الإسلام في إفريقيا

-مقدمة :

دخل الإسلام إلى أفريقيا قبل أن يدخل إلى المدينة المنورة عبر هجرة الحبشة الأولى والثانية وقدمت القارة الأفريقية أكثر من 53 صحابياً لأمة الإسلام، على رأسهم بلال الحبشي، ودفن بها عشرات الصحابة رضوان الله عليهم .

-طرق انتشار الإسلام في إفريقيا :

1-انتشر الإسلام في شرق أفريقيا عن طريق التجار العرب .
2- ومعلمي القرآن الذين كانوا يجيدون علم الحساب الذي كان عاملاً مهماً في جذب الأفارقة إليهم.
3-كما انتشر الإسلام في دول غرب أفريقيا بواسطة الطرق الصوفية وخاصة دعاة الطرق التيجانية، وقامت دول إسلامية في تشاد، ومالي ونيجيريا، وأثيوبيا.
4- بعثات الحج من أفريقيا كان لها دور كذلك في نقل اللغة العربية وعلوم الشريعة إذ يكتسب الحاج الأفريقي من خلال المواعظ ولقائه بالحجاج العرب شيئاً من العربية وعلوم الشريعة، بل ربما كان ذلك من عوامل انبعاث الرغبة والهمة على التعلم، ويؤكد ذلك ويدل عليه جلبه إلى بلاده كتباً إسلامية باللغة العربية، وربما انقطع بعض الحجاج لطلب العلم ببلاد الحرمين، ثم يرجع إلى بلده عالماً معلماً.

ولما دخل كثير من أهل أفريقيا في الإسلام قامت لهم مملكات إسلامية مشهورة كما في مملكة غانة، ومملكة صنغي، ومملكة مالي ... الخ مما ساعد على نشر الإسلام واللغة العربية. وقد وجدت في القارة مراكز إسلامية في ذلك الزمان تأثرت في تكوينها وطريقة تعليمها ببعض المراكز الإسلامية العريقة، مثل القرويين في فاس، والزيتونة في تونس، والأزهر في مصر .. وما سواها.

-نقاط مؤثرة في تاريخ المسلمين في إفريقيا :-
أولاً : الاستعمار :

قبل وصول البرتغاليين ثم الهولنديين كان الإسلام هو الدين لسماوي الوحيد في أفريقيا بعد مملكة الحبشة النصرانية، واستعمل البرتغاليون كل وسائل العنف والمجازر على طول سواحل أفريقيا خاصة الشرقية ضد المسلمين لمحاولة استئصالهم والقضاء عليهم ،وكمثال فلقد احتلوا جزيرة ممباسا في كينيا وقتلوا جميع المسلمين وأحرقوا الجزيرة كلها بمن فيها 3 مرات.
وفي عام 1850م تقريباً بدأ الاستعمار الفرنسي، والبريطاني، والبرتغالي، والإيطالي، والأسباني والألماني في احتلال أفريقيا ونشر النصرانية باللين أحياناً عن طريق التعليم والصحة والخدمات الأخرى، وأحياناً بالإجبار عن طريق قوانين تحرم إقامة أي مدارس دينية مثل ما حدث في السنغال، ومالي أو الأمر بتحريم الختان على ذكور المسلمين، كما أصدروا قرارات بوجوب تربية الخنازير في مناطق المسلمين، كما حدث في تنزانيا وغيرها، وأيضاً قاموا بقتل وإحراق مئات من الدعاة المسلمين العرب في بيوتهم بعد إغلاق الأبواب عليهم كما حدث في عام 1888م في أوغندا.

كما أصدرت الحكومة الإنجليزية التي كانت تحكم السودان باسم مصر قانون المناطق المغلقة، ويقضي بمنع المسلمين الدخول إلى جنوب السودان خوفاً من أن ينتشر الإسلام واللغة العربية، حتى الملابس العربية مثل الثوب منع في جنوب السودان.

وبعد استقلال الدول الأفريقية قامت المنظمات التنصيرية الغربية بالانتشار في بقاع كثيرة في أفريقيا يساعدها معظم من تسلموا السلطة لأنهم من أبناء الكنيسة تربوا في أحضانها وتعلموا في مدارسها، وانشغل العرب آنذاك بالأفكار الثورية والاشتراكية تاركين إخوانهم المسلمين في أفريقيا فريسة للتنصير، ولقد أحصيت 32 شخصية مشهورة من جنوب السودان من النصارى كان آباؤهم مسلمين، وهم اليوم أكثر الناس حقداً على الإسلام، وقد حدث ذلك بسبب تعلمهم في مدارس الكنيسة مع جهل الآباء .

- التعليم الإسلامي في مرحلة الاستعمار:
تفيد الدراسات الأوربية بأن نسبة المسلمين قبل القرن العشرين الميلادي في أفريقيا كانت تجاوز 40%، وأن نسبة النصارى لم تبلغ 1% !
ولكن الأوروبيين لما استعمروها عملوا جاهدين لنشر النصرانية وتقويض الإسلام واللغة العربية، واتخذوا لذلك تدابير وخطوات، منها:

1- إسناد شؤون التربية والتعليم إلى مؤسسات كنسية، تعمل على نشر النصرانية والتضييق على التعليم الإسلامي.
2- إقحام النظم الغربية التعليمية وسيلة للتعليم لنيل علم وشهادات تؤمن لصاحبها سبل العيش الكريم والوظائف العليا.
3- ألزموا المدارس باتخاذ اللغات الأوروبية وسيلة للتعليم، مما أدى إلى تقويض العربية وإيجاد هوة بين الأفريقي وتعاليم الشريعة وإخوانه المسلمين.

ثم إنهم وضعوا عراقيل أمام التعليم الإسلامي، منها:
1- تعطيل من يرغب السفر إلى الخارج للتعليم.
2- إقامة مكاتب تفتيش في مثل داكار وبرازافيل لجمع الكتب من أصحابها وإرسالها إليها لمراجعتها، ومن ثم إما أن يعدموها أو يحجزوها أو يعيدوها إلى أهلها إن لم يجدوا فيها ما يخافونه.
3- شن حملات ضد الإسلام وتعليمه، بربط التخلف بالإسلام واتهام العربي بتجارة الرقيق في أفريقيا، وبأن الثقافة الإسلامية توصل إلى الشعوذة والدجل -مستغلين جهل ودجل كثير من أهل الإسلام- وبأن المثقف المسلم درويش ينقصه التفكير العلمي والنظرة السليمة للحياة، وأظهروا ذلك ضمن المنهج الدراسي. ثم إنهم قابلوا ذلك برفع شأن الحضارة الأوروبية و الإيحاء بأن رسالة الرجل الأوروبي هي نقل أفريقيا من ظلامها وتخلفها إلى أنوار الحضارة الأوروبية, وأشعروا الأفريقي باستعلاء الأوروبي مما أوجد نفسية عند الأفريقي بأن الضعيف يتبع الأقوى والأرفع.

ويلاحظ بأن مرحلة الاستعمار أفرزت بداية التعليم المزدوج ... وأضعفت نظام التعليم الإسلامي الذي كان أصلاً -في الغالب- مثقلاً بمناهج عقدية منحرفة صوفية كانت أو أشعرية ونحو ذلك, وأفرز كذلك بُعد أهل الخير من التأثير في الحياة العامة وإدارة البلاد ...

ثانياً : واقع التعليم الإسلامي في أفريقيا :
- المؤسسات التعليمية الإسلامية في إفريقيا :
والمقصود هنا بيان أنواعها الموجودة فعلاً، وبيان شيء من أغراضها ومناهجها. والمؤسسات التعليمية إما خاصة (أهلية)، وإما حكومية؛
1) المؤسسات التعليمية الأهلية:

وهي مؤسسات تتبع أفراداً في الغالب, وهي على نوعين:

النوع الأول: المؤسسات التعليمية الإسلامية غير المنظمة:
وهي مؤسسات لم تسر على النظام الحديث من عمل مراحل ونحو ذلك .. وهذا النوع أقدم المؤسسات, وقد كان لها دور هام في نشر الإسلام في أفريقيا، وهي عادة ما تكون ملحقة بالمساجد، أو هي كتاتيب تابعة لبعض المشايخ.

النوع الثاني: المؤسسات التعليمية الإسلامية النظامية:
وهي التي أخذت بنظام العصر، وقد تتبع منظمات وجمعيات تشرف عليها أو تتبع أفراداً. وغرضها الأساسي دراسة علوم الشريعة فقط لا غير، لأن أصحابها يرون أن مدارس الحكومة ومناهجها لا تفي بالمقصود بل ولا تخدمه. وهذا النوع من المدارس منتشر في أكثر بلاد القارة. وتهتم بحفظ القرآن، والقراءة والكتابة، وتقتصر في الغالب على المرحلة الابتدائية، إلا أنه أمكن في بعض البلاد إنشاء مراحل إعدادية وثانوية .
وقد أمكن في بعض البلاد إنشاء جامعات إسلامية، ففي غرب أفريقيا أنشئت الجامعة الإسلامية في النيجر عام 1406ه بقرار من منظمة المؤتمر الإسلامي لخدمة المجتمعات الإسلامية في غرب أفريقيا الناطقة بالفرنسية. كما أنشئت جامعة الملك فيصل في وسط أفريقيا في دولة تشاد, وهي جامعة إسلامية أهلية. وفي شرق أفريقيا أنشئت جامعتان: الجامعة الإسلامية في أوغندة التي أنشأتها منظمة المؤتمر الإسلامي عام 1404ه، وجامعة مقديشو الأهلية في عاصمة الصومال مقديشو .

2) المؤسسات التعليمية الحكومية:
وهي تختلف وتتباين في بلاد القارة بحسب كثرة المسلمين أو قلتهم؛ ففي البلاد التي يكون أهلها أكثرهم من المسلمين، وهم مع ذلك لا يتبعون لجامعة الدول العربية، تدرس المواد في مؤسساتهم بلغات أجنبية فرنسية أو إنجليزية، وتعتبر مواد اللغة العربية والتربية الإسلامية مواد غير أساسية!. ولكن مع ذلك فقد طرأ تحسن في بعض تلك البلاد، مثل السنغال بعدما اعتبرت اللغة العربية لغة أجنبية كالفرنسية، وكذا الحال في تشاد وجزئياً في شمال نيجريا وزنجبار. وأما الدول ذات الأغلبية الإسلامية التابعة لجامعة الدول العربية كالصومال وجيبوتي فقد نص دستورها على أن يكون التعليم الإسلامي واللغة العربية إلزامياً في المدارس الابتدائية والثانوية. ولذلك نشطت حركة التعريب في الصومال في كل مؤسسات الدولة بما فيها التعليم.

وأما البلاد التي يكون المسلمون فيها أقلية، فإنه لا وجود للغة العربية ولا للتربية الإسلامية في مناهجها، مما يعني خطراً شديداً على من ينتسب إليها من أبناء المسلمين للدراسة فيها .

مشكلات التعليم الإسلامي في أفريقيا:
أولاً: مشكلة المناهج:

إنه مما لا يخفى على التربويين أهمية المناهج في العملية التعليمية، فإن أغلب عناصر التعليم من المعلم والكتاب والوسائل الأخرى تعتمد على المناهج الدراسية. والمنهج السليم هو الذي يحقق أهدافه من تكوين فرد مسلم عابد لله، وتكوين مجتمع من مثل ذلك الفرد، بل ويهدف كذلك إلى تعليم اللغة العربية باعتبارها وسيلة لفهم القرآن والسنة، فيتوثق رباط المسلمين بدينهم وحضارتهم. وعليه فينبغي أن يكون محتوى المنهج قائماً على ما يلي:
1- أن يكون قائماً على أساس الدين الحق، محققاً للأهداف الشرعية.
2- أن يؤدي إلى تبصير الدارسين بدينهم وحصانتهم ضد الأفكار المنحرفة.
3- أن يناسب المحتوى قدرات الدارسين العقلية ومستواهم التعليمي.
4- أن يوزع المحتوى على المراحل الدراسية والفترات والأسابيع والحصص.
5- أن يؤدي إلى استمرار التعليم ومتابعته(8).
وأهم مشكلات المناهج في أفريقيا هي:
1- غياب المنهج الحق في الاعتقاد لدى كثير من المدارس الإسلامية ... وعلى سبيل المثال نجد تدريس أم البراهين وجوهرة التوحيد .. مع وجود صبغة صوفية شديدة تتنوع من قادرية أو أحمدية إدريسية أو تيجانية. بل إنه قد وفدت على القارة فرق ومذاهب هدَّامة، كالشيعة والقاديانية الأحمدية.
وبالجملة فإنه يمكن تصنيف المناهج المتعددة في ساحة التعليم الأفريقي إلى ما يلي:
‌أ- المنهج البدعي: القائم على الأشعرية والتصوف والتشيع، والفرق الخطرة كطوائف الإسماعيلية والقاديانية، فساحل العاج مثلاً غزتها "مدارس الطائفة الأحمدية القاديانية والبهائية والإسماعيلية والشيعية اللبنانية.

فهذه المدارس بإمكاناتها وتنظيمها الجيد والخدمات الطبية التي يقدمونها تكسب خريجيها مكانة بين المثقفين, وقد قامت المدارس الأحمدية ... بإيفاد مجموعة من الطلاب إلى باكستان ممن مكثوا معهم مدة أكثر من 18 سنة، وبعودة هؤلاء ... تزيد المشاكل أمام الدعاة، كما أن المركز الثقافي اللبناني يعد تلاميذه إعداداً جيداً في فترة قصيرة ينفق عليهم الشيء الكثير، مما سيزيد المشاكل بين المذاهب ... في القارة".
ويلاحظ بأن الفرق الباطنية وإن كان لها وجود في كثير من دول غرب أفريقيا كنيجريا وسيراليون، إلا أنه يلاحظ تركزهم في جنوب القارة وفي بعض شرقها مثل تنزانيا. وأما فرقة الشيعة فأكثر تأثيرها على غرب القارة وعلى بعض شرقها مثل أوغندة. وأما الأشعرية والتصوف فمنتشرة في أغلب بلاد القارة.

‌ب- المنهج العلماني: وأصحابه هم الذين تعلموا في مدارس أوروبية أو ذات صبغة أوروبية، ويرى كثير منهم أنه ما أقعد القارة ولا أبقاها في ظلامها إلا العلوم الإسلامية واللغة العربية!. وقد أفرز هذا المنهج تعليماً غابت فيه الأهداف الشرعية، فقل الاكتراث بالشعائر التعبدية وبالمسجد وظهر الاختلاط ... وزاد الجهل بالدين. ومما يساعد على هذا أنه لما صارت لغة المستعمر وسيلة للمعرفة أصبح المثقف المسلم إذا أراد أن يعرف شيئاً عن الإسلام وتاريخه وحضارته يمر عبر جسور من اللغات الأوروبية تضع الدسائس على الإسلام وأهله، وهذا مع غياب أو ندرة الكتب الصحيحة المترجمة إلى تلك اللغات، ولهذا ربما اعتمد في بعض الجامعات على كتب كتبها مستشرقون أو متغربون مثل مونتقمري وات وفيليب ، ففسر الإسلام تفسيراً عنصرياً يثير الأحقاد ويشوه الصورة الصحيحة، خاصة إذا قرئ ذلك مقارناُ لما كتبه المستشرقون عن العرب وتجارة الرقيق في أفريقيا .
وقد وجد شعور بالنقص لدى من تأثر بهذا المنهج العلماني المستقى من الثقافة الأوروبية، يرافقه شعور بسمو ورفعة الرجل الأبيض الأوروبي وحضارته! مما أدى إلى الإعجاب بكل ما هو آت منهم، مع نفرة عن العلوم الشرعية وأهلها.

‌ج- المنهج السلفي: "وقد كان تأثير منهج هذه المدارس قوياً على الشعوب الأفريقية -رغم وصوله متأخراً، وتفاوت تأثيره من منطقة لأخرى [وقد اعتمد هذا المنهج على الكتاب والسنة وبيان التوحيد على فهم سلف الأمة والمحافظة على السنة والقواعد التي تضبط سلوك الأفراد في المجتمع الإسلامي] وأغلب المنتمين إلى هذه المدرسة من خريجي الجامعات السعودية ..."(11). وهذا المنهج هو الذي يرجى له أن يكون مخرجاً إلى النور والهدى في أفريقيا وغيرها.
2- يذكر بعض الباحثين ضمن مشكلات المنهج: عدم ملاءمة ما يدرس من مناهج تضمنتها بعض الكتب من دول عربية بل وأفريقية لوضع بعض الدول "ففي ملاوي يدرس التلاميذ (الجمل سفينة الصحراء) وهم لم يسبق لهم أن رأوا جملاً ولا مروا بصحراء". ولكي يكون هذا الكلام صحيحاً ينبغي أن يقال إن ذلك في الأسلوب أو الوسيلة.
3- اختلاف مناهج التعليم، واستقلال كل معهد بوضع منهجه ومنح شهادته، وعدم استقرار المنهج حتى في المعهد الواحد أحياناً. وهذا عادة ما يكون في التعليم الأهلي لا الحكومي.
4- عدم التزام منهج محدد المعالم متكامل المحتوى. إذ يوجد في بعض البلاد مسائل مهمة مهملة لا تعرض لها في المنهج أو قد تذكر لكن على وجه غير كافٍ. وهذا مع وجود خلل آخر ألا وهو انتهاء المنهج بانتهاء المرحلة الابتدائية مما يفرز مفقوداً تربوياً خطيراً، إذ ينطلق الطلاب بعد هذه المرحلة فيتلمسون أدنى المهن وأوضعها، ثم ينسون ما تعلموه من علم!.
5- يرى بعض الباحثين أن من بين مشكلات مناهج التعليم في أفريقيا: "انحصار مناهج هذه المعاهد في العلوم الشرعية والعربية، وجهل خريجيها باللغات الأوروبية والعلوم الحياتية".

ويبدو أن هذا الانحصار له عدة عوامل منها:
‌أ- أن المدارس العصرية أيام الاستعمار كان من أهدافها طمس الإسلام في نفوس أهل أفريقيا المسلمة، وكانت مطية للتنصير وزعزعة العقائد، فاضطر المسلمون إلى هذا الانحصار , كما أدى ذلك إلى كراهية أهل أفريقيا لكل ما يتعلق بثقافة الأوروبيين، خاصة مع عدم وجود ترجمة ولا تصحيح لما كتب في تلك المناهج.
‌ب- أن بعض المدارس والمعاهد الإسلامية دخلت في تجربة إدخال الثقافة الأوروبية إلى مناهجها، فأدى هذا الاندماج إلى ضعف شديد في الدراسات الإسلامية، وقد كان لازدواجية التعليم المكروه عند المسلمين أيضاً أثر في تقهقر مثل هذه المدارس .
‌ج- انقطاع الصلة أو ضعفها بين تلك المعاهد مع الدول الإسلامية التي تقدمت في مجالات أخرى لتستفيد من خبراتها.
‌د- قلة الإمكانات المادية الذاتية، وعدم وجود مساعدات خارجية أو قلتها لقيام مثل هذه المدارس والمعاهد المزدوجة.
ومع عدم وجود أو قلة مثل هذه المدارس المزدوجة ينتسب بعض الطلاب خاصة في دول القارة ذات الأقلية المسلمة إلى مدارس تدرس فيها النصرانية، فيتعرضون لخطر التنصير, ولذلك بقيت أكثر الأسر معرضة عن مثل هذا التعليم حفاظاً على الدين، وإن تضرروا في جانب المهن من طب وهندسة واقتصاد وغير ذلك..

مشكلة المعلمين والمشرفين التربويين:
1- ضعف مستوى كثير من الأساتذة ومعلمي المدارس الإسلامية، سواء من جهة الحصيلة العلمية أو الخبرة العملية في التعليم. ولذلك عبر بعض الباحثين بقوله: "إن مستويات أكثر معلمي المدارس الإسلامية متوسط أو دون ذلك [و] إن هذا ينعكس بطبيعة الحال على التلاميذ، وبالتالي يؤثر في مستواهم، وينتهي إلى ضعف في الطائفة الإسلامية".
2- قلة ذات اليد لدى كثير من المعلمين أدت إلى انشغالهم -أو انشغال أكثرهم- بشئون الحياة وجلب الرزق، فربما انقطع بعضهم عن التعليم وتركه، أو انشغل عنه كثيراً فضعف مستواه وقلَّ عطاؤه. والأسباب التي أدت إلى هذا الوضع:
أ‌- عدم الاستيعاب الوظيفي، إما لعدم الاعتراف بالشهادات العربية أمام الفرنسية وغيرها، وإما لضعف اقتصاد الدول التي أثقل كاهلها الأعباء والمشكلات من الحروب والديون...
ب‌- ضعف المؤسسات والجمعيات المحلية وعدم تمكنها من استيعاب المعلمين.
3- قلة المعلمين في بعض بلاد القارة، حتى ذكر أنه في بعض المدارس الإسلامية يوجد معلمون نصارى!.
4- قلة المشرفين على أعمال المدرسين، ولذلك حُدِّد للمدارس الإسلامية العربية في بعض الدول -مثل مالي- مشرفون لا يعرفون العربية ويتحدثون الفرنسية بعدما فرض المنهج الرسمي على جميع المدارس الإسلامية العربية وجعلها تحت إشراف وزارة التعليم.

مشكلة الوسائل التعليمية المناسبة:

لا يزال الاعتماد على الألواح الخشبية وسيلة للتعليم في المدارس التقليدية القديمة، ولهذا ولغيره من الأسباب يشكو الطلاب من طول المدة التي يقضونها لاستيعاب دروس اللغة العربية والتربية الإسلامية.

أما المدارس النظامية فإنها ما زالت تفتقد الكثير منها الكتاب المناسب في محتواه وإخراجه، وقد تقدمت الإشارة إلى وجود كتب ووفرتها لأصحاب مذاهب هدامة!. وبالجملة فإنه يلاحظ أن الكتاب المناسب نادر ولا يتوفر لأكثر الطلاب.

مشكلة الضعف المادي والإداري:

إن الضعف المادي أدى إلى انعدام المباني المدرسية المناسبة الحديثة في أكثر القارة أو إلى قلتها. ولا شك أن هذا الضعف حاصل كذلك في الأثاثات اللازمة للعملية التربوية كالكراسي، فهي قليلة، وكثير من الطلاب -خاصة في المدارس الإسلامية الأهلية- يفترشون الأرض و الحصائر.
ويلاحظ أنه في بعض البلاد تتنصل الجهات الرسمية عن دعم المؤسسات التعليمية الإسلامية بدعوى أنها لا تأخذ بمنهج الوزارة الرسمي، والعجيب أنه في بعض البلاد التي ألزمت فيها المعاهد بالمنهج الرسمي إلا أنها ما زالت تجد تلك المعاهد إهمالاً، مع قيام تلك الجهات الرسمية بدعم مدارس النصارى!.
ونتيجة للضعف المادي عجز بعض أصحاب المدارس عن تسيير الدراسة في مؤسساتهم التعليمية.

مشكلة ضعف اللغة العربية:

لقد عمل المستعمرون قبل رحيلهم من أفريقيا على إضعاف اللغة العربية وإحلال لغاتهم محلها، وأظهروا لغاتهم لغات للعلم والحضارة بخلاف العربية التي ربطوها بكل تخلف. وشاء الله أن تبقى هذه اللغة وإن ضعفت في كثير من البلاد، ثم إنه "لولا تمسك المسلمين باللغة العربية وإيمانهم الأكبر بأن هذه اللغة ستأخذ دورها وإن طال الزمن في القارة الأفريقية، لترك أكثرهم إن لم يكن كلهم تعلم هذه اللغة، ولا شك أن من وراء صمود هذه اللغة مظلة الإسلام التي ما برحت تحميها من كل غارة تراد بها".

وبالجملة فإن من عوامل ضعف اللغة العربية وعدم انتشارها بصورة مناسبة:

1- جهود المستعمرين في إقصائها وإضعافها بشتى الوسائل، مع بقاء لغاتهم إلى اليوم لغات رسمية وللتخاطب والتداول، مما أدى إلى انحسار اللغة العربية.
2- أن تعليم اللغة العربية كان قاصراً على الزوايا والكتاتيب، فلم تنتشر في المجتمعات بصورة مناسبة واسعة، ثم إن المدارس وإن انتشرت كثيراً مؤخراً، إلا أنه أثرت عوامل أخرى في عدم انتشارها منها:
3- أن اللغة العربية لا تستعمل لغة للتخاطب والتحدث بها بين المتعلمين أنفسهم فضلاً عن بقية المجتمع، بل يضطر المعلم أن يشرح الكتاب العربي باللهجات المحلية لتلاميذه!.
4- ندرة الكتاب العربي وقلة انتشاره في أوساط المتعلمين وسائر المسلمين..
يرى بعض الباحثين أن من بين أسباب ضعف اللغة الاقتصار على تعلم النحو والصرف غالباً -دون دراسة الأدب والبلاغة والتعبير-، مما يخرج طالباً قارئاً كاتباً فقط! ويبدو أن هذا حاصل كثيراً في المدارس العربية الفرنسية .

- التطلعات :

مقترحات عامة:

1- تكوين روابط للخريجين في الجامعات الإسلامية السعودية من أفريقيا، وتوجيه العناية بها، ودعمها لتمكينها من أداء رسالتها.
2- تكوين لجنة عليا -من داخل هذا الملتقى أو من روابط الخريجين- تسند إليها مهمة إنجاز ما يتوصل إليه من حلول لمشكلات التعليم الإسلامي في أفريقيا.
3- الاهتمام بشأن المجتمعات بدعوتها إلى الإسلام وتبصير المسلمين بدينهم، حتى تكتمل العملية التعليمية التربوية للطلاب، ويمكن اعتبار ما يلي لتحقيقه:
أ‌- الاستعانة بطلاب العلم المتميزين في ترجمة الكتب المهتمة ببيان العقيدة والواجبات المتحتمة المعرفة إلى اللغات الإفريقية المشهورة، ومراجعتها، ومن ثم طباعتها ونشرها وتوزيعها..
ب‌- حث الدعاة على الاهتمام بأمر الدعوة إلى الله ومضاعفة الجهود، ونشر العلم عن طريق الدروس العامة في المساجد ووسائل الإعلام العامة المتيسرة.

مقترحات خاصة بالتعليم:

مقترحات تتعلق بالمناهج:
1- اعتماد العقيدة الصحيحة المستمدة من الكتاب والسنة وما أجمع عليه سلف الأمة في مناهج التعليم بكل مساقاته ومراحله الدراسية، وحماية النشء من العقائد الفاسدة والبدع والأفكار الهدامة...
2- تشكيل لجان علمية متخصصة للنظر في إعداد مناهج موحدة للمدارس الإسلامية، تراعى فيها أهداف المنهج ومحتواه الشرعي، بحيث يكون مصدره الشرع الحنيف، ويمكن توزيعه على المراحل، ويراعى فيه إمكان توحيد الشهادات والامتحانات خاصة في نهاية المرحلة الثانوية.
3- السعي إلى تنويع المساقات في التعليم الإسلامي، بإبقاء المدارس الإسلامية -أو بعضها- لتدريس علوم الشريعة وإدخال شيء من التعليم المهني والتقني لتوفير سبل كسب العيش. وإنشاء مدارس تجمع بين تعليم العلوم الشرعية والأكاديمية ويراعى فيها توافق المواد الأكاديمية للشريعة باعتبارها مصدر القيم.

مقترحات تتعلق بالمعلمين والمشرفين التربويين:
1- الدقة في اختيار المعلم الداعية صاحب الأهلية العلمية والخبرة العملية والهمة والبصيرة الدعوية ليكون تأثيره أكثر وأنفع.
2- إقامة دورات تدريبية لمدرسي الدراسات الإسلامية واللغة العربية -ممن هم بحاجة إلى ذلك- في بلدانهم لتأهيلهم.
3- العمل بنظام الانتداب والإعارة بأن يخصص مدرسون مؤهلون للجامعات الأفريقية حكومية كانت أو أهلية للنهوض بالتعليم الإسلامي فيها.
4- السعي عن طريق المنظمات والروابط والوزارات لدى الحكومات الأفريقية لاستيعاب خريجي الجامعات الإسلامية في وظائف التعليم العام ومساواتهم بغيرهم في السلم الوظيفي.
5- المطالبة بإدراج مفتشي التعليم الإسلامي في سلك المفتشين بالوزارات الوطنية طبقاً لشهاداتهم.

مقترحات تتعلق بالطلاب:
1- حث الطلاب وتوجيههم إلى الأخلاق والسلوك الحميدة، وعلاج ومقاومة كل سلوك غير شرعي، وتعويدهم على التزام الشعائر التعبدية وبناء المساجد في المؤسسات التعليمية لتمكينهم من الصلاة جماعة في وقتها.
2- إنشاء الجمعيات الثقافية والعلمية وصقل المواهب في حدود الشريعة.
3- التوسع في المنح الدراسية للطلاب المسلمين في المعاهد والجامعات والدراسات العليا، مع مراعاة التوزيع الجيد للدول والمناطق داخل الدولة الواحدة، والاهتمام بهم تعليماً وتربية حتى يسدوا حاجة بلادهم بالكفاءات العلمية المؤهلة الصالحة.
4- الاهتمام بتعليم المرأة الأفريقية المسلمة بإنشاء مدارس نسوية خاصة منعاً للاختلاط بالرجال، وتركز في مناهجها على ما يخص المرأة ويهمها لإعدادها إعداداً يناسب طبيعتها ورسالتها في المجتمع.

مقترحات تتعلق بالكتب والوسائل التعليمية:
1- إهداء المعاهد والجامعات الإسلامية بالمراجع والمصادر الإسلامية النافعة وتزويدها بها باستمرار، حتى تعين الطلاب والأساتذة في التحصيل العلمي، على أن يراعى في تلك الكتب التنوع والسلامة من الأفكار المنحرفة.
2- إعداد برنامج مستمر في تعليم اللغة العربية -إذاعي وتلفزيوني- يبث على مستوى القارة, وإهداء تسجيلاتها على أشرطة الكاسيت والفيديو لدعم المكتبات الإسلامية في القارة.
3- إنشاء مكتبات عامة يرتادها المثقفون من أبناء القارة للاستفادة منها.
4- إنشاء مطابع ودور نشر في القارة، تشجع حركة التأليف، وتزيد من نشر الكتاب الإسلامي، وتعود بفائدة استثمارية للمؤسسات التعليمية والدعوية.
5- مراجعة الكتب الدراسية الموجودة على ثلاث مراحل:
‌أ- تحديد المحتويات التي لا تتفق مع الإسلام و تتصادم معه وشطبها من المقررات الدراسية.
‌ب- وضع مذكرات تشتمل على بديل سليم للمشطوب ليستخدمها المعلمون في التعليم.
‌ج- تأليف كتب منهجية للدراسة جديدة يراعى فيها ما تقدم في مقترحات المناهج بعد التأكد من نجاحها وملاءمتها.
6- عمل كتاب دليل المعلِّم يراعى فيه اختلاف المراحل والإرشاد إلى الطريقة المثلى لإيصال العلم والقيم الإسلامية وترسيخها في نفوس الطلاب.

مقترحات تتعلق بالمدارس والمؤسسات التعليمية:
1- السعي إلى دعم المدارس القائمة وترميمها وتطويرها.
2- إنشاء مدارس جديدة -وتوزيعها توزيعاً جيداً- تشتمل على قاعات الدراسة والمكاتب الإدارية إضافة إلى بناء مساكن لإيواء الطلاب خاصة في المرحلة الثانوية والجامعية.

-مستقبل الإسلام في أفريقيا :

مستقبل الإسلام في أفريقيا يبشر بالخير لأن نفوس الأفارقة أقرب إلى الإسلام من غيره، والمطلوب من المسلمين وخاصة المنظمات الخليجية هو أن تنسق فيما بينها تنسيقاً محكماً، وهذا يعني أن توضع خطة ويتم توزيع العمل والأدوار، وتتحمل كل منظمة مسؤوليتها للوصول إلى الهدف المنشود.
ولقد رأينا على سبيل المثال الجهد والمال البسيطين اللذين أنفقا في جمهورية مالاوي على الدعوة الإسلامية وكيف تغير حال المسلمين هناك خلال 20 سنة وارتفعت نسبة المسلمين من 17% إلى أكثر من 45% من مجموع السكان، وخلال هذه الفترة انتخب لأول مرة في تاريخ مالاوي رئيس جمهورية مسلم، وتخرج العشرات من أبناء المسلمين أطباء، ومهندسين ومحاسبين، وأساتذة جامعيين وغيرهم، بينما لم يكن أي خريج مسلم من الجامعة حتى عام 1984م.

ومن الأمثلة الإيجابية في قضية التنسيق بين المنظمات ما حدث في مشروع أسلمة قبائل البورنا في أثيوبيا حيث ضربت مجموعة من المنظمات الخيرية الإسلامية أروع الأمثلة في التعاون في ما بينها.

إن مشكلة المنظمات الإسلامية الخليجية في أفريقيا هي قلة الخبرة الإدارية ،والقيادية، وعدم التنسيق في ما بينها، وإذا عولجت هذه الإشكالية فإن أسلمة أفريقيا سيكون قريباً إن شاء الله تعالى، وليس ذلك على الله بعزيز.