الاقتصادية - قبل أربعة أشهر شاركت في ندوة في الحي المالي في لندن حول موضوع أحجار الدومينو المتساقطة. كانت الفكرة الرئيسية هي مناقشة ما المؤسسات التالية التي يمكن أن يضربها شطب قيم الموجودات. ولم يكن أحد يريد في تلك المناسبة الحديث عن ذلك الأمر.

كان الرأي السائد في الندوة أن الأذى الذي تعرضت له البنوك انتهى، أو على الأقل تم احتواؤه، وبالتالي آن الأوان للتركيز على المرحلة التالية، أي الآثار الواقعة على الاقتصاد الحقيقي.

إن حقيقة وقوع عدد كبير من رجال المصارف ومحترفي الاستثمار في مثل هذا الخطأ الكبير تعتبر ترياقاً شافياً مفيداً للحركة النشطة للغاية في الوقت الراهن، كما أنها تذكرنا كذلك بأن تلك الآثار الثانوية التي نسيت خلال التدافع الحالي، لم تنته بعد.

إن الحركة النشطة للغاية هي بالطبع نتاج للخطط الأمريكية موضع النقاش لإنقاذ النظام المالي، وهي خطط تمضي على خطى "ريزوليوشن ترست كوربوريشن" التي أنشأت عام 1989. والتفاصيل شحيحة، لكن بعض الحذر مطلوب.

أولاً، المهمة التي تتولاها "ريزوليوشن ترست" كانت بسيطة على الرغم من كبرها، وهي إنقاذ الصناعة الأمريكية القوية. أما المهمة في أيامنا هذه، فهي تدعيم الهيكل الهندسي للنظام المالي العالمي.

ويُظهر ذلك الهيكل الهندسي في الوقت الراهن عيوباً هيكلية عميقة. فالكثير من العناصر التي غذت النمو الانفجاري للنشاط المصرفي العالمي خلال السنوات الأخيرة، وهي المشتقات المالية المعقدة، ونظام الإقراض القائم على قاعدة "أنشئ ووزع"، ونظام الظل المصرفي برمته، لن تعود بصورتها القديمة، وبعضها لن يعود أبداً.

أما بالنسبة للأحداث الغريبة التي شهدتها الأيام القليلة الماضية، يمكن أن يجادل البعض بأنها لم تكن أنباءً بالمعنى الحقيقي. فقد كنا نعلم أن ليمان براذرز كان يتجه للاصطدام بالصخور، وأن المجموعة الأمريكية الدولية AIG كانت في وضع مهتز. وكنا نعرف كذلك أن البنوك ستتراجع، وأن الاندماج أمر حتمي.

ذلك صحيح في بعض الجوانب فقط. فلم نكن نعرف أن مؤسسة أمريكية مبجلة مثل مورجان ستانلي يمكن أن تكون عرضة للمشكلات، والمتشائم الفعلي وحده هو الذي كان يمكن أن يقول الشيء نفسه عن بنك HBOS. وبالنسبة للدمج، فإن الاندماجات التي تمت خلال 48 ساعة ليست هي أفضل وسيلة لهيكلة صناعة ما. فكل الاندماجات تحمل مخاطر، والتي تتم دون عناية ملائمة ترقى إلى التهور الطائش.

كان من المتوقع أن ينجز باركليز صفقة انتهازية مع ليمان. لكن بعض الاقتراحات الأخرى كانت نتاج اليأس. وتبدو فكرة اندماج مورجان ستانلي مع واتشوفيا ، مثلا، قائمة على أساس أن مخاطر التمويل المختلفة التي يواجهها بنك تجزئة متعثر، ويواجهها كذلك بنك محاصر، تلغي بعضها البعض.

بالنسبة للاندماج الذي تم في المملكة المتحدة بين لويدز تي إس بي وHBOS، قامت إدارة لويدز بمحاولات رمزية للقول إنها كانت تخطط لتلك الصفقة. ولا يمكن لذلك أن يكون صحيحاً تماماً، ما لم يكن لدى هذه الإدارة ما يكفي من البصيرة لتوقع أزمة بمثل هذه الشدة، بحيث تدفع الحكومة البريطانية إلى تجاوز سلطات المنافسة.

الواقع هو أن هذه الصفقة المقترحة يمكن أن تظل رهينة للحظ. وإذا نجحت الخطة الإنقاذية الأمريكية العظمى، فإن المنطق يقول إن مثل هذا الاندماج الضخم الذي تجاوز سلطات المنافسة يجب أن يُلغى.

أما إذا لم تنجح، فإن ذلك يرقى إلى اعتراف من جانب الحكومة بأن الخطة غير ناجحة. أثناء ذلك، ماذا عن تلك الآثار من الدرجة الثانية على الاقتصاد الحقيقي؟ هنا نجد متفائلاً نسبياً هو أندرو سكوت، أستاذ الاقتصاد في مدرسة لندن لإدارة الأعمال.

فهو يقول إذا كان على البنوك أن تحقق المزيد من تخفيف مديونيتها، فإن ذلك يعني أن عليها أن ترغم زبائنها على فعل الشيء نفسه. ولذلك على المستهلكين أن يعيشوا في حدود دخولهم، أو حتى الإبقاء على ميزانياتهم دون ذلك إلى حد ما.

من الممكن أن يثبت ذلك أنه عملية تستغرق فترة طويلة، لكن البروفيسور سكوت يجادل بأن ذلك لا يعني أن الركود سيستغرق الفترة الطويلة ذاتها. وبلغت فترة أطول ركود أمريكي خلال السنوات الستين الماضية 18 شهراً. وظلت اليابان في قبضة ضائقة مصرفية بمستوى متدن لنحو 20 عاماً، وشهدت تلك الفترة ثلاث دورات لقطاع الأعمال.

والأكثر من ذلك، كما قال وزير الخزانة الأمريكية، إن عودة التعافي الحقيقي تبدأ فقط حين تتوقف أسعار المنازل عن التراجع. ويمكن أن يجادل البعض بأن الخطة العظمى لضخ مزيد من السيولة في البنوك يمكن أن تساعد على ذلك.

من المؤكد أن ذلك لن يسبب أذىً، إذا كان يعني عدداً أقل من عمليات الحجز على الممتلكات المرهونة. لكن يمكن أن يكون من السذاجة الاعتقاد أن السبب الوحيد لتراجع الأسعار هو العجز في التمويل الرهني. وحتى لو أعيدت إليها السيولة مرة أخرى، لن تندفع البنوك إلى الممارسات الإقراضية المتطرفة التي اذكت نيران الانتعاش الإسكاني في المقام الأول.

مع ذلك، بعض المستثمرين يعتقدون، بشكل صريح، أن الأسواق وصلت إلى القاع. ونجد في المملكة المتحدة، مثلا، أن عائد المشتقات المالية تجاوز في الأسبوع الماضي عائد سندات الخزانة التي تستحق بعد عشر سنوات. وحين حدث ذلك آخر مرة في الأسواق البطيئة عام 2003، تصاعدت قيمة الأسهم عالياً.

لكن ربحية الشركات في ذلك الحين كانت مرتفعة إلى مستويات قياسية وغير مستدامة. أما الآن، فإنها تتراجع، بحيث لا يستطيع حتى النظام المصرفي المتعافي سوى فعل القليل لإيقاف ذلك.

إذن، هذا الأمر يمكن أن يكون نقطة التحول العظمى بالنسبة للاقتصاد والأسواق. ربما تكون هذه نهاية البداية، لكن مازال هناك طريق طويل للمضي فيه.