النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1
    الصورة الرمزية المجازف 2011
    المجازف 2011  غير متواجد حالياً عضو نشيط
    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    المشاركات
    7,048

    Question ماذا سيخسر الناس بموتي؟

    ماذا سيخسر الناس بموتي؟
    عبدالله محمد البصري
    15 / 3 / 1432 هــ
    ~~~~~~~~~~
    أَمَّا بَعدُ ،
    فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ
    " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ . وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُم أَنفُسَهُم أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ . لا يَستَوِي أَصحَابُ النَّارِ وَأَصحَابُ الجَنَّةِ أَصحَابُ الجَنَّةِ هُمُ الفَائِزُونَ "
    أَيُّهَا المُسلِمُونَ ،
    قَضَى اللهُ أَن يَكُونَ لِكُلِّ بِدَايَةٍ نِهَايَةٌ ، وَأَن يَعقُبَ الحَيَاةَ مَوتٌ وَفَنَاءٌ ، وَأَن يَكُونَ بَعدَ القَرَارِ مُضِيٌّ وَرَحِيلٌ ،
    وَإِذَا كَانَت حَقَائِقُ الأَشخَاصِ وَمَكَانَتُهُم في مُجتَمَعَاتِهِم إِنَّمَا تَتَّضِحُ في الغَالِبِ بَعدَ رَحِيلِهِم ،
    فَإِنَّ ثَمَّةَ سُؤَالاً يَحسُنُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا وَقَد عَاشَ في هَذِهِ الدُّنيَا مَا عَاشَ وَفَعَلَ مَا فَعَلَ أَن يَسأَلَهُ نَفسَهُ ،
    لِيَتَبَيَّنَ بِهِ أَثرَهُ فِيمَن حَولَهُ ، قَبلَ أَن يَأتِيَهُ رَسُولُ رَبِّهِ يَومًا مَا ،
    فَيُوَافِيَ بما عَمِلَ ، وَيُرتَهَنَ في قَبرِهِ بما قَدَّمَ ،
    ثُمَّ يَكُونَ بَعدَ ذَلِكَ فَوزُهُ بِدَارِ النَّعِيمِ إِنْ هُوَ أَبلَى وَأَحسَنَ ،
    أَو خَسَارَتُهُ في الجَحِيمِ إِنْ أَسَاءَ وَقَصَّرَ .
    ذَلِكُمُ السُّؤَالُ هُوَ :
    مَاذَا سَيَخسَرُ النَّاسُ بِمَوتي ؟!
    نَعَم ،
    مَاذَا سَيَخسَرُ النَّاسُ بِمَوتي ؟!
    إِنَّهُ سُؤَالٌ قَد يَتَرَاءَى لِسَامِعِهِ أَنَّهُ عَرِيضٌ وَكَبِيرٌ ،
    وَمِن ثَمَّ فَهُوَ يَتَسَاءَلُ :
    وَمَاذَا يُمكِنُ لِفَردٍ لا يُمَثِّلُ في هَذَا الكَونِ الضَّخمِ سِوَى ذَرَّةٍ أَو هَبَاءَةٍ أَن يَفعَلَ ؟!
    وَهَل يُتَصَوَّرُ أَن يَخسَرَ النَّاسُ بِمَوتِ فَردٍ وَاحِدٍ شَيئًا ؟!
    هَكَذَا يُفَكِّرُ الكَثِيرُونَ ، وَهَكَذَا يَقتُلُونَ أَنفُسَهُم وَهُم أَحيَاءٌ ،
    غَيرَ أَنَّ مَن أَنعَمَ النَّظَرَ فِيمَا حَولَهُ وَأَطَالَ التَّأَمُّلَ ، عَلِمَ أَنَّهُ لا بُدَّ أَن يَكُونَ لَهُ أَثَرٌ في هَذَا العَالَمِ يَقِلُّ أَو يَكثُرُ ، وَأَنَّ هَذِهِ الحَرَكَةَ الدَّائِبَةَ في الكَونِ وَالصَّخَبَ المُرتَفِعَ في الحَيَاةِ ، مَا هُوَ إِلاَّ تَجَمُّعُ هَذِهِ النُّقَطِ مِنَ النَّاسِ نُقطَةً مَعَ الأُخرَى ، حَتَّى صَارَ مِنهَا ذَلِكُمُ الغَيثُ الهَادِرُ وَالسَّيلُ الجَرَّارُ .
    وَلَو أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ احتَقَرَ نَفسَهُ وَطامَنَ مِن ذَاتِهِ ، وَاستَصغَرَ شَأنَهُ وَلم يَتَصَوَّرْ أَنَّ لَهُ ذَاكَ التَّأثِيرَ في الكَونِ ، لَتَوَقَّفَتِ الحَيَاةُ حِينَئِذٍ وَتَعَطَّلَتِ المَصَالِحُ ، وَلأَصبَحَتِ البُيُوتُ قُبُورًا لا حَيَاةَ فِيهَا ، وَلَصَارَ النَّاسُ جَمَادَاتٍ لا تَضُرُّ وَلا تَنفَعُ .
    وإِنَّنَا ـ نَحنُ المُسلِمِينَ ـ خَيرُ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنَّاسِ ،
    أَخرَجَنَا اللهُ ـ تَعَالى ـ لِتَقوِيمِ العِوَجِ وَإِصلاحِ الفَسَادِ ،
    وَبَعَثَنَا المَولى ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ لِهِدَايَةِ العِبَادِ ،
    وَأَرسَلَنَا لِتَخلِيصِهِم مِن رِقِّ العِبَادِ إِلى عِبَادَةِ رَبِّ العِبَادِ ،
    وَنَقلِهِم مِن جَورِ الأَديَانِ إِلى عَدلِ الإِسلامِ ،
    وَإِخرَاجِهِم مِن ضِيقِ الدُّنيَا وَظُلُمَاتِ الجَهلِ إِلى سَعَةِ الآخِرَةِ وَنُورِ العِلمِ والدِّينِ
    " كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤمِنُونَ بِاللهِ "
    وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ مَن عَاشَ هَذِهِ الخَيرِيَّةَ وَأَرَادَ أَن يَحيَا عَظِيمًا وَيَمُوتَ كَرِيمًا ،
    فَإِنَّهُ لا بُدَّ أَن يَسأَلَ نَفسَهُ :
    مَاذَا سَيَخسَرُ النَّاسُ بِمَوتي ؟ ؟!
    هَل سَيَخسَرُونَ عَالِمًا يَنشُرُ العِلمَ وَيَبُثُّ المَعرِفَةَ وَيُفَقِّهُ النَّاسَ في الدِّينِ ؟
    هَل سَيَخسَرُونَ دَاعِيَةً حَكِيمًا وَوَاعِظًا مُؤَثِّرًا وَنَاصِحًا مُخلِصًا ؟
    هَل سَيَخسَرُونَ جَوَادًا مُنفِقًا مَالَهُ في طُرُقِ الإِصلاحِ وَدَعمِ مَشرُوعَاتِ الخَيرِ وَأَعمَالِ البِرِّ ؟
    هَل سَيَخسَرُونَ مُؤْثِرًا عَلَى نَفسِهِ بَاذِلاً وَقتَهُ وَجُهدَهُ في نَفعِ الأُمَّةِ وَقَضَاءِ الحَاجَاتِ وَتَفرِيجِ الكُرُبَاتِ ؟
    هَل سَيَخسَرُونَ إِمَامًا لِلمُتَّقِينَ آمِرًا بِالمَعرُوفِ نَاهِيًا عَنِ المُنكَرِ حَافِظًا لِحُدُودِ اللهِ ؟
    هَل سَيَخسَرُونَ قَوَّامًا لِلَّيلِ صَوَّامًا لِلنَّهَارِ يَحفَظُ اللهُ بِبَرَكَتِهِ بَيتَهُ وَمَن حَولَهُ ؟!
    اللهُ أَعلَمُ مَاذَا سَيَخسَرُ النَّاسُ بِمَوتِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا
    وَ
    " قَد عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشرَبَهُم "
    " وَلِكُلٍّ وِجهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا "
    غَيرَ أَنَّ مِنَ المُؤَكَّدِ وَلِشَدِيدِ الأَسَفِ أَنَّ في المُجتَمَعِ أَقوَامًا لَن يَخسَرَ النَّاسُ بِمَوتِهِم شَيئًا ،
    وَلَن يُقِيمُوا لِرَحِيلِهِم وَزنًا ،
    لَن تَذَرِفَ لِفَقدِهِم عُيُونٌ ،
    وَلَن تُسكَبَ عَلَى وَدَاعِهِم عَبَرَاتٌ ،
    وَلَن تَجِفَ لَنَبَأِ وَفَاتِهِم قُلُوبٌ وَلَن تَتَحَرَّكَ بِهِ أَفئِدَةٌ ،
    وَلَن يَحزَنَ النَّاسُ بَعدَ دَفنِهِم لأَنَّهُم لَن يَرَوهُم عَلَى وَجهِ الأَرضِ مَرَّةً أُخرَى ؛
    لأَنَّ حَيَاتَهُم وَمَوتَهُم سَوَاءٌ ،
    بَل إِنَّ ثَمَّةَ أُنَاسًا سَيَكسَبُ الآخَرُونَ بِمَوتِهِم بَعضَ المَكَاسِبِ ،
    وَمَن ثَمَّ فَسَيَفرَحُونَ بِمَوتِهِم بَاطِنًا وَإِن لم يُعلِنُوا ذَلِكَ ظَاهِرًا ،
    إِذْ سَيَفقِدُونَ مُفسِدِينَ في الأَرضِ ، يُؤتُونَ مِن أَنفُسِهِم الفِتنَةَ مَتى مَا سُئِلُوهَا ،
    إِن وَجَدُوا مُغتَابًا شَارَكُوهُ ، أَو نَمَّامًا أَيَّدُوهُ ، أَو حَاسِدًا أَوقَدُوهُ ، أَو صَاحِبَ شَرٍّ دَعَمُوهُ وسَانَدُوهُ ،
    يُؤذُونَ الجِيرَانَ ، وَلا يَصِلُونَ الأَرحَامَ ، وَيَغُشُّونَ النَّاسَ وَلا يُوفُونَ المَكَايِيِلَ ،
    هُم مَعَ زَوجَاتِهِم غَلِيظُونَ جَبَّارُونَ ،
    وَعَلَى النَّاسِ مُتَفَيهِقُونَ مُتَكَبِّرُونَ ،
    وَلِلأَموَالِ جَمَّاعُونَ وَللخَيرِ مَنَّاعُونَ ،
    إِنْ تَوَلىَّ أَحَدُهُم سَعَى في الأَرضِ لِيُفسِدَ فِيهَا ،
    وَإِنْ كَانَت لِلنَّاسِ عِندَهُ حَاجَةٌ أَو مُعَامَلَةٌ شَقَّ عَلَيهِم ،
    وَإِن كَانَ عَلَى مَالٍ عَامٍّ لم يَألُ مَا نَهَبَ مِنهُ وَحَازَهُ لِنَفسِهِ ،
    فَسُبحَانَ مَن جَعَلَ بَينَ النَّاسِ كَمَا بَينَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ !!
    أَقوَامٌ طَهُرَت قُلُوبُهُم فَسَمَت هِمَمُهُم ، وَزَكَت نُفُوسُهُم فَصَلَحَت أَعمَالُهُم ،
    فَهُم كَالنَّحلِ لا يَأكُلُ إِلاَّ طَيِّبًا وَلا يُخرِجُ إِلاَّ طَيِّبًا ،
    وَآخَرُونَ أَظلَمَت قُلُوبُهُم فَسَفُلَت إِرَادَاتُهُم ، وَخَبُثَت نُفُوسُهُم فَانحَطَّت أَعمَالُهُم ،
    فَهُم كَالَذُّبَابِ لا يَحُومُ إِلاَّ عَلَى المَزَابِلِ وَلا يَقَعُ إِلاَّ عَلَى الجُرُوحِ .
    وَإِذَا أَرَدتَ أَن تَرَى الفَرقَ بَينَ هَؤُلاءِ وَأُولَئِكَ ، فَإِنَّكَ لَن تَحتَاجَ إِلى كَبِيرِ تَأَمُّلٍ ،
    بَلِ انظُرْ إِلى مَن حَولَكَ مُنذُ أَن يُصبِحُوا إِلى أَن يُمسُوا ،
    فِيمَ يَقضُونَ أَوقَاتَهُم ؟ وَبِمَ يَشتَغِلُونَ ؟ وَفِيمَ يَكُونُ ذَهَابُهُم وَمِجِيئُهُم ؟
    مَاذَا يَقرَؤُونَ وَإِلى أَيِّ شَيءٍ يَنظُرُونَ ؟ وَفِيمَ يُفَكِّرُونَ وَإِلامَ يَهدِفُونَ ؟
    وَعَلامَ يَجتَمِعُونَ وَعَمَّ يَتَفَرَّقُونَ ؟
    إِنَّكَ إِن نَظَرتَ بِعَينِ البَصِيرَةِ وَقَلَّبتَ النَّظَرَ ، وَجَدتَ فَرقًا بَينَ الثَّرَى وَالثُّرَيَّا ،
    بَينَ قَومٍ هَمُّهُم اللهُ وَالدَّارُ الآخِرَةُ ، وَآخَرِينَ هَمُّهُمُ الدُّنيَا الدَّنِيَّةُ وَالمُتَعُ الرَّخِيصَةُ ،
    الأَوَّلُونَ مُنتَهَى غَايَتُهُم الجَنَّةُ ،
    وأَسمَى مَطَالِبُهُم مُجَاوَرَةُ الحَبِيبِ في الفِردَوسِ الأَعلَى ، مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ،
    وَالآخَرُونَ هَمُّهُمُ الدُّنيَا وَتَقَلُّدُ مَنَاصِبِهَا وَنَيلُ زِينَتِهَا وَزَخَارِفِهَا ،
    وَمِن ثَمَّ فَتَرَى السَّابِقِينَ يَجتَمِعُونَ في مَجَالِسِ ذِكرٍ وَتِلاوَةِ قُرآنٍ أَو تَعَلُّمِ عِلمٍ ،
    وَالآخَرُونَ عَلَى غَيرِ ذَلِكَ ، في مَجَالِس لَغوٍ لا يُذكَرُ فِيهَا اسمُ اللهِ إِلاَّ قَلِيلاً ، وَاجتِمَاعَاتِ فَخرٍ وَمُفَاخَرَةٍ وَمُكَاثَرَةٍ ، وَعَلَى مِثلِ هَذَا فَقِسِ النَّاسَ في سَائِرِ أُمُورِهِم ،
    فَثَمَّةَ مَن يَسعَى لإِصلاحِ مُجتَمَعِهِ في دِينِهِ وَدُنيَاهِ ،
    وَهُنَاكَ مَن هُوَ مِعوَلُ هَدمٍ وَخَرَابٍ ،
    وَفي النَّاسِ مَن يَجمَعُ المَالَ مِن حَلالٍ وَيُنفِقُهُ فِيمَا يُرضِيَ اللهَ ،
    وَهُنَاكَ مَن يَجمَعُهُ مِن حَرَامٍ وَيُنفِقُهُ في سَبِيلِ الشَّيطَانِ ،
    وَفِيهِم مَن هُوَ شَاكِرٌ ذَاكِرٌ صَابِرٌ ، وَفِيهِم مَن هُوَ طَعَّانٌ لَعَّانٌ فَاحِشٌ بَذِيءٌ ،
    وَتَرَى مَن يُحَافِظُ عَلَى صَلَوَاتِهِ وَيَتَزَوَّدُ مِنَ النَّوَافِلِ ،
    وَمَن لا يَأتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُم كُسَالى وَلا يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُم كَارِهُونَ .
    أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ،
    أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ :
    " أَم حَسِبَ الَّذِينَ اجتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَجعَلَهُم كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحيَاهُم وَمَمَاتُهُم سَاءَ مَا يَحكُمُونَ . وَخَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ بِالحَقِّ وَلِتُجزَى كُلُّ نَفسٍ بما كَسَبَت وَهُم لا يُظلَمُونَ "



    أَمَّا بَعدُ ،
    فَاتَّقُوا اللهَ ـ تعالى ـ حَقَّ تُقَاتِهِ ، وَسَارِعُوَا إِلى مَغفِرَتِهِ وَمَرضَاتِهِ

    " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا "
    أَيُّهَا المُسلِمُ الكَرِيمُ ،
    أَن يَخسَرَ النَّاسُ بِمَوتِكَ كَثِيرًا ، أَو يَأسَفُون عَلَى رَحِيلِكَ طَوَيلاً ،
    فَلَيسَ مَعنى ذَلِكَ أَن تَكُونَ رَئِيسَ دَولَةٍ أَو وَزَيرًا أَو كَبِيرًا ،
    أَو صَاحِبَ جَاهٍ عَرِيضٍ في قَومِكَ أَو مَكَانَةٍ عَالِيَةٍ في وَطَنِكَ ،
    أَو ذَا مَنصِبٍ مَرمُوقٍ بَينَ أَقرَانِكَ وَأَخدَانِكَ ،
    أَو مَالِكًا لأَموَالٍ طَائِلَةٍ مُستَولِيًا عَلَى ثَرَوَاتٍ وَاسِعَةٍ ،
    فَكَم مِن غَنِيٍّ لم يَذُقْ أَهلُهُ وَأَبنَاؤُهُ لِلحَيَاةِ طَعمًا إِلاَّ بِمَوتِهِ وَتَصَرُّفِهِم فِيمَا وَرَاءَهُ !
    وَكَم مِن دَائِرَةٍ أَو مُؤَسَّسَةٍ لم تَنجَحْ إِلاَّ بِفِرَاقِ مُدِيرِهَا !
    بَلْ وَكَم مِن شَعبٍ لم يَتَحَرَّرْ وَيَعِيشَ عِيشَةَ الكَرَامَةِ إِلاَّ بِرَحِيلِ رَئِيسِهِ ،
    وَهَا نَحنُ نَرَى هَذِهِ الأَيَّامَ بَعضَ شُعُوبِ عَالَمِنَا العَرَبيِّ تَحتَفِلُ عَلَى فِرَاقِ رُؤَسَائِهَا وَحَلِّ حُكُومَاتِهَا ،
    وَتُعلِنُ الفَرحَ بِرَحِيلِهِم في مَيَادِينِهَا وَشَوَارِعِهَا ،
    وَتَحظُرُ عَلَى وُزَرَاءَ وَمَسؤُولِينَ سَابِقِينَ السَّفَرَ وَتُجَمِّدُ أَرصِدَتَهُم ،
    في حِينِ نَرَى تِلكَ الشُّعُوبَ تَبكِي وَهيَ تُشَيِّعُ عَالِمًا رَبَّانِيًا ،
    وَتَتَفَطَّرُ قُلُوبُهَا حُزنًا وَهِيَ تُوَدِّعُ دَاعِيَةً مُجَاهِدًا ،
    وَتَتَبَادَلُ التَّعَازِيَ وَهِيَ تُفَارِقُ مُحسِنًا بَرًّا رَحِيمًا ،
    إِنَّهَا مَحَبَّةُ اللهِ لِلعَبدِ الطَّائِعِ البَارِّ المُحسِنِ في السَّمَاءِ ،
    تَنَزِلُ في قُلُوبِ العِبَادِ في الأَرضِ ، فَيَكُونُ لَهُ مِنَ القَبُولِ مَا يُغبَطُ عَلَيهِ ،
    وَمِثلُهَا بُغضُهُ ـ تَعَالى ـ لِلعَاصِي وَالظَّالِمِ الطَّاغِي ،
    تَتَنَادَى بها مَلائِكَةُ السَّمَاءِ ، ثُمَّ تُملأُ بها قُلُوبُ الخَلقِ ، فَيُبغِضُهُ كُلُّ شَيءٍ ،
    قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ :
    " إِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ عَبدًا دَعَا جِبرِيلَ فَقَالَ : إِنِّي أُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبَّهُ . قَالَ : فَيُحِبُّهُ جِبرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي في السَّمَاءِ فَيَقُولُ : إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبُّوهُ ، فَيُحِبُّهُ أَهلُ السَّمَاءِ ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ في الأَرضِ . وَإِذَا أَبغَضَ عَبدًا دَعَا جِبرِيلَ فَيَقُولُ : إِنِّي أُبغِضُ فُلانًا فَأَبغِضْهُ . فَيُبغِضُهُ جِبرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي في أَهلِ السَّمَاءِ : إِنَّ اللهَ يُبغِضُ فُلانًا فَأَبغِضُوهُ . قَالَ : فَيُبغِضُونَهُ . ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ البَغضَاءُ في الأَرضِ "
    رَوَاهُ مُسلِمٌ .
    وَقَد قَالَ ـ تَعَالى ـ عَن فِرعَونَ وَقَومِهِ :
    " فَمَا بَكَت عَلَيهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ "
    فَاحرِصُوا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ عَلَى نَفعِ إِخوَانِكُمُ المُسلِمِينَ وَالإِحسَانِ إِلَيهِم بما تَستَطِيعُونَهُ مِن مَالٍ أَو عِلمٍ أَو دَعوَةٍ للخَيرِ ، فَإِنَّهُ مَا استُمِيلَتِ القُلُوبُ بِمِثلِ الإِحسَانِ .
    أَحسِنْ إِلى النَّاسِ تَستَعبِدْ قُلُوبَهُمُ

    فَطَالَمَا استَعبَدَ الإِنسَانَ إِحسَـــانُ
    فَمَن لم يَستَطِعْ فَلْيَتَحَلَّ بِالخُلُقِ الحَسَنِ وَلْيَلِنْ في مُعَامَلَتِهِ وَلتَطِبْ كَلِمَتُهُ ،
    فَمَن لم يَستَطِعْ فَلْيَكُفَّ شَرَّهُ ، فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ .
    اللَّهُمَّ زَيِّنَا بِزِينَةِ الإِيمَانِ وَاجعَلْنَا هُدَاةً مُهتَدِينَ ،
    اللَّهُمَّ وَاجعَلْ لَنَا لِسَانَ صِدقٍ في الآخِرِينَ ،
    وَلا تُخزِنَا يَومَ يُبعَثُونَ يَومَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلاَّ مَن أَتَى اللهَ بِقَلبٍ سَلِيمٍ .

  2. #2
    الصورة الرمزية مصطفى شوكت
    مصطفى شوكت غير متواجد حالياً عضو نشيط
    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    المشاركات
    6,405

    افتراضي


  3. #3
    الصورة الرمزية المجازف 2011
    المجازف 2011  غير متواجد حالياً عضو نشيط
    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    المشاركات
    7,048

    افتراضي

    وبارك الله بك اخى اسعدنى تواجدك الممميز فى الموضوع


1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17