نقلا عن جريدة الشرق الأوسط اللندنية


الدولار.. ومعركة «كسر العظم»
يسجل أدنى مستوياته مقابل منافسيه في 26 عاما.. فهل اقتربت نهايته؟

أبوظبي: سلمان الدوسري
لم تكن هذه الورقة الخضراء، التي تنازع العالم عليها طويلا، في ضعفها وأقل مستوياتها، كما يحدث للعملة الأميركية هذه الأيام. فالدولار الأميركي يسجل أقل مستوى له في ستة وعشرين عاما مضت أمام الجنيه الأسترليني. وكذلك أقل سعر أمام اليورو على الاطلاق. ربع قرن ظل العالم يرى الدولار كأثمن عملة بلا منازع. بقيت مثلا يحتذى في القوة والمتانة للاقتصاد المثالي، وكلما ربطت دولة عملتها بالدولار، أو زادت من احتياطيها من العملة الخضراء، جاءها الثناء من كل حدب وصوب من اقتصاديي العالم على هذا القرار الحكيم. هكذا ظلت شعوب العالم وحكوماته، الغنية منهم والفقيرة، يرون صورة العام سام وتمثال الحرية، وكل ما في الولايات المتحدة يظهر في صورة ورقة نقدية قوية وصامدة ومثالية، لا تشابهها عملة، ولا تضاهيها قوة اقتصادية.
لكن.. ولأن دوام الحال من المحال، فقد تحول ذلك العملاق تدريجيا إلى عملة ضعيفة تشابه الرجل المريض في نهاياته. ترنح وتلقى الضربة تلو الأخرى، وكلما قال العالم اقتربت عودة الدولار لأمجاده، وانتهت فترة ضعفه التي طالت، خيب ظنهم وزاد من حيرتهم. فهل انتهى عصر الدولار الذي كان العالم يتهافت عليه، ليصبح عملة تبحث الدول الصغيرة والكبيرة عن التخلص من الارتباط به؟ والبحث عن بديل أقوى لتحويل الاحتياطي إليه؟ وهل اقترب من فقدان عرشه المتوج لصالح اليورو أو الجنيه الاسترليني؟ ولو كان ذلك تدريجيا.
قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى مطلع القرن الماضي، كانت عملة الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، الجنيه الاسترليني، هي العملة المتفوقة على المستوى العالمي، وكانت هي وحدها تستخدم كعملة مرغوبة في عقد الصفقات الدولية، تماما كما هو الحال مع الدولار اليوم، وكان المقترضون من كل أنحاء العالم يزورون مدينة لندن لجمع رؤوس أموالهم بالجنيه الاسترليني.
وبالرغم من كل تلك القوة التي كان الجنيه يتحلى بها كعملة قوية وعالمية وحيدة، كما هو الدولار في سنوات عزه السابقة، إلا أن الدولار تمكن من المنافسة شيئا فشيئا مع منافسه الجنيه. قبل أن يتحول كعملة قيادية حول العالم. ولكن كيف حدث ذلك؟ تمكن الدولار من تحدي الجنيه في عام 1914 تحديدا، عندما كان تدفق الذهب إلى الخارج على نحو لم يسبق له مثيل منذ جيل كامل، سبباً في تعريض قدرة أميركا على سداد ديونها في الخارج لخطر كبير. وبسبب خشية الدوائر المالية العالمية من تخلي الولايات المتحدة عن معيار الذهب، فقد هبط سعر الدولار إلى الحضيض في الأسواق العالمية.
لكن وزير الخزانة ويليام جي ماكادو، تمكن بنجاح في أغسطس (آب) عام 1914 من إنقاذ السمعة المالية الأميركية، بعدما قرر عدم التخلي عن معيار الذهب، عندما تخلى الجميع، باستثناء بريطانيا، عن التزاماتهم. وعلى الرغم من الثقة التي اكتسبها الدولار، إلا أن الأمر استغرق ما يزيد على عشر سنوات حتى أصبحت العملة الأميركية تضاهي العملة البريطانية كوسيط دولي للتبادل.
إذن الدولار بدأ تحديه بمقارعته للملك المتوج سابقا، وهو الجنيه الاسترليني. ومما ساعد في تحدي الدولار، تحول بريطانيا من دائن دولي إلى مدين دولي أثناء الحرب العالمية الأولى، حيث اضطرت بريطانيا إلى التخلي عن قابلية تحويل الجنيه إلى ذهب في عام 1919. ومع أن بريطانيا قد عادت مرة أخرى إلى معيار الذهب في عام 1925، إلا أن الجنيه الإسترليني كان قد خسر الجولة، بل الحرب بأكملها، لصالح الدولار، الذي استغل غياب الجنيه أيما استغلال، ليتمكن فيما بعد من الاستفراد بقيادة اقتصاد العالم وسياسته النقدية، باعتباره أقوى العملات وأفضلها مرونة وأكثرهم قدرة على الوثوق به وقت الأزمات.
الدكتور أنس الحجي الاستاذ في كلية الادارة والاعمال بجامعة اوهايو، يرى أن انخفاض الدولار «ظاهرة طبيعية ناتجة عن عوامل اقتصادية متعددة أهمها العولمة، ورحيل الشركات من الدول الصناعية إلى اقتصادات الدول الناشئة»، وهو الذي أثر على ميزان المدفوعات في هذه الدول. ويستخف الدكتور الحجي بأصحاب نظرية المؤامرة حتى في انخفاض الدولار، ويقول «ليس هناك مؤامرة سياسية، ولا يمكن للسياسة أن تؤثر على قيمة الدولار على المدى الطويل. تأثير السياسة على الدولار يتم على المدى القصير، ويتخذ وجوهاً عدة، أغلبها غير مقصود». ويعتقد الحجي أن أغلب ما يقال عن العلاقة بين السياسة والدولار، يقع ضمن نظريات المؤامرة التي لا وجود لها «إلا في رؤوس من يروج لها». مؤكدا أن الدولار ما زال يتربع على عرش العملات، «وانخفاضه دليل قوة وليس دليل ضعف، لأن هناك فرقا كبيرا بين الانخفاض وبين الانهيار». لكن الدكتور أنس يعترف بأن هناك فوائد كبيرة تجنيها الولايات المتحدة من انخفاض الدولار. موضحا أن الدول التي تربط عملاتها بالدولار تتأثر من انخفاض الدولار أكثر من تأثر الاقتصاد الأميركي. وعند العودة إلى الفترة ما بين عام 2000 وعام 2005، فإن الدولار خسر ما يزيد على 25% من قيمته في مقابل اليورو. وفي الوقت نفسه ارتفعت حصة الاحتياطيات الدولية من اليورو من 18% إلى 24%، وهبطت حصة الدولار في الاحتياطيات الدولية من 71% إلى 66%. باختصار، أحرز اليورو سبقاً على الدولار، وبدت دول العالم في اتخاذ خطوات جادة نحو تحويل احتياطياتها باليورو. وربما دخلت العملات الأخرى في مرحلة كسر العظم مع الدولار.
أما الخبير الاقتصادي طارق قيس الصقير من وحدة الابحاث والتطوير لدى شركة تريس داتا انترناشونال، فيرى أن لكل اقتصاد في العالم دورة اقتصادية تتراوح بين قمة تمثل اقصى قدرة كامنة للانتاج وبين قاع يمثل فترة كساد، «وتدخل العديد من المتغيرات في تحديد الرقم النهائي، الذي يمثل الاقتصاد ألا وهو الناتج المحلي الاجمالي، وأحد أهم تلك المتغيرات هو الانفاق الاستهلاكي، والتي كان لها تأثير قاس على اقتصاد الولايات المتحدة، وتباعا على الدولار الأميركي حيث يمثل الانفاق الاستهلاكي ثلثي الانفاق العام في الاقتصاد الأميركي». ويضيف أن اسباب قلق المراقبين من انخفاض معدلات الانفاق الاستهلاكي، تعود الى ان اسواق الرهن العقاري قدمت ما يصل الى 10 تريليونات دولار، لإقراض المستهلك وتغذية معدلات الانفاق الاستهلاكي في الولايات المتحدة، وهذا ما يفسر أهمية قطاع الاسكان كأحد موارد الدخل لتمويل الانفاق الاستهلاكي للفرد. ويزيد «وبالتالي فإن الاضطراب الأخير في اسواق الرهن العقاري، قد يدفع عجلة الانفاق الاستهلاكي الى الكساد، حيث ان أغلب القروض التي يحصل عليها المستهلك، جراء رهن العقار، اصبحت عالية المخاطر، بسبب اتخاذ اسعار المنازل لمنحنى هابط، وعندئذ لا توجد ضمانات كافية لسداد تلك القروض اذا ما هبطت اسعار المنازل الى دون مستويات تقييمها عند طلب القروض، حينها تصبع مسألة تغذية الانفاق الاستهلاكي عقبة في الحفاظ على معدلات الانفاق التي يتطلع اليها الاحتياطي الفيدرالي الأميركي».
ولا غرو أن دول العالم أصبحت رهينة للسياسة النقدية الأميركية، وهذا مرده أولا قوة الدولار (سابقا)، وثانيا المصالح التي ترتبط بها الدول قاطبة مع القوة العظمى، التي أصبحت وحيدة منذ مطلع التسعينات. ولكنها منذ عقود وهي دولة عظمى على كل حال. يمكن القول إن الدولار حقق الكثير من المكاسب للاقتصاد الأميركي على حساب مالكي الدولار، ومن ضمنهم الأميركيون أنفسهم. فمنذ مطلع السبعينات وسقوط قاعدة تحويل الدولار الأميركي إلى ذهب لغير المقيمين إذا رغبوا، لم تعد الولايات المتحدة تتكلف أكثر من ثمن الورق الذي تطبع عليه الدولار. يقول جون سنو وزير الخزانة الأميركي، إننا نؤيد دولاراً قوياً لكن يعود للأسواق أن تحدد قيمة العملات.
المراقبون الاقتصاديون يتفقون على أن انخفاض الدولار يحقق مكاسب جمة للولايات المتحدة. فكل دولة ترغب في تخفيض عملتها حتى تحقق مكاسب في صادراتها، لذا فانخفاض الدولار جعل المنتجات الأميركية أقل تكلفة في الخارج ودعم الصادرات الأميركية. وحتى نتعرف عن المصالح الأميركية من انخفاض الدولار، فإن الحكومات الأوروبية تبدي قلقا من قوة عملتها أمام الدولار، وذلك لأنها ترى في قوة اليورو إضعافا لصادراتها مقابل قوة لنفس المنتجات المصدرة من الولايات المتحدة.
يمكن القول أن تراجع قيمة الدولار الأميركي يعمل على خفض القوة الشرائية للدول الأعضاء في منظمة الأوبك بمقدار الثلث تقريباً، وبشكل جعل الدول النافذة في المنظمة أكثر تردداً في زيادة الانتاج وخفض الأسعار. وعلى الرغم من أن النفط أصبح يتم التعامل به قرب مستواه القياسي الذي سجله في يوليو (تموز) الماضي بأكثر من 78 دولار للبرميل، فإن حسابات «أوبك» خلصت إلى أنه عندما تتم مقارنة الوضع مع التضخم وضعف الدولار، فإن متوسط أسعار الخام في 12 دولة من أعضاء «أوبك» قد شهدت انخفاضاً حقيقياً خلال العام الماضي.
الدكتور مؤيد وهيب مدير إدارة المعلومات في اتحاد غرف التجارة والصناعة بدولة الامارات العربية المتحدة، يعتقد أن الدولار، ومهما أصابه من ضعف، يبقى عملة قيادية «وهي رمز ثقافي للولايات المتحدة». مشيرا إلى أن ان الهبوط الذي يواجهه في الوقت الراهن، «هو نتيجة طبيعية وتحصيل حاصل للتطورات والتغيرات في الساحة العالمية سواء العوامل الرئيسة التي تحدد سعر الصرف في دولة ما، ومعدل الفائدة، ومعدل نمو الناتج المحلي الإجمالي، وميزان الحساب الجاري، والاستقرار الاقتصادي والسياسي من ضمن عوامل أخرى». ويضيف «سابقا الكل يعرف أن مؤسسات النظام النقدي الدولي تقوم على مبدأ الحرية الأقتصادية، اي حرية الاسواق، وأن قاعدة الذهب أو قاعدة الفضة الدولية التي استخدمت سابقا، كانت في الواقع النظام النقدي المعياري في تحديد الالتزامات بحرية السوق. أما في الوقت الراهن، فإن كلا من الذهب والفضة انتهى دوره كنقد. منذ ابرام معاهدة بريتون وودز التي أنشأت كذلك صندوق النقد الدولي». ويتساءل الدكتور مؤيد، وفي ظل تعدد العملات الوطنية، أي أسعار للصرف تكون أكثر اتساقا مع الأسواق المالية العالمية؟ ويجيب عن سؤاله بالقول «بالتأكيد لا يمكن أن يكون هناك نظام مشابه لنظام سعر الصرف الذي انهار في بلدان العالم الأقل نموا على مدى السنوات الأخيرة، والذي يستند إلى قيام المصارف المركزية بربط العملة المحلية بعملة أجنبية عند سعر صرف مصطنع، (كما هو الحال بدول مجلس التعاون الخليجي التي تربط عملاتها بالدولار)، لكنه يحتفظ بسلطة تخفيض قيمة العملة الوطنية وفق تقديره الذاتي. وهذا لا يمثل فحسب وسيلة للتلاعب في الأسعار، بل إن هناك اعترافا حتى بين أنصار ذلك النظام بعدم إمكان استمراره بدون فرض قيود كمية على التدفقات المالية».
ويمكن أيضا النظر أيضا أن استمرار ضعف الدولار لسنين عدة، لصالح منافسيه الرئيسيين: الجنيه الاسترليني والين الياباني وحتى الضيف الجديد في سوق العملات العالمية، اليورو، ألقى بظلاله على الاقتصاد العالمي بأسره. فما بين مستفيدين وخاسرين، انقسم العالم أجمع، ولم يبق أحد لم يربح أو يخسر من هذا الضعف الذي انتاب الدولار خلال السنين الأخيرة.
وهنا على سبيل الاستدلال بالرابحين والخاسرين، نسرد التجربة الخليجية في ربط عملاتها بالدولار، وتأثير انخفاض الدولار الكبير على هذه السياسة. فقبل ست سنوات تقريبا كان الجنيه الاسترليني يساوي تقريبا خمسة ريالات سعودية ونصف الريال. وعندما أطلقت دول الاتحاد الأوروبي عملتها الموحدة، اليورو، في نفس الفترة تقريبا، كان سعر صرف اليورو أقل من ثلاثة ريالات. ولأن الريال السعودي مرتبط بالدولار، شأنه شأن بقية العملات الخليجية، ما عدا الدينار الكويتي، فالمقاربة الحالية توضح كيف خسر الخليجيون أكثر من 35 في المائة من عملتهم، مقارنة بالعملات الرئيسية الأخرى في أقل من ست سنوات. فالجنيه الأسترليني حاليا يصل سعر صرفه إلى نحو سبعة ريالات ونصف ريال، فيما يصل سعر اليورو إلى أكثر من خمسة ريالات.
دول الخليج ربما كانت من أكثر الدول تضررا من هذا الضعف الدولاري، فلعاملين رئيسين هما الارتباط الرسمي به، وتسعير البترول، تسبب هذا الضعف في تأثيره السلبي على المستهلكين في هذه الدول. فيما تقول تقارير منظمة «أوبك» أن القوة الشرائية للبرميل عند احتسابها وفقاً للتضخم وتحركات العملة لا تزيد على 45 دولارا، أي أقل بكثير من السعر الفوري الحالي الذي يصل إلى نحو 77 دولاراً للبرميل.
ولكن ماذا عن اقتصاد دول الخليج المرتبط كليا مع الدولار الأميركي؟ يقول طارق الصقير «بالنسبة الى عملات دول الخليج، فإن انخفاض سعر صرف الدولار هو عامل مؤثر ولكن نتائجه تختلف بين كل دولة على حدة. فمثلا استفادت الصادرات السعودية من ضعف الدولار في تعزيز قدرتها التنافسية في الاسواق العالمية. قد يشير البعض الى ارتفاع اسعار الواردات من اوروبا كسبب في اعادة النظر في سياسة ربط العملات الخليجية بالدولار، ولكن هذا باعتقادي رأي غير مدروس. حيث ان الانتقائية في السلع هي التي تلعب دورا في الشعور بالتضخم لدى المستهلك المحلي، ولذا فإن اغلب الواردات من السلع الأميركية تحمل درجة عالية من التنافسية مقابل الواردات الاوروبية ومن المفترض ان تكون اسعار الواردات الأميركية على نحو ثابت تقريبيا في اسعارها. ومن الممكن معالجة بعض ظواهر التضخم من السلع الاوروبية وخصوصا الأدوية والمواد الطبية بإنشاء صندوق للتحوط في حركة اسواق العملات بإشراف وزراء الصحة في مجلس التعاون الخليجي، حيث ان انشاء صندوق للتحوط كفيل بجعل أسعار الأدوية والمواد الطبية من اوروبا ثابتة التكلفة».
تاريخياً، يقول الدكتور أنس الحجي، عانت دول الخليج من انخفاض الدولار بسبب ارتباط عملاتها به من جهة، وبسبب تسعير النفط به من جهة أخرى. ونتج عن انخفاض الدولار انخفاض القوة الشرائية لصادرات النفط وارتفاع معدلات التضخم. ويقترح الحجي أن أفضل حل لتخفيض أثر انخفاض الدولار هو تنويع مصادر الدخل من جهة، وتنويع مصادر الواردات من جهة آخرى. ويؤكد أن رفع أسعار صرف العملات الخليجية لن يخفض التضخم بشكل ملحوظ، إلا إذا تم رفعها بشكل كبير، ويقول «المشكلة الآن أن أغلب التضخم في دول الخليج في العامين الماضيين، لا يعود إلى انخفاض الدولار، وإنما إلى عوامل محلية مثل زيادة الإنفاق الحكومي وارتفاع السيولة، وزيادة الاستثمار، وسيطرة الاحتكارات على الاقتصادات الخليجية». وبالرغم من كل ما يتعرض له الدولار من ضربات موجعة، وانخفاض متتال في قيمته لصالح منافسيه، إلا أن المراقبين يرون أن كل هذه الضربات بعيدة كل البعد عن ما يمكن وصفه بضربة قاضية. نعم يمرض الدولار، ولكن لا يموت. حيث لا يرجح أن تحدث حالة بيع سريعة ومفاجئة للدولار من كبار حامليه في الخارج. بالطبع هذا هو السيناريو المتوقع في حال السلم. أما في حالة حصول حرب كبرى، أو ما شابهه من أحداث أرهابية ضخمة في عصرنا الحديث، فمن الممكن أن تقع الكارثة على الدولار، ويبدأ الناس، بالخارج على وجه الخصوص، بالبحث عن وسيط دولي جديد.
وما بين مرض الدولار، أو إصدار شهادة وفاته، كعملة تقود اقتصاد العالم. تبقى الورقة الخضراء مصدر تطلع لكافة عملات العالم، الكل يبحث عن الوصول إلى كونها رقما صعبا في عالم العملات العالمية. ومع كل هذا الضعف المتوالي في الدولار، يبقى العالم ينتظر متى إفاقة «الرجل المريض» من كبوته، وإعادته ولو جزء من قوته التي ضعفت. فهل من عودة قريبة للدولار؟ أم أن غفوته ستستمر طويلا، ويكون حضارة سادت ثم بادت؟
* ولادة الدولار
* في السادس من يوليو (تموز) 1785، اي بعد تسعة اعوام من استقلال الولايات المتحدة عن بريطانيا، اعتمدت المستعمرات الأميركية السابقة، والبالغ عددها ثلاث عشرة ولاية، التي شكلت الولايات المتحدة الجديدة، اسم «الدولار»، بدلا من مسميات سلة معقدة من عملاتها المتعددة سابقا.
لكن من أين أتى اسم الدولار؟ جاء الاسم من تحوير اسم «التالر» البوهيمي التي كانت عملة معدنية من الفضة في بداية القرن السادس عشر، وبعد مائتي عام أصبحت هذه العملة «قطعة الثماني» الاسبانية التي تسمى حتى اليوم الـ«دوليرا»، وكان يجري التداول بها في المستعمرات البريطانية. بعد ذلك اعتمد الدولار الاميركي، ليحل محل مجموعة من العملات، من بينها الدولار الاسباني المسنن او قطعة الثمانية ريالات او الدولار الهولندي الذي يحمل صورة الأسد. وفي عام 1792 اعتمدت الولايات المتحدة النظام العشري بدلا من نظام الريال الاسباني، وفي 1794 سك اول دولار اميركي. وفي عام 1877 سك الأميركيون ما سموه «الدولار التجاري» محددين على وجهه الوزن الدقيق للفضة فيه، بينما كانت العملات المتداولة لا تذكر هذا النوع من المعلومات، وذلك ليعرف التجار بدقة المادة التي يحصلون عليها لقاء سلعهم. واصبحت العملة الجديدة، تحمل ايضا رسم نسر امبراطوري بات رمز الولايات المتحدة وعبارة «على الله نعتمد» التي طبعت على كل القطع النقدية الأميركية