يتحدث علماء الأخلاق كثيرًا عن السلوك، فما مفهوم السلوك الإنساني من منظور أخلاقي إسلامي؟


والجواب:


1) أن علم الأخلاق بصفة عامة يهتم بدراسة السلوك الإنساني ومنابعة ودوافعه وغاياته، وهي -كما يقول المرحوم الأستاذ الدكتور عبد المقصود عبد الغني أستاذ ورئيس قسم الفلسفة الإسلامية بدار العلوم سابقًا- أحد المباحث القيمة التي قدَّمها علم الأخلاق الحديث، والتي يمكن لنا الاستفادة منها.


2) والسلوك هو دليل الخُلُق ومظهره الخارجي، حيث إن الخلق كما هو معروف هيئة نفسية، والمقصود بالدراسة هو السلوك الواعي الصادر عن العقلاء بـمحض إرادتـهم، ومطلق اختيارهم، ويكون قابلًا للحمد والذَّم، فكل سلوك لا يتحقق فيه ذلك لا يدخل في نطاق الأخلاق.


3) ومن ثم فإنه يـمكن تعريف السلوك بأنه: النشاط الإرادي الذي يتوقف عليه أثر حسن أو سيء سواء بالنسبة إلى صاحبه أو بالنسبة إلى الآخرين، أو بالنسبة إليهما معًا.


4) والسلوك الإنساني العقلي الإرادي: عبارة عن فعل يأتيه الفرد ويكون له بالحياة النفسية أو العقلية للإنسان علاقة، وأهم صفاته العمل على تحقيق غرض معين، وهو يختلف عن السلوك الآلي الذي يصدر عن الإنسان بطريقة آلية غير إرادية كانقباض حركة العين وضيق فتحتها عند ازدياد الضوء، وللسلوك الإنساني الإرادي دوافع وبواعث، وغايات وأهداف، ويـمكن تغييره وتحسينه بتعديل الدوافع وتوجيه الغايات والأهداف.


5) وهناك أسس نفسية محددة للسلوك، وهي: الدوافع، والعادة، والإرادة.
6) أولًا الدوافع: فهي البواعث الذاتية الباطنية من داخل نفس الإنسان والتي تـمثل قوة داخلية موجهة أو حالة داخلية تنـزع بالإنسان إلى سلوك معين، ظاهرًا كان أو باطنًا، التماسًا لتحقيق أهداف معينة.


7) وطبيعة الإنسان لا تخلو أبدًا من مجموعة من الدوافع والميول، التي تعبر عن الحاجات النفسية والمعنوية للإنسان، كالحاجة إلى الطعام والشراب، وللدوافع أهمية كبيرة في حياة الإنسان؛ لأنـها من جهة تفسر سلوك الإنسان وتصرفاته، ومن جهة ثانية تبعث الفكر على العمل؛ لأنه لا يعمل دون باعث من دافع أو ميل، فلو خلق الله العقل الـمُعرِّف بعواقب الأمور، ولم يخلق الباعث على مقتضى العقل لكان مقتضى العقل ضائعًا. ومن جهة ثالثة فإن الإرادة لا تنجزم دون دافع أو ميل، وكلما كان هذا الميل أقوى كلما أوجب جزم الإرادة وانتهاض القدرة. ومن جهة رابعة فإن الدوافع هي التي تحرك الإنسان وتدفعه إلى السلوك، فلو أبصر الإنسان الغِذاءَ وأدركه من بُعدٍ، ولم يكن له ميل له وشوق إليه، فلن يحدث إرادة لهذا الطعام واندفاع نحوه رغم أنه أدركه ببصره.


8) ويرى علماء الأخلاق أن هناك دوافع غريزية فطرية وأخرى مكتسبة، وإن كان يصعب التمييز بينها كما يقول الإمام الغزالي، وذلك بسبب تأثير عوامل العقل والتربية والشرع، ولهذا يرفض الأخلاقيون المسلمون تحديد السلوك الإنساني بعدد محدود من الدوافع الغريزية؛ لأن الفرد يكتسب ويُعدِّل من دوافعه، ويكون لخبراته أثرٌ كبيرٌ في تكوينها، وإن كان بعضها يقوم على أساس فطري، ثم يتخذ شكلا خاصًّا في ظل هذه الخبرات.


9) ويـمكن القول بأن الميل إلى الطعام هو الأساس الأول لجميع الدوافع والميول المتصلة بالحياة الإنسانية، وذلك لأن شهوة البطن تُعدُّ أعظم المهلكات للإنسان، وبـها خرج آدم عليه السلام وحواء من الجنة في القصة المشهورة والتي حدثنا عنها القرآن الكريم في أكثر من موضع، ومن ذلك قوله تعالى: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}[البقرة:35، 36].


10) ومن وجهة نظر إسلامية يـمكن القول بأن الدوافع أو الميول تنقسم إلى قسمين: بواعث الدين، وبواعث الهوى.


11) فبواعث الدين: هي تلك الدوافع الإنسانية الراقية التي تبعث على الطاعات والعمل والصالح، وهي ميول مسخرة تعمل تحت إشارة العقل العَالِم بالأحكام الشرعية، ويندرج تحتها باعث الخوف من الله والرجاء فيه، وتتصل بـها بواعث وانفعالات وعواطف مختلفة من المحبة والتوكل والشكر والرضا ونحو ذلك مـما تكلم عنه علماء التصوف المسلمون كثيرًا. كما يندرج تحت هذه الدوافع والبواعث تلك الدوافع الطبيعية التي تؤدي مهمتها في حياة الفرد ويحافظ بـها الإنسان على حياته وقوة بدنه مـما يدخل في إطار الحفاظ على المقاصد الشرعية الأساسية: الدين والنفس والعقل والعرض والمال.


12) أما بواعث الهوى: فهي تلك البواعث التي تخضع للنفس الأمَّارة بالسوء، والتي تشمل على الشهوة والغضب وتتصل بحظوظ الدنيا {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ المُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ المَآبِ}[آل عمران:14]. وإنـما تكون هذه البواعث ضارة وصادرة من النفس الأمارة بالسوء حين تسيطر على الإنسان وعلى سلوكه وتدفعه للوقوع في المعاصي، والحصول على تلك الشهوات من غير ما أحلَّ الله تعالى. وقد تكون هذه الدوافع إذا تم السيطرة عليها مهمة للحفاظ على حياة الإنسان، بل ووسيلة للارتقاء به إذا استطاع توظيفها توظيفًا حَسنًا وبـما يخدم السلوك الإنساني الرشيد ويتفق مع الأحكام الشرعية.


13) فالدوافع تُعدُّ شيئًا أساسيًّا في الإنسان لا تنقطع ما دام حيًّا، فالدوافع الغريزية لا يـمكن إخمادها تـمامًا، بل ولا يطلب الإسلام من الإنسان أن يخمدها ويـميتها؛ لأن لهذه الدوافع وظائف حيوية مهمة للحفاظ على الحياة الإنسانية، فبدون شهوة الطعام والجماع لا يـمكن للإنسان أن يحافظ على حياته وتناسله على وجه الأرض، وإنـما المطلوب أن تتم السيطرة على هذه الدوافع وتـهذيبها في إطار الشرع الإسلامي، ومن ثم فليس في الإسلام رهبانية، ولا يعادي الإسلام دوافع الإنسان الغريزية بل فقط يوجهها ويعمل على تـهذيبها.


14) فالدوافع لها أثرها في توجيه السلوك الإنساني ومن ثم لا بد من ضبطها وتـهذيبها لئلا تخرج عن حدِّ الاعتدال، ولا تنحرف عن أحكام الشريعة، ولا تتحكم في سلوك الإنسان، وتصرفه عن فعل الخيرات، وتدفعه إلى الاشتغال بالشهوات الحسية وتبعثه إلى العداوة والبغضاء والحقد والحسد ونحو ذلك من الأمور السيئة.


15) ولتعديل الدوافع وترقيتها ينبغي على المسلم أن يعمل على تغليب العقل على الهوى، بحيث يخضع الهوى دائمًا للعقل ويأتـمر بأمره، وهذا أمر يحتاج إلى مجاهدة للنفس وحملها على مقتضى الشرع وحكمه، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «حُفَّتِ الجنَّةُ بالمَكارِهِ، وحُفَّتِ النارُ بالشَّهَواتِ»[أخرجه مسلم 2822 عن أنس]. والعقل في حكمه يرى ما لصاحبه وما عليه، ولكن الهوى يقتصر على رؤية ما له فقط، ويعمى عليه ما يعقبه من المكروه، بينما أكثر الخير في الكراهة، قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}[البقرة:216].


16) ولا يصلح الإنسان، ويصير إنسانًا حقيقيًّا إلا إذا تغلب العقل وأصبح سائسًا يخضع الهوى لسلطانه، ووسيلته إلى ذلك أن يتحصن بالاستعانة بالله، والتوكل عليه، والاستعاذة به من كيد الشيطان ومَكرهِ، وأن يكشفَ له عن تلبيسهِ ببصيرته النافذة ونوره المشرق الواضح، وبـهذا يتحقق التوازن، وهو بداية تعديل الدوافع وترقيتها.


17) ولإتـمام عملية تعديل الدوافع وترقيتها لا بد أن يربط سلوك الإنسان بأهداف عُليا للحياة الإنسانية، وتذكيره دائمًا بـهذه الأهداف كلما انحرف عنها، وهذه الغاية هي الوصول إلى الله تعالى، والعمل على مرضاته وطاعته دائمًا، فينبغي أن يتذكر الإنسان هذا الهدف الأعلى دائمًا، ويعلم أن الغاية من خَلقِ شهوة الطعام مثلًا بقاء البدن سليمًا حتى يتقوَّى على عبادة الله تعالى.


18) كما لا بد على الإنسان أن يعمل على تقوية بواعث الدين، وإضعاف بواعث الهوى، وذلك لأن كلا منهما تقف في مقابلة الأخرى، وبواعث الهوى تـمثل العنصر الجموح في الإنسان، بينما بواعث الدين هي المنظم والموجه والضابط للسلوك، أو كما يقول الإمام الغزالي: (الطبع باعث، والشرع مانع).


19) وتقوية بواعث الدين تكون بتذكير الإنسان بالنتيجة الحسنة في الدنيا والآخرة لوقوفه أمام سيطرة الهوى، وإضعاف بواعث الهوى تكون بإضعاف مادة قوتـها من الغرائز والخواطر والرغبات النفسية، وقطع الأسباب المهيجة لذلك، وتسلية النفس عنها بالطاعات والمباحات، وصرف الفكر إلى التفكر في الله وفي آياته ودوام ذكره وشكره.


20) ثانيًا العادة: وإذا كان من مهمة الدوافع توجيه السلوك، فإن مهمة العادة تعديل السلوك واكتساب الأخلاق الحميدة، وقد تناولنا تحت عنوان (الخلق بين العادة والاعتياد) الكلام بالتفصيل عن العادة من الناحية الأخلاقية.


21) ثالثًا الإرادة: أما الإرادة فهي الأساس النفسي الثالث للسلوك الإنساني، وقد تناولناها أيضًا بالتفصيل تحت عنوان (الإرادة الإنسانية من منظور أخلاقي إسلامي).


22) وكما أن للدوافع والعادات والإرادات أثر واضح في السلوك الإنساني، فإننا نجد أيضًا أن للانفعال والعاطفة أثرًا في هذا السلوك أيضًا. والانفعال عبارة عن حالة وجدانية تصاحب السلوك الإنساني، كالشعور بالألم أو الكراهية أو الغضب أو الخوف، وبـهذا المعنى يكون الانفعال من دوافع السلوك وبواعثه. ولا بد للانفعال من مثير سواء كان خارجيًّا كرؤية شيء مخيف أو مُفزِع مثلًا، أو داخليًّا كتوقع أمر يخشى وقوعه.


23) ومن المعلوم أن الناس يختلفون في الاستجابة لمثيرات الانفعال، فبعضهم سريع التأثر، وبعضهم ضعيف أو بطيء في تأثره بـها. كما أن الاستجابة تتعلق بأمور كالثقافة والمعرفة، فالذي يعرف الله تعالى يخافه أكثر مـمن لا يعرفه، وقد يصل الانفعال من قوته إلى درجة تؤثر على الجسد، كما أخبرنا تعالى عن صفة المؤمنين المتقين حين يقرأون القرآن الكريم {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}[الزمر:23].


24) وينبغي على الإنسان أن يسعى دائمًا للسيطرة على الانفعالات التي يؤدي انفلاتـها إلى اختلال التفكير واضطرابه، كما في السيطرة مثلًا على انفعال الغضب على الإنسان، ولهذا نصحنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدم الغضب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني قال: «لا تغضب. فردد مرارًا قال: لا تغضب»[أخرجه البخاري 5765].


25) ولكن لا بد من الانتباه إلى أن الانفعال المعتدل أمر لا بد منه لأنه يدفع الإنسان إلى المحافظة على حياته والتصدي لمن ينازعه في حقوقه أو يتعدى على حرماته، فلولا الغضب الذي خلق في الإنسان لضاعت حقوقه مثلًا. وكذلك فإن الانفعال يبعث الإنسان ويدفعه إلى السلوك الحميد وعمل الصالحات فالخوف يجري مجرى السوط الباعث على العمل، فمن المعلوم أن الخوف من الله مثلًا له أعظم الأثر في استقامة السلوك، والالتزام بالطاعات والفضائل، والابتعاد عن المعاصي والرذائل؛ لأنه يقمع الشهوات ويكف الجوارح عن المعاصي، ويقيدها بالطاعات، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}[المؤمنون: 57- 61].


26) أما العاطفة: فهي عبارة عن استعداد نفسي ينشأ عن تركيز مجموعة من الانفعالات حول موضوع معين نتيجة لتكرار اتصال الفرد بـهذا الموضوع، فيصبح الفرد مُستعدًّا للاستجابة الانفعالية لهذا الموضوع، فالعاطفة عبارة عن اتجاه وجداني نحو موضوع معين مكتسب بالخبرة والتعليم، وتستند العاطفة كما هو الأمر بالنسبة لجميع الحالات الوجدانية على الميول الغريزية، والعواطف الإنسانية الرئيسية هي: الحب والكراهية، وكل ما ينشأ من عواطف أخرى فإنـما يقوم عليهما.


27) ومن عناصر العاطفة: المعرفة، لأنه لا يتصور أن يحب الإنسان شيئًا ما إلا بعد معرفته وإدراكه، وهذا العنصر (المعرفة) في نظر الإمام الغزالي من أهم أسباب تفاوت الناس في الاستعداد لاكتساب العواطف؛ لأنه كلما ازدادت معرفة الإنسان بـموضوع ما كلما ازدادت عواطفه تجاهه.


28) وإذا كانت العواطف كثيرة ومتنوعة فإن أرقاها عواطف محبة الحق ومحبة الخير ومحبة الجمال، والعواطف بصفة عامة تلعب دورًا هامًّا في السلوك الإنساني وتوجهه وتعدله، ويبدو أثر العاطفة قويًّا وعنيفًا حين تسيطر عاطفة ما على شخصية الإنسان فتصبح هي العاطفة السائدة، وتستولي على همه وقلبه، وتسيطر على كل تصرفاته وسلوكه، ومن هنا ينبغي أن نعمل بشتى الطرق على أن تسيطر عاطفة حب الله تعالى على سلوك الإنسان، وأن تكون هذه العاطفة قوية بحيث يحب المرءُ ربه وإلهه سبحانه وتعالى بكل قلبه؛ لأن ذلك سوف يدفعه إلى الحرص على طاعته سبحانه، وتحصيل مرضاته، فالمحب لمن يحب يطيع، ولهذا قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الكَافِرِينَ}[آل عمران: 31،32].


29) وختامًا فقد تبين لنا مـما تقدم الأسس النفسية للسلوك الإنساني، وأثرها الكبير في تقويم هذا السلوك وإصلاحه، وبيان وجهة نظر الفكر الأخلاقي الإسلامي من هذا، وأنه لا بد للإنسان من إيجاد باعث قوي يدفعه لإرادة الخير، وأن يكون هذا الباعث قويًّا واضحًا جازمًا.


30) ومن هنا يتبين أهمية الإيـمان بالله إيـمانًا صحيحًا قويًّا في نفس الشخص، فالإيـمان إذا استقرَّ في القلب وسيطر على الجوارح كان حافزًا قويًّا ومؤثرًا في سلوك الإنسان المسلم، وذلك لأن الإيـمان يعمل على ربط إرادة الإنسان وسلوكه بطاعة الله ورضاه.


31) كما تبين لنا أهمية إدراك ومعرفة قيمة الأخلاق السامية والفضائل الحميدة، وما لهذه المعرفة من أثر واضح في دفع الإنسان إلى اكتسابـها وبعث الرغبة الصادقة في النفس للتحلي بـها.


32) كما اتضح لنا ضرورة وجود بعض الانفعالات القوية والعواطف العميقة تجاه الأمور الطيبة والحسنة والمثل العليا حتى يجد الإنسان نفسه مندفعًا تجاهها، ومُتعلقًا بـها.