أصدر مشروع "كلمة" للترجمة التابع لهيئة أبوظبى للسياحة والثقافة الترجمة العربية كتابا بعنوان "حوارات مع ليوكو" للشاعر والروائى الإيطالى الراحل تشيزرى بافيزى، ونقله للعربية موسى الخميسى.

ويعتبر تشيزرى بافيزى أحد أبرز الشعراء الإيطاليين المعاصرين، لتأثيره البارز على حركة الشعر الحديث الذى يعده بعضهم خلاصة لكافة الحركات التى سبقته، وطليعة متميّزة لمن أتوا بعده، فقد صيّر بافيزى فكرة الموت، فى كلّ نتاجاته الروائية والشعرية، معادلاً للحياة، عاكساً من خلالها سؤال الوجود المؤرق للإنسان. ظلّ بافيزى متوارياً وراء قصيدته، يتفيأ تحت ظلّ الموت الذى يرتقبه ويحاوره ويحمله، حتى لحظة المواجهة الفاجعة مع الموت فى 1950 مفجّراً بذلك نبتة الموت الكامنة فيه.

واتّسم شعر بافيزى بالغنائية الحزينة التى تقوم على مزيج من الإيقاع خارجى متمثّل ببناء الحكاية وأسلوب عرضها، وداخلى متجلّ فى صوت العاطفة المفجع. كما تتّصف معظم قصائد الشاعر بالقصصية، ولو أنها تنزع فى الغالب نحو الخلاص وتتبّع أسلوب الحكواتى السردى الذى يصاحبه الحوار والترميز.

هذا الكتاب الذى نُشر لأولّ مرة عام 1947، ثم أُعيد نشره فى العديد من المناسبات، اعتبره صاحبه أهم عمل يغوص فى عمق الأسطورة، ليفكّ رموزها الساحرة.

يتألّف من خمسة وعشرين حواراً، اتسمت لغتها بالسلاسة والوضوح، فقد رسمت حالة من الإحساس بالحدث يدعو إلى التفكير والتأمل. حيث تبحر حواراته فى أعماق الميثولوجيا والأساطير اليونانية القديمة، من أوديب وتيريزى إلى كاليبزبو وأوديسيوس، ولاروس وثانتوس، إلى أخيل وبيتروكلس... إلخ. إنها حوارات متوهجة تأتى بمثابة الدعوة الشعرية لمناقشة العلاقة بين الإنسان والطبيعة، الإنسان ومصيره.

ويغوص الشاعر من خلال هذه الحوارات التى كتبها بلغة مبسّطة، مناجية حياة الإنسان المعاصر، فى أسرار الموت والحياة، أسرار الألم والمعاناة، والحزن والفرح، معينه فى ذلك الأسطورة القديمة.

وموضوعات الكتاب متعدّدة بتعدّد الحوارات، حملت عناوين رموز الأساطير اليونانية القديمة: الحياة، الموت، الحبّ، الفناء، الفضيلة، الوفاء، الصداقة، الحنين، الانكسار، الضعف، الخيانة، التضحية... إلخ، كلها غايات مثلى متباينة فى كل العصور التى عاشها الإنسان، إن بلوغ كل منها يحتل منطقة واقعة بين اللحظة، الحياة، المستقبل، النهاية.

ويوضح المترجم أن المؤلف سعى عبر تلك الحوارات إلى رسم الغايات المثلى للزمن الذى يحيا فيه الإنسان، موقناً أنه من غير الممكن إطلاقاً بلوغ الجميع تلك الغايات. ففى كل حوار من هذه الحوارات هناك محاولة للعثور على أسرار مّا للفكرة، وليس من الصعب على القارئ سبر أغوار ما أراد الشاعر بافيزى كشفه، فهى حالة مكاشفة، ترتقب من الإنسان أن ينضج ويتنوّر روحياً، وهذا يستلزم أن يمتلك إيماناً قوياً بروحه.

وأن الكتاب سَفرٌ نحو العوالم الداخلية، يؤمن فيه الشاعر أن كل رحلة تنتهى بالعودة، ما يعنى أن الأدب الحقيقى لم يفقد وظيفته العظيمة على الإطلاق. هذه الرحلات (الحوارات) ما هى إلا أسفار رمزية، تؤكد حقيقة الإنسان الذى متى وجد نفسه فهو يستأنف البحث عن روحه، لهذا يستبطن "حوارات مع ليوكو" مغزى حقيقياً لدور الإنسان فى الحياة، ينحصر فى السعى من أجل إغناء الروح، وإذا استطاع أحدهم بلوغ هذا الزمن الفاصل بين الميلاد والموت، على عسره، يكون وقتها قد قدم فائدة مّا إلى الإنسانية.

من أجل جعل نتاج هذا المبدع، الذى وضع بصماته الإبداعية على مسيرة الشعر الإيطالى المعاصر، مفتوحاً على لغتنا العربية، أنجز المترجم هذه الترجمة بعد معايشة حميمة لهذه النصوص. لم يتوان فيها عن اللجوء إلى الترجمة الحرفية فى أحيان رأى أنها لا تضر بالنص المنقول، كما حرص من جانب آخر على اختيار المفردات الأكثر قدرة على استنطاق روح النص، من أجل تقديم العمل بكل تفاصيله الصغيرة بعيداً عن الحرفية.

ومؤلّف الكتاب هو الشاعر والروائى الإيطالى تشيزَرى بافيزى (1908-1950م)، أحد أعلام المدرسة الأدبية الإيطالية المعاصرة. تصنّف أعماله ضمن الكتابات الوجودية لما فيها من طابع المكابدة والحيرة. عدّ الشاعر بافيزى الأسطورة معينه المفضّل الذى يستقى منه إبداعه، وربما تلك السمة البارزة التى ميزته عن جلّ مجايليه، له عدة أعمال منشورة نثرية وشعرية منها: "الشيطان على الهضاب" و"السجن".

أما مترجم الكتاب موسى الخميسى فهو من مواليد بغداد 1947. صحفى وكاتب وفنان مقيم فى إيطاليا متخصص فى النقد التشكيلى والفنى. له أعمال منشورة منها: كتاب "الموجة الثالثة فى السينما الواقعية الإيطالية"، وكتاب "تشكيليون عراقيون على خرائط المنفى".