وفيه عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«لا تكذبوا عليَّ؛ فإنه من يكذب عليَّ يلج النار».
وفيه عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:
«من تعمد عليَّ كذبًا: فليتبوأ مقعده من النار».
فلا يجوز أبدًا نشر أي حديث أو أي دعاءٍ حتى نعلم ما مصدره، ومَنْ رواه، ثم لا يكفي هذا حتى نعلم هل هو صحيح أو حسن -فنرويه-؟ أم هو ضعيف أو موضوع -فنمتنع عن نشره-؟
أمّا أن ننشر كل ما يردنا وكل ما نسمعه دون تثبّت: فهذا لا يحلّ ولا يجوز، بل فيه وزرٌ وإثم، كما روى مسلم في مقدمته عن حفص بن عاصم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
«كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع»، ورواه عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضًا.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «بحسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع»، رواه مسلم في المقدمة.
فينبغي أيها الإخوة الفضلاء من التثبّت من الأحاديث التي ننشرها، ولابد من البحث عن أسانيدها هل صحت أم لم تصح، فكما قال التابعي الجليل محمد بن سيرين:
«إن هذا العلم دين فانظروا عَمَّن تأخذون دينكم»، رواه مسلم في المقدمة.
وقال الإمام الزاهد عبد الله بن المبارك:
«الإسناد من الدِّين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء»، رواه مسلم أيضًا في مقدمته.
وربّما أكون قد أطلتُ وكررتُ فيما سبق لكن والله الأمر مهم، ونحن لازلنا نعاني من انتشار فوضى الأحاديث الضعيفة والموضوعة والتي لا أصل لها إطلاقًا! والعجيب أن هذه الأحاديث تنتشر بين الناس!! في حين أن الأحاديث الثابتة في الصحيحين وغيرهما لا تجد أحدًا يبذل جهدًا في نشرها بين الناس! ولا حول ولا قوة إلا بالله.
نعاني من هذه الفوضى رغم كل التحذيرات وكل الرجاء الذي نرجوه للإخوة في كل مرة!
نهايته، بخصوص موضوع الملائكة التي تُحيط بالإنسان! أقول:
كلُّ ما ورد فيه من الغيب الذي لا يُعلم إلا من طريق النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يحلّ أن نأخذ به حتى ولو قال به أحد الأئمة! وأنا على يقين أنه لم يقل به (أحد الأئمة) كما يزعم ذلك المدعو عبد الباسط! وهو رجل للأسف الشديد لا يهتم بما يروي من الأحاديث، فدروسه وكلامه مليئان بالأحاديث الضعيفة والموضوعة والغرائب والعجائب! وكلامه فيه من الجهل والتخليط الشيء الكثير
فالحديث الذي استدل به ذلك الرجل على كلامه هذا هو حديث موضوعٌ مكذوبٌ كما قال أهل العلم، فقال الإمام ابن كثير: (حديث غريب جدًا)، وقال العلامة محمود شاكر عن إسناده: (إسناد مشكل منكر)، وقال عن الحديث: (فيه نكارة وضعف شديد)
ويبدو للناظر فيه أنّه ملفّق مركّب من بضعة أحاديث، بعضها صحيح، وغالبها ضعيف بل مكذوب.
فالذي صحّ من عباراته فقط ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون».
وصحّ كذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي قال:
«من صلى البَرْدَيْن: دخل الجنة».
والبردان: هما صلاة الفجر وصلاة العصر كما نصَّ على ذلك أهل العلم.
وكذلك صحّ أن الإنسان محاطٌ بملكيْن ليسجّلا عليه حسناته وسيئاته، فقد قال تعالى: ﴿إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [سورة ق].
وورد حديثٌ -حسنه الإمام الألباني في صحيح الجامع- عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«إن صاحب الشمال ليرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المخطئ، فإن ندم واستغفر الله منها ألقاها، وإلا كتبت واحدة»، وقد رواه الطبراني والبيهقي.
وأمّا كون صاحب اليمين يقول لصاحب الشمال: اكتب، فيردّ صاحب الشمال: أمهله!! فهذا ورد لكن بالعكس!!! ولكن إسناده ضعيف جدًا كما قال الإمام الألباني! بل لقد قال الألباني إنه موضوع، ولفظه: (صاحب اليمين أمير على صاحب الشمال، فإذا عمل العبد الحسنة كتبها له عشر أمثالها، وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال: أمسك، فيمسك عنه سبع ساعات من النهار، فإن استغفر لم تكتب عليه، وإن لم يستغفر كتبت سيئة واحدة)، وانظر ضعيف الجامع والسلسلة الضعيفة للألباني رحمه الله.
فالظاهر أن ملفّق الحديث لم ينتبه فقلب الأمر، والله المستعان.
وأمّا الملائكة التي تحفظ الإنسان: فقد قال تعالى: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾.
هذا ما صح فقط والله تعالى أعلم، وأمّا باقي الكلام، مثل:
(وملك على الجبين: للتواضع وعدم الكبر): فلم أفهم بالضبط المراد منه ولا ما معناه! هل معناه مثلاً أن هذا الملك سيمنع الإنسان من الكبر ويجبره على التواضع؟! أم ماذا بالضبط؟ ولو كان كذلك فلماذا نرى كثيرًا من الناس متكبرين؟! هل تركهم هذا الملك مثلاً؟ حقيقةً لا ندري!
وأيضًا الملكان اللذان (على الشفتين لتسجيل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فقط): فهذا لم يرد في أي حديث صحيح ولا حسن والله أعلم، والصلاة على النبي قربةٌ وطاعةٌ كأيِّ طاعةٍ أخرى يكتبها صاحب اليمين.
وأيضًا (ملكين على العينين: وهم لغض البصر)، لم أفهم!!! هل هما يمنعان المرء من إطلاق بصره في الحرام؟ أم يجبرانه على غض البصر؟!! ولماذا لا نرى أثرًا لهذين الملكيْن المزعومين؟! فلا يخفى عليكم أن كثيرًا من الناس لا يغضُّ بصره، فأين ذهب الملكان؟! لا ندري!
فالخلاصة أن الحديث لم يصح، ولا يجوز نشره بدون التنبيه على ضعفه.
فياليتكم يا إخوة تتثبّتون مما تنشرونه من أحاديث، وجزاكم الله خيرًا على حرصكم على نشر الخير، لكن: «مَنْ حدّث عنّي بحديث يُرى أنه كذب: فهو أحد الكاذبين»!