بينما نجد أن أهل الباطل -على اختلاف مناهجهم- كثيرًا ما يُوَحِّدون صفَّهم، ويجمعون كلمتهم، عندما يحاربون المسلمين، فإننا نجد أن المسلمين كثيرًا ما يتصارعون حتى في المواقف الصعبة، والأزمات الشديدة، فنرى كلَّ فريقٍ يسير في اتجاه؛ بل نرى الكلَّ يرفض بشدَّة أن يضع يده في يد أخيه، والنتيجة الحتمية لهذا النزاع هو "الفشل"! قال تعالى: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46].


إن الوحدة بين المسلمين أمر شاقٌّ؛ لأن كل طرف ينبغي أن يتنازل عن شيء من متاع الدنيا بغية الاتحاد؛ لهذا فهي تحتاج إلى صبر كما وضَّحت الآية، فإن صَبَرنا على مشاقِّ الوحدة وتضحياتها كان الجزاء عظيمًا؛ إذ قال الله عز وجل في ختام الآية: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، وإذا كان الله معنا فمَنْ سيكون علينا؟!


إن التنازع بين المسلمين -خاصة في وقت الأزمات وتكالُب الأعداء- لَهُـوَ نذيرُ فشلٍ كبير، وقد ذكر الله عز وجل هذا الفشل مقرونًا بالنزاع في موطن آخر من القرآن الكريم؛ وذلك للتأكيد على هذه الرسالة الربانية؛ فقال: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ} [آل عمران: 152]؛ فبيَّن سبحانه أن النصر كان حليفنا في البداية، ثم سُحِبَ منَّا هذا النصر -أي فَشِلْنا- عند التنازع، وبيَّن كذلك أن السِّرَّ وراء التنازع كان التصارع على "الدنيا"، فعَلِمَ المسلمون القصةَ على حقيقتها دون مواربة: إن حبَّ الدنيا قاد إلى النزاع، والنزاع قاد إلى الفشل، والفشل قاد إلى ذهاب الريح وضياع القوة، ولن تعود للمسلمين ريحهم وقوتهم إلا بفهم هذه الحقيقة، وإلا بزهد في الدنيا، ووحدة في الصفِّ، وليس بعد كلام الله كلام!