(رويترز) - في الوقت الذي يجتمع فيه زعماء القوى الكبرى في مطلع الاسبوع المقبل سعيا لانقاذ النظام المالي العالمي يقول أحد المهندسين الاصليين لهذا النظام الذي يعود إلى 64 عاما مضت أن النظام القديم ليس هو المشكلة.


ويقول جاك بولاك وهو آخر من بقي على قيد الحياة ممن شاركوا في مؤتمر بريتون وودز عام 1944 ان عدم كفاية الاشراف على البنوك وليس النظام المالي نفسه هو السبب في الازمة المالية العالمية التي تدفع بالعالم الى هاوية الكساد.


وقال بولاك (94 عاما) الذي حضر بريتون وودز كعضو في الوفد الالماني "المهمة الان ليست انشاء نظام جديد تماما يتمتع بجاذبية سياسيا ولكنه ليس ما يصفه الطبيب."


ومن بين 20 زعيما يشاركون في اجتماع واشنطن يريد رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون وزعماء أوروبيون آخرون التوصل الى اتفاقية لاصلاح النظام المالي الذي أرسيت قواعده في بريتون وودز. ومن جانبها تميل الولايات في الفترة الانتقالية بين ادارتين الى التحفظ.


واعترف بولاك بأن التحديات التي تواجه زعماء اليوم هائلة ولكن قال إنها مختلفة تمام عن تلك التي كانت تواجه زعماء العالم في عام 1944 عندما كانت بؤرة التركيز هي خلق نظام جديد بعد الحرب العالمية الثانية.


وسعت اتفاقية بريتون وودز الى تفادي تكرار الكساد العظيم في ثلاثينات القرن الماضي من خلال انشاء البنك الدولي لاعادة بناء أوروبا بعد الحرب وصندوق النقد الدولي للاشراف على نظام مالي يرتكز على أسعار صرف ثابتة.


وعقد الاجتماع الذي استمر ثلاثة أسابيع قبل عام من انتهاء الحرب العالمية الثانية وشاركت فيه 44 دولة في وقت كان التعاون التجاري والمالي قد توقف تماما.


وقال بولاك ان أزمة اليوم ستتطلب التوصل الى اجماع على اللوائح والاشراف العالمي على الاسواق المالية فضلا عن منح اقتصادات الاسواق الناشئة دورا أكبر في صندوق النقد والبنك الدولي.

وقال لرويترز في منزله بواشنطن "ينبغي أن توزع القمة مهمة التفكير بشأن الرقابة على المسائل التنظيمية والتي تمثل أهمية بالغة. ثم تأتي المسألة الاخرى وهي ما الذي ينبغي أن نفعله بشأن اعطاء دولار ملائم للهند وروسيا والصين."


ومنذ شارك في مؤتمر بريتون وودز غزا الشيب رأس بولاك ووهن صوته الذي تغلب عليه اللكنة الالمانية ولكنه ما زال يذكر بوضوح كيف أحس 700 مندوبا تجمعوا في فندق ماونت واشنطن الفاخر في ولاية نيو هامبشاير بالمغزى التاريخي لتلك اللحظة.


وقال "كانت هناك قناعة بيننا جميعا بأننا نريد بدء عملية أفضل وكانت كل الوفود مستعدة لتقديم تضحيات وتنازلات بشأن الافكار التي جاءت بها لانها كانت مقتنعة بأنه لابد من خلق نظام جديد."


ومضى قائلا "كانوا مقتنعين بأن هذا المؤتمر لا بد أن ينتهي ببنود اتفاقية لانشاء صندوق النقد الدولي. ببساطة لم يكن من المقبول السماح للمؤتمر بالفشل وكان الناس مستعدون للعمل وفقا لهذا."


ووفقا لمؤرخ صندوق النقد جيمس بوتون فان هذا من أوجه الشبه بين الوضع في عام 1944 واليوم. ويشير بوتون الى أن تجمع 20 زعيما عالميا خلال أسابيع قليلة يظهر أنهم يتعاملون مع الازمة بجدية.


وقال "مثلما حدث في بريتون وودز فان حقيقة أن الجميع يدرك أن عواقب الفشل هائلة تخلق الارادة السياسية التي يمكن من خلالها اجراء تغييرات كبرى."


واضاف "ونحن الان عند هذه النقطة. انها فرصة ونحن بحاجة لانتهازها والاستفادة."

وقد انهار نظام بريتون وودز القائم على أسعار صرف ثابتة مرتبطة بالاحتياطيات الذهبية والدولار مع تحول الدول الصناعية لتعويم عملاتها وتنامي تأثير أسواق رأس المال.


ومع انحسار نفوذ صندوق النقد وتحول اهتمامه الى الدول النامية والناشئة حيث رتب صفقات انقاذ كبيرة في الازمة المالية الاسيوية في عامي 1997 و1998 . وكرر هذا الدور في الازمة الحالية بمد يد العون لايسلندا والمجر واوكرانيا.

وقال بولاك الذي كان من كبار الاقتصاديين في صندوق النقد طوال ثلاثة عقود ان الاقتصادات الناشئة يجب أن تتمتع بسلطة تصويت أكبر في مجلس الصندوق المؤلف من 24 عضوا. وذكر أنه ينبغي لدول اليورو أن تدمج مقاعدها الثمانية في مقعد واحد لافساح مكان للاخرين.


كما قال انه جرى تحذير الحكومات بل وحتى الان جرينسبان الرئيس السابق لمجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الامريكي) بشأن الازمة المالية المتفاقمة ولكنهم لم يصغوا.


واضاف "الاتجاه العام للادارة الامريكية الحالية كان الاعتقاد بأن هذه الامور تتلاشى من تلقاء نفسها وأنه ينبغي للحكومة أن تظل بعيدة عن المسألة كلها لكن اتضح أن هذا خطأ قاتل."


ويرى بولاك أن صندوق النقد الدولي نفسه ليس منزها عن الخطأ فهو لم ينصت لكل النصائح التي قدمت له. ولا يزال بولاك يذهب لمكتبه في مقر صندوق النقد بواشنطن أربعة أيام في الاسبوع.


وسيعقد صندوق النقد مؤتمره السنوي يوم الخميس ويوم الجمعة الذي سيتم فيه تكريم بولاك على مساهماته في الابحاث الاقتصادية التي تمثل "نموذج بولاك" الذي يشرح ميزان مدفوعات أي دولة بمصطلحات نقدية والذي ساعد في التخطيط لقروض صندوق النقد طوال أكثر من أربعة عقود.

لكن بولاك لا يتوقع أن يسعى زعماء العالم الذي يجتمعون في واشنطن في اليوم التالي للاستماع لرؤيته التاريخية للازمة المالية الحالية