كيف نجمع بين قوة الثقة بالنفس والتوكل على الله؟

الثقة في النفس لا يمكن أن تأتي إلا بعد الثقة في الله تعالى مع حسن التوكل عليه، وقيل في الحكمة (من كان الله معه لا يخيب سعيه، ولا يضل سئله، ومن كان الله معه فمن ذا الذي عليه) بالتأكيد لا أحد، فهل تدري أن مفهوم الثقة في النفس تعني اليقين بأن ما وهبني الله تعالى من نعم متنوعة استخدمها في طاعته ورضاه، كما تعنى الثقة كذلك بأن (ما أصابك لم يكن ليخطأك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك) أي أن قدر الله تعالى نافذ لا محالة فما قدر الله تعالى لك أو عليك سوف ينفذ كما أراد الله تعالى ولو أبت الدنيا كلها (لو اجتمعت الإنس والجن على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعت على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) . فلن يصيبك من فرح أو ترح من خير أو غيره إلا وهو خير لك في كتاب معلوم، فعلام تهتز ثقتي وفي من تهتز ؟
أمر آخر مهم اهتزاز الثقة ضعف، المؤمن القوي خير وأحب إلى الله، فلا ترتاب في إيمانك ولا في نفسك دون مبرر شرعي، ولا يغلبنك الشيطان فيسول لك اهتزاز الثقة وعدم الجرأة على أنها خور ونكوص، فأحياناً تسمى الأشياء بغير مسمياتها ومنها على سبيل المثال (الحياء) فالحياء من شعب الإيمان ومن الخصال المحمودة ومع ذلك يعده بعض الجهال من الصفات غير المحمودة ويسمونه (عدم ثقة في النفس) أو (عدم جرأة) وهكذا في كثير من الخصال الحميدة .
وقد مدح الله تعالى التوكل والمتوكلين عليه جل وعلا في عشرات المواضع في كتابه الكريم، ويكفيك (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) أي كافيه ومعينه وناصره ومؤيده فماذا تريد بعد هذا العطاء من الله تعالى، إذن فالتوكل ؟ بأن كل ما يجري لك في الدنيا هو بقدر الله تعالى، فلا يفعل المرء إلا ما يرضي به الله جلا وعلا لأنه لا يصيبه إلا ما يقدره سبحانه، وكمال الثقة بالنفس هي كمال التوكل على الله فلا فرق بينهما في المعنى واللفظ مختلف، والثقة تعني كمال اليقين وحسن التوكل وإيمان راسخ، واهتزازها هو تلاعب الشيطان بها .

الثقة المطلقة يجب أن تكون بالله وحده ولذا يتبرأ الإنسان من حوله وقوته فيقول : لا حول ولا قوة إلا بالله . والثقة إنما تكون بما عند الله من نصر وإعانة ومدد ورزق وتفريج كربات وغير ذلك. وهذا هو شأن الأنبياء والصالحين
الثقة بالنفس: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ
فهذا نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام يقف أما البحر والعدو من خلفه فيقول أصحابه ( إنـّـا لمدركون ) فيرد عليهم بلسان الواثق بنصر الله ( كلا إن معي ربي سيهدين ) فيأتيه الفرج والنصر بالأمر الرباني ( اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم )

وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يختبئ في الغار فيقف المشركون أمام باب الغار حتى رأوا أقدامهم فيقول أبا بكر رضي الله عنه : لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا ، فقال : ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما . رواه البخاري ومسلم ..
ولِذا قال الله تبارك وتعالى : (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ) ، وقال عزّ وَجَلّ : (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) ..

:أنّ الله عزّ وَجَلّ إذا أراد خُذلان عَبْد وَكَله إلى نَفْسِه . وهذه عُقوبة مِن عُقوبات الذُّنُوب .
قال ابن القيم رحمه الله في ذِكْر عَقوبات الذُّنُوب :فَيُنْسِيه عُيوب نَفْسه ونَقصها وآفاتها ، فلا يَخْطُر بِبَالِه إزالتها وإصلاحها . وأيضا فَيُنْسِيه أمْرَاض نَفسه وقَلبه وآلامها ، فلا يَخْطُر بِقَلْبِه مُدَاواتها ولا السَّعْي في إزالة عِللها وأمراضها التي تؤول بها إلى الفساد والهلاك ؛ فهو مَريض مُثْخَن بِالْمَرَض ،ومَرَضُه مُتَرَامٍ به إلى الـتَّلَف ولا يَشْعُر بِمَرَضِه ولا يَخْطُر بِبَالِه مُداواته . وهذا من أعظم العقوبة للعامة والخاصة . فأيّ عقوبة أعظم من عقوبة مَن أهْمَل نَفْسَه وضَيَّعَها ونَسِي مَصَالِحَها وداءها ودَواءها ، وأسباب سعادتهما وصلاحها وفلاحها وحياتها الأبدية في النعيم المقيم .