الاقتصادية - لم تكن التوقعات أسوأ مما هي عليه الآن منذ عدة أجيال، بعد النهاية المفاجئة لطفرة الائتمان التي تزامنت مع الارتفاع في أسعار السلع الذي حدث في العام الماضي، ووضع معظم البلدان في مأزقها الحالي. ويعرف زعماء اقتصادات مجموعة العشرين الذين اجتمعوا أخيراً في واشنطن أن ثمة مخاطر إضافية ما زالت قائمة. وهنالك أدلة على الأسباب والآثار في الوقت الذي يخيم فيه الركود شبه العالمي والكئيب.

النتائج
تبخر النمو
مزق الاقتصاديون توقعاتهم منذ أوائل الخريف تقريباً بعد أن دمرت أزمة الائتمان الشريرة وطفرة أسعار السلع – التي انعكست لاحقاً – ثقة قطاع العمل والمستهلكين.

أحدثت الأسر في البلدان النامية، إما لخوفها الشديد من الإنفاق خشية أن يفقد أفرادها وظائفهم، وإما عدم قدرتهم على الحصول على ائتمان، رعشات شتائية مبكرة عبر العمود الفقري لتجارة التجزئة، وهوت مبيعات السيارات إلى الأرض. كما أن الشركات من جانبها، لن تخاطر أيضاً بكثير من الاستثمارات الجديدة في ظل هذا المناخ السيئ.

حدوث ركود في كافة البلدان المتقدمة تقريباً أمر مضمون الآن، وهو الأول منذ الحرب العالمية الثانية الذي غرقت فيه الاقتصادات الغنية في العالم بشكل متزامن. وبالأمس القريب، أصبحت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، النادي الخاص لتلك الاقتصادات، أحدث هيئة تتوقع حدوث انكماش في أكبر اقتصادات العالم في العام المقبل.

بين البلدان الغنية، تبدو بريطانيا أكثرها انكشافاً مع المشكلة المزدوجة المتمثلة بوجود مستهلكين مدينين بدرجة عالية للغاية بالأموال، وقطاع خدمات مالية وتجارية كبير. وإن الطبيعة العالمية لطفرة السلع وأزمة الائتمان ستضع باقي أوروبا في مستوى متدنٍ، غير أن الدولة التي من المحتمل أن تعاني لأطول فترة هي الولايات المتحدة، حيث أدى انفجار فقاعة الرهن العقاري لضعاف الملاءة إلى الفوضى اللاحقة.

ما زالت الأسواق الناشئة الديناميكية في البرازيل، والهند، والصين، تنمو، ولكن بمعدلات أبطأ. كما أن المخاوف تتصارع إزاء فكرة أنها سوف يتم امتصاصها أيضاً، إلى جانب صعوبة سحب العالم الغني من الركود.

إدخال الحكومة
وصلت الإجازة الصيفية إلى نهاية مفاجئة في أوائل شهر أيلول (سبتمبر) عندما أصبحت "فاني ماي"، و"فريدي ماك"، عملاقتا الرهن العقاري الأمريكي، منغمستين في مشاكل سيولة قاسية، وتم تأميمهما فعلياً.

سرعان ما تبعت ذلك معاناة "وول ستريت" عندما انهارت بنوك استثمارية بارزة، أو تم شراؤها، أو حولت أنفسها إلى بنوك تجزئة.

أشعل زوال بنك ليمان براذرز يوم الاثنين 15 أيلول (سبتمبر) أزمة مالية أصبحت عالمية الآن، حيث وصلت ذروتها في الأسبوع الأول من شهر تشرين الأول (أكتوبر). وفي غضون أيام قليلة، وصل النظام العالمي إلى حافة الانهيار.

بالكاد أن مر يوم واحد دون أن تطلب مؤسسة كبيرة الإنقاذ، أو أن يصارع بلد ما للاحتفاظ بثقة مقرضيه. ورأت أيسلندا، الطفل المتبنى لنمو تقوده المصرفية، أبرز بنوكها تفشل، واقتراب اقتصادها من حافة الانهيار.

كان الرد أول تخفيض منسق على معدلات الفائدة منذ عام 2001 الذي أجرته البنوك المركزية الرئيسية في العالم، وذلك في 8 تشرين الأول (أكتوبر). وجاء ذلك تتويجاً لموجة من المحاولات التي بذلتها الحكومات لمعالجة الأزمة.

في الولايات المتحدة، بذلت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش جهوداً شاقة للحصول على موفقة من الكونجرس بشأن حزمة إنقاذ بقيمة 700 مليار دولار من أجل شراء الأصول الرديئة، وإعادة رسملة بنوك البلاد، وتحققت الصفقة في نهاية المطاف.

في المملكة المتحدة، تم إنقاذ البنوك فقط عندما وعدت الحكومة بتقديم الدعم من قبل دافعي الضرائب، والضمانات بشأن التمويل الشامل، وتبعت ذلك عن قرب عمليات الإنقاذ للعديد من باقي بنوك أوروبا. وقامت أيرلندا بضمان جميع التزامات بنوكها لوقف عملية شاملة لسحب الأرصدة من البنوك.

انتشر الاضطراب إلى خارج حدود العالم الغني، ليشمل الأسواق الناشئة، الأمر الذي أسهم في انخفاض قيمة عملات عدد من البلدان، وخفضَّ تكلفة ديون الأسواق الناشئة.
أعطى هذا بدوره صندوق النقد الدولي فرصة جديدة: فهو الآن يقوم باستنباط برامج إقراض كبيرة للمرة الأولى منذ نحو ستة أعوام.

إجراء متعدد الأطراف
دفعت سرعة ونطاق الكآبة المنتشرة زعماء العالم إلى تمزيق أجنداتهم السابقة. وانتهى اجتماع مبكر عقدته القوى الرئيسة في الاتحاد الأوروبي في باريس بشكل غير حاسم الأمر الذي غذىَّ المخاوف من أن السلطات لن تكون قادرة على مواجهة الأزمة. وأثبتت اجتماعات لاحقة – اجتماع وزراء المالية، ومصرفيي البنوك المركزية من مجموعة البلدان السبعة الغنية في منتصف شهر تشرين الأول (أكتوبر)، وقمة ثانية للاتحاد الأوروبي – أنها أكثر نجاحاً. وتم التخلي عن البلاغات الرسمية الشفوية لصالح الدعوات القوية للعمل وتبعتها مبادرات وطنية مثل عمليات إعادة رسملة البنوك.

أما الآن، فإن التركيز يتم على العمل المنسق للحد من التباطؤ في النمو العالمي، وتطبيق تدابير لمنع فقاعة الائتمان – وانفجارها- من الحدوث مرة أخرى.

يقوم منتدى الاستقرار المالي، وهو ذراع تنبثق عن مجموعة البلدان السبعة، بالتنسيق لمناقشات دولية حول ضرورة إجراء إصلاحات تنظيمية. يقدم صندوق النقد الدولي التمويل الطارئ للأسواق الناشئة المنكشفة التي اعتبرت ضحايا حالة خارجة عن نطاق سيطرتها.

سوف تدعم مجموعة البلدان العشرين التي تضم البلدان المتقدمة واقتصادات الأسواق الناشئة، حافزاً مالياً للحد من الهبوط، وسوف تأخذ بعين الاعتبار الإصلاحات المؤسسية. ولا يتوقع أحد أجوبة سريعة – أو تعافياً اقتصادياً في المنظور القريب.

إرث خطير
سندات مقايضات التخلف عن السداد في جوهرها عبارة عن عقود تأمين ضد مخاطر أن تتخلف الشركات والمقترضين الآخرين عن تسديد القروض. وعلى الصعيد النظري، يجب أن تجعل النظام المالي أكثر أمناً، لأنها تتيح للمستثمرين تعديل المخاطر الناجمة عن الاحتفاظ بسندات الشركات والأوراق المالية الأخرى ثابتة الدخل.

انفجر إصدار سندات مقايضات التخلف عن السداد خلال منتصف عقد طفرة الائتمان، مع توفير التأمين ليس بصدد سندات الشركات أو الحكومات فحسب، وإنما أيضاً بصدد الأوراق المالية المعقدة المدعومة بالرهن العقاري التي عززت الارتفاع في أسعار المنازل.

يكمن الخوف في الوقت الراهن بوجود عديد من المؤسسات التي تبحث عن الأموال، ألا يتمكن مصدرو سندات مقايضات التخلف عن السداد من الوفاء بالتزاماتهم المتعاقد عليها للدفع في حالة التخلف عن السداد. وبوجود حجم هائل من العقود المعلقة، فما زال من المحتمل أن تتخذ أزمة الائتمان تحولاً إضافياً نحو الأسوأ.