قال تعالى: {وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُ‌وا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ‌ رَّ‌حِيمٌ} [التغابن:14]. وقال تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ‌ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ‌ رَّ‌حِيمٌ} [النور:22]. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من كظم غيظًا وهو قادر على أن يُنْفِذَهُ دعاه الله عز وجل على رُءُوس الخلائق حتى يخيِّره الله من الحور ما شاء». (أبو داود والترمذي وابن ماجه). يقول تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34]. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما نَقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزَّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله» (مسلم).

لقد مدح الله تعالى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: «وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ» [القلم:4]. العفو والتسامح من سمات المؤمنين الذين قال الله تعالى فيهم: {وَسَارِ‌عُوا إِلَىٰ مَغْفِرَ‌ةٍ مِّن رَّ‌بِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْ‌ضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْ‌ضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّ‌اءِ وَالضَّرَّ‌اءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 133-134]. وأمرنا الله تعالى بحسن الخلق فقال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34].

ودعانا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى مكارم الأخلاق فقال: «اتق الله حيثما كنتَ، وأتبع السيئةَ الحسنةَ تَمْحُها، وخالقِ الناسَ بخُلُق حَسَن» (الترمذي). نحن بشر نخطئ ونصيب، نسير للأمام بخطى ً ثابته، وقد نتراجع بسبب قلة العزيمة، نسير في الدنيا وينبغي أن نسيّرها دون أن تسيرنا إننا بضعفنا أمام نفوسنا الأمارة بالسوء، قد نخسر الكثير والكثير مما قد نندم عليه لاحقًا، ولذلك فقد جاءنا الإسلام وأبان لنا الخير من الشر والحق من الباطل وأوضح لنا الحقيقة التي غفلنا عنها جميعًا وهي أن الله تعالى يحب المؤمنين ويدعو كل إنسان لنشر الإخاء والمحبة لأجل الله تعالى، ومن ثم ما الذي سيجنيه أحدنا عند أن يضمر الحقد والبغضاء في قلبه المليء بالإيمان، كيف لأحدنا أن يخلط الخير بالشر، والإيمان بالكفر، والفضائل بالرذائل، والإخاء بالأحقاد، نحن سنمضي، سنرحل يومًا ما عن هذه الدنيا، ستبقى الأعمال شاهدة علينا، كل إنسان يحب نفسه كثيرًا، ولكن ما الذي سنخسره عند أن نقول: نعاهد الله تعالى أن نبقى على الإخاء ما بقينا، إننا نصلي ونصوم، وتجاهلنا بل نسينا أمرًا مهمًا وهو أن الله تعالى لا يقبل عمل المتخاصمين من المؤمنين حتى يصطلحا.

نحن من يحمل على عاتقه نصر الإسلام والمسلمين لا ينبغي أن نحمل في طياتنا الأحقاد والضغائن، والعداوة ونفكر بها ليل نهار، عندما نكتب على لوحة مفاتيح الكمبيوتر كلمات، ينبغي أن نكون على يقين من أن تلك الكلمات ستكون شاهدة علينا أمام الله تعالى يجب علينا أن نتوحد فيما بيننا وألا نكون كما قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى: " أمثال بعض الناس كأمثال الذباب لا يقع إلا على القاذورات"، نحن لم نقاتل الفرس ولم نقاتل الروم فكيف يسلم منا أعداء الإسلام ولا يسلم بعضنا من بعض ماذا نقول لربنا في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم؟ كلنا يحب هذا الدين وكلنا يحب بعضنا بعضًا إخوة في الله تعالى، ولكن لا ينبغي علينا الجدال بالباطل والانتصار للنفس؛ لأجل أمر لا يسمن ولا يغني من جوع.

من أحب أخاه المسلم ينبغي عليه أن يناصحه بعيدًا عن الآخرين، قال الشافعي رحمه الله تعالى:

تعمدني بنصحك في انفرادي *** وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع *** من التوبيخ لا أرض استماعه

وقد قال حاتم الطائي: "إذا رأيت من أخيك عيبًا فكتمته عليه فقد خنته، وإن قلته لغيره فقد اغتبته، وإن واجهته به فقد أوحشته"، قيل له: "كيف أصنع؟" قال: "تكني عنه، وتعرض به، وتجعله في جملة الحديث".

ذات يوم، أراد مَعْنُ بن زائدة أن يقتل مجموعة من الأسرى كانوا عنده؛ فقال له أحدهم: "نحن أسراك، وبنا جوع وعطش، فلا تجمع علينا الجوع والعطش والقتل"، فقال معن: "أطعموهم واسقوهم"، فلما أكلوا وشربوا، قال أحدهم: "لقد أكلنا وشربنا، فأصبحنا مثل ضيوفك، فماذا تفعل بضيوفك؟!"، فقال لهم: "قد عفوتُ عنكم".


وهكذا علينا أن نعلم أن الانتصار للنفس انتصار للشيطان، وصبر المؤمن على أخيه المؤمن عبادة.