الاقتصادية - اعتبر تقرير أصدرته شركة جدوى للاستثمار أمس، أن تركيز البورصات العالمية ما زال منصباً على خطة الـ 700 مليار دولار التي طرحتها وزارة الخزانة الأمريكية لشراء أصول المؤسسات المالية المتعثرة، وكانت المحادثات بين الحزبين الرئيسين في الولايات المتحدة حول الصيغة النهائية للخطة قد تعثرت الخميس لكنها عادت بزخم أمس الجمعة عقب ما وصف بأنه أكبر انهيار لمؤسسة مصرفية في تاريخ الولايات المتحدة وهي مؤسسة واشنطن ميوتشوال Washington Mutual .

ومن المقرر أن تتواصل المفاوضات أمس السبت على أمل التوصل إلى اتفاق بحلول يوم الإثنين, وأسهمت الاعتبارات السياسية في تعقيد المفاوضات, خصوصاً أنه لم يتبق إلا ستة أسابيع لانتخابات الرئاسة الأمريكية.

وكان الجهاز الحكومي الذي يشرف على عمل المصارف الأمريكية قد أغلق أبواب مؤسسة واشنطن ميوتشوال يوم الخميس، وهي مؤسسة متخصصة في القروض العقارية والاستهلاكية عقب القلق الدائر منذ فترة حول قيمة أصولها المالية, ما أدى إلى تدافع العملاء لسحب إيداعات بلغت قيمتها 16.7 مليار دولار في غضون الأيام العشرة الأخيرة. ووافق بنك جي بي مورجان على شراء جميع العمليات المصرفية لمؤسسة واشنطن ميوتشوال.

وقال التقرير الذي أعده براد بولارند رئيس الدائرة الاقتصادية في شركة جدوى للاستثمار، إن الاهتمام تحول أمس الأول إلى مؤسسة واكوفيا Wachovia, وهي سادس أكبر مصرف أمريكي، حيث بلغت الأصول المتعثرة في حوزته نحو 122 مليار دولار (مقارنة بـ 31 مليار دولار في حالة واشنطن ميوتشوال)، خصوصاً القروض التي تحمل خيار تعديل سعر الفائدة (وهي منتج يتعلق بقروض الرهن العقاري يتصف بالمرونة الكبيرة كان قد تأثر بشدة عقب تزايد حالات الإعسار بين المقترضين الأفراد)، ما أدى إلى هبوط أسعار مصرف واكوفيا بنحو 30 في المائة أمس وحدا بالبنك إلى الإسراع في عقد مفاوضات مع المشترين المحتملين. وكانت أسهم عديد من البنوك الإقليمية الأصغر حجماً والتي تمتلك محافظ أصول تتشابه مع محفظة واكوفيا قد تعرضت لضربات قوية أمس الجمعة، مثال مؤسسة ناشيونال سيتي كوربوريشن National City Corporation من منطقة وسط غرب أمريكا التي تدهور سعر سهمها بنحو 26 في المائة ومثال مؤسسة دواني فاينانشيال Downey Financial من ولاية كاليفورنيا التي تدهور سهمها بنحو 48 في المائة.

لا تزال المؤسسات المالية في أوروبا التي انتقلت إليها العدوى تعاني، حيث تراجعت أسعار كل من البنك البلجيكي الهولندي وشركة فورتيس للتأمين Fortis بواقع 20 في المائة أمس لمخاوف تتعلق بأوضاع السيولة فيهما. ومن المقرر أن تجتمع السلطات التنظيمية خلال اليومين المقبلين لاتخاذ قرار بشأن مستقبل "فورتيس". كذلك تعرضت شركة التسليف العقاري البريطانية برادفورد آند بينغلي Bradford & Bingley لأكبر انخفاض في سعر سهمها على الإطلاق، ما استدعى تدخل الحكومة للبحث عن مشتر لها, خصوصا عقب اللغط حول نوعية القروض العقارية في محفظتها (تدهور سعر سهمها بمعدل 95 في المائة من أعلى نقطة سجلها).

ينعكس فقدان الثقة بسلامة أوضاع المؤسسات المالية في تردد البنوك في إقراض بعضها بعضاً، بينما ترتفع الفائدة على القروض بين البنوك وتتزايد الفروق بين الفائدة على القروض بين البنوك والفائدة على سندات الخزانة الأمريكية (وارتفعت تلك الفروق إلى أعلى مستوى لها منذ 25 عاماً تقريباً في إشارة إلى مدى فقدان البنوك الثقة ببعضها بعضا). ولجأت البنوك المركزية مرة أخرى إلى ضخ مزيد من السيولة قصيرة الأجل في الأسواق خلال اليومين الماضيين، لكن يبدو أن الحذر الشديد هو سيد الموقف بالنسبة إلى البنوك, وهي على أعتاب نشر ميزانيتها للفصل الثالث (حيث إن نتائج المركز المالي في نهاية كل فصل تنعكس على تقييم السوق لأداء الشركة).

وارتفع مؤشر إس آند بي 500 الأمريكي (S&P 500) بواقع 0.3 في المائة أمس بعد أن شرعت المحادثات حول خطة إنقاذ المصارف المتعثرة تستجمع قواها، وطرأ ذلك عقب إغلاق البورصات العالمية الأخرى التي تراجعت في أوروبا بمعدل يراوح بين 1.5 و2 في المائة وبمعدل 1 في المائة في اليابان وهونج كونج. وفيما يتعلق بالأداء الأسبوعي للبورصات، فقد تراجع مؤشر إس آند بي 500 بنحو 3.3 في المائة وتراجعت البورصات الأوربية بمعدل 1 ـ 2 في المائة وظلت بورصة طوكيو عند مستوياتها نفسها تقريباً.

التداعيات:
* لا يزال جل تركيز الأسواق منصباً على خطة الإنقاذ الأمريكية، وأغلقت السوق تداولات الجمعة على أمل التوصل إلى اتفاق ما خلال العطلة الأسبوعية؛ لكن فشل ذلك ستترتب عليه في الغالب ردة فعل سيئة من قبل الأسواق العالمية.

* لن تتأهل المصارف الأجنبية للمساعدة بموجب الخطة الأمريكية, لذا تترقب الدول الأخرى نتائج المفاوضات الدائرة في الولايات المتحدة وتتأمل في الخيارات المتاحة لها كي تتصرف. وكانت وزارة الخزانة الأسترالية قد أعلنت أمس خطة مشابهة للخطة التي يدور الجدل حولها في الولايات المتحدة حالياً تبلغ قيمتها 48 مليار دولار. بينما تشير المشكلات التي تتعرض لها "فورتيس" و"برافورد آند بينغلي" بوضوح إلى أن المؤسسات المالية الأمريكية ليست الوحيدة المتأثرة من هذه الأزمة.

* وفي حال استمرارها، نتوقع أن يتأثر الاقتصاد السعودي من أسعار الفائدة المرتفعة على القروض بين البنوك العالمية. وكانت عمولة الاقتراض بين البنوك السعودية قد تضاعفت منذ أيار (مايو)، والآن وفي سياق الارتفاع الكبير في الفوائد بين البنوك العالمية فإن مقدرة الشركات المحلية على الاقتراض تصبح أكثر تكلفة. ومن شأن عمليات الشركات المحلية أن تتأثر في حال عدم توافر التمويل المطلوب.