبها لمصلحة دولة أوروبية واحدة وغالبا لن تقبل العديد من الشعوب الأوروبية هذا لخيار لأسباب عديدة قومية ولغوية وتاريخية واقتصادية....
كل هذه الأمور ستدفع أوروبا نحو مد يد المساعدة وتقديم الدفعة الثانية من برنامج الإنقاذ إلى اليونان...لكن هذه الدفعة من النقد ستكفي اليونان حتى نهاية ديسمبر 2011 فقط..ليتجدد التهديد مرة أخرى..!
هناك خطر لم يهمله المحللون...ثورة الشعب اليوناني..فاليونان التي انكمش اقتصادها خلال الربع الأول من 2011 بمقدار 7.1% سيرزح شعبها لسنوات طويلة تحت وطأة الدين العام وإجراءات التقشف الصارمة...ولهذا يتخوف المحللون من حدوث انقسام داخل البرلمان اليوناني يؤدي إلى رفض خطة التقشف الصارمة مما يؤدي إلى إعلان الحكومة لانتخابات مبكرة ..لا يستبعد أن يفوز بها من أصبح ينادي داخل اليونان بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي والعودة إلى العملة القديمة الدراخما بعد إعلان الإفلاس....
الخلاصة....أن بذور الفشل موجودة وواضحة في النظام النقدي الأوروبي..فهل تنجح أوروبا في انتزاعها أم نشهد تفكك أوروبا و عودة العملات القديمة كالمارك والفرنك بدلا من اليورو ...
جهد متواضع وتصور قد يخالطه الخطأ من اخوكم فرحان الحسن
السعودية -جدةآخر تعديل بواسطة فرحان الحسن ، 28-09-2011 الساعة 12:39 AM
- 28-09-2011, 12:46 AM #2
معاك في كل ماتقوله سبحان الله دمرو انفسهم بأيديهم
- 28-09-2011, 12:47 AM #3
مرر البرلمان اليوناني اليوم بفارق ضئيل حزمة من الزيادات الضريبية.....ايضا الكلمتين المطمئنة لكل من باباندريو وميركل في لقاء برلين الذي اتفق فيه الطرفان اليوناني والاماني على ضرورة السعي نحو انقاذ اليونان.....
اوروبا تواجه اختبار عسير وصعب....
- 28-09-2011, 12:52 AM #4
- 28-09-2011, 12:54 AM #5
- 28-09-2011, 12:56 AM #6
- 28-09-2011, 01:01 AM #7
اتفق معك تماما.....ربما الاسواق تنتظر فقط تراجعا تصحيحيا للدولار امام العملات ليستمر اتجاه قوة الدولار...اليوم اغلبية المحللين العالميين يقولون انهم ينتظرون الفرصة لركوب موجة هبوط اليورو " we are waiting to fade euro strenght"..غدا تقرير السلع المعمرة الامريكي قد يكون الشرارة التي ستشعل موجة ذعر ثانية....
- 28-09-2011, 01:05 AM #8
- 28-09-2011, 01:12 AM #9
- 28-09-2011, 02:03 AM #10
يعطيك العافيه اخوي حسن على التحليل الرائع
والكل في ورطة الدولار واليورو والضيحة المضاربين بين معارك الكر والفر
سؤالي في ذهني لو سقط اليورو والدولار معاً الا يمكن ذلك ؟؟
- 28-09-2011, 02:41 AM #11
تصور مبسط و جميل للمشكلة
و اظن اننا نشهد نهاية عصور الهيمنة الغربية فالمعلوم ان فى اوقات انتقال الثقل الاقتصادى تحدث بعض الأزمات الأقتصادية مثل عندما انتقل مركز الثقل الأقتصادى فى العالم من اوربا الى امريكا و حدث الكساد الكبيرو اظن ان الأزمة الحالية هى مخاض انتقال المركز شرقا الى الصين و الهند و جنوب شرق اسيا
و كذلك فالحروب ايضا هى انتقال الثقل السياسى و العسكرى من دول الى اخرى فتنشا قوى جديدة و تختفى قوى قديمة و اتمنى ان تكون حرب العراق هى حرب النهاية للأمريكان
و فى النهاية لا اظن ان الأوربين سيستسلمون بسهولة لتلك الأزمة خاصة اننا دخلنا عصر الكيانات الكبرى مما يجعل وزنهم متفرقين عديم الجدوى
- 28-09-2011, 06:40 AM #12
- 28-09-2011, 09:07 AM #13
مقال رائع أخي فرحان
مشكور