دكتور وخباز؟!

[سمسم]

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته


إذا كانت هذه الومضة القصصية تعانق شوق الأنسان نحو البناء والحرية، فهي كذلك تسعي لكشف همومه وتطلعاته، وإدانة قهره وإضطهاده، كما تعمق أرتباطه بقضاياه، ومعايشة معاركها في شكل لقطات منتقاة.

‏ * * *

تبدأ القصة من شاب في طور الشباب، له أحلام وطموحات كأي أنسان أخر في مثل سنه، ممكن أن تكون أحلامه كبيره ولايستطيع تحقيقها، ولكنه مؤمن بذاته ولديه كم من الأصرار يجعل له ومضة أمل في نفسه.
هذا الشاب تنازل عن أشياء كثيره في حياته ولأسباب عديدة، من أهمها والديه وأخوته.
لأعطيكم لمحه عنه: هو شاب في مقتبل العشرين، أخو خمسة، يكبره واحد في العمر، مزاجي في الطبع، ويتسم ببعض العصبية، يحب الخصوصية والأنعزال في بعض الأوقات، قليل الكلام سريع الرد، له صداقات متواضعة، ليس أجتماعيا بدرجة كافية، صداقاته تستهدف من أكبر منه سنا وشريحة المثقفين والذين يملكون ملكة الخروج عن المألوف، لا يحب الروتين مع أن حياته تفتقر للتغيير، البعض يظنه متكبرا متعاليا يراى الدنيا تحته، لذا تجده غير مقبول في مجتمعه، يعامله الناس بأحترام كبير من الطفل إلي الشيخ، علي مستوى العائلة (لايطاق) ولكن بعضهم يتسمون فيه صفة القيادة والمثل الذي يحتذي به، ويعلقون عليه أمال كبيرة، يحظى بكثير من الأمتيازات في عائلته مما يجعله غير مقبول بين أخوته، وهذا يرجع أيضا لأسلوبه الجاف مع أخوته، ولكن القلب لا يعلم به إلا الله، ونهاية لوصفه هو شاب ملئ بتناقضات.

تبدأ قصته عند تغيير والديه مكان سكن العائله، لينتقل بهم إلي مسقط رأسه، ومن المدينة إلي الريف، ظن الوالد أن بهذا القرار يبعد أولاده عن مسالك الضياع، التي تعج بها المدينة، وينشأهم نشأه صيحيحة بعيدا عن زخم التطور العكسي في المدن، أظنه كان محقا في هذا نوعا ما، ولكن مايحدث في الريف يضل أفظع مما هو في المدينة هذه الخلاصة التي توصل إليها بعد ذلك، ولكن لكل خطوة في الحياة مميزات وعيوب.
عند أنتقال العائله للريف، أصطدموا بحائط الفراغ علما أن هذه الأسرة تتكون من أربع أولاد وبنتان، عندها أخذ الوالد ويفكر في طريقة تبعد أولاده عن (الكساد) الذي هو أول طريق للأنحراف، فقرر أن يقوم بأنشاء مخبز(كوشة) قريبا من مكان إقامته، حتي ينشغل أولاده فيها طيلة أوقات فراغهم.

عند إنشاء المخبز حدثت الكثير من العراقل التي حالت دون فتحه بسرعة، فقد ظل المخبز مقفلا مدة سنتان.

عند إنشاء أوراق الرخصة للمخبز ليمارس عمله، قام الوالد بكتابة المخبز بأسم ولديه الذي أتحدث عنه، هذا الخطوة وضعت إبنه في موضعين، الأول المسؤولية والثاني أخوته وخاصة الذي يكبره سنا، قبل قيام بهذه الجراءات سأل الوالد إبنه أنه سيقوم بذلك، لكن ولده رفض وطلب منه أن يكتبها بأسم أخوه الأكبر وانه لا يصح أن يفعل ذلك معه، كانت حجة الوالد مقنعه، حيث أنه قال ان أبنه الأكبر لن يستطيع تسير أمورها لأنه متهور وطائش.

عند بداية المخبز في القيام بعمله، أخذ الوالد يوصي إبنه علي الأشراف علي خدمة عمال المخبز ويسلم جميع زمام الأمور إلي ولده، وولده كان شاردا لا يفكر إلا في شئ واحد وهو الطب، علما بأنه كان يدرس في أول سنة في كلية الطب، فهو بين نارين نار الأهتمام برزق والده والأهتمام بدراسته.

أما ماكان من أخوته أنهم أوكلوا أمر كله لأخيهم، فأصبحوا تتسم عليهم ألا مبالاء وكأن أخوهم (عامل في المخبز) يقوم بكل الأعمال وحده، ولا يهتمون إلا بشئ واحد وهو إراد العمل وكيفية صرفه.

وأخوهم يتخبط بين العمال والناس ووالديه وأخوته ودراسته التي لم تعد لها وقت في ساعاته اليوميه.

زاد هذا الولد أصرارا علي تحمل المسؤوليه وحده، تتابعت الأيام والحال كما هو عليه وأخذ هذا الشاب يتعلم أصول هذا العمل و فتح سبل لتطويره، ولكن لا تسير الأشياء كما نشتهي، فبعد فترة لم يستطع عمال المخبز البقاء وقرارو ترك هذا المخبز لأنه أتيحت لهم فرصة أحسن واجر أكبر في مخبز أخر، أخذ الشاب يبحث عن عمال هو والده لأستئناف العمل من جديد، ولكن لم يجدوا بسبب قانون الأقامة الذي فرضه القانون علي العمال المتوافدين من الخارج. وأصبح باب الرزق مهددا بأن يقفل، ولكن الشاب لم يرضي ذلك لأسباب منها سمعت المخبز والناس الذين يهاجمون أي عمل يقومون به وسمعت والديه التي كانت مرتبطه بها، لأن هناك أحداث تجري في الخفاء لا يسعني أن أكتبها لأنها تخرجنا عن سياق القصة.

فكر الشاب في قرار يصعب عليه الدراسة ويجعله من الفاشلين في كليته علي صعيد دراسته، فقرر العمل في المخبز بمساعدة أخوته، أمتنع الوالد عن تنفيذ هذا القرار ولكن الشاب رأي في عينه القبول الخجول، فصمم علي قراره، وبدأ العمل، لكن أخوته أصبحوا يتكاسلون في العمل معه، فأخوه الكبير لهم يستطع العمل لانه عمل مرهق بالنسبة له( مايمشيش معاه) وأخوه الأصغر ليس في باله إلا النوم عند العمل، وأصبح هذا الشباب مضطرا إلي يشتغل وحده.
فأصبح يستيقط في الثانية بعد منتصف الليل إلي غاية الساعة الثامنة صباحا، ثم يستحم ويذهب إلي الكلية لحضور المحاضرات، التي في بعض الأوقات ينام فيها من شدة التعب، ويضل إلي غاية الساعة الثالثه بعد الظهر، وفي بعض الأوقات يرجع إلي منزله الساعة الرابع عصرا.
وينام ساعات قليلة ويستيقط فلا يجد وقت للدراسة ولا حتي لفتح كتبه.

هذا العمل الذي يقوم به الشاب ليس من أجل المال لأن حالتهم المادية جيده جدا، وأما هي مسألة مبدأ بالنسبة له لاغير، في خضم هذه الأحداث حظي الشاب بأحترام وتقديرمن الناس، فمنهم من كان يأتي إلي المخبز ويناديه يا(دكتور)، مواساة له وأنه أهل لتحقيق ذلك، ولكن الذي كان يدور في خلد الشاب أنه يتعجب لأمره كثيرا ويقول في نفسه( دكتور وخباز؟!) كأنه يستهزئ بنفسه، وطموحاته أصبحت تضمحل، ولا يري نفسه إلا خبازا، هذا ما أوحي له والده عندما يأتي الشاب بنتجة لا ترضيه في دراسة في الكلية، ويقول له( أنت مستواك مش دكتور أنت مستواك خباز في كوشه يا.......)، وهذا الشاب يهرب من نظرة الأحتقار في عيني والديه ليجدها في عيون زملائه في الدراسة، غير أن هؤلاء يجهلون حقيقة من يحدث معه.

رغم الألم الذي يتسبب به والديه له، وعدم تقديرهم لما يفعله من أجلهم ومن أجل أخوته، فهو مازال يحبهم وكل مايقوم به وسيقوم به لأجلهم، وهو يقول في نفسه( لقد قدمت لكم كل الأيام الماضية لكم، فما ذنبي أن كانت هناك أيام علي وضدي)، ويتمني التخلص من نظرات الفشل التي يمقر بها زملائه إليه.

ولا يزال موقنا أن هناك أيام قادمة معه، مهما عرقلت خطاه صخور الحياة التي يحملها في جراب فوق ظهره، وأن الطريق الي النجاح وتحقيق الأحلام ليست مفروشة بالورود، وهو يسأل الله دائما الصبر والتوفيق فيما يسعي إليه.

ودمتم بودي سالمين

[شيماء وجيه]

ولا يزال موقنا أن هناك أيام قادمة معه، مهما عرقلت خطاه صخور الحياة التي يحملها في جراب فوق ظهره، وأن الطريق الي النجاح وتحقيق الأحلام ليست مفروشة بالورود، وهو يسأل الله دائما الصبر والتوفيق فيما يسعي إليه.

اردت كثيرا ان تعلم هذه الروح التى ترى من الدنيا احسن ما فيها وتتشبس بالنجاح مهما طال الزمن

لكن المسألة قوة أرادة وعزيمة قوية

اسأل اله ان يرزقنى بهم

كل الشكر لطرحك هذه القصة الجميلة ..

[سمسم]