تعريف الزمن


إن الزمن من الأمور التي شغلت تفكير الإنسان وحاول تفسيره لأنه شيء غير مادي ولا ملموس ولاكن الإنسان يشعر به ويستخدمه في تقدير أموره وفي تقييمها. وأظن أن البحث أحيانا في بعض المفاهيم البديهية يزيدها غموضا ومنها مفهوم الزمن.
مفهوم الزمان:-
الزمن:- تصّور ينشأ لدى الإنسان من ملاحظته للتغيّرات في الأشياء سواء كانت حركيّة أو كيفية أنظر إلى قوله تعالى
(هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءًوَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَالسِّنِينَوَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِلِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ )
سورة يونس
فعلم عدد السنين لا يكون إلا بحركة القمر, هذه الحركة أعطت الإنسان مفهوم الزمن لأن الزمن ُيتصور من التغيّرات الطارئة على الأشياء وهو الانفعال الذهني للمادة وهذا يلحظ بسهولة إذا ما قارنت إحساسك بالزمن وأنت في امتحان أو وأنت تنتظر أمرا هام بالنسبة لك وأيضا نلاحظ أن النائم لا ينفعل للمادة، فتجده لا يشعر بالزمن.

الفرق بين الزمن و الوقت :-
الوقت :- الله تعالى جعل وخلق الشمس والقمر بحسبان أي لحساب الأوقات بالتوقيت القمري والتوقيت الشمسي فالله سبحانه خلقهما لأجل المواقيت والتوقيت والوقت.
الزمن:- تختلف عن الوقت فحديث النبي عليه أفضل يقول فيه (لا تسبوا الدهر فإن الدهر هو الله) فالزمن يعني الدهر والوقت جزء من الدهر
قال تعالى :-
( هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا(1) )
سورة الإنسان
فحياة الإنسان هي جزءا من الدهر.
الزمن فيزيائيا:-

هو البعد الرابع الذي لا يستقيم به تغير في المادة إلا به، والأبعاد الأخرى هي الاتجاهات. فأي شيء يحدد بالأبعاد الثلاثة (الارتفاع، والطول والعرض) وبعد الزمن فيحدد موقع الأرض مثلا في أي لحظة بالنسبة لغيرها بهذه الأبعاد.فالزمن كالطول من حيث أن كلاهما أبعاد، ولكل مقياسه. ووحدة قياس الطول هي المتر أو أي مقياس متعارف عليه. ووحدة قياس الزمن هي الثانية.

تأثير الزمن على الحضارات :-

أن الزمن يعطي أهمية بالغة للأشياء في حيات البشرية فالبارود مثلا من الأمور التي كانت أهميتها في وقت معين ثم أصبح امتلاكها أمرا عاديا في الوقت الحالي فقد أحدث استعمال الأسلحة النارية انقلاباً في العالم الإسلامي ففي حوالي عام 1230م بدأ باستعمال ملح البارود . وفي عام 1324م استعملت المدافع البدائية والتي كان لها دور حاسم في احتلال العثمانيين لمدينة القسطنطينية عام 1453م . وبهذا فإن الزمان هو عنصرا وعاملا مهما في تطوير الحضارات.

الزمن عند الفلاسفة

هل يمكن تعريف الزمن؟
إنه يستحيل تعريف الزمن في أبعاده الثلاثة: الماضي، الحاضر، و المستقبل، لأن الماضي وهو ما لم يعد له وجود، و المستقبل ما لم يحصل بعد، و لا يبقى من الناحية المنطقية إلا الحاضر، و هو ليس الوقت كله. يقول القديس “أوغستين” إن الزمن هو أكثر من الشيء، فهو بعد الوعي الذي يتوجه انطلاقا من الحاضر نحو المستقبل في الانتظار، و نحو الماضي في التذكر، و نحو الحاضر في الانتباه.


ما الذي
يظهر “إدموند هوسل” كيف أن الوعي لا يمكن أن ينفصل عن الزمن. إذا نظرت إلى داخل ذاتي، لن أجد أشياء محددة الهوية مسبقا، لكن أجد تتال من الإدراكات لا علاقة بينها(الحار، البارد، الصلب و الطري…) أن الوعي بالزمن هو الذي يسمح لي بوضع هويتي: الوعي بالزمن يوضح لي من خلال تتالي هذه الإدراكات، أن الذي يتغير ليس أنا و إنما يعبر عن مرور الزمن. فهويتي إذن هي الزمن.
خاصة و أن الادراك يعني أن وعيي هو الذي يركب بين مختلف اللحظات الإدراكية: أدرك كرسيا أنه كرسي بالتركيب بين مختلف الإدراكات الحسية الجزئية، و هذا التركيب يعود إلى الزمن: يعود الوعي في الزمن إلى نفسه و إلى العالم الخارجي.


إن لم يكن الزمن شيئا، فماذا يكون؟

يرى كانط أن الزمن ليس حدسا، و لا مفهوما، و إنما هو قالب كل إدركاتنا: هذا ما يفسر أن الزمن هو في كل مكان، و لا يمكن لاإدراك خرج الزمن. و لا يمكن أن ندرك الأشياء إلا في إطار الزمان و المكان. و ما دامت أطرا ضرورية للإدراك فهي لا يمكن أن تكون مستفادة من الإدراك. .

ما هو تصور “برقسون”؟

لا وجود للماضي و لا للمستقبل: ليس الوقت إلا هذا اشعور بالتعاقب لهذه اللحظات الآنية. و أن ذكاءنا هو الذي يفهم الوقت انطلاقا من اللحظة الآنية، يربطه بالمكان لأن الآنية ليست من طبيعة الزمن، و إنما من طبيعة المكان. و في مقابل هذا الزمن الفيزيائي هناك الزمن النفسي ,,الديمومة,, . و في الديمومة من حيث هي الزمن الذي نحياه و نشعر به، و حين لا نبحث فيه. لا يتصف بالآنية و لإنما يختلط فيه الحاضر بالمستقبل و الماضي. فهذه الأزمنة الثلاثة لا تتالى و إنما و إنما هناك زمن واحد يختلط فيه كل من الحاضر، المستقبل و الماضي. الديمومة ليست آنية، هي متصلة، لأن الشعور في حاضره غير منفصل عن ماضيه و مقبل في نفس الوقت على المستقبل. كما أنها ليست قابلة للقياس و متجانسة، هذا هو الزمن قبل أن يتصرف فيه ذكاؤنا و يفككه إلى لحظات متمايزة.


ما هو وجودنا بالنسبة إلى الزمن؟

إن الزمن قد يوقظ فينا الضمير: إذ التأسف على الماضي دليل عجزي في محو أخطائي، لأن الزمن لا يعود، مثلما أتوجس قلقا من المستقبل فإني أحمل أثقال الماضي. لأن حاضري مقبل على الولوج في الماضي و حينها لن يكون لي أي سلطان عليه، هذا الذي يجعلني اعتني بحياتي. يقول “هايدقر” أن كون الإنسان يقذفه الزمن باستمرار هو ما جعله الوحيد ممن يقال عنه أنه موجود. فالوجود لا يعني الخضوع للزمن و إنما أن يقذفك الزمن دوما نحو المستقبل، و نحو الممكن، و يكون عليك الاختيار و تبرير الاختيار، هذا هو القلق.

هل الوقت يجعل من الموت خط الأفق؟

لو كان الإنسان يجهل حتمية الموت، و لو أنه غير متيقن بأنه لن يكون لديه كل الوقت، لما قلق الإنسان على حياته. إذن لم يتولد الموت عن الزمن، و إنما الزمن هو الذي تولد عن النوت، يقول “هيدقر”. فأنا لا أموت لأنني كائن زمني و خاضه لقوانين الزمن، و إنما من دون تيقني بالموت لن يكون هناك قلق على حياتي. بما أن لا أحد ينوب بموته عني، و لا أحد قادر على أن يحيا لي حياتي: فالموت هو الذي يجعل حياتنا فريدة