طفل في محفظة .. بقلـم علاوة حاجي ( المغرب )
هذه أول ليلة يقضيها داخل محفظة (حقيبة) , هو لم يفعل ذلك لأنه يهوى قضاء الليالي داخل المحافظ , و هي لم تستوعبه لأنها كبيرة فحسب , بل لأن جسده الضئيل قد يختبئ في أي مكان !
من داخلها سمع أباه يصرخ : أين يمكن أن يختبئ ذلك الفأر الصغير ؟
ثم صوت أمه التي توزع المهام على إخوته العشرة : أنت ابحث عنه فوق , و أنت تحت ..
أنت ابحث عنه هناك , و أنتِ فتشيّ عنه هناك ... لا تتركوا مكاناً دون أن تبحثوا فيه جيداً , أنتم تعرفون أن بإمكانه الاختباء في أي مكان .
- ربما أكله القط !
كان قد نام دون أن يسمع هذا التعليق الخبيث الذي صدر من أحد إخوته , و القهقهات التي تلته , و الصفعة القويّة التي ختمتْ المشهد !
***
- أتسمي هذا كرّاساً أيها الصعلوك الصغير ؟
لم تكتفِ المعلمة بإمساكه من أذنيه و جذبهما بشدة , بل ضربته بالطلاسة نافضة ً غبار الطبشور على رأسه , ضحك زملاؤه الذين يطلقون عليه
لقب القزم , فشعرت المعلمة بأنها تقوم بعمل بطولي , و راحت تشدّ أذنيه بقوة أكبر كلما ارتفعتْ أصوات التلاميذ بالضحك .
بعد نهاية الدرس , خرج من الصف منهكاً , جسده منحن إلى الأرض و أذناه اللتان اصطبغتا باللون الأحمر تؤلمانه , محفظته الضخمة تثقل
كاهله , وبدا مثل حمال مسن ٍ بائس ... نزع المحفظة من على ظهره و راح يجرّها في الوحل حتى وصل إلى المنزل .
حين رأته أمه مكتسيّاً بياض الطبشور , و مُحمر الأذنين , صرختْ : ماذا حلّ بك يا ولد ؟
- ضربتني المعلمة .
- مستحيل .. كيف تجرؤ على اتهام الآنسة بديعة بمثل هذا الكلام أيها الكاذب ؟
و لما كان الكلامُ أحدَ جُزئي معاملة الأم مع أبنائها , فقد أردفته بصفعة كادتْ تُسقطه أرضاً .
عندما عاد والده من العمل في آخر النهار , هرع إليه ليشكو قسوة َ أمه و معلمته , و بما أنه رأى محفظته المُلطخة بالوحل , فقد جاد عليه
بصفعتين اثنتين هذه المرة .
انسحب الطفل إلى إحدى الغرف و هو يبكي , و منها سمع أباه يقول لأمه :
- يبدو أن المحفظة كبيرة عليه .
- صحيح , لدرجة أنني أصبحتُ أشكّ في أنها أثّرتْ على نموه .
- بسيطة .. سأرميها غداً و أشتري له محفظة ً جديدة .
حين سمع هذا الكلام , اتجه مباشرة ً إلى محفظته , دخل إليها , تكّوم فيها و هو يتمنى أن يرميه أبوه معها في الصباح , ليشتري محفظة ً جديدة
و طفلاً جديداً.