الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ونبينا محمد عليه أفضل الصلوات والتسليم
كعادة البشر دوما نلقى أوراقنا ودفاترنا وراؤنا وكأننا نتخلص من العام بكل ما فيه من سيئات وأخطاء, إنها سنة الله فى الارض أن خلق الأشياء من العدم ومصيرها إلى العدم فلولا الفناء ما عرفنا قيمة لما نملك ولو خلدنا فى الارض فما قيمة ما نفعل وما نشعر, فالتعود لا يورث إلا الملل والروتين لا يؤدى إلا لفقدان المتعة بالتدريج ودون سبب ملموس فكم من شخص ملك كل متع الدنيا وإنتحر مفنيا ذاته التى لم تعد تستمتع برغبات هى أحلام للأخرين وكم من حاكم ملك مقاليد الأمور وطغى إلى أن حطم كل ما حوله دون وعى, إنما هى الجبلة البشرية التى لا تعرف قيمة للشىء إلا لو فنى من أمامها, ولو لم يحدث وصلت بهم أرواحهم إلى فعل ذلك بأيديهم دون النظر إلى نواتج ما بعد ذلك, إنما المؤمن محصن لا يشعر بهذا أبدا فهو مسلم لأمر ربه بما يحدث لأنه يعلم أن ربه يفعل الخير أيا ما كان ولا راد لأمره لأنه خير ما فى الإمكان ويمكنك أن تستشعر هذا المعنى فى قوله تعالى:
و عسى أن تكرهوا شيئا و هو خير لكم و عسى أن تحبوا شيئا و هو شر لكم و الله يعلم و أنتم لاتعلمون
البقرة 216
فمهما حدث من قبل فهو الأن ماضى طالما أنا مازلت موجود وفى يدى أن أغير ما أفعل لتتغير النتائج بما أريد, وكما هى سنة يسير عليها البشر فهى حالة من التجمع تكفى لقلب الموازين ولو حتى مؤقتا فالإصلاح الداخلى وارد ولكل شىء بداية فلماذا لا تكون من هنا..
وحين قرر الإتحاد الأوروبى توحيد عملته لم يكن بمخيلته إلا هذا التفكير دون أن ينظر لما بعد ذلك فعملة موحدة تعنى قوة لا تنهزم أبدا مهما حدث فالإتحاد على مر التاريخ قد أثبت أنه هو الحل الأوحد وأن القوة مهما تنامت وكبرت لها يوم تحتاج لمساندة حتى ولو من جهة أقل منها فهى ثوابت كونية لا جدال فيها, لم ينظر الأوروبى وقتها لما سيجره عليه ذلك من ديون وإفلاسات فلم تكن فقاعة الدولار قد أنفجرت بعد ولا بوادر الأزمة ظهرت إلا من أعوام حين أفاق العالم على كذبة إتزان الإقتصاد العالمى, وما يحدث من ثلاثة أعوام ومازال مستمر ليس إلا تعديلا طبيعيا لكفة الميزان حتى لا تختلط المعطيات على اللاعبين, والأوروبى وإن أبى فإنه سيلقى بعملته نفس مصير الدولار إن إنتهج نفس السياسات فالنهايات المتشابهة لا تأتى إلا من بدايات متشابهة والسبحة تنفرط ولا يهرب أحدا من المصير بل أمامه أن يواجه حتى الرمق الأخير فالفناء هنا يتجه إلى نفسه وأحلامه وأبناءه..
عندما تطالع خطاب ميركل الأخير وكلماته لن تستطع إلا أن تشعر بهذا وهى تستنجد بالأخرين لحماية عملتهم وأن ما حدث قد حدث ولا فائدة فى المستقبل إلا من إعادة التوحد بعملة قوية تقود عالمنا الأوروبى إلى مزيد من الرخاء والراحة والأمان, إن الناظر إلى موقف الأوروبى وكلمات ميركل فى هذا التوقيت من العام قبل ساعات من ذكرى إنطلاق العملة الأوروبية الموحدة ليجد منها رسالة واضحة للشعب الألمانى بإعادة البناء فنحن قوم عانينا الأمرين ولن نسمح بمستقبل مظلم لأولادنا وأحلامنا وما فعلناه من قبل نستطيع فعله هذه المرة أيضا ولو أن مستقبل اليورو فى أيدينا فلماذا لا نقدم العون لأنفسنا قبل الأخرين وما نواجه من إنتقاد تجاه مواقف الديون فى اليونان وأيرلندا إلا المؤشر إلى أننا نسير فى الطريق الصحيح والإتحاد الاوروبى كله بذات التفكير فقط يريد دفعة منا نحن الألمان لنبدأ الإصلاح معا..
وما يحدث على الضفة الأخرى للنهر ليس إلا تعادلا فى الميزان فموقف الدولار ليس جيدا بما يكفى والخطط المتبعة لم تظهر لها نتائج بعد بل من الواضح أن الدولار لن يضيره بعض من الهبوط حتى مستويات دنيا جديدة فهى تجربة قد خرج منها من قبل ويستطيع التحكم فى حدودها بالحد الأدنى من القوة المتوفرة فى يده والعملة الأمريكية لا يضيرها النقص فى قيمة عملتها فالمركزى الأمريكى لن تنتهى الحلول لديه لإنقاذ العملة سيدة العالم فى حال الشعور بأى خطر فهذا محال وكأنه ليس فى علم الغيب, وما الضرر فى إعادة توازن الكفة وهكذا لنظل فى دائرة لن تنغلق إلا بالإتزان وحده..
إن الألمان من الشعوب التى يسهل تحفيزها بهذا النوع من الكلمات الرنانة والتذكير بويلات الماضى وسنفيق قريبا على تطور ملحوظ فى الجانب التصنيعى لديها والذى بدأ يظهر من بيانات الشهور الأخيرة فى العام المنصرم, أنها شخصية المواطن الأوروبى بصفة عامة فهو رافض للفقر بشتى صوره لأنه يعنى لديه أكثر مما يعنى للمواطن الأمريكى الواثق فى المؤسسة الحاكمة رغم كل الأخطاء والثغرات, إنها الإرادة التى أطلقت عملة موحدة يوما ما لمواجهة ويلات الإقتصاد العالمى وستعود من جديد إنقاذا لمستقبل وأحلام وسعادة لم تكتمل أركانها فالرسالة واضحة يجب أن يعيها كل أوروبى فى ظل الظروف الحالية وإلا فالنهاية معروفة كمثيلاتها..
فنيا:
==
بات من الواضح أن اليورو قد أنهى موجة الهبوط التصحيحية عند مستويات قريبة من 1.30 والعودة مرة أخرى للمسار الصاعد الأساسى مستهدفا مستويات 1.45 كهدف مبدئى للموجة الصاعدة الحالية..
نقطة فشل الإتجاه الصعودى تتأكد بكسر مستويات 1.30 كسرا صحيحا مدعوما ببيانات سلبية قوية من الجانب الأوروبى وإلا فمستويات قريبة من 1.36 هى نقطة الإستراحة القادمة قبل الإنطلاق إلى هدف الموجة الأولى إلى ما حول مستويات 1.45 ..
وكما أن لرجال السياسة لغة خاصة فيما بينهم يفهمونها ويدركون مخارج ألفاظها, فإن للمخطط البيانى لغة ربما أبلغ منها فى دلالاتها وعلاماتها, لغة لا يتدخل بشر فى رسمها مهما بلغ من تحكم وسيطرة, لغة تقول أن المتحكم بكل هذا هى يد واحدة تنبسط وتنقبض فقط ليتزن الميزان إلى يوم الدين, لغة لا يضاهيها على الأرض قوة, فهل سيلحق اليورو بــ عصـــر القـــوة..
شكرا جزيلا وبالتوفيق للجميع..