الاقتصادية - ليست فقط سمعة الرأسمالية التي تلقت ضربة من الأزمة المالية. الهيبة التي تميزت بها الديمقراطية، هي الأخرى، تلقت ضربة في الصميم. كنا معتادين على الحديث عن "الرأسمالية الديمقراطية" و"الديمقراطية الليبرالية" و"رأسمالية الديمقراطية الليبرالية" كما لو أن كل هذه المنتجات التي أفرزها تطورنا الفلسفي يمكن ربطها بعضها مع بعض. وفي أوقات الرخاء كان ذلك أمراً ممكناً، لكن هناك ظروفا يضطر فيها الناس أن يختاروا الشيء الذي يريدونه أكثر من غيره؛ الديمقراطية أو الرخاء. ونحن اخترنا الأخير.

الهيئات المنتخبة تبدو هيئات فاسدة، مرتشية، وتفتقر إلى النظام. فقبل أسبوع رفض الكونجرس الأمريكي البرنامج الذي اقترحه هانك بولسون لإنقاذ الأصول المتعثرة. وتم إنقاذ مشروع القرار الخاص بهذا البرنامج ليس من خلال المزيد من التداول حوله، وإنما من خلال شراء أصوات أعضاء الكونجرس بالإنفاق على مشاريع للكسب السياسي. هذا الأسلوب يعد رمزاً حياً للفساد في الجهاز التشريعي الأمريكي. وأكبر مصدر للقلق في أوساط الشعب هو أن برنامج إنقاذ الأصول المتعثرة يشكل ورطة مالية مثل ورطة العراق: إظهار "الفزع والخوف" الذي لم يعجب الناس الذين من المفترض أن يعجبهم. هذا الخوف تم تأكيده عندما انهارت السوق بعد إجازة برنامج إنقاذ الأصول المتعثرة. وفي المملكة المتحدة، عندما وضع كل من جوردون براون وأليستير دارلينج الخطة الخاصة بهما خلال يومي الأربعاء والخميس الماضيين، التي يقال إنها خطة إنقاذ تتميز بالابتكار، هبطت قيمة الأسهم بدرجة أكبر. فهذه البرامج حتى لوكانت مصممة على نحو جيد، وحتى لو كانت تعمل على نحو مثالي، إلا أنها تنطوي على تنازل عن امتيازات ديمقراطية ضخمة لخبراء غير منتخبين.

هناك نبرة شماتة واضحة في أوساط العديد من المعلقين الذين يطلقون النار على السوق الحرة وعلى الرأسمالية، مستخدمين مصطلحات أكاديمية. لقد ظلت تلك دائماً حجة وهمية – فالرأسمالية "الجامحة" و"الهمجية" حاضرة أكثر في أذهان المنتقدين أكثر من حضورها في أذهان المدافعين. وقبل بضعة أشهر، ربما كان من الممكن الاعتقاد أن مثل هذه النهج الفكري هو النهج السائد. لكن إذا كانت رأسمالية السوق فكرة حقيقية، يتمسك بها الناس بشدة، فسيكون هناك أشخاص متمسكون بها حتى اليوم، مجادلون بأن من لم يضع أمواله في الذهب أو يقوم بدفنها في الحديقة الخلفية يستحق درساً لن ينساه على الإطلاق.

هناك أسطورة محببة تقول إن العقديين المتعصبين (أو الأيديولوجيين) يقحموننا في مشكلات من هذا القبيل، ويأتي أصحاب النهج الواقعي ليخرجوننا منها. وفي حقيقة الأمر، الاختلاف بين المتعصبين والواقعيين يصعب تحديده. فقد وصلنا إلى هذه الفوضى بطريقة واقعية، إذ كنا نتبع طريقة نجحت في السابق. ففي التسعينيات كان توريق الرهونات العقارية والمشتقات المختلفة يقدم فيما يبدو طريقة متطورة لإدارة المخاطر. وأي شيء يثبت نجاحه يتم الإكثار من استخدامه على نحو مفرط. وكلما استمر النظام فترة طويلة دون أن ينهار، كان الحافز أكبر لتجريد النظام من حماية "العطاء". لقد أصبح النظام أكثر تعقيداً، وأكثر تنوعاً ورشاقةً (وحسب ما علمنا الآن) أكثر هشاشةً. كانت هناك تجاوزات هائلة، لكنها تجاوزات النهج الواقعي، وليست تجاوزات فكرية.

وطوال هذه الأزمة، كان ذوو النهج الواقعي وليس المتشددون هم الذين يمسكون بالمحراث. وحتى قبل نحو أسبوعين كان مراقبو السوق يثيرون لغطاً ويتحدثون عن استيعاب السلطات الأمريكية "دروس اليابان" في حقبة التسعينيات، وأنها لن ترتكب الخطأ الذي ارتكبته بنوك اليابان عندما حمَّلت موازناتها أصولا سامة عرقلت اقتصادها عقدا من الزمان. والآن الاحتياطي الفيدرالي ووزارة المالية توصلا إلى فكرة إنقاذ المؤسسات المالية من خلال شرائها. وربما ينتهي الأمر بالغرب إلى وضع مشابه تماماً للوضع الياباني، مع بعض الاختلافات: اقتصاد يتميز بقدر أكبر قليلاً من الحركة الديناميكية ومعدلات ادخار منخفضة إلى درجة مريعة.

ألان جرينسبان، الذي تمت التضحية به كبش فداء للتجاوزات التي حدثت في المشتقات، دافع عن نفسه بالقول إن هناك فشلا أخلاقيا من جانب أولئك الذين يتولون إدارة تلك المشتقات، إذ تضافر الجشع مع عدم المسؤولية. وقال في جامعة جورج تاون الأسبوع الماضي: "في نظام سوق يقوم على الثقة، السمعة لها قيمة اقتصادية كبيرة. وبالتالي، أنا مستاء من مدى تفريطنا في الاهتمام بالسمعة في السنوات الأخيرة". لكن لا يحتاج الأمر إلى وجود ضغينة خاصة لتفسير ما كان يجري خلال الأسابيع القليلة الماضية – فقط يتطلب نوعا إنسانيا جداً من الغفلة.

كانت وصفة فرانكلين ديلانو روزفلت للخروج من الأزمة الاقتصادية تتمثل في "التجريب الشجاع المستمر". في واقع الأمر التجريب الشجاع المستمر هو كل ما لدينا. في الثلاثينيات، قدم روزفلت الأمل للشعب الأمريكي في ظل تدخل مكثف من قبل الحكومة في الاقتصاد. وما إذا كانت الآثار الاقتصادية لمبادئ الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي إيجابية أو سلبية، فهذا أمر مفتوح للنقاش. لكن لأنه كان أمراً محبوباً سياسياً، فقد تم تمديده وتوسعته عبر الحقب الزمنية. وتم اتباع النهج نفسه في كل بلدان الغرب: مساعدة معقولة وواقعية لأسر الطبقة العاملة، بالطلب الشعبي، تم تقديمها حتى تحولت إلى فقاعة – فقاعة منفعة، أو فقاعة أجور، أو فقاعة تكوين النقابات، أو سمها ما شئت. وفي السبيعينيات، برزت تلك الفقاعة فجأة، ما وضع الاقتصاد العالمي في خطر. وكانت النتيجة "تجريب شجاع مستمر". ووفقاً لتاتشر وريجان، أكثر جزء مؤثر منها كان فكرة "مجتمع المِلكية".

التعصب للرأي منهج واقعي نجح في اختبار الزمن. فالمؤسسات تميل لأن تتشكل في أوقات الأزمة. والأفكار التي تفشل يتم التخلص منها، والأفكار التي تنجح يتم الاحتفاظ بها وتوسعتها، ثم توسعتها على نحو أكبر حتى تنهار. مشاكل 30 عاماً من الآن سيتضح أنها مخبأة في مكان ما في أجزاء من حزم الإنقاذ التي ظهرت اليوم، التي انتهى بها الأمر أن تصبح أكثر فاعلية. وإذا كنا محظوظين، فإن أكثر الأجزاء فاعليةً ستكون الأجزاء التي تجد أكبر قدر من القبول الأخلاقي. لكن ذلك ليس أمراً لا مناص منه. وفي السياسة العلاقة المتبادلة غالباً ما ترتبط بالسببية. فانتعاش الاقتصاد الروسي بعد أزمة الروبل عام 1998 تزامن مع وصول فلاديمير بوتين للسلطة. وإذا تزامنت الإدارة القوية مع الرخاء، فإن الشعب أحياناً يفترض أن الإدارة القوية تعني الرخاء. ومن نافلة القول إن الزعماء دائماً يفكرون على هذا النحو.