الامراض النفسية و علاقتها بالحن و الشياطين !

خلق الله سبحانه وتعالى آدم وحواء عليهما السلام وأسكنهما الجنة وحذرهما من عدوهما إبليس الملعون لأنه يريد إخراجهما من الجنة ، فلما أغراهما وأكلا من الشجرة المحرمة أنزلهم الله جميعا إلى الأرض أعداء قال تعالى ( وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو) ولهذا يتحين إبليس الفرص هو وذريته لإغواء بني آدم وإضلالهم عن طريق إيقاعهم بالكفر، قال تعالى ( كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر) وهدفه من ذلك إدخال الناس في جهنم قال تعالى ( إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ) وحتى ينجح في تحقيق غايته يسعى لإيقاع الإنسان بالذنوب والمعاصي قال تعالى ( إنما يأمركم بالفحشاء والمنكر والسوء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) وإيقاع العداوة بين الناس قال تعالى(إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون) وقد مكنه الله سبحانه وتعالى من الوسوسة في صدور بني آدم قال تعالى (من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس) وحتى يستطيع الإنسان أن يتحدى الشيطان ويرد كيده في نحره وينتصر على وساوسه أعطاه الله العقل ليفكر به وبعث إليه الرسل ليبنوا له الهدى من الضلال والخير من الشر وأنزل الكتب السماوية وجعل له ملك يدله على الخير مقابل وسوسة الشيطان له بالشر قال علية الصلاة والسلام (إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة ، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق ، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق فمن وجد ذلك فليعلم انه من الله ومن وجد الأخرى فليتعوذ من الشيطان ) وفي صحيح مسلم أن رسول اللهe قال (ما من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن، قالوا وأنت يا رسول الله، قال :وأنا إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير ) وأخرج أحمد في مسنده أن رسول الله قال ( ما من أحد منكم إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة، قالوا : وإياك يا رسول الله ، قال واياي لكن الله أعانني عليه فلا يأمرني إلا بخير) وأنزل الله سبحانه وتعالى الملائكة ليحفظوا الإنسان من الشياطين قال تعالى ( له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال في تفسيره للآية : ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه فإذا جاء قدره خلوا عنه، وعن مجاهد قال : ما من عبد إلا له ملك موكل بحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام فما منهم شيء يأتيه يريده إلا قال وراءك إلا شيئا بإذن الله فيصيبه) ، فالشياطين تسعى لإيقاع الأذى بالإنسان والملائكة تدافع عنه .

ولكن إذا قضى الله أمرا على إنسان ما من مرض أو نحوه تنحت الملائكة ووقع قضاء الله على يد شيطان أو إنسان أو هوام ،

فهل يملك الشيطان أو الجان إيقاع الأذى بالإنسان وصرعه وركوبه والدخول في جسمه ؟
وكيف يتم ذلك ؟
وكيف يعالج ؟

للإجابة على الأسئلة أعددت هذا المقال وقسمته إلى ثلاث فصول ، بينت في
الفصل الأول
بعض الأمراض النفسية والعقلية خاصة تلك الأمراض التي تشبه أعراضها الأعراض المرضية التي تنسب إلى الإصابة بالجن ، وفي
الفصل الثاني بينت العلاقة بين الشياطين والجن وتلك الأمراض ، وفي

الفصل الثالث بينت طرفا من طرق العلاج من وجهة النظر العلمية والإسلامية ،

سائلة المولى عز وجل أن يرشدنا إلى الهدى والصواب، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه ، آمين .

الفصل الأول
الأمراض النفسية والعقلية
تقسم الأمراض النفسية والعقلية إلى قسمين هما :

1-الأمراض الذهانية

2-الأمراض العصابية

أولا : الأمراض الذهانية(الجنون)

المرض الذهاني هو اضطراب عقلي وانفعالي عميق يبدو الشخص غير قادر على ضبط سلوكه ويتعطل تفكيره وعمله ، وتقسم الأمراض الذهانية الىذهانات عضوية وذهانات وظيفية ، وتضم الذهانات العضوية حالات متعددة منها الصدمات والصرع ، أما الذهانات الوظيفية فتضم الفصام والزور والذهان الانفعالي ، والأصل في الذهانات الوظيفية أن منشأها نفسي ، أما الذهانات العضوية فيبحث فيها عن إصابة جسدية آذت الدماغ في وظيفته، ورغم ذلك فهناك تفاعل بين الأسباب النفسية والعضوية في حدوث المرض مثل المزاج الشخصي وعمل وظائف الجسم وآثار العلاقة بين الأشخاص وآثار المبادئ والأفكار والقيم ومكانة الصدمات النفسية .
الأعراض العامة في الذهانات
يوجد تداخل كبير في أعراض كل من الذهان الوظيفي والعضوي ، وهي أعراض كثيرة أهمها:

*الهلوسة وهي إدراك حسي دون منبه خارجي مع رسوخ الاعتقاد بوجود هذا المنبه ، وجميع الحواس قابلة لهذا الاضطراب وأكثر الهلوسات حدوثا الهلوسات السمعية والبصرية،كأن يرى حيوانات خرافية مفزعة تهدده وتتوعده ، أو يرى الأشياء أصغر حجما أو تبدو الأصوات وكأنها قادمة من مسافة بعيدة سحيقة وقد يشعر أن أجزاءا من جسمه قد اختلفت في الحجم ، وقد تؤدي الهلاوس الشمية إلى إقناع المريض بأنه على وشك الموت بسبب الغازات الخانقة ، وقد يشعر المريض بأن نملا زاحفا تحت جلده مما يجعله في ضيق شديد ويضعه في معركة خاسرة دائما ، وقد تأتى الهلاوس نتيجة لشدة التأثر بالإيحاء عند المريض ، وبصفة عامة نجد أن الحالة الانفعالية تتضمن الخوف الإشفاق والفزع والقابلية للتهيج ، فلو أن سلك تلفون بدا له في صورة أفعى لوجدته ينكمش في رعب ويصرخ خوفا على حياته ، وتحدث الهلوسة في مرض الفصال وبعض الإصابات العضوية في المخ ولدى مدمني الخمر والمخدرات ، وقد تحدث لدى الشخص السوي في حالات التوتر والتعب الشديدين .


· الهوس يصاب به المريض نتيجة لموت عزيز أو فشله في علاقة اجتماعية كالزواج أو ربما نجاحه في العمل ، وهو يضم الأفكار وبهجتها وانتقالها السريع من موضوع لآخر دون تمييز ، وسرعة تداعي المعاني ، مع الميل إلى النكتة الملائمة للموقف والتلفظ بألفاظ بذيئة ويغلب على أفكار المريض أفكار العظمة والاستعلاء ولديه إحساس مفرط بالانبساط والمرح وزيادة في النشاط الحركي العنيف موازيا لتفكك النشاط الذهني الهائج .


· الاكتئاب وهو كالهوس من حيث الأسباب كموت عزيز أو فشل في عمل أو امتحان، وتشبه أعراضه أعراض الملانخوليا أو المرض السوداوي وهي خفض النشاط الحركي وانعدام الاهتمام بالعالم الخارجي والأرق والشعور بالذنب والرغبة في الانتحار ، ويرجع إلى الاضطرابات الفسيولوجية التي تحدث في الدماغ المتوسط ، وكلا الهوس والاكتئاب ينتجان عن خلل في الانفعالات إذ يكون مبالغا فيها ، وقد يصاب المريض بنوبات متعاقبة من الهوس والاكتئاب .


· الهذيان وهو تبلبل عقلي مؤقت ينجم عن شدة انفلات الخيال بلا ضابط مع اختلال الحكم على الأمور وينفسح مداه من مجرد نزوة طيشا وخفة عقل عابرة إلى حالة جنونية بينة ، ويعتقد المريض باعتقادات غير صحيحة ويتشبث بها ومنها الشعور بالعظمة أو الاضطهاد أو قد يتوهم المرض والفناء ،أو يصبح بطيء التفكير أو تطير أفكاره ، ويفقد الاتجاهات الزمانية والمكانية ، وهو يظهر ضمن أعراض الأمراض العقلية الوظيفية والعضوية مثل ذهان الهذاء ( بارانويا) والفصام (شيزوفرينا) والمرض السوداوي (ملانخوليا) والشلل الجنوني العام ، ومن أسبابه بعض التسمم (ضربان رعاشي) ناتج عن الإدمان ، والأمراض المعدية وأمراض المخ والإرهاق والعقاقير ، وليس من اللازم أن يقترن المرض بتغير ظاهر في تركيب المخ .


· اضطرابات في التفكير حيث ينتقل الذهاني من فكرة إلى فكرة قبل استكمال عناصر الفكرة الأولى ، وقد يدور حول كلمة مرات متعددة ، وقد يقف قبل الانتهاء من فكرته وقد يتوهم المرض في جزء من أجزاء الجسم أو يخاف من مرض جرثومي أو سرطان أو ما شابه ذلك .


· اضطرابات في الذاكرة كان يتذكر التفاصيل بدقة أو يفقد جزءا كبيرا من ذكرياته ، أو يفقد ذكريات معينة وقعت في حقبة من الزمن أو بعد حادث معين.


هذا من حيث الأعراض العامة ، وفيما يلي توضيح مختصر لكل من الذهانات الوظيفية والعضوية .

الذهانات الوظيفية وهي الفصام والذهان الانفعالي والزور.

- الفصام (العته أو الجنون المبكر ) وهو عبارة عن تدهور عقلي يتميز بالانسحاب من الواقع وعدم الاهتمام بمن حوله ، وباضطراب الانفعال إذ يكون غير ملائم للظروف ويكون كلامه غريبا كأن يصك كلمات جديدة ، أو غير منسق، أو يكرر كلمات الآخرين، وتختل حركاته ويظهر قابلية للهياج والاستثارة، أو يظهر جمودا حركيا شديدا، أو يقلد حركات الآخرين أو ينغمس في حركات نمطية، ويصبح كثير الأوهام، ويصاب بالهلاوس والهذيان إذ يشعر 71 بالمائة منهم بالاضطهاد والباقي يشعرون بالعظمة ، وقد يصاب المريض بالبكم ، أما سبب المرض فيعود إلى أسباب وراثية تفاعلت مع عوامل نفسية ، ومن بين النظريات المفسرة للمرض ، النظرية التي تقول إن الشخص يهرب من مشاكله إلى أحلام اليقظة أو يطيل التفكير والتدبر في مشكلته أو يتخلى عن الاهتمام بها ، ثم تزداد هذه العادات البسيطة ويعتمد عليها المريض حتى تحل محل عادات التوافق السليم ،

ثم تزداد حدة وتطرفا حتى يصل المريض في نهاية المطاف إلى الفصام .


- الذهانات الانفعالية ، وهي ذهان الهوس الاكتئابي ، هو مبالغة في الاستجابات الانفعالية، وهو إما أن يمر المريض بحالة هوس أو حالة اكتئاب أو الاثنتين معا بشكل دوري . والذهان الارتدادي وهو ذهان يصيب الشخص في فترة انتقاله إلى مرحلة الشيخوخة.


-ذهان الزور ، هو اضطراب نفسي يتميز بهذيان اضطهاد أو عظمة أو الاثنين معا وهو نوع من الجنون ، ويتميز باختلالات في التفكير والشك وهو يصيب الشخصيات المتزمتة الجامدة، ويحدث غالبا في العقد الرابع من العمر وهو حصيلة نهائية للاعتماد على الإنكار والإسقاط ، فالأخطاء التي تسبب الاضطراب له ينكرها أو يسقطها على الآخرين ، فيعتدي على الآخرين دون شعور بالذنب ، وقد يتأثر بالمريض قريبه ويصبح الاثنان مجنونان، ولهذا سمي بالجنون المزدوج كما بين الأخت والأخت ، أو الرجل وزوجته أو الأم وابنها.


* الذهانات العضوية الناتجة عن إصابة عضوية في الأعصاب والمخ وهي :

- الزهري ( الشلل العا م ) سببه ميكروب حلزوني في الدم ينتقل إما عن طريق الجماع أو عن طريق دم الأم ، وأعراضه التشنجات والارتعاشات في الأصابع وفى اللسان والشفاه ويظهر الاضطراب في خط المريض وكلامه وحركة أقدامه ، ويفقد القدرة على تذكر الوقائع الحديثة وتظهر لديه القابلية للتهيج وعدم الاهتمام بالمظهر ويفقد القدرة على اصدار الأحكام ويميل المريض إلى الانشراح والانطلاق او إلى الاكتئاب ، وتظهر لدى المريض انفجارات فجائية من الرغبة في التدمير ثم يتحول إلى مريض يلازم الفراش .

- نقص التغذية ( الأنيميا الخبيثة ) بسبب نقصان فيتامين ب1 ، ويؤدى إلى انحلال الحبل الشوكي ، ويصاب المريض بإحدى الحالات الثلاث وهي : هذاء حاد ، خلط وعدم قدرة على الانتباه والتذكر واختلال في الشعور وهلاوس عابرة كان يرى أشياء تخيفه أو يسمع أصوات تهدده وتفزعه.هذاء البارانويدية وهذاءات الاضطهاد، وتتميز بكثرة الشك وعدم الثقة والخوف ، والمريض يكون على ثقة بان هناك مؤامرات تحاك ضده ،ويكون كثير الشكوى عديم الرضى . هذاء ات وجدانية ، أي استجابات انفعالية شديدة كان يصيبه اكتئاب مع تأخر وبطئ حركي ونفسي وهياج وعدم استقرار أو يصيبه خوف وقلق .


وبشكل عام الإصابات العضوية تتسم جميعا بعطب في الذاكرة واختلال في الانفعالات والتفكير وخلط واضطرابات في حاسة اللمس وضعف في العضلات وفقدان للاتجاهات الزمانية والمكانية .


- الصدمات، ارتجاج المخ نتيجة ضربة على الرأس ، ويصاب المريض بصداع ودوار وقابلية للتعب والتبلد العاطفي والتهيج لنقص القدرة على تحمل الأضواء والضوضاء، وهذه الأعراض عادة تنحسر خلال 6 أسابيع .


- الشيخوخة وهي أنواع : شيخوخة طبيعية ، يصاب المخ نتيجة لتقدم السن والضغوط النفسية والمجتمعية وأعراضه انكماش ملحوظ للمخ نتيجة للضمور وضياع السائل الليمفاوي وظهور لوحات الشيخوخة وهي مساحات صغيرة من انحلال الأنسجة ، ويصبح المريض كثير الإهمال لمظهره وتضيع القدرة على تذكر الوقائع الجارية ويزداد تشبثه بالماضي ويعجز عن متابعة الزمن فلا يدرى عمره وتقتحم أحلام اليقظة عليه ساعات يقظته ، ويصبح غير مستقر انفعاليا قابلا للتهيج يتمسك بآرائه ، ويشعر بهلاوس غامضة وتصيبه نوبات من الاكتئاب أو الهوس .وشيخوخة مبكرة وهي نوعين مرض الزهايمر ومرض البيك ، اما الزهايمر فهو ضمور في لحاء المخ أو قشرته الخارجية ، وظهور ألياف شبيهة بالخطوط المستقيمة في مكان الخلايا العصبية السوية ، ويصاب المريض بالتشنجات وضعف الذاكرة وصعوبات لغوية وعدم قدرة على استخدام الأشياء وعدم استقرار وقلق واكتئاب وهذاءات وهلوسات وخلط ، أما مرض البيك فهو ضمور في الفصوص الأمامية والجانبية ، ويصاب المريض باختلالات في عمليات الكلام والتفكير وتهيج الانفعالات وكثرة الشكوك أو ا لاكتئاب .وتصلب الشرايين ، يشعر المريض بالصداع والدوار عند النهوض المفاجئ أو عند الاضطجاع ، ويشعر بالضيق في الرقبة والضعف في الأطراف والذاكرة ويهمل رعاية نفسه ويفقد ثقته بالآخرين ويميل إلى الشجار ويصبح لديه انفجارات انفعالية وفشل في الوظائف العقلية.


- التسمم الناتج عن شرب الخمر وتناول المخدرات


تسبب الخمر الاختلاط وعدم القدرة على تحديد الزمان والمكان والقلق وعدم الاستقرار وهذاءا ت قد تؤدى إلى الانتحار أو الاعتداء على الآخرين بالقتل أو القيام بالجرائم ، كما يصاب المدمن بالهلاوس والتشوهات الحسية فقد يرى حيوانات خرافية مفزعة تهدده ، أو يرى أحجاما عملاقة تذبل وتتلاشى وتختفي في ألوان الحائط ، أو حيوانات بشعة صغيرة سريعة الحركة أو يشعر بنمل زاحف تحت جلده ، أو يشم روائح خانقة لدرجة يتصرف وكأنه مقبل على الموت ، وقد تصيبه هلاوس سمعية كان يسمع أصوات تهدده وتحقره فيصيبه خوف وإشفاق وفزع وقابلية للتهيج كأن تقول له سنتربص بك ونشحذ السكاكين لنقطعك إربا إربا ونشعل النار فيك ، ويسمع صوت شحذ السكاكين وصوت اقتراب الأقدام منه وصوت اشتعال النار ويؤمن أن الأعداء يتعقبونه فيهجم عليهم أو يهرب منهم خائفا فزعا وهكذا ينسجم سلوكه مع هلاوسه ،ويشعر بمخاوف غامضة وهذيان وخلط وتبلد .وقد يصاب البعض بنسيان الأحداث القريبة المباشرة ، ويتعلق بالماضي فينسج القصص الخرافية ، وقد يصاب باضطراب وانحلال في الشخصية واختلال عقلي وتدهور في السلوك الأخلاقي ، ويتحول سريعا من عدم الاكتراث إلى الانفجار ، ويصبح بطيء الفهم

أما الأساليب التي يلجأ إليها الإنسان لإزالة توتره وحسم صراعه وخفض قلقه هي خصائص كامنة في النفس البشرية ، واستغلال هذه الخصائص يتأثر بمفاهيم الإنسان وميوله أما سلبا أو إيجابا ومن هذه الأساليب :

أ - الإنكار وهو نكران الواقع الذي يسبب التوتر ويثير القلق فيهرب الإنسان إلى الخيال والأوهام وأحلام اليقظة والتمني والتوحد مع الأبطال . ويظهر في أوضح أشكاله في الطفولة ، فالطفل لا يستطيع تحمل الألم الناتج عن فقد والدته فينكر غيابها ويقولانها موجودة في غرفة أخرى أو أنها ستعود غدا أو بعد غد ، أو كوجود خلاف بين طفلين فيؤثران معا نسيان الماضي على أساس إنكار ما حدث للبدء من جديد .

والطفل الذي ينشأ على استخدام الإنكار أسلوبا دائما في حياته يقع فريسة للأمراض النفسية ، أما إذا عود على مواجهة الواقع . بمرارته سلمت نفسيته ، فإذا توفيت أمه مثلا لا نساعده على نكران الواقع بتعليل غيابها بالسفر أو المرض ، بل يبين له معنى الموت والدار الآخرة حتى يتمكن من مواجهة الواقع ، والتعامل معه ، لا الهروب منه ، وما يقال عن الإنكار يقال عن الكبت والنكوص والارتداد .


2- الكبت وهو إبعاد بعض المعلومات المرتبطة بالقلق من الوصول إلى الشعور ، فيلجأ إلى النسيان لواقعة محددة أو يعجز عن التعرف على معارفه أو تنعدم لديه الانفعالات ، أو يصاب بالعجز الجنسي ، والكبت يحتاج إلى مجهود ملحوظ ، فإذا لم يقم بمجهود كاف للنسيان تبدأ المعلومات المكبوتة بالظهور والتعبير عن نفسها بالأحلام وزلات اللسان وشعور غامض بالضيق والذنب.


3- النكوص والارتداد ، إذا اصدم الإنسان بعائق يعوق إشباع دافع لديه ويصعب التغلب على العائق فانه يمر بحالة من الخيبة والإحباط فيعود إلى نمط سابق من السلوك مثل البكاء والتقطيب والتكشير وصمت الاستياء واجتذاب الانتباه والاعتداء المادي والبدني،كالإغراق في أحلام اليقظة ليفرغ فيها ما لم يتيسر له في الواقع ويظفر فيها برغبات لا يستطيع إظهارها أمام الآخرين ، ويكون الفرد أحد بطلين البطل المنتصر الغالب أو البطل المتألم المظلوم . كما يكون النكوص والارتداد في العودة إلى مرحلة عمريه سابقة كالطفل الذي يشعر بمزاحمة أخيه الأصغر في الرعاية فيرجع إلى سلوك سابق كأن يطلب تناول الحليب من الزجاجة كما كان يفعل وهو صغير ، ويرتبط بالنكوص ظاهرة الثبات والجمود على سلوك معين .


4- القمع أو الكظم وهو عملية شعورية ، وفيها يمنع الفرد بإرادته وبإصرار منظم أفكاره أو انفعالاته من أن تعبر عن نفسها ، كمن يمنع غضبه من الظهور عندما يتهجم عليه آخر بالكلام القاسي بسبب الأخطار إلى تلحق به في حالة الرد بالمثل أو بسبب مفاهيمه وقيمه التي يؤمن بها أو بسبب احترامه للآخر . فإذا كان الفرد مقتنعا بصحة ما قام به من كظم الغيظ وأفرغ انفعالاته باتجاه آخر كان يتوضأ عند الغضب للحصول على مرضاة لله والفوز بالجنة بقى محتفظا بسلامته النفسية ، أما إذا كظم غيظه لجبنه وقلة حيلته وهوانه على الناس فسيتأذى نفسيا.وقد جاءت النصوص تمدح الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، قال تعالى (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ) وقال الرسولe ( ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) .


5- التبرير، محاولة إيجاد مبرر لغير المعقول من الأفكار أو المشاعر أو التصرفات ، فهو تفسير للسلوك بأسباب معقولة ومقبولة لدى الناس ، بينما تكون الأسباب الحقيقية انفعالية وغير معقولة ، ويلجأ لها الفرد عندما يفشل في الحصول على أمر كان يتمنى الحصول عليه، والأفراد الذين يعتمدون على التبرير لا يطيقون التفحص الدقيق ويقاومون الأدلة المضادة ويتضايقون إذا ظهرت لهم التناقضات وهي وسيلة لإنهاء النقاش واشهر مثال على ذلك ( العنب الحامض والليمون الحلو ) .وهذا يعود إلى الأنانية وسيادة القيم المادية ، فإذا لم يحصل على ما يريد شعر بالمرارة وسوء الطالع ، فيحاول إقناع نفسه أن عدم حصوله على ما يريد ليس عن عجز منه أو قصور بل لأنه لا يريده فإذا استمر في هذا الأسلوب ، وأغرق فيه وقع في المرض ، وأما الإسلام فقد علم المسلم كيف يعترف بالفشل وان يسعى للحصول على ما يريده إن كان خيرا له قال الرسول e ( احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز ) فان كان شأنا من شؤون الدنيا فليحاول ثلاث مرات فإذا فشل للمرة الثالثة تركه وجرب غيره ، كمن يطلب رزقه بالزراعة فان خسر ثلاث مرات فليتركها وليبحث عن أسلوب آخر كالتجارة أو الصناعة . وان كان شأنا من شؤون الآخرة فعليه أن يسعى طوال عمره مع محاولة الإبداع في الوسائل والأساليب وتجربتها لمعرفة الناجح منها وملازمته .


صحيح أن فشله في الدنيا يسبب له الحزن والأسى والاكتئاب والألم إلا أن تلك المشاعر تبقى في حدود الوضع الطبيعي ولا تسبب أذى للصحة النفسية ، لان الشخص يدرك أن كل خطوة خطاها يكتب له بها الأجر والثواب في الآخرة فلا يشعر بالخسارة الفادحة ، لأنه سيعوض عنه يوم القيامة .


6- التوحد أو التقمص فهو خصيصة كامنة في النفس تمكن صاحبها من الاقتداء بالرسل والأنبياء والصالحين فإذا اقتدى بالرسول e أصحابه رضوان الله عليهم عاش بسلام مع نفسه ، ومن الأمثلة على التوحد والتقمص الأم التي تعيش نجاح ابنها والابن الذي يتقمص صفات أبيه المعجب به ، والبنت التي تتقمص صفات أمها التي تقدرها كثيرا، ويتسنى للفرد حين التقمص أن يشارك في الثواب ويعوض مشاعر النقص ، وقد يؤدى التقمص وظيفة أخرى هي اتقاء الشر بالتوحد مع المعتدي

ا لعلاج

عرفنا أن الاعتقاد بدخول الجن في جسم الإنسان محرم إذ لم يرد دليل قطعي الدلالة قطعي الثبوت على ذلك ، ولكن دلت النصوص على الشيطان له قدرة على إيقاع الأذى بالإنسان ، فقوله تعالى ( الذي بتخبطه الشيطان من المس ) يدل على أن الشيطان له علاقة بصرع الإنسان ، إلا أن الآية لم تبين الكيفية التي يتم بها الصرع ، كما أن حديث الرسول صل الله علية وسلم (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم من العروق ) يدل على سريان وسوسة الشيطان في الجسم ، إضافة إلى الأحاديث التي ذكرت سابقا والتي دلت على دخول ا لشيطان الصدر، وهناك أحاديث دلت على أن الشيطان ترك أثرا وذهب كحديث الطاعون الذي لا يدل على دخول الشيطان ني جسم الإنسان . وكل الذي حدث أن الشيطان ترك أثرا ثم ذهب وبالتالي يجب أن يعالج هذا الأثر تماما كأن يضرب شخص آخر ويسبب له الأذى ، فينصب العلاج على معالجة الأذى أو الأثر الذي تركه الجاني ولا ينصب على وجوده أو عدم وجوده .


إن البحث عن العلاج لهذه الأمراض منه ما يتعلق بالجانب الغيبي ومنه ما يتعلق بالجانب المادي ، فأما ما يتعلق بالجانب الغيبي فلا يجوز الرجوع به إلى غير النص ، ويجب التوقف عند حدود النص فقط ، وبالعودة إلى الأحاديث الواردة عن رسول الله نجد انه لم يضرب إلا الصدر والظهر بيده فقط فلم يستخدم عصا ولا كرباج ، ولم يضرب الأيدي ولا الأرجل ولا الرؤوس ، وطلب من الشيطان الخروج فقط ولم يعين له مكان الخروج ، كما انه لم يجر مفاوضات بينه وبين الشياطين ولا حوار من أي نوع ، ولم يقرأ عليهم القرآن ولم يصرعوا في حضرته ، وها هو رسول ا لله يعلم ابن العاص إذا أحس بالشيطان يوسوس له أن يتفل عن يساره ثلاث مرات ثم يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فلم يأمره بضرب صدره أو بالذهاب إلى من يقرأ له أو يضربه ليخرج شيطانه من قدمه، رغم أن الرسول ضربه في صدره وأمر شيطانه بالخروج ، إن التعامل مع الشياطين بهذه الطريقة خاص برسول الله فقط ، وهو من الأحكام المتعلقة به ، فلم يعرف عن أحد من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين انه أمر شيطانا بالخروج ،أو انه ضرب أحدهم ليخرج شيطانه منه ، أو أن أحدا جاء بمجنون للصحابة ليعالجوه ، لماذا ؟ لأنهم تعلموا على يد رسول الله أن المسلم لا يتصل بعالم الغيب ولا ينبغي له ذلك ، إلا ما يروه في منامهم ، كما حدث مع عائشة رضي الله عنها فقد أمرت بقتل ثعبان رؤى في بيتها ، فجاءها هاتف الجن في نومها وعاتبها على قتلها الثعبان لأنه كان جنا مؤمنا ، فماذا فعلت؟ هل قرأت على الماء وسكبته في زوايا بيتها لتخرج الجن ؟ وهل أشعلت البخور لتطرد الأرواح منه ؟ لم تفعل شيئا من ذلك ، إنما أخرجت دية الجن القتيل وفرقتها على فقراء المسلمين ، فلم تبحث عن الجن لتعطيهم الدية ولم تتصل بأحد منهم لتعتذر منه، أو تطلب السماح أو تعطيه دية القتيل.


ولو كان عمل الرسول - ضرب الصدر والتفل في الفم - هو تكليف للمسلمين وشرح لهم في كيفية معالجة المرض ، لترتب على ذلك أن كل من قام بنفس العمل مع مجنون أو معتوه أو مسحور أو مصروع أشفاه ، ولكن الواقع غير ذلك ، مما يدل على أن عمل الرسول هذا خاص به وهو من دلائل نبوته ، ففي رواية عثمان ابن أبي العاص الذي ضرب رسول الله في صدره وأمر الشيطان أن يخرج منه ، وبعد أن فعل ذلك ، توجه إعمال ابن أبي العاص بالخطاب ، فماذا قال له ؟ لم يأمره بضرب صدره والتكلم مع الشيطان أن اخرج ، وإنما أمره بالتفل عن يساره ثلاث مرات ثم التعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، أي أمره باللجوء إلى الله ليحميه من شر الشيطان . فالتعامل مع المخلوقات الغيبية لا يتم إلا وفى النص ، ولا يوجد نص يأمرنا بضرب الشيطان أو إحراقه أو مفاوضته على الخروج أو سؤاله عن الغيب أو عن أدوية للأمراض إلى آخر الخزعبلات التي تجدها في كثير من الكتب . وإذا كان الجن يحرق من قراءة القرآن عليه ، فكيف يتمكن من سماعه والتدبر به حتى يهتدي ، ألم ينزل الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم ليكون هداية للجن كما هو كتاب هداية للإنس ، فلماذا يحرق الجن لدى سماعه، وكيف تقوم الحجة عليه يوم القيامة إذا كان سماعه للكتاب الذي جاء لهدايته ويحاسب بناء عليه سيكون سببا في إحراقه . ولقد ثبت في ليلة الجن أن الرسول قرأ القرآن على الجن فلم يحرقهم ، وأنهم ذهبوا إعمال أقوامهم وتلوا عليهم القرآن وهم كفار حتى ولم يرد نص على أن القرآن حرقهم .


لقد أدرك المسلمون الأوائل أن ما فعله الرسول من إخراج الشياطين من صدور المرضى إن هي إلا معجزة من معجزته ودليل من دلاك نبوته ، ولهذا أخرجوها في كتب السيرة وخاصة الكتب التي تخصصت في دلائل النبوة . إن المؤمن لا يتعامل مع هذه الأمراض إلا كما أمره الله سبحانه وتعالى ورسوله ، فإما عن طريق الأدعية والرقى الصحيحة الواردة عن رسول الله أو عن طريق التعامل مع الأشياء المادية التي تقع تحت الحس وبالتالي يستطيع العقل الإنساني التعامل معها ، ولما طلب الشرع من الإنسان أن يتعالج أمره بالتعامل مع أشياء تقع تحت حسه وبالتالي يستطيع عقله أن يدركها ، فعند البحث عن العلاج يجب أن يبحث عنه في الأشياء المادية ، التي جعل لها قاعدة تسير عليها وهي قاعدة ربط الأسباب بالمسببات ، وهي أمور تخضع للملاحظة والتجربة والاستنباط والاستنتاج وتبنى على أسس واضحة ويستطيع أي إنسان أن يتعلمها ويتعامل معها ، والأمور الطبية وعلاج الأمراض هو شأن دنيوي تركه الإسلام لخبرة الإنسان وتجربته في الحياة وهو من قبيل قول الرسول ( انتم اعلم بأمر دنياكم )[،

ومن خلال البحث والتجربة والخبرة وجد أن علاج الأمراض النفسية والعقلية يقع ضمن قسمين كبيرين هما الطب الوقائي والطب العلاجي .

يتم العلاج عن طريقين العلاج النفسي والعلاج العضوي
[/COLOR

العلاج النفسي

يعتبر العلاج بالرقى والأدعية والآيات القرآنية نوع من العلاج النفسي ، وهذا العلاج يتوقف على درجة قناعة المريض والمعالج بجدوى العلاج ، فالمريض المسلم والمعالج المسلم اللذان يؤمنان بان هذه الرقى أو هذه الآية فيها الشفاء فان المريض يشفى ، ومن الرقى المعروفة عن رسول الله (اللهم رب الناس مذهب البأس ، اشف أنت الشافي ، لا شافي إلا أنت شفاء لا يغادر سقما)، وفي صحيح مسلم أن جبريل عليه السلام رقى النبي بقوله (بسم الله يبريك ومن كل داء يشفيك ومن شر حاسد إذا حسد وشر كل ذي عين )، وعن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله إذا مرض أحد من أهله نفث بالمعوذتين فلما مرض مرضه الذي مات فيه جعلت انفث عليه وامسحه بيد نفسه لأنها كانت اعظم بركة من يدي)، وعن عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه انه شكا إعمال رسول الله فقال له : ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل (بسم الله ) ثلاثا وقل سبع مرات : أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر )


ومن هذا القبيل الأحاديث الواردة عن رسول الله eفي إخراج الشياطين من الصدور ، فهي عبارة عن علاج نفسي يتم فيه إزالة أسباب الوسوسة الشيطانية التي يوسوسها الشيطان في الصدر ، قد يقول قائل إن الشيخ عندما يقرأ على المريض يصرع المريض وتجد شيطانا يتحدث على لسانه ويعترف بأنه جنى وإنه دخل إعمال جسم المريض عن طريق سحر أو عن طريق انتقام أو هوى . . . .آلخ


إن القرآن الكريم الذي قرأ على المريض لا علاقة له بالصرع لان المريض يصرع إذا وضع في حالة نفسية تهيؤه لذلك ، ولذلك يصرع المرضى الذين لديهم القابلية للإيحاء بقراءة القرآن أو بقراءة الإنجيل أو بتعويذات شرعية أو شيطانية ، ولو كان الشيطان يحترق من قراءة الآيات القرآنية كما يزعمون ، وبالتالي يصاب المركوب بالصرع ،فلماذا يصرع مرضى النصارى مثلا بالإنجيل ومرضى اليهود بالتوراة ومرضى الهنود بكتاب بوذا . . .


إن الذي يتحدث على لسان المصروع هو المصروع نفسه يستمد حديثه من الأوهام التي زرعت في ذاكرته نتيجة لما سمعه في الماضي من قصص وخرافات عن ركوب الجن للإنسان . ويستطيع المعالج أن يسحب هذا الوهم من عقل المريض إما بتلاوة القران كما يفعل البعض فانهم يوهمون المريض بان في أجسامهم جنيا وانهم يسحبونه الان وانه خرج منهم وهكذا حتى يعتقد المريض أن الجني قد خرج وما هو بجني وإنما وهمه القابع في ذاكرته وفى عقله ، فلما خرج الوهم استراح المريض وشفي ، وقد يشفى المريض بقراءة أشياء أخرى غير القرآن ، وهذا يعتمد على عقيدة المريض والمعالج .


وقد يتم العلاج عن طريق التنويم المغناطيسي الذي يقوم على الإيحاء للمريض بان مرضه زال وانه شفي تماما وانه الان طبيعي لا يوجد به مرض ولا علة وهكذا حتى يقتنع المريض أن علته أو وهمه زال إعمال غير رجعة .


أن النصارى أو اليهود الذين يؤمنون بالرقى الواردة في الإنجيل والتوراة وبجدوى العلاج بها فانهم يشفون ، وحتى العرب المشركون كانوا يستخدمون الرقى المفيدة ، ومنها رقية الحية والنملة والأذن ، وقد اقر الإسلام الرقى التي توارثها الناس من الجاهلية أو التي توارثها النصارى أو اليهود بشرط إن لا يكون فيها كفر أو شرك . اخرج مسلم في صحيحه عن أبي سفيان عن جابر قال : نهى رسول الله عن الرقى فجاء آل عمرو بن حزم إعمال رسول الله فقالوا يا رسول الله انه كان عندنا رقية نرقى بها من العقرب وانك نهيت عن الرقى : قال فعرضوها عليه فقال : ما أرى باسا ، من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل) وفي مسلم أيضا عن ابن جبير عن أبيه عن عوف بن مالك الاشجعي قال : كنا نرقى في الجاهلية فقلنا يا رسول الله كيف ترى في ذلك ؟ فقال اعرضوا علي رقاكم لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك ، وروى مسلم في صحيحه عن انس رضي الله عنه قال : رخص رسول الله في الرقية من العين والحمة والنملة) ،وفي الموطأ أن أبا بكر قال لليهودية التي كانت ترقى عائشة ارقيها بكتاب الله ، أي ارقيها بما ورد في كتاب التوراة لأنه هو كتاب الله الذي تعرفه اليهودية .


واقرار الرسول بعض الرقى المعروفة عن أهل الكتاب والجاهلية يعنى أن علاج المرض هو من قبيل العلوم الدنيوية كالزراعة والصناعة وغيرها من العلوم التي يرجع فيها إعمال التجربة والخبرة البشرية وهي من قبيل قول الرسول (انتم اعلم بأمر دنياكم ) فعلاج الأمراض النفسية والعقلية ومنها الأمراض التي ترد إعمال السحر وكذا الأمراض العضوية يرجع في علاجها إعمال التجربة والخبرة فما قرره العلماء بان هذا مفيد يؤخذ ويعمل به ،


وقد قرر أطباء الأمراض النفسية والعقلية أن هناك علاجا نفسيا يفيد في كثير من الاحيان.

يتم العلاج النفسي في أي مرحلة من مراحل العلاج للمرض النفسي ، كأن يكون المرض في أول مراحله و لم يصل إلى إحداث خلل مادي أو عضوي في العضو ، أو يكون في المراحل النهائية للمرض بعد أن تم علاج العضو المصاب فيحتاج المريض بعد ذلك إلى إعادة بناء شخصيته .

وهناك ثلاث استراتيجيات للعلاج النفسي

أ - العلاج بالتحليل النفسي القائم على الإرشاد والتوجيه ورفع الروح المعنوية وتبصير المريض بأسباب مرضه ومساعدته على بناء شخصيته .

2- العلاج المتمركز حول ( المريض ) القائم على الانغماس العميق في المريض وفي مشاعره ويحرص المعالج على الاتصال بالمريض بطريقة تزيد من نموه ومن قدرته على التوافق .


3- العلاج السلوكي ويتخذ المعالج دورا منهجيا علميا غير مشخص ، وهو يعرض المريض للظروف الصحية لكي يتخلى عما سبق تعلمه من سلوك غير صحيح .


وان الواقع يؤكد أن كثيرا من الحالات التي تم علاجها عند المعالجين بالقرآن والأدعية والرقى قد تم علاج حالات مشابهة لها واكثر شدة منها عند أطباء النفس .منها حالات الضعف الجنسي أو العقد عن النساء ، فقد عقد شاب عن زوجته مدة شهر فلجأ إعمال الشيوخ فقرؤوا عليه القرآن لمده شهر واستجاب للعلاج وشفي والحمد لله .


وحالة شاب آخر استمر ربطه عن زوجته مدة ستة اشهر وذهب إلى كثير من المشايخ الذين يعالجون بالقرآن فشفي عند آخرهم بعد مضي ستة اشهر، وحالة شاب آخر طرق أبواب المشايخ كثيرا بإلحاح من أهله وأهل زوجته لكنه لم يشفى عند أحد منهم ، وبقي على حاله مدة سنتين حتى دله أحدهم على طبيب نفسي ، فراجع المريض الطبيب لمدة ثلاثة شهور هو وزوجته واستجاب للعلاج وشفي والحمد لله.


وحالة امرأة كانت تمنع زوجها من إتيانها واستمرت على هذا الحال سنة ونصف كانت خلالها تراجع كثيرا من المشايخ للعلاج فكانوا يقرءون عليها القرآن ن ويصفون لها علاجا من العسل وبعض الأخلاط ، وكلما قرا عليها الشيخ القرآن شعرت بخدر في أصابعها وإذا رجعت إعمال البيت أصابتها هلوسة إذ كانت ترى كائنات دقيقة بيضاء تسير على يديها، وتسمع أصواتا من مكان سحيق تناديها ، فتشعر بالخوف والرعب الشديد، فتقرأ المعوذات وآية الكرسي فيذهب عنها ما تجد من هلوسة ، وفى أحد الأيام لكثرة ما أتعبتها الهلوسة وبالذات سماع الأصوات القادمة من مكان بعيد قالت بصوت عال : أنا ادري انك أيتها الأصوات أصوات شياطين ، وأنا لا أخافك ولا أرهبك ، نادي كما شئت ، فانتم معشر الشياطين تخافوننا اكثر مما نخافكم، وأخذت كتابا وجعلت تقرأ فيه ، فذهبت الأصوات ومن يومها لم ترجع و لم تصبها الهلوسة ، وطبعا لم تستفد من القراءة أو العسل، فقررت الذهاب إعمال طبيب نفسي فعالجها بعد أن استمرت بالتردد عليه مدة أربعة شهور.


وحالة امرأة أخرى أصيبت بالربط ، فأشار الناس عليها بالذهاب إلى المشعوذين والحجابين، وذكروا لها حالات كثيرة نجحوا في علاجه، فذهبت لهم وطالت رحلة العلاج، ذهبت إلى أحدهم فقال لها انك مسحورة ، والسحر سكب في الشارع أمام بيتك وقد تخطيته وأنت ذاهبة إلى المحكمة الشرعية لكتب الكتاب ، فقالت له ما العمل، قال سأعمل لك حجابا تضعيه تحت الوسادة ، ولما عادت إلى البيت وضعت الحجاب تحت الوسادة ونفذت ما قاله الحجاب إلا أن شيئا لم يتغير، ثم ذهبت إلى آخر فأذاب رصاصا وسكبه فظهرت عين فقال لها انك معونة ، ووصف لها علاجا إلا انه لم يجدي نفعا ،ثم ذهبت إعمال شيخة تقرأ القرآن فقالت لها إن حالتك ميؤوس منها ، وانك ستطلقين من زوجك ، ثم أشاروا عليها بالذهاب إلى أحد الشيوخ الصوفيين وهو مبارك وقد شفي على يديه الكثيرين فلما ذهبت إليه في موعد درسه في المسجد جلست تنتظره حتى ينتهي من الدرس، ولكنها رفضت العلاج عنده فكيف يشفي بالقرآن من هو اجهل الناس بالقران ، لقد كان درسه في تفسير القران مضحكا وساذجا وفيه كثير من الخزعبلات والخرافات ، فقررت عدم طلب العلاج عند أحد ، وظلت تقرأ القران على الماء وتشربه وتغتسل به إلا أن ذلك لم يفدها أبدا ، وبعد مرور سنتين على هذا الحال ، أشار أحدهم على زوجها أن يذهب إلى طبيب نفسي وفعلا استمرت بمراجعة الطبيب هي وزوجها لمدة أربعة شهور فشفيت .


إذا رجعت إلى كتب المشعوذين تجد انهم يفسرون سحر الربط بان هناك شيطانا يدخل في الجسم ويتمركز في مخ الرجل ، وبالتحديد في مركز الإثارة الجنسية الذي يرسل الإشارات إعمال الأعضاء التناسلية ثم يترك الأعضاء التناسلية تعمل طبيعية فإذا اقترب الإنسان من زوجته وأراد معاشرتها عطل الشيطان مركز الاثاره الجنسية في المخ فتتوقف الإشارات المرسلة إلى الأجهزة التي تضخ الدم في القضيب فيرتخي وينكمش )انظر إلى قوله يتمركز الشيطان في مخ الرجل ، ما إدراك أن الشيطان يدخل إلى هناك ؟ هل من دليل مادي أو عقلي أو نقلي ؟ إن ما تحدث به الكاتب إلى غيبي لا يقع تحت إدراك العقل وبالتالي لا يوجد دليل عقلي أو مادي أو علمي عليه ، فيحتاج إعمال دليل نقلي ، ولا يوجد مثل هذا الدليل ، فكلامه غير صحيح ، بل إن الدليل النقلي يكذب أقوال الكاتب، فقد ربط رسول الله عن نسائه ومع ذلك لم يدخل شيطانا في مخه ولم يتمركز في إحساسه. فليس صحيحا أن الشيطان يدخل إعمال جسم المربوط عن طريق السحر وان الساحر يسلط الشيطان على دخول الجسم والتحكم في شهوته.


ولا يتوقف الأمر عند الربط وإنما في قضايا أخرى بعض المرضى يجدون العلاج عند الشيخ وبعضهم لا يجده إلا عند الطبيب النفسي ، وهذا يعود للمريض وللمرض نفسه فهناك أمراض يتوقف علاجها على ثقافة الإنسان وإيمانه ، كما يتوقف على مدى قناعته بالمعالج نفسه أو الخبير أو الطبيب فقد يشفى على يد شيخ ولا يشفى على يد آخر بالرغم من أن طريقه العلاج التي يستخدمانها واحدة ، وربما يشفى المريض عند طبيب ولا يشفى عند آخر .