عصمة الأنبياء
اتفقت الأمة على أن رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم معصومون فيما يتعلق بتبليغ الوحي، فلا يكذبون، ولا ينسون، ولا يغفلون، وقد تنوعت الدلائل الشرعية على إثبات ذلك في حق نبينا صلى الله عليه وسلم - ومثله سائر الأنبياء - من تلك الدلائل ما وعد الله به نبيه من عصمته من النسيان، قال تعالى:"سنقرئك فلا تنسى ". ومنها تزكية الله له من جهة البلاغ عنه، قال تعالى: "وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى". هذا فيما يتعلق بحال الأنبياء في تبليغ الوحي أما ما سوى ذلك من أحوالهم، فمذهب السلف على أن الرسل بشر، يعتريهم ما يعتري سائر البشر من العوارض والأمراض، إلا أن الله عصمهم من كبائر الذنوب، والصغائر التي تدل على خساسة الطبع، صيانة لعلو مكانتهم. وأما صغائر الذنوب التي لا تدل على خساسة قدر، وضعة منزلة، فمذهب السلف جواز وقوعها من الأنبياء، إلا أن الله لا يقرهم عليها بل سرعان ما ينزل الوحي مصححا وهاديا، وقد ذكر الله لنا بعضا مما وقع من أنبيائه، مما عاتبهم عليه وأرشدهم فيه. من ذلك قوله تعالى في حق نبينا صلى الله عليه وسلم: "عبس وتولى، أَن جاءه الأعمى". وذلك أن عبد الله بن أم مكتوم أتى النبي يستهديه، فأعرض النبي صلى الله عليه وسلم عنه، لانشغاله بدعوة سادات قريش، فنزل عتاب الله جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم. أما الحكمة من جواز وقوع الخطأ اليسير منهم فذلك من رحمة الله بهم، حيث لم يحرمهم من أعظم العبادات وأحبها إليه سبحانه وهي التوبة والإنابة، وقد وصف الله خليله إبراهيم بأنه: "لحليم أواه منيب"، وقال صلى الله عليه وسلم: "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة ". والعصمة كما اتفق العلماء لا تثبت إلا للأنبياء، أما غيرهم من البشر فالخطأ في حقهم جائز، عظم هذا الخطأ أم صغر، قال صلى الله عليه وسلم: "كل بني آدم خطّاء وخير الخطاءين التوابون".

ظاهرة سبُّ الله سبحانه وتعالى..

قال تعالى: "وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِه". في بعض بلاد المسلمين ثمة ظاهرة تكادُ السماوات يتفطرن منها وتنشق الأرض وتخرُّ الجبال هدا. يشيب من هول فداحتها كل واحد قدر الله قدره. وعرف ربه. وعرف مع هذا حقارة نفسه كمخلوق ضعيف لم يخلق سوى لعبادة الله عز وجل. إنها ظاهرة سبُّ الله سبحانه وتعالى! أو سبُّ دينه أو الاستهزاء بشيء من شعائر الإسلام. وحكم الله في أمثال هؤلاء ما جاء في الأثر نفرا من الناس قاموا بالتندر على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا وأكذب ألسنا وأجبن عند اللقاء. فأنزل الله حكمه القاطع بكفرهم " قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ". فتأمل أخي الكريم كيف وصمهم الله بهذا مع كون استهزائهم بحملة الدين لا بالدين نفسه. فمن ظنك بمن يسب الله أو يستهزىء بدينه؟! لقد عصا قلة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمراً له بغفلة يوم أحد، فقلب الله نصرهم هزيمة. فما بالنا اليوم نرجو النصر والتمكين وفينا من يسب الله عز وجل أو يسب دينه!!...فيا من وقعت في هذه الجريمة الكبرى. أكنت ترضى أن يسخر بك أحد أو يسبك؟ فكيف استساغتها نفسك المخلوقة في الله تعالى الملك القهار الذي خلقك ولم تك شيئاً؟! وهو القائل عز سلطانه: "مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً ". إنك أيها القارئ لو كنت ممن وقع في هذه الكبيرة العظمى، فلعلك علمت الآن أن هذا ليس شيئاً غير الكفر بعينه من كلام ربِّ الأرباب. وملك الملوك. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن سبَّ الله أو سبَّ رسول الله كفرٌ ظاهراً وباطناً، سواء كان السابُّ يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحيلاً، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده". وقال الإمام أحمد رحمه الله: "في رواية عبد الله بن أحمد في رجل قال لرجل يا بن كذا وكذا- أعني أنت ومن خلقك- قال: هذا مرتد عن الإسلام تُضرب عنقه".