عن سفيان قال،طول الصمت مفتاح العبادة،فإن في طول الصمت تفكراّ وكفاّ عن ما لا ينبغي،واستفادة من الأوقات،ومحاسبة

للزلات،فإن اللفظات حفظها،لا يخرج لفظة ضائعة،لا يتكلم إلا فيما يرجو فيه الربح والزيادة في دينه،فإذا أراد أن يتكلم بالكلمة نظر،

هل فيها ربح وفائدة أم لا،فإن لم يكن فيها ربح وفائدة أمسك عنها،وإذا أردت أن تستدل على ما في القلب فاستدل عليه بحركة

اللسان، فإنه يطلعك على ما في القلب،قال يحيى بن معاذ،القلوب كالقدور تغلي بما فيها،وألسنتها مغارفها،فانظر إلى الرجل حين

يتكلم فإن لسانه يغترف لك مما في قلبه، حلو وحامض،ويبين لك طعم قلبه اغتراف لسانه،والكلام إذا كان دفاعاّ عن خير ودعوة إلى

علم وقراءة للقرآن وذكر لله فذلك أكثر منه،فإنه يسرك يوم القيامة إذا نظرت في صحيفتك،وأخذت كتابك بيمينك،قيل لإياس بن

معاوية،إنك تكثر الكلام،قال،أفبصواب أتكلم أم بخطأ،قالوا، بصواب،قال،فالإكثار من الصواب أفضل،اعلم أن الكلام ترجمان

يعبر عن مستودعات الضمائر ويخبر بمكنونات السرائر، لا يمكن استرجاع بوادره، ولا يقدر على رد شوارده، فحق على العاقل أن

يحترز من زلله،بالإمساك عنه أو بالإقلال منه،قيل للقمان الحكيم،ما حكمتك،قال،لا أسأل عما كفيت،ولا أتكلف ما لا يعنيني،وحكي أن

بعض الحكماء رأى رجلاّ يكثر الكلام ويقل السكوت، فقال،إن الله تعالى خلق لك أذنين ولساناّ واحداّ ليكون ما تسمعه ضعف ما تتكلم

به،والكثير الآن تجاوز هذا الضعف،يهذر بما يعلم وما لا يعلم،لا يتحدث في علم إلا له فيه قول،ولا يمر اسم فلان من الناس إلا

لمزه وغمزه،ولكي يسلم المتحدث من الزلل في حديثه والنقص في مقاله فإن عليه أن يراعي شروطا أربعة،الشرط الأول،أن يكون

الكلام لداع يدعو إليه، إما في اجتلاب نفع، أو دفع ضرر،
الشرط الثاني،أن يأتي به في موضعه، ويتوخى به إصابة فرصته،

الشرط الثالث،أن يقتصر منه على قدر حاجته،الشرط الرابع،أن يتخير اللفظ الذي يتكلم به،إذا توافرت هذه الشروط فعليك بالحديث

وإلا فإن الصمت يجمع للرجل خصلتين،السلامة في دينه،والفهم عن صاحبه،ومن يقدر الآن على الصمت ونحن في زمن يخيل

للسامع أن الإنسان خلق بلسان دون أذن،فالكل يتحدث ترتفع الأصوات في المجالس ويكثر اللغط ولا تعلم من يحدث من،ومن

يستمع لمن،ترى اثنين يتحدثان بصوت مرتفع،وتبحث عن المستمع فلا ترى أحداّ،الكل يتحدث،ولكن أين المستمع،أفلا نفكر


ولو أيام معدودة في الصمت عما لا يعنينا،ولو لساعات فقط،وحدد محمد بن عجلان الكلام بأربعة،أن تذكر الله،وتقرأ القرآن وتسأل


عن علم فتخبر به،أو تتكلم فيما يعنيك من أمر دنياك،فإنه حق على العاقل أن يكون عارفاّ بزمانه،حافظاّ للسانه،مقبلاً على شأنه،قال

رجل لحامد اللفاف،أوصيني قال،اجعل لدينك غلافاّ كغلاف المصحف أن تدنسه الآفات قال،وما غلاف الدين،قال،ترك طلب

الدنيا،وترك كثرة الكلام،وترك مخالطة الناس إلا فيما لا بد منه،من منا الآن من يعّد كلامه،ويقف دون زلاته،

استر العي ما استطعت بصمت،،،إن في الصمت راحة للصموت
واجعل الصمت إن عييت جواباّ،رب قول جوابه في السكوت،
وحتى في السكوت ربما يلحقك مذمة، ويتبعك ملامة ولكن عليك بقول أبي الدرداء،أدركت الناس ورقاّ ولا شوك فيه، فأصبحوا

شوكاّ لا ورق فيه، إن نقدتهم نقدوك، وإن تركتهم لا يتركوك،
قالوا،فكيف نصنع،قال،تقرضهم من عرضك ليوم

فقرك،أي،تتجاوزهم وتتركهم،قال تعالى﴿إن تقرضوا الله قرضاّ حسناّ يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم﴾التغابن،واعلم أنها حسنات

تجمع لك تراها يوم القيامة مثل الجبال،في ذلك اليوم العصيب،يوم يشيب فيه الولدان،إما إلى الجنة أو إلى النار،ويكفي من طول

بعض المجالس قليل من الوقت،فإن طال المجلس،انتهى حديث السلام والسؤال،وبدأت آفات اللسان،فاحفظ أمرك وحاسب نفسك،

لقاء الناس ليس يفيد شيئاّ،،،سوى الهذيان من قيل وقال
فأقلل من لقاء الناس إلا،،،لأخذ العلم أو إصلاح حال

قال ابن الحسن بن بشار،منذ ثلاثين سنة ما تكلمت بكلمة أحتاج أن اعتذر منها،عفوا وحفظوا ألسنتهم يخافون يوماّ يرجعون فيه إلى

الله،قال عمر بن عبد العزيز،إنه ليمنعني من كثير من الكلام مخافة المباهاة،والإنسان لا يخلو من محادثة الكثير ممن تتفاوت عقولهم

وتختلف مداركهم، وتتلون طباعهم،ووجه وهب بن منبه لهذا الأمر بقوله، دع المراء والجدل، فإنه لن يعجز أحد رجلين، رجل هو

أعلم منك، فكيف تعادي وتجادل من أعلم منك،ورجل أنت أعلم منه، فكيف من أنت أعلم منه، ولا يطيعك،وخير للمرء إن أراد

المحافظة على دينه من النقص وعلى كرامته من الخدش أن يلزم الصمت أو يقول خيراّ،ولا خير في الحياة كما قال سعيد بن عبد
العزيز،إلا لأحد رجلين،صموت واع،وناطق عارف،


جعلني الله وإياك ممن إذا تكلم نفع،وإن سكت كان خيرا له