كثيراً ما تتردد على ذهن الكثير من الأطباء عبارات قلقة، عندما يعود إليهم مرضى بسرعة في غرفة الفحص يشكون أعراضاً أكثر غموضاً. فقبل أسبوع ربما كانوا يشعرون بآلام صدر شديدة من اشتباه في نوبة قلبية، والآن صداع يمكن أن يكون مؤشراً إلى ورم في المخ. ولا يعني عدم وجود شيء خطأ من الناحية البدنية في المريض أن هذه الأعراض تكون مختلقة، بل على العكس، فالمريض بحق لديه مشكلة خطرة، إنها بالتحديد الوسواس المرضي أو توهم المرض أو اضطراب صحي حاد. وفي حين أن المخاوف الصحية يمكن أن تكون ضرورية من أجل البقاء، فإن المصابين بالوسواس المرضي يميلون إلى تفسير أحاسيس أو متاعب جسمانية عادية بأنها بوادر مرض عضال.


وقال عضو الرابطة الألمانية لعلم النفس الجسماني والعلاج النفسي والعصبي أوته هابيل «إنهم يسببون كوارث لأنفسهم».
وحسبما تقول الطبيبة النفسانية في معهد علم النفس بجامعة ماينز ماريا جروباليس، فإن تفسير المتوهمين للأعراض التي يشعرون بها يذهب إلى الاتجاه الخطأ. وتجلب زيارات الطبيب إعادة الطمأنينة، ولكن لفترة قصيرة فقط، ثم يبدأ المرضى في التشكك في أنه لا يوجد شيء خطأ بهم، وتطلق الأعراض الجديدة مخاوف جديدة، يتبعها المزيد من الزيارات للأطباء.
وأشار كبير الأطباء في عيادة سيشوين للطب النفسي في باد أرولسين الألمانية توماس جايرتنر إلى أن «الزيارات تصبح إدمانا». وأن الخوف من المرض هو نوع من اختلال على شكل وساوس، لا يمكن معه تفسير أي أعراض جسمانية بشكل كامل بأنها اعتلال جسماني محدد، مضيفاً أن أكثر الناس عرضة للخطر بشكل خاص هم الذين لديهم إحساس كبير من الإدراك و«يقظة الجسم»، وتلعب الأمراض السابقة، خصوصاً التي أصيب بها المقربون منهم في الغالب دوراً أيضا.
وكما تشرح جروباليس، فإن مرضى الوسواس المرضي لديهم صعوبة في التوافق مع المشاعر السلبية «وأحياناً تنبع مخاوفهم من التوتر الشديد». وقال جايرتنر إنه بالنسبة للذين يدخلون في علاج نفسي فمن المهم أن يكونوا متأكدين بأنهم «ليسوا مجانين».
وأشارت جروباليس إلى أن القلق المستمر على صحة الإنسان هو حالة قهرية للغاية. وقالت «من الطبيعي أن مرضى الوسواس المرضي في الحقيقة يخجلون من مشكلاتهم»، وأحد أسباب ذلك أنهم يزورون العديد من الأطباء المختلفين. وتصف هابيل هذه العادة بأنها «إدمان الطبيب».
وغالبا ما تمر السنون قبل أن يتلقى مرضى التوهم بالمرض العلاج السليم. في ذلك الوقت يكونون قد قاموا بملحمة من زيارات الأطباء، وأحياناً يخضعون لإجراءات تشخيص مؤلمة. وللتغلب على مخاوفهم يجب أولا أن يعترفوا بأنهم يعانون من اضطراب نفسي، ويداوى الاضطراب بعلاج سلوكي إدراكي، وفيه «تلعب إعادة تشكيل الإدراك جزءاً مهماً».

وقالت هابيل إن المرضى يجب أن يدركوا ان من الطبيعي تماما بالنسبة للجسم أن يتفاعل مع الأشياء، فعلى سبيل المثال فإن التوتر يمكن أن يثير الشعور المفاجئ بالضعف، والفرح يمكن أن يسبب عدم انتظام ضربات القلب، ويتدرب مرضى العلاج السلوكي الإدراكي على التحكم في مخاوفهم، وان تكون نسبية. وإحدى الوسائل التي تستخدمها جروباليس هي جعل المرضى يضعون قائمة بالأدلة المؤيدة والأخرى المعارضة لشكوكهم: «ما الدليل على أنني مريض؟ وما الدليل على أنني غير مريض؟»، وهذا يهدف إلى تحديد الأدلة التي أعطيت وزناً أكبر أو وزناً أقل.

وقال جايرتنر مع احترام الأسباب الممكنة فإن «الوراثة يحتمل أن تكون عاملاً قليل الأهمية في توهم المرض من الاضطرابات الأخرى». وتلعب العوامل الخارجية دوراً أكبر، ويمكن أن تتضمن تجارب مؤسفة، مثل وفاة شخص محبوب، أو التشخيص الطبي الخطأ، أو وجود آباء يخافون أو يعتنون بشكل زائد، ودائماً ما يتوقعون الأسوأ، كما تقول هابيل