مجموع فتاوى ابن تيمية في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
فأجاب:
أما الحديث المذكور، فهو كذب موضوع، باتفاق أهل العلم. وكذلك الحديث الآخر. وكذلك سائر ما يروى في رفع الصوت بالصلاة عليه، مثل الأحاديث التي يرويها الباعة لتنفيق السلع، أو يرويها السؤال من قصاص وغيرهم لجمع الناس وجبايتهم، ونحو ذلك.
والصلاة عليه هي دعاء من الأدعية، كما علم النبي صلى الله عليه وسلم أمته حين قالوا: قد علمنا السلام عليك، فكيف الصلاة عليك فقال: (قولوا: اللهم صل على محمد وعلي آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وبارك على محمد وعلي آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) أخرجاه في الصحيحين. والسنة في الدعاء كله المخافتة، إلا أن يكون هناك سبب يشرع له الجهر/ قال تعالى: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55]، وقال تعالى عن زكريا: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا} [مريم: 3]. بل السنة في الذكر كله ذلك، كما قال تعالى: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} [الأعراف: 205]. وفي الصحيحين أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا معه في سفر، فجعلوا يرفعون أصواتهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس، أرْبَعُوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصَمَّ، ولا غائبًا، وإنما تدعون سميعًا قريبًا، إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته). وهذا الذي ذكرناه في الصلاة عليه والدعاء، مما اتفق عليه العلماء، فكلهم يأمرون العبد إذا دعا أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كما يدعو، لا يرفع صوته بالصلاة عليه أكثر من الدعاء، سواء كان في صلاة، كالصلاة التامة، وصلاة الجنازة، أو كان خارج الصلاة، حتى عقيب التلبية، فإنه يرفع صوته بالتلبية، ثم عقيب ذلك يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو سرًا، وكذلك بين تكبيرات العيد إذا ذكر الله، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه وإن جهر بالتكبير، لا يجهر بذلك.
وكذلك لو اقتصر على الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم خارج الصلاة مثل أن يذكر فيصلي عليه، فإنه لم يستحب أحد من أهل العلم رفع/ الصوت بذلك، فقائل ذلك مخطئ مخالف لما عليه علماء المسلمين.
وأما رفع الصوت بالصلاة أو الرضا الذي يفعله بعض المؤذنين قدام بعض الخطباء في الجمع، فهذا مكروه أو محرم، باتفاق الأمة، لكن منهم من يقول: يصلي عليه سرًا، ومنهم من يقول: يسكت. والله أعلم.
فأجاب:
الحمد لله، ليس هذا الدعاء مأثورًا عن أحد من السلف. وقول القائل: حتى لا يبقى من صلاتك شيء، ورحمتك شيء ـ إن أراد به أن ينفد ما عند الله من ذلك ـ فهذا جاهل. فإن ما عند الله من الخير لا نفاد له ـ وإن أراد أنه بدعائه معطيه جميع ما يمكن أن يعطاه، فهذا ـ أيضًا ـ جهل. فإن دعاءه ليس هو السبب الممكن من ذلك.
فأجاب:
الحمد لله، مذهب الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين أنها واجبة في الصلاة، ولا تجب في غيرها، ومذهب أبي حنيفة، ومالك وأحمد في الرواية الأخرى أنها لا تجب في الصلاة، ثم من هؤلاء من قال: تجب في العمر مرة، ومنهم من قال: تجب في المجلس الذي يذكر فيه، والمسألة مبسوطة في غير هذا الموضع. والله أعلم.
فأجاب:
الحمد لله رب العالمين، ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من صلى على مرة، صلى الله عليه عشرًا). وفي السنن عنه أنه قال: (ما اجتمع قوم في مجلس فلم يذكروا الله فيه، ولم يصلوا فيه علي، إلا كان عليهم تُرَّة يوم القيامة). والتُّرة: النغص والحسرة. والله أعلم.
/فأجاب:
الحمد لله، قد تنازع العلماء: هل لغير النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي على غير النبي صلى الله عليه وسلم مفردًا؟ على قولين:
أحدهما: المنع، وهو المنقول عن مالك، والشافعي، واختيار جدي أبي بركات.
والثاني: أنه يجوز وهو المنصوص عن أحمد، واختيار أكثر أصحابه: كالقاضي، وابن عقيل، والشيخ عبد القادر. واحتجوا بما روي عن علي أنه قال لعمر: صلى الله عليك.
واحتج الأولون بقول ابن عباس: لا أعلم الصلاة تنبغي من أحد على أحد، إلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا الذي قاله ابن عباس، قاله لما ظهرت الشيعة، وصارت تظهر الصلاة على علي دون غيره، فهذا مكروه منهي عنه، كما قال ابن عباس.
وأمـا مـا نقل عـن علي، فإذا لم يكن على وجه الغلو وجعل ذلك شعارًا لغير الرسـول، فهذا نوع من الدعاء، وليس في الكتاب والسنة ما يمنع منه، وقد قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} [الأحزاب: 34]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام / في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يحدث). وفي حديث قبض الروح: (صلى الله عليك وعلى جسد كنت تعمرينه).
ولا نزاع بين العلماء أن النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على غيره كقوله: (اللهم صلِ على آل أبي أوفى) وأنه يصلي على غيره تبعًا له، كقوله: (اللهم صلِ على محمد وعلى آل محمد). والله أعلم.
منقول للفائدة من كتاب مجموع فتاوى ابن تيمية / المجلد الثاني والعشرون
رد: مجموع فتاوى ابن تيمية في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
رد: مجموع فتاوى ابن تيمية في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم